فقدت مراكش في العقود الأخيرة تراثا ثقافيا وطبيعيا جد ثمين بسبب عدم تقدير المسئولين لأهميته، ولعل أهم مظاهرذلك ماتتعرض لهآخر معلمة بيئية في المدينة المعروفة بواحة ولجة تانسيفت المحمية بموجب قرار دولي صدر سنة 1995 .وهي تواجه اليوم خطرا حقيقيا بعد أن تجاهل المسئولون وضعها كتراث طبيعي وأصروا على فتح طريق مداري بها ومن ثمة فتحها أمام المضاربات العقارية رغم تنبيه المختصين في التراث الطبيعي لسلبيات ذلك. ولإدراك أهميتها فهذا الموقع الذي يحاذي المدينة يعد الواحة الرطبة الوحيدة بالمنطقة التي تأوي 64 صنفا نادرا من الزواحف وتتميز بتنوع ببيولوجي كبير جعلها تصنف دوليا كموقع ذي أهمية بيولوجية في التسعينات لكونه يقوم بدور صحي حاسم،كما يعتبر محط الطيور المهاجرة التي تقصد مراكش، وهو ما يعني حماية ساكنة المدينة من انتقال الفيروسات التي تحملها هذه الطيور في حال انتشارها بمختلف الأحياء السكنية .كما أن اشجار النخيل بها يتجاوز عمرها 200 سنة . وارتباطا بالموضوع سجل المشاركون في ندوة علمية احتضنتها مراكش أخيرا حول التنمية والتدبير المؤسساتي وعرفت مشاركة أحمد الشهبوني رئيس مركز التنمية بجهة تانسيفت ومحمد الفايز الباحث والخبير في قضايا التراث والإيكولوجيا ومحمد الإفريقي رئيس جمعية أصدقاء المتحف الطبيعي والتاريخي وعبد الكريم الخطيب المنسق المحلي لمذكرة 21 ويوسف السفري رئيس جمعية أمل ممر النخيل وسيرها الباحث عبدا لصمد الكباص أن ولجة تانسيفت تواجه خطرا كبيرا يستلزم تدخلا سريعا لا نقادها وصيانتها للأجيال القادمة. كما عبروا عن قلقهم البالغ إزاءالتدهور المتسارع الذي لحق هذه الواحة الفريدة التي تعتبر الواحة الرطبة الوحيدة بالمنطقة، بسبب تجاهل المسئولين وضعها كمحمية بيئية مصنفة دوليا كموقع طبيعي ذي أهمية بيولوجية ، فانطلق مسلسل تدهورها مع إصرار الوالي السابق لجهة مراكش على أن يخترقها الطريق المداري رغم وجود بدائل كثيرة وبالتالي تعريضها لمخاطر المضاربات العقارية وليستمر مسلسل إبادتها بقطع موارد المياه عنها وتحويلها إلى واحة جافة بما يستتبع ذلك من قتل الحياة بها والقضاء على تنوعها البيولوجي مصدر تميزها الأصلي سواء على المستوى الحيواني أو النباتي. وبسبب ذلك عرفت هذه المحمية حرائق متتالية لم تكن معهودة من قبل . واعتبرالمشاركون في الندوة أن ولجة تانسيفت تمثل آخرما تبقى من تراث طبيعي بمراكش يجب التحرك بقوة وبشكل استعجالي لاسترجاعه بعدما باتت ملامح إتلافه الأكيد واضحة بفعل عدم اكتراث مسؤولي المدينة بأهميته. وطالبوا بتمكين الواحة المذكورة و بشكل مستعجل من حصتها في الموارد المائية ،على الأقل من مياه محطة المعالجة المتواجدة بطريق تامنصورت . وإصدار قانون يحرم بشكل نهائي البناء فيها لقطع الطريق على المضاربات التي تستهدفها . كما دعوا إلى ضرورة تكتل المجتمع المدني من أجل الدفاع عن هذا الإرث الهام الذي في حالة ضياعه سيكون خسارة عظمى لن تغفرها الأجيال القادمة. وفي إطار نفس الغاية أوصت الندوة بتكوين شبكة الصحافيين المدافعين عن البيئة بمراكش وإنقاذ ولجة تانسيفت لتمكين الرأي العام من الاقتراب من حقيقة الوضع البيئي بالمدينة ومده بالمعلومات الكافية . كما سجل المشاركون استمرار تدهور الجوانب البيئية بمراكش وتقهقر جودة الحياة بها وتباطؤ المسئولين في الاستجابة لتنبيهات الخبراء و الهيئات المهتمة بالقضايا البيئية . مقدمين عدة ملفات تثبت ذلك منها استمرار تجاهل مخاطر تحويل ضفة وادي تانسيفت إلى مطرح عمومي للأزبال وتأخر تدخل الجهات الوصية لحله لأزيد من عشر سنوات خلفت انعكاسات كارثية على الفرشة المائية وجودة الهواء من خلال حرق النفايات المطاطية والبلاستيكية وغيرها. كما لفتوا الانتباه إلى أنه رغم أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية متطورة في مجال البيئة إلا أن هذه القوانين تفتقر للفعالية بسبب تأخر إصدار مراسيمها التطبيقية. ومن مظاهر التدمير التي تعرض لها التراث الطبيعي والثقافي بمراكش في هذه المرحلة يسجل المشاركون، أن المدينة إلى غاية مطلع القرن العشرين كانت تتوفر على 600 خطارة بطول 800 كيلومتر،تم القضاء عليها نهائيا في العقدين الأخيرين _ علما أن الخطارات مثلت تراثا قويا في مجال تقنيات الري بالمدينة منذ تأسيسها وشدت انتباه كل الباحثين والمهتمين بهذا المجال على المستوى العالمي. لكن قيمتها هذه لم تشفع لها لدى مسؤولي المدينة الذين استسلموا أمام إغراءات المضاربات و المصالح السريعة محكومين برؤية تنتصر للنمو الأعمى و ليس للتنمية ذات الأهداف البشرية . وخلص المشاركون في الندوة إلى أن مشكل البيئة بمراكش يعتبر من أخطر المشاكل التي تتجمع فيها كل المعضلات المطروحة على الحكامة العمومية من تخليق للحياة العامة و محاربة الفساد الذي كان حق الساكنة في بيئة سليمة ضحيته الأساسية.