سقوط حكومة برودي اليسارية قبل أسابيع وتحديد 13 و14 من شهر أبريل القادم كموعد لانتخابات سياسية جديدة، عجل بدخول الأحزاب السياسية الإيطالية من جديد في حملات دعائية شرسة، لاستقطاب أصوات الناخبين الذين أصبحوا يلقبون سياسييهم ب«كورّوتي» (الفاسدين) ويجدون بالتالي صعوبة في تحديد الحزب القادر على الدفاع عن حقوقهم. بين هذا وذاك يجد بعض مغاربة إيطاليا أنفسهم مضطرين إلى الاطلاع على تفاصيل المشهد السياسي الإيطالي الحالي، في حين أن آخرين ممن حصلوا على الجنسية الإيطالية يحاولون الدخول إليها من بابها الواسع لينخرطوا في أحزاب مناهضة للأجانب وللمهاجرين بصفة عامة. المشهد الإيطالي ما إن سقطت حكومة برودي حتى كشفت جميع الأحزاب السياسية الإيطالية عن وجهها الحقيقي وعن نواياها السياسية، لتدخل بعضها، سواء اليسارية أو اليمينية منها، في صراعات على مستوى التجمعات المنتمية إليها محدثة فيها انشقاقات وتصدعات تنبئ بخريطة سياسية جديدة بإيطاليا. فعلى مستوى التجمع اليميني فإن إصرار سيلفيو برلسكوني على إملاء شروطه على الأحزاب اليمينية المشكلة لما يسمى بتجمع «بيت الحرية» أحدث انشقاقا كبيرا في ما بينها إلى حد أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة بيير فيرديناندو كزيني قرر دخول انتخابات 13 و14 من شهر أبريل المقبل لوحده بعيدا عن التحالفات اليمينية التي يحاول برلسكوني تشكيلها في إطار ما أطلق عليه: «حزب الشعب». فكزيني المعروف باعتداله وبسياساته الحكيمة، رفض عرض برلسكوني للانضمام إلى تحالفه الجديد «حزب الشعب» لسببين أساسيين، أولهما رغبته في إظهار أن حزبه «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» يبقى حزبا يتمتع بهوية مستقلة ولا ينصاع إلى أوامر أحد، وثانيهما يعود إلى رفضه للسياسة المتبعة من طرف حزب فورتسا إيطاليا الذي يتزعمه برلسكوني. فقد انتقد هذا الزعيم اليميني المعتدل وفي مناسبات عديدة سيلفيو برلسكوني متهما سياسته بالدعائية وباستغلالها وضعية الإيطاليين وأزماتهم لحشد الشعبية لصالح حزب فورتسا إيطاليا، مبرزا في الوقت نفسه أن برلسكوني يحاول تشكيل تحالفه الجديد من خلال شراء ذمة بعض الأحزاب اليمينية، مثل حزب التحالف الوطني بزعامة جان فرانكو فيني وحزب عصبة الشمال بزعامة أمبيرتو بوسي وأحزاب يمينية متطرفة وصغيرة مثل حزب الحركة الشعبية بزعامة حفيدة بنيتو مسوليني أليسندرا مسوليني. رد برلسكوني على هذه الاتهامات جاء سريعا وزاد الطين بلة وخلق مزيدا من التوتر بينه وبين كزيني، فقد وصف حليفه السابق حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بالحزب غير المؤثر في قوة التحالف اليمني وأن انضمامه إليه لا يغني ولا يسمن من جوع، مؤكدا أنه سيبلغ أهدافه المرجوة في هذه الانتخابات بهذا الحزب أو بغيره. لغة الصراع نفسها طالت كذلك اليسار الإيطالي الذي أصبح يتزعمه فالتر فلتروني زعيم الحزب الديمقراطي، هذا الأخير الذي رفض أن تنضم إلى تجمعه أحزاب اليسار الراديكالي مثل النهضة الشيوعية والشيوعيين الإيطاليين بزعامة فاوستو بيرتينوتي وأوليفييرو ديلبيرتو، بعد أن اعتبرهما حزبين يشكلان عقبة أمام وحدة الصف باليسار الإيطالي. فقد اتهمهما بتشتيت قوى الأحزاب المشكلة لحكومة برودي وبالوقوف سدا منيعا أمام مشاريعها لتسيير شؤون البلاد، مؤكدا أن انضمامهما إلى تحالفه سيخلق مشاكل كبيرة له وللأحزاب المتضامنة معه، ففلتروني الذي يتمتع بحنكة سياسية كبيرة يحاول جاهدا الاستفادة من أخطائه وأخطاء السياسيين الآخرين، حيث عاين وعن قرب كيف أن حكومة برودي كانت مشلولة وغير قادرة على التحرك خطوة واحدة إلى الأمام لإصدار قوانين جديدة تمكنها من إيجاد حلول للمشاكل التي تتخبط فيها إيطاليا، والسبب كان في رأيه يعود إلى الأحزاب التي أسماها بالصغيرة التي كانت تعرقل كل المشاريع الحكومية، لهذا فهو في حملته الانتخابية قرر الدخول في مواجهة مع اليمين الإيطالي، معتمدا على أحزاب وسط اليسار الإيطالي وعلى استراتيجية دعائية جديدة تشبه إلى حد كبير الإستراتيجية التي يعتمدها غريمه الجديد سيلفيو برلسكوني، فهو مثل هذا الأخير يعد الإيطاليين بالتخفيض من قيمة الضرائب وبإيجاد فرص الشغل وبإخراج إيطاليا من وحل الأزمة الاقتصادية الذي جعل مسيرتها أكثر بطئا من الدول الأوربية الأخرى. لهذا فمن المتوقع أن تشهد إيطاليا صراعا شرسا بين فلتروني وبرلسكوني من جهة وبين هذين الأخيرين وبعض الأحزاب المنتمية إلى تياريهما السياسيين. المغاربة والسياسة الإيطالية بطبيعة الحال، السياسة الإيطالية تشغل كذلك بال بعض مغاربة إيطاليا، الذين يتتبعون تفاصيلها باهتمام بالغ، إما لرغبة في معرفة تأثيرها على القرارات المتعلقة بموضوع الهجرة، أو لفهم قواعد اللعبة للدخول إليها من بابها الواسع. فإذا كان غالبية مغاربة إيطاليا خصوصا أولئك الذين لا يحتكمون على رخص الإقامة لا يهمهم من المشهد السياسي الإيطالي إلا موضوع رخص الإقامة وقوانين تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، فإن الآخرين، الذين يمثلون الأقلية ويحتكمون على الجنسية الإيطالية، يستعدون لدخول غمار تجربة أو مغامرة سياسية مع بعض الأحزاب اليمينية لإبراز أن للمغاربة رغبة في الاندماج ليس فقط من خلال التفاعل مع المجتمع الإيطالي بل حتى عن طريق الدخول إلى عالم السياسة فيه. فقد علمت «المساء» أن المغربية سعاد السباعي، وهي رئيسة كونفدرالية مغاربة إيطاليا ومستشارة بالمجلس الاستشاري الإسلامي التابع لوزارة الداخلية، قد توصلت بدعوة من مسؤولين بحزب فورتسا إيطاليا الذي يتزعمه سيلفيو برلسكوني، للترشح للانتخابات السياسية المقبلة تحت رايته، حيث من المنتظر أن تتلقى سعاد مساندة قوية من هذا الحزب ومن مناصريه بمدينة روما للظفر بمقعد بالبرلمان الإيطالي. اختيار أقوى حزب يميني بإيطاليا لهذه الناشطة الجمعوية لم يأت من فراغ فهو سيحاول الاستفادة من اسمها ومكانتها بروما وبإيطاليا كمدافعة عن حقوق النساء العربيات المسلمات لكسب مزيد من الأصوات والمقاعد في الانتخابات المقبلة وفي البرلمان الإيطالي، ولإظهار أنه حزب يستوعب الآخر وله القدرة على إيجاد حلول لتدفق المهاجرين على إيطاليا ولمشكل اندماج هذه الفئة داخل نسيج المجتمع، من خلال الاعتماد على إيطاليين من أصول أجنبية. المغربي الثاني الذي علمت «المساء» بموضوع ترشيحه للانتخابات السياسية الإيطالية للحصول على مقعد بمجلس الشيوخ الإيطالي، وهو زكريا نجيب (50 سنة) يقيم بنواحي مدينة بادوفا، سيدخل غمار هذه التجربة حاملا أعلام حزب عصبة الشمال المتطرف والمناهض للمهاجرين وللإسلام والمسلمين، فهو رغم عدم حنكته السياسية وإلمامه بتفاصيلها، إلا أن المسؤولين عن حزب عصبة الشمال سيستغلونه لا محالة في حملتهم الدعائية لجلب مزيد من الأصوات ليؤكدوا لمناصريهم وأتباعهم أن مناهضتهم للمهاجرين والأجانب ليست عنصرية منهم بل حلا لإخراج إيطاليا من أزمتها الاقتصادية وللدفاع عن ثقافة الإيطاليين مما يسمونه بالهجوم الأجنبي والإسلامي. فزكريا نجيب اكتسب شهرة كبيرة بجهة الفينيتو، بعد أن طالب في رسالة إلى رئيس الجمهورية الإيطالية جورجيو نابوليتانو بسحب الجنسية الإيطالية منه لأنها وحسب قوله لم تمنحه إلا الواجبات ودفع الضرائب للسلطات الإيطالية خلافا للسابق عندما كان لا يحتكم عليها. وقال أثناء تجمع لحزب عصبة الشمال بجهة الفينيتو: «الأجانب يتم منحهم المنازل بالمجان، وأنا أقوم بتأدية الضرائب لأجد صعوبة في إكمال الشهر... لهذا فأنا لا أرغب في هذه الجنسية». ردود فعل الجالية المغربية على ترشيح أبناء جلدتهم للانتخابات السياسية الإيطالية مع أحزاب يمينية كانت تتراوح بين مؤيد ومعارض له، فالمؤيدون يعتبرون أن وصول مغاربة إلى البرلمان الإيطالي حتى تحت راية الفاشيين يبقى ربحا للجالية، في حين أن المعارضين يعتبرون أن المغاربة المرشحين سيلعبون في هذه الانتخابات فقط دور «الكومبارس» ليتم استغلالهم حسب شروط اللعبة السياسية على أن يتم التخلي عنهم بمجرد إسدال الستارة على خشبة المسرح الانتخابي الذي تعيش إيطاليا على وقعه. فشل اليسار وانشقاق اليمين بكل تأكيد فإن فشل اليسار الإيطالي في مهمته الحكومية والانشقاق الواضح في صف اليمين الإيطالي، خلقا نوعا من الحيرة والترقب لدى غالبية الناخبين الإيطاليين، الذين من المنتظر أن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع في 13 و14 من شهر أبريل المقبل لاختيار من سيشرف على تسيير شؤون إيطاليا، فالشارع الإيطالي وبعد سقوط برودي ومعه رموز من اليسار الإيطالي مثل داليما وروتيللي وبيرتينوتي وغيرهم أصبح يشكك في قدرة اليسار الإيطالي على تسيير شؤون البلاد وأصبح بالتالي يطالب بيسار جديد قادر على تحديات المستقبل وعلى التفاعل مع التغييرات التي يشهدها العالم. نفس النبرة المتشائمة عبر عنها الإيطاليون حتى عند حديثهم عن التحالف اليميني أو عن برلسكوني، ليؤكدوا أن هذا الأخير أثناء تسييره للحكومة اليمينية السابقة، لم يتمكن من تحقيق ما وعد به الناخبين الإيطاليين أثناء حملاته الدعائية التي كان يستعمل فيها قنواته التلفزية ضمن شركته «ميديا سات». كان الإيطاليون في كل مرة يدخلون في حديث في ما بينهم في المقاهي والشارع وحتى في أماكن الشغل يجدون أنفسهم يتحدثون عن الأوضاع السياسية الإيطالية وما ستسفر عنه الانتخابات المقبلة. فالكل كان ينتقد يمينا وشمالا الأحزاب اليسارية واليمينية، برلسكوني وبرودي وفلتروني، ومعهم حتى غاريبالدي الذي وحد إيطاليا، ليعتبروا أن كل من يعمل في السياسة يبقى شخصا «فاسدا» ليرددوا كلمة «كورّوتي» (فاسدين) نسبة إلى السياسيين الإيطاليين. فقد سمعت إيطالية في الخمسينيات من عمرها في إحدى مقاهي مدينة ميلانو وهي تتحدث إلى صديق لها قائلة: «بكل صراحة فأنا لن أمنح صوتي لا لليسار ولا لليمين فكلهم فاسدون، فبفضلهم وبفضل وعودهم الكاذبة وصلنا إلى هذا المستوى وأصبحنا نعاني يوميا من الأزمة الاقتصادية... فأنا أصبحت غير قادرة على إكمال الشهر بدون أن أقترض مبلغا ماليا لشراء أبسط الأغراض... لا، ثم ألف لا، للتوجه إلى صناديق الاقتراع...»، في حديث آخر بين إيطاليين بقاعة الانتظار بمستشفى مدينة نوفارا (50 كلم غرب ميلانو) كان الكل يعبر عن خيبة أمله من المشهد السياسي الإيطالي ومن الأوضاع التي تعيشها إيطاليا، فرغم أن قاعة الانتظار كانت فسيحة إلا أن هذا الأمر لم يمنع المتواجدين بها من الإيطاليين من الدخول وبشكل جماعي في حوار بخصوص السياسة الإيطالية، فقد قال أحدهم وهو رجل مسن في السبعينيات من عمره وبغضب وحزم كبيرين: «أنا وبكل فخر يساري ولي إيمان قوي بأن الإيديولوجية اليسارية هي الحل الأمثل لجميع الأزمات، لكن هذا الأمر لا يمنعني من أنني أصبحت اليوم أخجل بشكل كبير من القول أنني أنتمي إلى اليسار الإيطالي الذي فقد كل مبادئه وأصبح سياسيوه جد مرتبكين ولا قدرة لهم على توحيد الصف، لهذا فأنا جد حائر بخصوص من سأمنحه صوتي في الانتخابات المقبلة...».