تعود من جديد مذابح اكديم ايزيك الى الواجهة، وذلك بمناسبة محاكمة المتهمين الأربعة والعشرين، الذين اعتقلوا، على إثر احداث التفكيك السلمي، يوم 8 نونبر 2010، للمخيم الذي اعتصم فيه آلاف الأشخاص، رفعوا في أغلبهم مطالب اجتماعية. وكرد فعل على إنهاء هذا التجمع، قام العشرات منهم بالهجوم على رجال القوات المساعدة والدرك، الذين لم يستعملوا القوة حتى في الدفاع عن انفسهم، وقتل منهم أحد عشر شخصا، بعضهم عن طريق الذبح وتشويه الجثة. وقد رافقت هذه الهمجية أعمال تخريب لمنشآت وإحراق لمرافق عمومية وخاصة، وهجوم على قناة التلفزة والمحطة الإذاعية بالعيون، بينما التزمت القوات العمومية بتعليمات ضبط النفس، خاصة وأن الصحافة الدولية، وتتزعمها الإسبانية، كانت تنقل "وقائع" متخيلة، ادعت فيها ان المغرب يرتكب "إبادة للصحراويين". الآن يجد المغرب نفسه أمام تداعيات هذه الأحداث المؤلمة، وأمام سيناريو يمكن ان يتكرر بشكل آخر. ففي الوقت الذي تعرض فيه القضية على أنظار القضاء، لتأخذ العدالة مجراها، يبدو أن الآلة الدعائية أخذت تتحرك من جديد، وتأخذ شكلا حقوقيا هذه المرة، حيث حضرت لمتابعة الجلسة الأولى، يوم فاتح فبراير الأخير، 52 منظمة دولية، في محاولة لإعطاء المحاكمة طابعا سياسيا. ويمكن لمن تتبع ما حصل في هذه الجلسة أن يلاحظ التعاطف الواضح لأعضاء هذه المنظمات مع المعتقلين وعائلاتهم ومع أعضاء البوليزاريو، الذين حضروا أيضا المحاكمة. بينما لم تلق عائلات الضحايا، أية التفاتة من طرف ممثلي هذه الهيئات الحقوقية الدولية، مما يدفع الى الشك في نواياها، حيث من المفترض أنها جاءت للمغرب لتراقب سير العدالة، وكان عليها أن تقف موقف الحياد تجاه المتهمين، لا أن تبدي التعاطف معهم، بل إن من يستحق التعاطف هم عائلات الضحايا، التي فقدت أبناءها وآباءها في أبشع صور القتل الجبان. ويظهر الآن أن المغرب سيتعرض من جديد لضغط "حقوقي"، كما كان قد تعرض خلال أحداث كديم ايزيك، لضغط إعلامي، ينبغي أن يدرس في معاهد الصحافة والعلوم السياسية و مدارس الديبلوماسية، كأحد أخطر أشكال التضليل و الدعاية الكاذبة. وللتذكير بما حصل آنذاك، فإنه بالإضافة الى اتهام المغرب بارتكاب "إبادة"، في حق الصحراويين، فإن الإعلام الإسباني تحول، عن بكرة أبيه، إلى رجع صدى لما يروجه البوليزاريو، بل وصل الى حد اختلاق الصور والتمويه على الجمهور، حيث نشرت وكالة الأنباء الإسبانية صورة لجريمة ارتكبتها إسرائيل في فلسطين، وبثت "القناة 3" صورة لجريمة وقعت في الدارالبيضاء، وادعتا ان كل هذا ارتكب من طرف السلطات المغربية في العيون. فهل ستتعرض محاكمة المتهمين بقتل رجال القوات العمومية في أحداث كديم ايزيك، الى محاكمة للمغرب، في علاقة مع نزاع الصحراء؟ يبدو أن هناك من يريد ان يحرك الأمور في هذا الاتجاه. إذ أن العدد الضخم من ممثلي المنظمات الحقوقية الدولية، الذين حضروا لمتابعة هذه القضية، يشكل جزءا من هذه الاستراتيجية، التي يتم التنسيق فيها مع أعضاء البوليزاريو، المقيمين في بلادنا. وتكتمل المسرحية عندما يرفع المتهمون شعارات انفصالية، في محاولة لإعطاء المحاكمة طابعا سياسيا، لإيهام الرأي العام بأنهم "نشطاء حقوقيون"، في الوقت الذي يتابعون فيه بأفعال إجرامية، لا تمت الى النشاط السياسي أو الحقوقي بصلة، وستبين اطوار المحاكمة مدى تورطهم أو براءتهم من الأفعال المنسوبة إليهم. وسيكون من المفيد أن تواصل السلطات العمومية، ضبط نفسها أمام كل الاستفزازات، وأن تتعامل مع هذه القضية، في إطار من الانفتاح على الصحافة و على كل المنظمات الحقوقية، مهما بلغت درجة انحيازها للانفصاليين، لأن ما يهم في هذه القضية هو إظهار الحق، في إطار احترام القانون و المحاكمة العادلة، ومعاقبة المجرمين، بما يستحقونه، إذا ثبتت في حقهم التهم. ولن يكون الأمر سهلا، لأن استفزازات المتهمين وأنصارهم، تتجاوز، في الكثير من الأحيان، كل الحدود الأخلاقية والإنسانية، مثلما قام به أحد المتهمين، الذي أشار، داخل المحكمة، الى إحدى الأمهات، من عائلات الضحايا، و قال لها "أنا الذي ذبحت ابنك".