تتداول الاوساط السياسية والاعلامية الروسية في الآونة الاخيرة مسألة انضمام روسيا الى المنظمة العالمية للتجارة، التي تعتبرها الجهات الرسمية حقا مشروعا وأمرا سيتحقق السنة الجارية دون تنازلات لأي جهة دولية كانت ، فيما ترى اوساط روسية اخرى ان الامر قد يؤثر شيئا ما على تطلعات موسكو الامنية السياسية الاقليمية والدولية. وتؤكد الجهات الرسمية الروسية ان موسكو ستنضم الى المنظمة العالمية مثلها مثل باقي دول العالم وفقا للمعايير الجاري بها العمل داخل المنظمة، الاقتصادية منها والتجارية والمالية والجمركية ، دون ان يجبر احد روسيا على التنازل على مبادئها ومواقفها السياسية، باعتبار ان المنظمة العالمية هدفها الاساسي هو تعزيز التعاون الدولي وتنظيم العلاقات الاقتصادية ونبذ الخلافات التي يمكن ان تطرح في الدوران التجاري العالمي . واكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في هذا السياق ان روسيا، ومن اجل انضمامها الى منظمة التجارة العالمية، ستسترشد بمعيار بسيط جدا، وهو التزامها بالقواعد والمعايير التي تحدد انضمام الدول على أساسها إلى هذه المنظمة، وما دون ذلك فروسيا غير ملزمة بالالتزام به. وفي المقابل ترى وسائل اعلام روسية ان شرط انضمام روسيا الى المنظمة يمر عبر موافقة جورجيا، التي توجد في خلاف جوهري سياسي وامني مع روسيا قد يكون صعب الحل، كما يمر عبر تنازلات لروسيا بخصوص القضيتين الايرانية والليبية، وهو ما تنفيه موسكو الرسمية التي تقول انه اذا أصر الجورجيون على تسييس موقفهم، فإن روسيا سترغم، على الأرجح، على حل مسألة انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية بدون مشاركة تبيليسي. وتقول اجهزة موسكو الرسمية ان انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية سيتم في اقرب وقت ممكن وليس مقرونا بأية «تنازلات» في قضايا أخرى، بما فيها الليبية ،وان انضمام روسيا الى المنظمة امر يجب ان ترى العديد من الدول مصلحتها فيها، باعتبار موقع روسيا على الساحتين السياسية والاقتصادية الدولية ودعم اصدقائها لها بمن فيهم الولاياتالمتحدة ،التي اعلنت على لسان جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، بأن انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية والغاء قانون «جاكسون - فينيك» يصبان في مصلحة كل من موسكووواشنطن على حد سواء. وتذهب امريكا اكثر من ذلك وتؤكد علانية ان خطوة انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية ستساعد روسيا على ترسيخ علاقاتها الاقتصادية مع الولاياتالمتحدة والعالم ،ويجنب ذلك العالم ازمات اقتصادية يمكن ان تظهر في الافق ،خاصة و ان لروسيا سوقا مهما ولها تأثيرا اقتصاديا في اوروبا الشرقية واسيا الوسطى وهي من اهم الدول المصدرة للمواد الطاقية ، كما ان اقتصادها يعد من بين الاقتصادات الصاعدة والواعدة على الصعيد العالمي . وهذا الراي عبر عنه محيط الرئيس الامريكي باراك اوباما في زيارته الاخيرة لموسكو قبل نحو سنتين ،كما عبرت عنه العديد من الدول الغربية ،الا ان وتيرة انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية تبقى بطيئة ،خاصة اذا علمنا ان روسيا تسعى منذ عام 1993 للانضمام إلى المنظمة ،فيما لم يكلف الامر بالنسبة للعديد من الدول فترة لم تزد عن خمسة او ستة سنوات في أسوا الاحوال. وتعليقا على المواقف الرسمية ،يرى الخبير الاقتصادي الروسي ميخائيل ديلياغين أن الكرملين والبيت الأبيض، توصلا مؤخرا إلى صفقة، تتعهد الولاياتالمتحدة بموجبها بإزالة كل العقبات أمام انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، وبالمقابل، تتعهد روسيا بالامتناع عن تزويد إيران بالمنظومات الصاروخية المضادة للأهداف الجوية «إس-300»، الا أن الاتحاد الأوروبي في المقابل قد يكون العقبة الرئيسة أمام انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، لكن الولاياتالمتحدة سوف تهتم بهذه القضية بنفسها وسوف تمارس ضغوطا على الأوروبيين، لكي لا يمانعوا، وبالتالي ومع حلول موعد الانتخابات التشريعية الروسية المقررة العام المقبل، ستكون روسيا عضوا كامل العضوية في المنظمة الموعودة. ويعبر الخبير الاقتصادي عن قناعة بأن هذه الصفقة تضر بمصالح روسيا ، ذلك أن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية يجلب لروسيا القليل من المكاسب السياسية، لكنه في المقابل يجلب عليها أضرارا اقتصادية كبيرة، لأنها لن تكون قادرة على حماية أسواقها، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض إنتاجها الصناعي، كما لن يكون من حقها دعم قطاع الزراعة والصناعة الخفيفة والصناعة العسكرية ، وهذا الأمر بدوره يفقدها القدرة على سد احتياجاتها من إنتاجها المحلي. كما رات لودميلا الكسييفا رئيسة مجموعة هلسنكي بموسكو ان نائب الرئيس الامريكي جوزيف بايدن اعلن فعلا خلال لقائه ممثلي منظمات الدفاع عن حقوق الانسان في روسيا الاسبوع الماضي عن مساندته لانضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية،الا انه قال في الوقت ذاته ان الامريكيين «يريدون وبشكل جدي انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية ولكن كدولة ديمقراطية وقانونية، ولاجل ذلك لابد من بذل جهود معينة لكي تصبح الدولة كذلك «. وحددت اليكسييفا بقولها ان المقصود هنا الغاء العقوبات المفروضة على روسيا التي من بينها قانون « جاكسون -ت فانيك « ، ولكي يتم ذلك يجب ان يتأكد الكونغرس الامريكي من ان روسيا تطابق المقاييس الديمقراطية ،حسب المنظور الامريكي . وعلى العكس مما قد يتخوف منه المجتمع الروسي من ان انضمام روسيا قد يخلق لها متاعب اقتصادية ،يرى الاقتصادي أليكسي بورتانسكي أن البلاد لن تتكبد أي خسائر جراء ذلك، لأن فتح الأسواق مسألة قد تم ضبطها، ويضيف بورتانسكي أن من المتعذر تصور عملية التحديث في روسيا دون الانضمام إلى منظة التجارة العالمية وان إيجابيات الانضمام ستظهر على المدى البعيد وليس القريب ، وذلك بمغادرة روسيا مقعد الاحتياط الذي تقتسمه مع العراق وكوريا الشمالية. كما ان روسيا ستجني فوائد اقتصادية كثيرة في مسألة الانضمام ،منها ان منافسة الشركات الاجنبية التي ستحدث حتما بعد الانضمام الى منظمة التجارة العالمية، ستحمل المؤسسات الروسية على تخفيض الخسائر واستيعاب انواع جديدة من المنتوج وجذب الاستثمارات بنشاط والمضي في طريق التجديد وفي التطوير ،كما سيساعد روسيا الانضمام عامة على انجاز اصلاحاتها البنيوية. ويلتقي اصحاب الراي المختلفين في كون انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية هو امر حتمي لتسلسل الاحداث في العالم الاقتصادية منها والسياسية التي تفرض التضامن العالمي فيها وتقارب وجهات نظر واشنطنوموسكو في قضايا مصيرية عامة وكذا النمو المضطرد الذي يعرفه الاقتصاد الروسي وتطور الاستهلاك ،وهي امور لاشك انها ستعجل تحقيق روسيا لطموحها الذي امتد لنحو 18 سنة. و م ع