ولجة تانسيفت تواجه خطرا كبيرا يستلزم تدخلا سريعا لإنقاذها . ذلك ما أجمع عليه المشاركون في ندوة علمية بمراكش حول التنمية البيئية و التدبير المؤسساتي، نظمها مؤخرا مركز عناية للتنمية والأعمال الاجتماعية بمساهمة أحمد الشهبوني رئيس مركز التنمية بجهة تانسيفت ومحمد الفايز الباحث والخبير في قضايا التراث و الإيكولوجيا ومحمد الإفريقي رئيس جمعية أصدقاء المتحف الطبيعي والتاريخي و عبد الكريم الخطيب المنسق المحلي لمذكرة 21 ويوسف السفري رئيس جمعية أمل ممر النخيل . وسجل المتدخلون التدهور المتسارع الذي لحق هذه الواحة الفريدة التي تعتبر الواحة الرطبة الوحيدة بالمنطقة ، بسبب تجاهل المسؤولين كونها محمية بيئية مصنفة دوليا كموقع طبيعي ذي أهمية بيولوجية ، فانطلق مسلسل تدهورها مع إصرار الوالي السابق لجهة مراكش على أن يخترقها الطريق المداري رغم وجود بدائل كثيرة ، وتعريضها لمخاطر المضاربات العقارية واستمر بقطع موارد المياه عنها وتحويلها إلى واحة جافة بما يستتبع ذلك من قتل الحياة بها والقضاء على تنوعها البيولوجي مصدر تميزها الأصلي، سواء على المستوى الحيواني أو النباتي . فعرفت هذه المحمية بسبب ذلك حرائق متتالية لم تكن معهودة من قبل . واعتبر المشاركون في الندوة المذكورة أن ولجة تانسيفت تمثل آخر ما تبقى من تراث طبيعي بمراكش يجب التحرك بقوة و بشكل استعجالي لاسترجاعه بعدما باتت ملامح إتلافه الأكيد واضحة بفعل عدم اكتراث مسؤولي المدينة لأهميته . وطالبوا بتمكين الواحة المذكورة وبشكل مستعجل من حصتها في الموارد المائية على الأقل من مياه محطة المعالجة ، وإصدار قانون يحرم بشكل نهائي البناء فيها لقطع الطريق على المضاربات التي تستهدفها . كما دعوا إلى ضرورة تكتل المجتمع المدني من أجل الدفاع عن هذا الإرث الهام الذي في حالة ضياعه سيكون خسارة عظمى لن تغفرها لنا الأجيال القادمة. وفي إطار نفس الغاية أوصت الندوة بتكوين شبكة الصحافيين المدافعين عن البيئة بمراكش، وإنقاذ ولجة تانسيفت لتمكين الرأي العام من الاقتراب من حقيقة الوضع البيئي بالمدينة ومده بالمعلومات الكافية . كما سجل المشاركون استمرار تدهور الجوانب البيئية بمراكش، وتقهقر جودة الحياة بها وتباطؤ المسؤولين في الاستجابة لتنبيهات الخبراء و الهيئات المهتمة بالقضايا البيئية ، مقدمين عدة ملفات تثبت ذلك منها استمرار تجاهل مخاطر تحويل ضفة وادي تانسيفت إلى مطرح عمومي للأزبال، وتأخر تدخل الجهات الوصية لحله لأزيد من عشر سنوات خلفت نتائج كارثية على الفرشة المائية وجودة الهواء وغيرها . واعتبر بعض المتدخلين أن ضعف الدولة أمام المضاربين وعجزها على الدفاع عن حق المواطن في بيئة سليمة مقابل الاستسلام إلى فسح المجال إلى توسع عمراني غير مضبوط وعقلاني ، وكذا وضع الاستثمار السياحي كطابو اقتصادي لا يقبل المناقشة من دون تقدير كلفته بالنسبة للبيئة ، كانت الملمح الأساسي لمراكش في العقد الأخير . حيث تم استغلال غياب تصميم للتهيئة والعمل بلجنة الاستثناءات لتمرير مشاريع مدمرة للبيئة ومجهزة على حق السكان في حياة ذات جودة . ورغم أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية متطورة في مجال البيئة إلا أن هذه القوانين تفتقر للفعالية بسبب تأخر إصدار مراسيمها التطبيقية . ومن المعطيات المقدمة في هذا اللقاء الهام والتي تبين إلى أي حد تعرف المدينة الحمراء نزيفا حادا على مستوى مواردها الطبيعية، وتبديدا خطيرا لتراثها البيئي و الثقافي ، أن المدينة تشهد زيادة سنوية في استهلاك الإسمنت تقدر بثلاثة بالمائة تصرف طبعا وبشكل مباشر في استنزاف المساحات الخضراء وتحويلها إلى مركبات إسمنتية . إضافة إلى الإجهاز النهائي على الحزام الأخضر الذي سبق أن رسخه تصميم التهيئة لمراكش سنة 1990 ، وعدم احترام مقتضيات ظهير حماية واحة النخيل الذي كان قد صدر إبان الحماية ولم ينسخه أي ظهير آخر بالسماح بتحويلها إلى مركبات سياحية وسكنية . ومن مظاهر التدمير التي تعرض لها التراث الطبيعي والثقافي بمراكش في هذه المرحلة ، أن المدينة إلى غاية مطلع القرن كانت تتوفر على 600 خطار بطول 800 كيلومتر ، قضي عليها نهائيا في العقدين الأخيرين علما بأن الخطارات مثلت تراثا قويا في مجال تقنيات الري بالمدينة منذ تأسيسها، وشدت انتباه كل الباحثين والمهتمين بهذا المجال على المستوى العالمي . لكن قيمتها هذه لم تشفع لها لدى مسؤولي المدينة الذي استسلموا أمام إغراءات المضاربات و المصالح السريعة محكومين برؤية تنتصر للنمو الأعمى وليس للتنمية ذات الأهداف البشرية . ورغم أن الباحثين المدركين لقيمة هذا الإرث سبق أن طالبوا مرارا وتكرارا بحماية آخر خطارة بالمدينة التي كان طولها يبلغ كيلومترا واحدا, إلا أن المسؤولين عجزوا حتى عن الاستجابة لهذا المطلب, فكان الإجهاز النهائي على هذا الإرث الثمين . مراكش العتيقة كانت إلى غاية منتصف القرن العشرين تؤمن أزيد من ستين مترا مربعا من المساحة الخضراء لكل مواطن، وهو معدل تجاوز عدة مرات المعدل المنصوص عليه عالميا وهو عشرة أمتار لكل فرد . اليوم المدينة لا تؤمن حتى مترا واحدا بعد الإجهاز على العراصي والتمادي المتطرف في اكتساح كل المساحات الخضراء المحيطة بالمدينة من قبل المركبات الإسمنتية التي لا تسهر لا الجماعة و لا الولاية وباقي المصالح المعنية على ضمان إنجاز المساحة الخضراء بها التي توجد في التصاميم المرخصة ولا توجد على أرض الواقع . وخلص المشاركون في الندوة إلى أن مشكل البيئة بمراكش يعتبر من أخطر المشاكل التي تتجمع فيها كل المعضلات المطروحة على الحكامة العمومية، من تخليق للحياة العامة ومحاربة الفساد الذي كان حق الساكن في بيئة سليمة ضحيته الأساسية .