بالرغم من أن قادة روسياوالولاياتالمتحدة السياسيين أعربوا في الآونة الأخيرة عن إمكانية توقيع المعاهدة الجديدة للحد من تقليص الاسلحة الهجومية الاستراتيجية "ستارت 2" خلال الاسابيع القليلة القادمة، فإن احتمال توقيعها في الزمن المأمول قد لا يتحقق ويتأجل الى حين تفاهم البلدين بخصوص خطة نشر الدرع الصاروخية الأمريكية في بلدان أوروبية. فروسيا من جهتها لازالت تبدي استياءها من الخطط الأمريكية المحتملة الرامية إلى نشر عناصر الدرع الصاروخية في بلغاريا ورومانيا وتدعو إلى ضرورة الربط في المعاهدة الجديدة بين الاسلحة الهجومية ونظيرتها الدفاعية حتى يكون مستقبل الامن الاقليمي والدولي واضح المعالم ويجنب البلدين التوتر السياسي ولربما الامني. فيما ترى الولاياتالمتحدة من جهتها أن طموحها في نشر الدرع الصاروخي في اوروبا لا يعني موسكو وهو موجه على سبيل الاحتياط ضد دول اخرى قد تكون شرق اوسطية، في اشارة الى ايران، وبالتالي لا داعي للربط بين المسألتين في معاهدة "ستارت 2" باعتبارهما أمران لا يقبلان الجمع. فقد ألمح الكرملين قبل ايام إلى إمكانية الاتفاق على مواعيد محددة لتوقيع رئيسي الدولتين على مشروع المعاهدة الجديدة الخاصة بالأسلحة الهجومية الاستراتيجية، وهو رد مبطن على الانتقادات التي وجهتها واشنطنلروسيا مؤخرا، والتي ترى أن موسكو عمدت، عن قصد، إلى تأخير انهاء المفاوضات في فبراير واصرارها على ضرورة تنسيق المواقف في قضايا برزت على الصعيد الدولي (الدرع الصاروخي) وتوضيح الامور بشأنها. وأجمع المحللون الروس أن موسكو بتصرفها هذا، وحثها على استمرار التفاوض بخصوص فحوى المعاهدة الجديدة، أرادت أن تظهر لواشنطن استياءها السياسي من الخطط الأمريكية الرامية إلى نشر عناصر الدرع الصاروخية في بلغاريا ورومانيا، معربين عن يقينهم أن موسكو قادرة على إقناع الأمريكيين بضرورة الامتناع عن القيام بخطوات أحادية في مجال الدرع الصاروخية، ولهذا الغرض لا بد أن تتضمن المعاهدة الجديدة بندا يتيح لأي من الطرفين الانسحاب منها مع إعلام الطرف الآخر، وذلك إذا استجد خطر يجعل الالتزام بالمعاهدة أمرا يهدد أمنه. واذا كان مسؤولو الولاياتالمتحدة يستبعدون إمكانية إثارة مسألة الدرع الصاروخية في المعاهدة الجديدة، فإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد بشكل جازم يوم تاسع مارس الجاري بأن روسيا الاتحادية والولاياتالمتحدة ستوقعان المعاهدة الجديدة لتقليص الاسلحة الاستراتيجية الهجومية خلال اسبوعين او ثلاثة، وأن الوثيقة ستضمن الربط بين الاسلحة الاستراتيجية الهجومية والدرع الصاروخية، بالرغم من انه ربط نهاية الجولة العاشرة للمباحثات الجارية حاليا بجنيف بمقدرة المتفاوضين على تنفيذ المهام الموكل بها اليهم، وكذا في حالة التزام الطرفين بالمبدأ الرئيسي المتعلق بالقضية الاشكال التي يختلف فيها الطرفان. وبحسب لافروف فإن مسألة الدرع الصاروخية ستثار وستثبت في نص المعاهدة الجديدة دون اي شك، وسيتم التأكيد على ضرورة الربط بين الاسلحة الهجومية والدفاعية، مشيرا إلى أنه لا وجود لمشاكل بين الدولتين بخصوص المسألة، باعتبارها "أمرا موضوعيا"، وهو الامر الذي لا تتفق معه واشنطن وترى أن القضيتين متوازيتين لا يمكن ان يلتقيا في فحوى المعاهدة. ولا زالت موسكو تؤكد على التزام سابق للرئيس الامريكي باراك اوباما ونظيره الروسي دميتري ميدفيدف بعد أن أكدا أثناء لقاء جمعهما في شهر ابريل الماضي في لندن على العلاقة القائمة بين الاسلحة الاستراتيجية الهجومية والدفاعية، وكلفا الحكومتين بأن تعكسا هذا الربط في المعاهدة، وهو ما تم التأكيد عليه خلال زيارة اوباما لروسيا في يوليوز المنصرم. وإذا كانت الارادة السياسية حاضرة لدى المسؤولين السياسيين للبلدين، فإن المسؤولين العسكريين، حسب ما يتم التصريح به في وسائل الاعلام الروسية، يرون أن توقيع الوثائق قبل بدء اللقاءات بين القادة له دلالات سياسية كبيرة ، لكن من الواضح أن عمليةَ التصديق على المعاهدة الجديدة ستمتد طويلا ذلك أن المشكلات لن تظهر أثناء التصديق على الاتفاقية في مجلس الشيوخ الأمريكي فحسب بل وفي مجلس الدوما الروسي كذلك، إذ أن قضية الدرع الصاروخية الأمريكية ستلعب دورا في اتخاذ النواب الروس لقرارهم بشأن المعاهدة. كما يرى خبراء روس عسكريون أن المسألة المتعلقة بالصواريخ الامريكية الجوالة البعيدة المدى التي يتم إطلاقها من البحر تشكل "عقبة كبيرة"، لأن الطرف الأمريكي يرفض وضعها تحت المراقبة بحجة أن هذا أمر صعب أو مستحيل، مشددين على وجوب وضع هذا النوع من الصواريخ تحت المراقبة لقطع الطريق على احتمال تزايد عدد الصواريخ المجهزة برؤوس نووية يمكن توجيهها إلى أهدافها بمنتهى الدقة. وفضلا عن ذلك، يرى الخبراء الروس ضرورة توصل روسياوالولاياتالمتحدة إلى اتفاق ينهي موضوع الدفاع المضاد للصواريخ، باعتبار ان نشر الشبكة الأمريكية التي صممت لاصطياد الصواريخ حول العالم سيعطي دفعا جديدا لسباق التسلح ويؤدي إلى دخول الأسلحة إلى الفضاء، ويضع بالتالي عقبة يصعب تجاوزها على طريق مواصلة تخفيض الأسلحة النووية. وفي المقابل، يذهب بعض المحللين السياسيين الروس الاكثر تفاؤلا الى ان قرار الولاياتالمتحدة بنشر مضادات للصواريخ في بولندا ورومانيا وبلغاريا وإن كان أمرا استفزازيا لروسيا، إلا أنه من المستبعد أن يؤثر ذلك على توقيع المعاهدة رغم ان الشعور بأن إحاطةَ البلاد (روسيا) بقواعد صاروخية أمر غير مريح، لكن هذه المضادات تعمل ضد الصواريخِ قصيرة ومتوسطة المدى وروسياوالولاياتالمتحدة لا تمتلكان مثل تلك الصواريخ. والى حين توافق الدولتين المعنيتين بالمعاهدة، يعلق العالم آماله على امكانية خلق توازن حقيقي امني وعسكري لتجنب العودة الى الحرب الباردة والمواجهة بين الدولتين، التي لا تخدم مصالح دول العالم، وتعيق طريقها لمواجهة تحديات جديدة وعسيرة ترهن مستقبل الكرة الارضية، وهي مرتبطة بقضايا اقتصادية صعبة ومشاكل بيئية تضع مصير ساكنة العالم على كف عفريت.