وجدت عدد من الأحزاب الإيطالية في الإسلام وكرة القدم والهجرة مواضيع دسمة للقيام بحملاتها الدعائية للانتخابات السياسية المبرمجة في 13 و14 من شهر أبريل القادم. فإذا كان حزب التحالف الوطني اليميني قد أظهر رغبته في فتح صفحة جديدة وإيجابية مع الإسلام بترشيحه إيطالية من أصل مغربي للمنافسة على مقعد بمجلس الشيوخ الإيطالي، فإن حزب عصبة الشمال المتطرف يظهر مرة أخرى استغلاله لكلمة إسلام لكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة، حيث إن قادته يستعدون للدخول في لعبة شد الحبل مع الجالية الإسلامية لعرقلة بعض مشاريعها في بناء مساجد ومراكز ومدارس إسلامية. الحزب الديمقراطي اليساري من خلال وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما وحزب فورتسا إيطاليا أو حزب الشعب الذي يتزعمه رئيس المعارضة الإيطالية سيلفيو برلسكوني وجدا في كرة القدم ضالتهما. يستغل السياسيون الإيطاليون، في حملاتهم الدعائية للانتخابات المقبلة، أي شيء يمكّنهم من كسب مزيد من الأصوات وتحقيق فوز على حساب منافسيهم. فهؤلاء السياسيون بجميع مشاربهم وإيديولوجياتهم يحترمون ويطبقون بشكل كبير فلسفة «لا أخلاق في السياسة» التي أسسها مواطنهم نيكولو ماكيافيلي قبل خمسة قرون، فهم إذا كانوا في السابق قد لعبوا على أوتار الأزمات الاقتصادية وعلى بعض المشاكل الاجتماعية لإقناع ناخبيهم بتصوراتهم، فهم اليوم أصبحوا يعتمدون على مواضيع أخرى مثل الهجرة والإسلام للوصول إلى نفس الأهداف. الخطاب المعادي قد عودنا اليمينيون الإيطاليون المتشددون، قبيل أية انتخابات سياسية، على مهاجمة أي شيء له علاقة بالإسلام، مثل حزب عصبة الشمال الذي استغل سياسيوه أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحادي عشر من مارس وأحداثا منسوبة لمتطرفين إسلاميين ضلوع فيها، ليظهروا أمام الإيطاليين بمظهر المدافع عن القيم المسيحية والثقافة الإيطالية، حيث تمكنوا بفضل تخويفهم من الإسلام والمسلمين من الوصول صحبة برلسكوني إلى سدة الحكم وتسيير البلاد لخمس سنوات قبل وصول اليسار الإيطالي بزعامة برودي إلى بلاتسو كيدجي (مقر الحكومة الإيطالية). بوادر استغلال هذا الخطاب المعادي للإسلام بدأت راياته تلوح من جديد وعلى بعد شهر واحد من موعد الاقتراع، حيث قرع حزب عصبة الشمال وأحزاب يمينية فاشية ومتطرفة طبول الحرب والمعاداة للإسلام وللأجانب القادمين من دول الجنوب، واضعين في برامجهم السياسية وعودا بتطبيق قوانين وتدابير صارمة في حالة وصولهم إلى مراكز القرار، يؤكدون أنها ستحول دون انتشار الإسلام والمسلمين بإيطاليا وستحد بالتالي من تدفق المهاجرين على الأراضي الإيطالية. فهذا الحزب المعروف بمواقف قادته المتشددة وبمشروعه السياسي الداعي إلى تمتيع أقاليم الشمال الإيطالي باستقلال ذاتي في إطار ما يسمى ب«بادانيا الكبرى»، دخل في مواجهات كبيرة مع المسلمين داخل وخارج إيطاليا، حيث قام سابقا أحد قادتها، بروبيرتو كالديرولي وروبيرتو كاستيللي وزيرا الإصلاح الدستوري والعدل على التوالي ضمن حكومة برلسكوني السابقة، بتوجيه وابل من السب والقذف في حق الإسلام والمسلمين أثناء احتفال الحزب بذكرى تأسيسه السنوية التي نظمت قبل ثلاث سنوات بمدينة البندقية. كان حينها وزير الإصلاح الدستوري الإيطالي السابق كالديرولي لا يعي خطورة العبارات التي أطلقها ضد الإسلام ولا يهتم إلا بإيصال رسالته إلى الإيطاليين، ليظهر لهم أن حزب عصبة الشمال جاء بثورة جديدة إلى إيطاليا وسيتصدى للمسلمين الذين وصفهم آنذاك بالمتخلفين والقردة، حيث طالبهم بالرحيل عن إيطاليا قبل أن يقوم زميله بورغيتسيو باستفزاز الجالية الإسلامية قائلا: «نحن لا نريد نساء محجبات بيننا، وبلغة القانون يجب إجبارهن على إظهار مفاتنهن». ضرورة انتخابية سب وقذف قادة الحزب للإسلام وبشكل متواصل ومشاركة الوزير المتشدد كالديرولي الصحف الدانماركية والفرنسية في التشهير بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول، عجلا بدخول هذا الحزب المتطرف في أزمة حادة مع الإسلام ومع حكومة برلسكوني التي طالبت الوزير كالديرولي بتقديم استقالته مع توجيه إنذارات متوالية للحزب المتطرف ولوزير العدل آنذاك كاستيللي. هذه الأزمة التي منحت الحزب من جهة شعبية كبيرة بين إيطاليي الشمال ومن جهة أخرى أفقدته ثقة بعض الأحزاب اليمنية الكبرى، جعلته يتنبه إلى ضرورة تخفيض نبرته تجاه المسلمين والمهاجرين وعدم الدخول في مواجهات مباشرة ومستمرة معهم باقتراب موعد الانتخابات السياسية بإيطاليا، لهذا وفي القريب العاجل سيجد مسلمو إيطاليا أنفسهم في مواجهة جديدة مع عدو لدود يستغل بعض مظاهر التطرف الإسلامي بإيطاليا لتحقيق أغراض سياسية هامة بإيطاليا. وعلى نفس خطى حزب عصبة الشمال، لكن بنبرة أقل حدة وبتصرف رزين يتحلى ببعد نظر، سيعتمد حزب التحالف الوطني بزعامة جان فرانكو فيني على المغربية المسلمة سعاد السباعي وعلى كاتبة وصحفية يهودية تدعى فياما نيرينشتاين، ليظهر للجميع أن حزبه تنصهر فيه جميع فئات الشعب الإيطالي وله القدرة على استيعاب ديانات مثل الإسلام واليهودية، رغم أن قادته تصدوا وفي مرات عديدة لمبادرات إسلامية تبناها بعض مسلمي إيطاليا للتعبير فقط عن هويتهم وثقافتهم الإسلامية. فسعاد سباعي التي كانت قد رفضت في الأسبوع الماضي عرضا قدمه لها حزب فورتسا إيطاليا الذي يتزعمه سيلفيو برلسكوني للتقدم إلى الانتخابات القادمة باسمه، تعلم جيدا أن حزب التحالف الوطني سيقحمها في الميدان السياسي تحت شعاراته لاستغلال اسمها ومكانتها كناشطة جمعوية مسلمة لها شهرتها بإيطاليا، لكنها رغم ذلك وجدت في خوض غمار هذه التجربة السياسية الجديدة مع التحالف الوطني فرصة لتغيير تلك النظرة القاتمة لدى اليمنيين الإيطاليين عن الإسلام والمسلمين والدفاع عن بعض القضايا المغربية من منبر يميني عريق بإيطاليا. من جهته، وخلافا للحزبين السابقين، وجد حزب فورتسا إيطاليا أو حزب الشعب في الهجرة وفي المهاجرين السريين موضوعا مناسبا للقيام بحملته الدعائية للانتخابات المنتظرة، حيث كرر زعيمه سيلفيو برلسكوني وفي مناسبات عديدة هذا الموضوع مقدما وعودا إلى الإيطاليين بالتصدي للهجرة السرية ومحاربتها بشتى الوسائل، معتبرا إياها سببا مباشرا لتضاعف أرقام الجريمة والانحراف داخل المجتمع الإيطالي. وقال: «بمجرد وصولنا إلى الحكم سنحارب الهجرة السرية بتنظيم حملات مكثفة في صفوف المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين بإيطاليا، لهذا سنقدم الدعم للأجهزة الأمنية الإيطالية التي ستنفذ هذه المهمة». كرة القدم تدخل خط الانتخابات يحاول الكثير من السياسيين الإيطاليين الاستفادة من تأثر المجتمع الإيطالي بثقافة كروية كبيرة، لجلب أصوات جديدة للأحزاب التي ينتمون إليها، وقد ظهر ذلك من خلال مناصرة العديد منهم لبعض الفرق الإيطالية ب«السيري «أ» في محاولة منهم التأثير على مشجعيها لكسب أصواتهم. فبرلسكوني كان يعول ويراهن بشكل كبير على فريقه الميلان، لجلب أصوات إضافية لحزبه «فورتسا إيطاليا» أو حزب الشعب كما أصبح يطلق عليه، لكن خروج أصدقاء كاكا مبكرا من منافسات عصبة الأبطال الأوربية على يد الأرسنال الإنجليزي واحتلالهم للرتبة الخامسة بالدوري الإيطالي وراء كل من فيورنتينا واليوفي وروما والإنتر، خيب آمال زعيم المعارضة اليمينية الذي كان يعتقد أن مرور الروسو نيري للدور الموالي سيكسبه تعاطفا كبيرا من الإيطاليين الذين سيضمن أصواتهم لصالح حزب الشعب لتحقيق فوز كبير على اليسار الحاكم في الانتخابات المقبلة التي ستشهدها إيطاليا في 13 و14 من الشهر القادم. نفس السلوك اتبعه أحد أقطاب اليسار الإيطالي الحاكم، ويتعلق الأمر بوزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما عندما حاول استغلال موقعه كأحد المشجعين المخلصين لفريق العاصمة روما، ليمنح الفريق صبغة يسارية بهدف التأثير على مشجعيه والمتعاطفين معه لضم أصواتهم إلى أصوات الحزب الديمقراطي اليساري الذي يتزعمه فالتر فيلتورني. وكان داليما بعد تمكن أصدقاء فرانتشيسكو توتي (كابتن روما) من الانتصار على ريال مدريد في الأسبوع الماضي والتأهل للدور الموالي من منافسات عصبة الأبطال الأوربية، قد طالب التحالف اليساري باقتفاء أثر فريق روما في تماسك عناصره للظفر بفوز ساحق على اليمين الإيطالي في الانتخابات المنتظرة، مؤكدا أن روما فريق يعطيه دائما أمثلة عن التفاني في العمل وعن القدرة على مواجهة جميع التحديات مهما كانت صعوبتها. في السياق ذاته يرى الشيوعيون الإيطاليون في الفرق التي تمثل جهة توسكانا وعلى رأسها فرق ليفورنو، سينا، إيمبولي، وفيورنتينا، مجالا خصبا قد يستفيدون منه في دعايتهم السياسية للانتخابات المقبلة، حيث يعولون في ذلك على رؤساء هذه الفرق وعلى نجومها حتى أولئك الذين غادروها نحو فرق أخرى، مثل «كريستيانو لوكاريللي» لاعب بارما والنجم السابق لفريق ليفورنو الذي يؤمن بالمبادئ الشيوعية حتى النخاع، وقد تم إبعاده ولمرات عديدة عن الملاعب الإيطالية بسبب ذلك. فالشيوعيون الإيطاليون رغم أن الفرق التي يراهنون عليها في كسب أصوات جديدة، تبقى فرقا صغيرة ولا تحتكم على ألقاب مهمة مثل الميلان والإنتر واليوفي وروما، إلا أن إيمانهم يبقى قويا بمساهمتها بشكل أو بآخر في تقديم الدعم لهم في هذه الانتخابات السابقة لأوانها.