استقت جريدة "العلم" خلال تغطيتها لمجريات محاكمة متهمي أحداث إكديم ازيك، التي تواصل فعالياتها مند يوم الجمعة المنصرم بالمحكمة العسكرية بمدينة الرباط، آراء و مواقف عائلات الضحايا حول مجريات المحاكمة التي سننشر اليوم جزءا منها، وذلك حتى نتقصى أكثر الظروف التي عاشوها خلال المحاكمة وعن السلوكات التي عاينوها خلال هذه الجلسات والتي نعتوها بالاستفزازات الماسة بمشاعرهم كمواطنين مغاربة وكعائلات للضحايا، علما أن دفاع المتهمين في شخص الأستاذ الركيبي كان قد أشار في إحدى الجلسات بالشكايات التي تلقاها عن عائلات المتهمين و المتمحورة حول الإستفزازات التي يتعرضون لها هم أيضا أمام المحكمة، من طرف المحتجين من أهالي الضحايا والمؤازرين لهم، وقد اعتبر الرئيس هذه الإشارة لمسة من الدفاع تنم عن صحوة الضمير. تقول نادية البالغة من العمر 25 سنة، والقادمة من إقليم قلعة سراغنة لتتبع عن كثب الفصل الثاني من فاجعة استشهاد خالها الشرطي علي الزعري، " لم يكن الشهيد مجرد فرد من العائلة بل كان صديقي و حافظ اسراري، كان حنونا ومتفهما، وقبل مقتله بأسبوع كلمني بالهاتف لمدة نصف ساعة، وحدتني بفخر عن احدى طفلاته الثلاثة، كما أخبرني على أن الأجواء متوترة في العيون..". حول أجواء المحاكمة تقول نادية: "بصراحة شروط توفير المحاكمة العادلة فاقت كل التوقعات، لدرجة جعلت بعض المراقبين الدوليين يخرجون عن اطار المراقبة الشريفة والمحايدة، ليعلنوا من خلال بعض السلوكات عن انحيازهم الواضح ليس فقط للمتهمين من الجانب الحقوقي ولكن لمساندة أطروحة البوليساريو، وأما المتهمون وعائلاتهم فقد تجاوزوا على العموم حدود اللياقة في ابداء مواقفهم السياسية بما يجرح مشاعرنا كأسر مكلومة سواء داخل القاعة أو خارجها، فالمتهمون في كل دخول للقاعة أو خروج أو وقوف امام المحكمة كانوا يستديرون لنا ليرددوا شعارات تمس أولا بوحدتنا الترابية وتخدش وطنيتنا وتمس بثوابتنا المقدسة، وينعتوا بلدي الحبيب بالمحتل والعدو، ابدائهم لمواقفه السياسية بهذا الشكل المستفز تجعلنا كمغاربة لا نستبعد ماقاموا به اتجاه شهدائنا، رغم أننا هنا ليس لادانة أي كان منهم ولكن لمعرفة حقيقة ما جرى يوم 8/11/ 2010، هذه الحقيقة التي ننتظر بحرقة و شغف كي تكشفها المحاكمة الجارية، سواء من جانب الدفاع أو النيابة العامة ويفصل فيها رئيس الجلسة الذي أبان عن رزانة عالية في التعامل مع الملف..، أما ما شاهدناه في القاعة وخارجها من شعارات لا علاقة لها بموضوع القضية التي نحن من أجلها في المحكمة، سواء تلك الصادرة عن المتهمين أو عائلاتهم أو الانحياز الواضح لبعض المراقبين، أو ترافع الدفاع الذي ذكر على مسامعنا بعض التسميات ذات مرجعيات سياسية مثل 20 فبراير، سنوات الرصاص ، وذكر بعض المتهمين احتجاجات الحسيمة وسبتة وشباب الريف والحركة الأمازيغية، نعتبرها قضية سياسية خارج السياق، و تخص الدولة ولا تخصنا نحن أهالي الضحايا، اما الإستفزازات التي تحدثت عنها سابقا، فنعتبرها مسرحية لتسييس القضية ودفعنا نحن العائلات إلى القيام برد فعل عنيف قد يأثر سلبا على شروط المحاكمة العادلة التي ينادي بها الطرف الأخر من القضية، فنحن بكل بساطة لنا ضحايا قتلوا غدرا خلال أدائهم لواجبهم المهني نتيجة فعل إجرامي ، هذا الفعل يقف اليوم من اتهم به أمام العدالة، ونحن ننتظر أن تقول هذه العدالة كلمتها سواء بإدانتهم أو تبرئتهم، بعيدا عن أي موقف سياسي هذا كل ما في الأمر لا أقل ولا أكثر.. ". و أكدت خديجة انويري، وهي تعمل في سلك التعليم، و ام الشهيد بدر الدين التراهي من مدينة مراكش، أن ابنها كان أول من ذبح داخل المخيم، مشيرة أنها فقدت طعم الحياة بعد وفاة ابنها البكر وسندها الروحي بين كل اطفالها، اصبحت تعيش حالة فراغ اسري قاتل، وقالت:" كان بدر عطوفا و حنونا، كان المفضل لدي، وفاته كانت كالصاعقة، جربت موت الأحبة لكن ليس كوفاة كبدي لأن أكبر ابتلاء للأم أن تفقد أحد أبنائها، أنا لا اعترض على وفاته لأنه قضاء وقدر لكن أعترض على الطريقة البشعة التي قتل بها، ولكنني اليوم وما رأيته في المحكمة من استفزازات واضحة فخورة أن يموت ابني شهيدا للوطن وأن تكون دماؤه أول ما ارتويت به رمال الصحراء المغربية في هذه الاحداث، وفخورة لأن ابني الثاني التحق بالدرك الملكي ليتم مسيرة أخيه فخدمة الواجب الوطني.". وحول أجواء المحاكمة ، تقول السيدة خديجة التي يخنق البكاء انفاسها بعد أن سردت قصة ابنها: "كانت هناك استفزازات جارحه، و ارتئينا نحن عائلات الضحايا الترفع عن الإجابة عنها داخل القاعة رغم الغليان الذي كان ينخرنا من العمق، أولا احتراما لقدسية المحكمة، وثانيا لأننا أصحاب حق جئنا لنسترده من محاكمة نطمح أن تنصفنا حق إنصاف، لأننا لم نرغب النزول إلى ذلك المستوى اللا أخلاقي من خدش المشاعر واحتقار الآخر كيف ما كانت مواقفه السياسية، سواء كمواطنين أو كتكالى لا زلنا تحث الصدمة خاصة وان المحاكمة أيقظت فينا ما نحاول جاهدين التعايش معه، أما نسيانه فأمر مستحيل، وثالثا لأننا عاينا عن كثب خلال كل الجلسات التي حضرناها إلى حدود اليوم، كيف تجند الموالون للبوليساريو لإفشال هذه المحاكمة، عن طريق تمرير رسالات للرأي العام الدولي من أجل تسييس الملف وإبداء مواقف سياسية معادية لثوابتنا، و حتى لا نسقط في الفخ الذي تريد البوليساريو نصبه لنا من خلال من يقف في صفها داخل القاعة، بالتشويش على المحاكمة واستفزاز الرئيس وعائلات الضحايا لتخلق حدثا جديدا تنشي به، فنحن شعب مسالم تربينا على الأخلاق الحميدة واحترام الاخر كيفما كنت ثقافته أو ملته أو مواقفه السياسية، مما جعلنا اليوم نتحمل الإهانة داخل القاعة دون ان نبدي أي رد فعل عنيف أو حتى ترديد نشيدنا الوطني كرد على شعارات البوليساريو، حتى لا نخلق البلبلة لبلدنا الحبيب، لقد تحملنا جرح فقداننا لفلدات أكبادنا فكيف لا نتحمل اليوم استفزازات مجانية فداء للوطن.. ضحينا بالغالي ولا يهمنا اليوم نعيق الغربان.. ". ورفعت هذه الأم نداء باسم كل الأمهات إلى كل المغاربة و الجمعيات الحقوقية المغربية والدولية من اجل مؤازرتهم في محنتهم، والوقوف الى جانب الشهداء على اعتبار أن هذه الأحداث كانت قبل سنتين قضية رأي عام وقضية مليوني مغربي من طنجة الى الكويرة، خروجوا في أكبر مسيرة احتجاجية في الدارالبيضاء لينددوا بما وقع في أكديم ازيك. أما السيدة خديجة القادمة من مدينة العيون، و أم الشهيد ياسين بوقطاية، فتقول في تصريحها:" نحن امهات مسالمات مسامحات جئنا فقط نبحث عن انصاف ابنائنا وتحقيق العدالة، لكن دفاع إحدى الجمعيات الحقوقية المغربية باستماتة كبيرة، وتعامل بعض المراقبين والمساندين للمتهمين داخل القاعة مع المتهمين كأبطال عادوا من ساحة الوغى منتصرين جعلنا داخل القاعة نشعر على أننا غرباء في وطننا، لقد جددت المحاكمة الجرح بداخلنا نحن الأمهات، لكن تنصيب جمعيات حقوقية مغربية لمحامين مغاربة كي يدافعوا عن من قد يكون بينهم من ذبح أبنائنا، دون مراعتهم خلال دفاعهم لمشاعرنا كمغاربة وأولياء الضحايا، أمر زاد الألم عمقا، كمن يرش الملح على جرح لم يندمل، و على الرغم من بعض محاميي المتهمين من اصول الصحراوية، إلا أننا لم نلمس من خلال مرافعتهم أي حماس زائد يدمينا بل ترافعوا بشكل طبيعي، أنا لم أكن لألوم هؤلاء المحامون الحقوقيون لو أنهم آزرو المتهمين في أطار صفتهم كمحاميين للدفاع فقط، ولكن ألومهم لأنهم يآزروا المتهمين كمنتدبين عن جمعيات تدافع عن حقوق الإنسان، وأنا اعتبر أن حقوق الإنسان ميزان ذو كفتين، كان عليهم أن يضعوا حقوق أبنائنا على الكفة الأخرى لتصحيح المعادلة، تمنيت حقا لو اكتفت هذه الجمعيات بدور المراقب الحريص الباحث عن الحقيقة ومنصفها بدل ان تتحول لطرف نشعر أنه خصم ضد ابنائنا الذين نحروا كالأكباش، خصوصا وأننا بعض المحاكمة ستكون حياتنا مهددة خاصة بالنسبة لي أنا التي اسكن في مدينة العيون التي ازداد على ترابها كل أطفالي، لأنني وأمام ما رأيته خلال المحاكمة من اجماع داخل القاعة بمآزرة المتهمين حتى من جمعياتنا الحقوقية، أفكر في أن أهجر المدينة خوفا من الانتقام منا..". أما انتصار بوقطاية، فهي طفلة تبلغ من العمر تسعة سنوات، لكنها تملك من الذكاء والفصاحة ما يجعل محاورها عاجز عن مقاومة اعجابه برقتها، سنحاول نقل تصريحها كما سمعناه احتراما لعفوية اجاباتها، وحتى لا يقال اننا استغلينا دموع التكالى و براءة الأطفال، ولكن هي من أصرت أن تدلي لنا بما يخنق صدرها الصغير، فأعطيناها فرصة كي ترثي عزيزا علمها فقدانه أول درس لها عن معنى وطعم الموت، علما أن هذه الطفلة فقدت والدها ايضا بعد سنة من استشهاد أخيها : "أنا أخت ياسين بوقطاية، أنا كنطلب من جمعيات حقوق الإنسان باش يساندونا و يقفوا بجنبا، وكنطلب منهم يساندونا باش تتحقق العدالة، انا عارفة انهم غادي يموتوا لكن ماشي بديك الصورة البشعة، حتى دولة ما غادي تقبل تلك الطريقة اللي اتقتلوا بها، يوميا كنشوف يوميا كنسمع أمام المحكمة، كيفاش كي يستفزوننا بالزغاريد و الشطيح وكي قولوا الشعارات تاع البوليساريو، واحد في بلادك ويتصرف معاك وكأنك برانية على بلادك.. (تسكت قليلا تم تقول وهي تقاوم دموعها) اتوحشت خويا.. ابغينا غير العدالة باش يرتاحو خوتنا و ما يبقاوش معذبين". لكن السيدة حادة صورة أخرى من مشاهد المحاكمة، فهذه المرأة القادمة من ازيلال لا تثقن لغة غير الامازيغية، استشهد زوجها تاركا لها ثلالثة اطفال، اكتفت حادة بالبكاء جواب و تعبيرا عن معاناتها، دموعها كانت كافية لنعرف عمق الجرح و حرقة الفراق و ثقل مسؤولية الأرملة لتربية ثلاثة اطفال دون أي مورد عيش غير معاش زهيد، واليوم تحضر هذه المرأة القادمة من تخوم ازيلال لتحضر محاكمة لا تفهم منها شيئا، فحادة لم تجد جمعيات حقوقية مغربية ترسل معها مترجما يتجرم ما يجري ويدور في القاعة باللغة الأمازيغية، كما هو حال المراقبين الدوليين المأزيرين للمتهمين، حتى المحكمة التي ركزت على أن تسلم من انتقادات الجمعيات الحقوقية الدولية والمغربية حول شروط المحاكمة العادلة للمتهمين، وفرت مترجمين محلفين بكل اللغات، الفرنسية والاسبانية والانجليزية والحسانية، ونسيت أن تأتي حادة بترجمان محلف للهجة الأمازيغية، حادة تلك التكلى المتقلة بذكرى الفاجعة ستغادر الرباط نحو ازيلال دون أن تحمل في جعبتها ما ترويه لأطفالها حين يكبرون عن مجريات المحاكمة في قضية مقتل والدهم. بدورها رابحة واهيب، ذات ستة وعشرون ربيعا، لا تجيد غير اللهجة الأمازيغية، قدمت من أقليم اخنيفرة لتستقي تفاصيل أحداث مؤلمة اختطفت منها زوجها الجندي الفقيد خاتيل بن طالب، الذي استشهد قبل أن يحمل بين يديه طفلته التي ولدت بعد مراسيم دفنه بشهور قليلة، بدورها هذه الأرملة لم تستطع أن تنقل لنا مشاعرها ولا رأيها حول مجريات المحاكمة، وظلت دون جدوى تحاول الإتصال بأخيها عبر هاتفه النقال من أمام المحكمة العسكرية، حتي يروي لنا قصتها، لكن دون جدوى لأن التغطية كانت منعدمة بمحيط المحكمة لظروف أمنية.