أناط المشرع الدستوري المغربي بالأحزاب السياسية مسؤولية تأطير المواطنين ، وحيث أن بلادنا اختارت منذ الاستقلال التعددية الحزبية ، فقد كان لزاما العمل على بحث الإطار القانوني الذي يمكن الأحزاب من القيام بواجبها الدستوري على أكمل وجه ، غير أن الإطار القانوني وفي إطار التضييق على الفعل الحزبي الوطني الجاد ، استمر لسنوات في التعامل مع الأحزاب كمجرد جمعيات للأحياء ، واستمر العمل التطوعي طاغيا على المنشغلين بالعمل السياسي مما أصبح من الناحية الواقعية والفعلية مستحيلا على الأحزاب أن تقوم بدورها الدستوري في ظل فقر مدقع بالنسبة للموارد البشرية والمالية ، وكان هذا الواقع جزءا من آليات التحكم في الفعل الحزبي ، حيث بادرت الدولة في سياقات ومراحل مختلفة إلى الدفع بكائنات حزبية بإمكانيات متنوعة وضخمة يتم تحضيرها لخدمة مشروع معين ، حيث السيارات والمقرات الحزبية والمستخدمين والمطابع وغيرها من أموال الريع السياسي ...إن موضوع تمويل العمل السياسي يثير عددا من الإشكاليات المرتبطة بالمسار الديمقراطي لكل دولة ، وتتضح إرادة الدول في تطوير بناءها الديمقراطي في حجم الفعل والإرادة المعبر عنهما في جانب توفير الموارد المالية والبشرية لعمل الأحزاب السياسية ،إذ أن الشفافية والعدالة في توزيع الدعم هما الضمانة لوقوف جميع الأحزاب بشكل متساوي أمام الدولة وأن الفرق يقرره الناخبون من خلال صناديق الاقتراع التي تفرز بالنتيجة تراتبية الأحزاب وبالتالي تراتبية توزيع الدعم...في سياق التطور الديمقراطي الذي عرفته بلادنا أصبح للأحزاب السياسية إطار قانوني خاص ينظمها من خلال قانون الأحزاب والذي من بين ما تضمن بابا خاصا بتمويل الأحزاب السياسية والذي جاء فيه: « المادة: 28 تشتمل الموارد المالية للحزب على: - واجبات انخراط الأعضاء؛ - الهبات والوصايا والتبرعات النقدية أو العينية على أن لا يتعدى المبلغ الإجمالي أو القيمة الإجمالية لكل واحدة منها 100.000 درهم في السنة بالنسبة لكل متبرع؛ - العائدات المرتبطة بالأنشطة الاجتماعية والثقافية للحزب؛ - دعم الدولة. المادة 29 تمنح الدولة للأحزاب السياسية التي تحصل على نسبة 5 % على الأقل من عدد الأصوات المعبر عنها في الانتخابات العامة التشريعية برسم مجموع الدوائر الانتخابية المحدثة وفقا لأحكام المادة 2 من القانون التنظيمي رقم 97-31 المتعلق بمجلس النواب دعما سنويا للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها. يقيد المبلغ الإجمالي لهذا الدعم في قانون المالية. المادة: 30 لا يجوز للحزب أن يتلقى دعما مباشرا أو غير مباشر من الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة وكذا الشركات التي تملك الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة كلا أو جزءا من رأسمالها. المادة 31 يجب أن تؤسس الأحزاب السياسية وأن تسير بأموال وطنية دون سواها. المادة 32 يجب أن يتم بواسطة شيك بنكي أو شيك بريدي كل تسديد نقدي لمبالغ مالية لفائدة حزب سياسي تتجاوز قيمته 5000 درهم. يجب أن يتم بواسطة شيك كل إنجاز لنفقة لفائدة حزب سياسي يتجاوز مبلغها 10000 درهم. المادة 33 يجب على الأحزاب السياسية أن تمسك محاسبة طبق الشروط المحددة بنص تنظيمي. كما يتعين عليها أن تودع أموالها باسمها لدى مؤسسة بنكية من اختيارها. المادة 34 تحصر الأحزاب السياسية حساباتها سنويا. ويشهد بصحتها خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين. يجب الاحتفاظ بجميع الوثائق المحاسبية لمدة 10 سنوات تبتدئ من التاريخ الذي تحمله. المادة 35 إن توزيع مبلغ مساهمة الدولة برسم الدعم السنوي بين الأحزاب السياسية يتم على أساس: 1- عدد المقاعد التي يتوفر عليها كل حزب في البرلمان طبقا لبيان يعده سنويا رئيسا غرفتي البرلمان. كل فيما يخصه، خلال الشهر الموالي لتاريخ افتتاح دورة أكتوبر؛ 2- عدد الأصوات التي حصل عليها كل حزب سياسي في الانتخابات العامة التشريعية برسم مجموع الدوائر الانتخابية المحدثة وفقا لأحكام المادة 2 من القانون التنظيمي رقم 97 _ 31 المتعلق بمجلس النواب.» ..حقيقة عندما يتأمل الإنسان هذه المواد من قانون الأحزاب ويقارنها مع ما تحظى به مهرجانات من دعم من الدولة والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص، حتى أن ميزانية مهرجان واحد مدته أسبوع، تفوق بكثير ما يمنح لمجموعة من الأحزاب ، يتساءل هل فعلا نريد في هذه البلاد ترسيخ الديمقراطية ؟ هل يُعقل أن تتحقق الديمقراطية بصفر درهم ؟ هل يعقل أن يتم تحميل الأحزاب مسؤولية كل شئ وتأطير ملايين المغاربة بتمويل لا يبلغ حتى أجر « شيخة « من شيخات لبنان ومصر؟ هل يمكن أن ننتظر من أحزاب مبنية على الهواية والتطوع أن تمتلك من الموارد البشرية واللوجستيك ما يمكنها من تأطير كل بقعة من ربوع الوطن المترامي الأطراف ؟ لماذا نتساءل عندما تلجأ الأحزاب للأعيان والأغنياء أليس لمُدارات فقرها وتأجيل طرح الأسئلة المشروعة حول واقع وضعف تمويل الأحزاب ؟ إن للديمقراطية ثمن وللاستقرار ثمن وللتنمية ثمن ، ومن غير المفهوم أن تكون تكلفة السلطة التشريعية مثلا منذ 1963 مليار دولار، في حين بلغت تكلفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نفس المبلغ في ظرف خمس سنوات...مع العلم أن البرلمان بغرفتيه يعاني فقرا كبيرا في الأطر التي يجب أن تشتغل مع البرلمانيين كفريق عمل لمتابعة عمل السلطة التنفيذية وعملية التشريع ، أم أن هناك من له مصلحة في بقاء المؤسسة التشريعية على تلك الصورة النمطية التي تمس جوهر عمل الأحزاب والنواب وبالتالي الاستمرار في تتفيه الحياة السياسية والنيابية والانتخابية ، والسؤال هو لمصلحة من ؟وماهو البديل ؟وبأي ثمن؟ [email protected]