يرى الدكتور عمر بندورو، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الحديث عن الدخول السياسي في المغرب غير دقيق، لأن هذا المفهوم مرتبط بالأنظمة الديمقراطية حيث فصل السلط واضح وحقيقي، وبالتالي لا يمكن مساءلة الحكومة، ولا يمكن الحديث عن دخول سياسي. والمخرج من هذا الوضع هو إصلاحات دستورية تخول الحكومة اختصاصات واضحة في وضع السياسة العامة للبلاد، كما تفتح المجال أمام المعارضة لوضع سياسية بديلة. وبخصوص قانون الانتخابات، أكد بندورو أن الأولوية في المغرب يجب أن تكون لنزاهتها وشفافيتها أولا، كشرط ضروري للتفكير في نمط الاقتراع، ودعا بندورو إلى افتكاك الإشراف على الانتخابات من وزارة الداخلية التي تستغلها لترجيح كفة من تريد من الأحزاب أو الأعيان، ومنحها إلى هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات وتكون لها من الاختصاصات ما يمكنها أن تعاقب المخالفين من المرشحين ومن رجال الإدارة. وتوقع بندورو في هذا الحوار تحييد حزب الاستقلال وتراجعه في الانتخابات التشريعية المقبلة، لصالح إستراتيجية المخزن، التي تدعم حزب الأصالة والمعاصرة ليحتل المشهد السياسي. فيما يلي نص الحوار: مفهوم الدخول السياسي لا يطبق إلا عندما تكون اللعبة السياسية واضحة مع اقتراب الدخول السياسي، بدأت الأحزاب السياسية أغلبية ومعارضة في الإعلان عن برامجها للإصلاح السياسي، والتي ليس بينها الإصلاح الدستوري، هل تعتقدون أن الإصلاح السياسي بدون إصلاح دستوري كاف لإصلاح المشهد السياسي المغربي؟ عندي تحفظ حول ما يطلق عليه الدخول السياسي، حيث إن هذا المفهوم لا يطبق إلا في نظام ديمقراطي، تكون فيه اللعبة السياسية واضحة بين حكومة تنبثق عن الاقتراع العام المباشر، ولها الاختصاصات اللازمة لتدبير الشأن العام، وبذلك تكون مسؤولة عن السياسة العامة المطبقة، وبين معارضة مكونة من أحزاب لها قاعدة شعبية تسمح لها بأن تكون غدا أغلبية إذا أراد ذلك الناخبون، وبذلك فهي تقترح سياسة بديلة للسياسة الحكومية. أما في المغرب فلا يمكن مساءلة الحكومة عن سياسة محددة خارج اختصاصاتها ولا مطالبة المعارضة باقتراح سياسة بديلة، الشيء الذي يؤدي إلى طرح الإصلاحات الدستورية كشرط أولي لإقرار القواعد الديمقراطية في النظام السياسي المغربي. بمعنى آخر، الإصلاحات الدستورية تبقى أساس تحديد اللعبة السياسية من أجل تخويل الحكومة اختصاصات تجعلها مسؤولة عن تحديد السياسة العامة في البلاد، وعند تطبيقها أمام الناخبين حتى يمكن محاسبتها مع إمكانية فتح المجال للمعارضة لاقتراح بديل للسياسة المتبعة وإمكانية تطبيقها في حال فوزها في الانتخابات التشريعية العامة. وهنا يمكن الإجابة عند سؤالك بالقول بأن الإصلاح الدستوري في النظام السياسي المغربي هو المدخل للإصلاح السياسي. لأن الدستور هو الذي يؤطر الإصلاح السياسي حيث يعتبر المصدر والإطار القانوني والسياسي لمختلف الإصلاحات السياسية المطالب بها. توجه عدة أحزاب، خاصة المشاركة في الحكومة، منذ مدة انتقادات لنمط الاقتراع باللائحة وتدعو إلى العودة إلى نمط الاقتراع الفردي أو الخلط بين الفردي واللائحي، على اعتبار أن اللائحي أثبت محدوديته في الحد من الفساد الانتخابي، إلى أي حدّ تعكس هذه الادعاءات حقيقة الإشكال في المغرب؟ الفساد السياسي ليس مرتبطا بنوع من أنواع الاقتراع بل مرتبط بسلوك المرشحين والأحزاب السياسية وسلوك الإدارة في عدم فرض احترام القانون. أحيانا تقوم السلطة بمراقبة عدد من المرشحين دون الآخرين في حين أن الشفافية ومبدأ المساواة يقتضي مراقبة شاملة دون تمييز. لذلك فإصلاح المشهد السياسي مرتبط بإصلاح قانون الأحزاب السياسية وقانون الانتخابات ومراقبة أعمال السلطة. فلا بد من تأسيس هيئة مستقلة عن السلطة السياسية والأحزاب من أجل تتبع مختلف مراحل العمليات الانتخابية وتخويلها سلطة من أجل متابعة المخالفين للقانون سواء من طرف رجال الإدارة والسلطة أو من طرف المرشحين. أما قانون الأحزاب السياسية الحالي فيجب تعديله من أجل تقوية التعددية السياسية وحذف الاختصاصات المخولة للحكومة من أجل منع الأحزاب والتضييق على أنشطتها. التجارب الديمقراطية تؤكد بأنه المشهد السياسي لا يتم إعادة تركيبه بناء على قانون يقيد من تأسيس الأحزاب ومن أنشطتها، بل بناء على شفافية الانتخابات ونزاهتها وحياد إيجابي للإدارة وتعامل السلطة بالمساواة اتجاه الأحزاب والمرشحين. من جهة أخرى، توضيح الخريطة السياسية في البلاد مرتبط كذلك بالاختصاصات المخولة للحكومة التي يجب مبدئيا أن تنبثق عن الاقتراع العام المباشر أي عند الانتخابات التشريعية العامة. فكيف يمكن الحديث عن التحالفات ما دامت الانتخابات لا تسمح للأحزاب بإعداد مشروع مجتمعي يمكن تطبيقه في حالة انتصارها في الانتخابات، لذلك فإعادة هيكلة المشهد السياسي مرتبط كذلك بالإصلاحات الدستورية. أما إذا رجعنا إلى نمط الاقتراع فترجيح نمط على آخر مرتبط بالثقافة السياسية للبلاد وتجاربها الديمقراطية، فمثلا في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي إنجلترا، فالاقتراع بالأغلبية في دورة واحدة لا يطرح أي إشكالية ديمقراطية ولا تمثيلية. كما ان الاقتراع بالأغلبية في دورتين في فرنسا يتماشى مع ما كان يريده مؤسس الجمهورية الخامسة حيث ساهم في الاستقرار الحكومي وفي تكوين قطبين يتصارعان على السلطة(يمين يسار). إذن في المغرب، الأولوية هي الإعداد لانتخابات نزيهة وشفافة كشرط أساسي للتفكير في نمط الاقتراع. مرة أخرى، ارتفعت مطالب بضرورة اعتماد تقطيع انتخابي يضعه البرلمان بدل مرسوم من وزارة الداخلية، والدعوة إلى أن يشرف القضاء الانتخابات بدل وزارة الداخلية، هل يعني هذا أن الفساد الانتخابي سببه عدم تحمل وزارة الداخلية لمسؤوليتها كاملة؟ منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، والتقطيع الانتخابي مخول لوزارة الداخلية التي تعمل على إعداده من أجل ترجيح مصالح شخصيات أو أحزاب لضمان تفوقها في عدد من الدوائر الانتخابية. فالتقطيع الانتخابي يلعب دورا أساسيا في إقرار المساواة أو في تشويه النتائج الانتخابية. تقتضي الديمقراطية تخويل البرلمان صلاحية المصادقة على التقطيع الانتخابي حيث يتم مناقشته علنيا مع إمكانية مراقبته من طرف المحكمة الدستورية. فالمحاكم الدستورية في عدد من الدول الديمقراطية فرضت على السلطة السياسية إعداد تقطيع انتخابي عادل يأخذ بعين الاعتبار المساواة بين المواطنين عند التعبير عن إرادتهم وهذا ما أقرته مثلا المحكمة العليا في أمريكا. المتتبع للسياسات العمومية يلحظ بطء في وتيرة الإصلاحات الكبرى، مثل القضاء والإعلام وتحسين تنافسية الاقتصاد وغيرها، بل وضعفا في مردوديتها السياسية، أين يكمن الخلل؟ بالطبع، فالقضاء والإعلام يعتبران من الأوراش الأساسية التي تتطلب إصلاحا حقيقيا. فوضعية القضاء في المغرب تطرح إشكالية كبيرة لكونه تابع للسلطة التنفيذية في حين أنه مكلف بحماية حقوق المواطنين وحريتهم. فالقضاء لا يمكن أن يؤدي وظيفته إلا إذا كان مستقلا عن السلطة السياسية وغير خاضع لضغوطات السلطة التنفيذية، فالمجلس الأعلى للقضاء الذي يعتبر الهيئة الدستورية التي تسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم، هو في وضعية تابعة لوزير العدل، فهذا المجلس لا يملك استقلاليته المالية والإدارية، ولا يملك في أغلب الأحيان إلا سلطة استشارية فيما يخص تعيين وترقية القضاة والعقوبات التأديبية اتجاههم. حيث السلطة الحقيقية في هذه الميادين مخولة لوزير العدل. أما فيما يخص الإعلام، فالإعلام السمعي البصري هو بين يدي هيئات تخضع للسلطة التنفيذية ولا تؤدي واجبها في احترام التعددية السياسية والثقافية والاجتماعية، أما حرية الصحافة المكتوبة، فالقضاء نظرا لتبعيته للسلطة التنفيذية لا يستطيع حماية الصحفيين ضد مختلف المتابعات القضائية، فتحت غطاء القذف يتم محاكمة الصحفيين والجرائد المستقلة التي تجرأ على طرح عدد من القضايا المتعلقة بالسلطة السياسية وبما يسمى المقدسات. لا يمكن الحديث عن الديمقراطية في نظام سياسي معين إلا إذا كانت تتوفر فيه عدد من الشروط منها إقرار فصل السلط وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين والحريات العامة ومن بينها أساسا حرية تأسيس الأحزاب وحرية الصحافة. لأول مرة خلال رمضان المنصرم، تحدث الشيخ بيد الله، الأمين العام لالبام علنيا عن وجود تناقضات داخل حزبه، ما هي دلالات مثل هذه التصريحات لحزب يوصف بأنه حزب الدولة؟ تشكل هذا الحزب على أساس أن يكون الحزب المساند للسياسة الملكية والمدافع عن المؤسسات الرسمية والدستورية. وتشكل أيضا على أساس استقطاب نخب سياسية سواء كانت منتمية لأحزاب سياسية أخرى أو أعيان أو أصحاب نفوذ في مختلف جهات البلد. كما أن تأسيس هذا الحزب من قبل السيد فؤاد علي الهمة باعتباره صديق الملك دفع بعدد من الأشخاص للانخراط في الحزب لتحقيق مصالح شخصية والتقرب من السلطة لأجل الحصول على مناصب عامة مهمة، أو مواقع سياسية. واعتبر البعض الآخر أن الانخراط في الحزب من شأنه منحهم حصانة سياسية وحتى قضائية من أجل القيام بأعمال لا يمكن تحقيقها بمفردهم. إذا لقد تأسس هذا الحزب لاستقطاب شخصيات سياسية وذوي النفوذ أيضا، وهؤلاء يجمع بينهم أساسا تحقيق المصالح الشخصية. والتنافس من أجل تحقيق المصلحة الشخصية يطغى على وضعية الحزب مما يؤدي إلى التناقض بين مختلف المصالح الفردية. وهذا التناقض لا يسهل مهمة فؤاد علي الهمة الذي يريد أن يجعل من هذا الحزب المؤطر للمشهد السياسي المغربي والأغلبية الحكومية اللاحقة، فطريقة تشكل الحزب تقترب كثيرا من طريقة تشكيل الفديك في سنة 1963 وحزب التجمع الوطني للأحرار سنة ,1978 هل سينجح هذا الحزب في تأطير العمل الحزبي والأغلبية الحكومية المنتظرة في 2012؟ سوف نرى. البعض يقرأ في التصريحات والتصريحات المضادة بين قيادات في حزب الاستقلال وفي البام مؤشرات خطة تدفع باتجاه إخراج الاستقلال من الحكومة في أفق ما بعد ,2012 لفائدة تكتل ليبرالي مسنود بالاتحاد الاشتراكي، إلى أي حدّ يعد هذا السيناريو واقعي وممكن؟ إذا تتبعنا الإستراتيجية المخزنية، فحزب الاستقلال لن يكون في الانتخابات التشريعية المقبلة الحزب الأول من حيث المقاعد بل قد يفقد أهميته السياسية الحالية بالرغم من أن الوزير الأول والأمين العام للحزب لا يتردد في كل مناسبة في الإعلان عن وفائه وإخلاصه في تطبيق السياسة الملكية. بل إن المنطق المخزني يقتضي تغيير التشكيلة الحكومية الحالية من أجل الحديث عن التناوب السياسي بين الحكومة باعتباره ناتج عن الاقتراع العام المباشر.لذلك فكل الاحتمالات السياسية تبقى ممكنة مع العلم أن كل شيء مرتبط بالملك باعتباره الرئيس الحقيقي للسلطة التنفيذية، وبإرادته ورغبته في طبيعة التحالفات التي يريد تشكيلها داخل الحكومة وفي إطار المعارضة البرلمانية. (أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط)