التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مجلسا النواب والدولة في ليبيا يستغربان تدخل الخارجية الليبية في لقائهم في المغرب    نجاعة آسفي تهزم حماسة تواركة    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم وزارات السيادة في المغرب
نشر في هسبريس يوم 24 - 10 - 2007

مفهوم "وزارات السيادة" نتاج الصراع بين الشرعية الشعبية والشرعية التاريخية الدينية ""
في الثقافة السياسية المغربية ظلت، حسب ميزان قوى الصراع بين الشرعية الشعبية والشرعية التاريخية الدينية، مجموعة من الوزارات، قد يتصاعد عددها أو يتقلص باختلاف الظروف، وتنعت ب "وزارات السيادة" غالبا ما يهم الأمر وزارات الداخلية، الخارجية، الأوقاف، العدل، الأمانة العامة للحكومة وإدارة الدفاع الوطني، هذا مع العلم أنه لا وجود لوزارة الدفاع بالمغرب منذ الانقلاب العسكري لسنة 1972، وطبعا ظلت هذه الوزارات خارج دائرة نفوذ التناوب السياسي.
إنها في واقع الأمر وزارات لا يشرف عليها الوزير الأول؛ ومن أبرزها هذه الوزارات، وزارة الداخلية، علما أن الملك محمد السادس عمل في اتجاه الحد من تغول أجهزة الأمن المرتبطة بها، وذلك باعتبار الداخلية أهم "وزارات السيادة" في الثقافة السياسية المغربية، حيث يعتبر فقهاء القانون الدستوري والمحللون السياسيون أن مفهوم "وزارات السيادة" لا وجود له خارج مفهوم "حكومة السيادة"، إذ أن كل الوزارات هي وزارات سيادة، علاوة على أن الدساتير المغربية لم يسبق لها أن نصت على هذا المفهوم لا من بعيد ولا من قريب، حيث أجمع هؤلاء أنه مفهوم غير دستوري.
فالدستور المغربي ينص على أن السيادة للأمة التي تمارسها مباشرة عن طريق الاستفتاء أو بطريقة غير مباشرة عبر المؤسسات الدستورية، وما دامت الحكومة هي مؤسسة دستورية، فكل وزاراتها هي وزارات سيادة.
إلا أن مفهوم "وزارات السيادة" ظل مبدأ حاضرا بقوة في مجال التطبيق واحتل موقعا جوهريا في الخطابات الملكية لاسيما منذ الثمانينيات.
ومن المعلوم أن مفهوم "وزارت السيادة" ليس مفهوما تجزيئيا وإنما وجب ربطه بإشكالية السيادة في شموليتها، حتى في نطاق تكريسها على الصعيد المحلي، لاسيما بخصوص رمزية شخصية الوالي أو العامل التي تتمركز حول اختصاصات وصلاحيات واسعة.
لقد سبق لعبد الهادي بوطالب، مستشار الملك الراحل الحسن الثاني أن أكد بصريح العبارة، أن وزارات السيادة غير دستورية وإنما أضحت كذلك بالعرف فقط، دون الاستناد إلى أي نص قانوني.
ويرى الدكتور احمد مالكي، أستاذ العلوم السياسية، أنه في المغرب بدأنا مع حكومة 2002 ننتقل من الفهم القديم لوزارات السيادة إلى وضع أكثر تجديدا نسبيا، إذ أسندت وزارة العدل إلى الاتحاديين، علما أنه سبق لعبد الرحمان أمالو (حزب الاتحاد الدستوري) أن اضطلع بتدبير شؤون هذه الوزارة.
والأكيد هو أن مفهوم "وزارات السيادة" برز بوضوح في خضم صراع الشرعية التاريخية الدينية التي يدافع عنها القصر، والشرعية الشعبية المؤسسة على الديمقراطية التي تدافع عنها القوى المطالبة بالتغيير. ومما يرتكز عليه النظام في إبراز سمو الشرعية التاريخية الدينية عن الشرعية الشعبية، ثورة الملك والشعب، المتوجة للكفاح الوطني بقيادة الملك معية الحركة الوطنية انطلاقا من صدور الظهير البربري في 16 مايو 1930، إذ يعتبر من ثوابت هذه "الثورة" تكوين الدولة الوطنية والشرعية الوطنية تحت سمو الشرعية التاريخية الدينية.
وهناك من فقهاء القانون من يقرون أن مفهوم "وزارات السيادة" بدعة خلقها الملك الراحل الحسن الثاني ورسخها بقوة على صعيد التطبيق دون أن يكون لها أساس أو خلفية دستوريين، وقد تأكد هذا الأمر بجلاء إبان فشل المفاوضات بين الكتلة الديمقراطية والقصر بخصوص الاقتراح المقدم من طرف الملك الراحل الحسن الثاني حول حكومة التناوب، وقد يعزى ذلك الفشل إلى تشبث أقطاب الكتلة بشرط استبعاد إدريس البصري آنذاك، وهو الأمر الذي رفضه الملك كما نص على ذلك بلاغ صدر في هذا الصدد.
وحتى مع تعيين عبد الرحمان اليوسفي، وزيرا أول في ظل التناوب التوافقي، بقيت "وزارات السيادة" في يد وزراء غير حزبيين، كالداخلية والخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية وإدارة الدفاع والأمانة العامة للحكومة، ما عدا وزارة العدل التي تم التنازل عليها لفائدة الاتحاديين، وكذلك الأمر بعد خلع إدريس البصري، إذ ظلت وزارة الداخلية ضمن "وزارات السيادة" بامتياز، ومع بروز الإسلاميين وتقوية عودهم، بدأت فعاليات سياسية تدافع على ضرورة أن تظل بعض الوزارات تحت إشراف الملك وأن لا توضع بيد الأحزاب السياسية.
ومهما يكن من أمر، سيظل مفهوم "وزارات السيادة" قائما على الصعيد التطبيقي رغم عدم دستوريته، وذلك بفعل استمرار الصراع بين الشرعيتين.
واعتبارا لحيوية تلك الوزارات، سيكون من المغامرة حاليا، حسب تصور المخزن، إسنادها للأحزاب نفسها.. وهناك من يرى في وجود واستمرارية "وزارات السيادة" أمرا عاديا في ظل الظروف التي يعيشها المغرب، علما أن الملك ليس في حاجة لذلك المفهوم باعتبار أن الحكومة حكومته وتنفذ توجيهاته، وبذلك يظل أمر إسناد "وزارات الحكومة" إلى الأحزاب السياسية مرتبطا بإرادة الملك واختياره.
مصطفى بوعزيز / مؤرخ وأستاذ باحث
السلطة تأخذ شرعيتها خارج المجتمع والحقل السياسي
يرى المؤرخ مصطفى بوعزيز، أن السلطة في المجتمعات ما قبل الحداثية تأخذ شرعيتها من خارج المجتمع ومن خارج الحقل السياسي.
كما يقر أن مفهوم "وزارات السيادة" يظهر في لحظات صراع نفوذ بين فاعلين سياسيين أمامهم نزاع حول الشرعية، وبالتالي فهو أداة لتقليص مجال نفوذ فاعل وتوسيع مجال فاعل آخر.
كما يؤكد أن الوزارات في تاريخ المغرب دخلت بشكل تدريجي في تراتبية، ليوجد بعضها في أعلى الهرم وبعضها الآخر أدناه، وذلك منذ حضور قناعة اعتماد نظام حكامة جديد قاعدته تراكب بين نظام الشرعية التاريخية الدينية والشرعية الشعبية.
- ظل مفهوم السيادة قائما بالمغرب فمتى كان بروزه وهل أملته ظروف سياسية؟
+ المشكل في المغرب مرتبط بمفهوم السيادة، قبل وزارات السيادة، وإذا راجعت الدستور المغربي ستجد فيه أن السيادة للأمة، بينما في المجتمعات الحداثية السيادة للشعب، ومن هنا يجيء النقاش حول مصدر السلط، ففي المجتمعات الحداثية الشعب هو مصدر السلط، أما في المجتمعات ما قبل الحداثية، السلطة تأخذ شرعيتها من خارج المجتمع ومن خارج الحقل السياسي.
هذا التعارض الأول في مفهوم السيادة هو الذي، يطرح على المستوى العملي، غموضا يلحق بالسيادة كالحكومات إلخ.. وهذا جانب أول.
أما بالنسبة لوزارات السيادة، بطبيعة الحال، فإن هذا المفهوم هو مفهوم ظرفي يظهر في بعض الظروف السياسية ويغيب في ظروف سياسية أخرى، وبدقة أكثر يمكن القول إنه في لحظات صراع نفوذ بين فاعلين سياسيين، أمامهم نزاع حول الشرعية، يظهر هذا المفهوم، لأنه يرتبط بصراع حول مناطق النفوذ في السلطة القائمة، ويمكن الاختصار بشكل مجرد والقول إن فترات غياب النزاع حول الشرعية واستقرار النظام السياسي بطريقة من الطرق، إما بالقبول العام للشعب والأمة وإما بالتعسف؛ وبالتحكم في هذه اللحظات يغيب مفهوم وزارات السيادة، بينما في لحظات نوع من التباري بين مختلف الفاعلين يظهر هذا المفهوم، لأنه هو الأداة التي تؤدي إلى تقليص مجال نفوذ فاعل وإلى توسيع مجال الفاعل الآخر.
- في تاريخ المغرب السياسي، هل يمكن القول إنه تم اعتماد تراتبية بخصوص الوزارات في تعامل القصر مع الحكومة؟
+ خصوصا في المغرب المستقل، (أي من الاستقلال إلى الآن)، فمنذ أن دخل المغرب في بناء الدولة الوطنية، من 1956 إلى 1960، برز مفهوم وزارات السيادة، لأن الفاعلين السياسيين آنذاك، بين الحركة الوطنية (حزب الاستقلال وأحزاب أخرى) والقصر (المؤسسة الملكية) كان نوع من التوازن في ميزان القوى، وكان الصراع حول كيف سنبني الدولة الوطنية؟ وعلى أية سلط ستتأسس؟ وبما أن الدستور كان ورشا من الأوراش المفتوحة والتي كانت لازالت في بدايتها، والحكومة كانت الميدان الأول الذي سيتم فيه الصراع بين هؤلاء الفرقاء، لذلك برز مفهوم وزارات السيادة، وتجسد بالأساس في وزارة الداخلية ووزارة الدفاع بالأساس، وأخذت هاتين الوزارتين صفة وزارات السيادة، لأن الداخلية تعنى بالإدارة الترابية وبالنسبة للدفاع هناك الجيش، خصوصا وأن الصراع كان مع جيش آخر، وهو جيش التحرير الذي ظل موجودا إلى حدود زلزال أكادير، أي إلى حدود سنة 1960، وكانت مناسبة لتصفية نهائية لجيش التحرير، آنذاك كان الصراع حول هاتين الوزارتين، وكذا كانت البداية في هذا الإطار.
- في تاريخ المغرب السياسي، هل يمكن القول إنه تم اعتماد تراتبية بخصوص الوزارات في تعامل القصر مع الحكومة؟
+ بطبيعة الحال، لأن الحكومة هي أداة من أدوات السلطة القائمة، وبما أن الصراع الفعلي الذي كان حاصلا في بناء الدولة الوطنية، كما قلت، هو مرتبط بطبيعة الدولة، وإذا كانت دولة الحق والقانون مؤسسة على مبدأ جوهري، وهو أن الشعب مصدر السلط، فإن الدولة المغربية مبنية على أساس أن الأمة هي مصدر السلط وبأن الملك يمثل الأمة.
وهذا الصراع لا زال موجودا، وهو المتمحور حاليا حول، هل يصلح الدستور أو لا يصلح، وكان الجواب عليه، ولو بشكل خفيف، بما يقال : الانتقال، أي لننتقل، بمعنى أن هناك مرحلة انتقال من وضع إلى وضع آخر، لا زال لم يتجسد بعد، والصراع حول مصدر السلطة لازال قائما، وهو الذي يعبر عنه في الأدبيات الحقوقية بالشرعية، تنازع شريعتين، شرعية شعبية يقودها الانتخاب وصناديق الاقتراع، والشعب المصوت والمواطن المشارك في الانتخابات والشرعية الدينية التاريخية التي تطرح للمحاسبة، وهي الموجودة وتجسد المؤسسة الملكية، إذن هذا النزاع الحاصل بين الشرعيتين هو الذي تحرك خلفيته عمليا ما يظهر في جانب من جوانب الحياة السياسية في تشكيل الحكومة وفي تحديد الوزارات، وفي هذا الإطار، بطبيعة الحال إن مجموعة من الوزارات، في تاريخ المغرب، بشكل تدريجي ستدخل في تراتبية، وستوجد بعضها عمليا، في أعلى السلم وبعضها الآخر في أدناه، بعبارة أخرى سيسمح للشرعية "الشعبية" (أسطر على الشعبية بين مزدوجتين) بأن تتصرف في بعض الوزارات المتواجدة في أدنى السلم، وأن لا تتصرف نهائيا في الوزارات المتواجدة في أعلى السلم، لأنها تشكل الأدوات التي عبرها يتجسد النظام وخصوصا السلطة التي تمثل المؤسسة الملكية.
وكما قلت سابقا، هذا التجسيد لم يظهر بقوة إلا في الفترات التي يكون فيها تنازع بين الشرعيتين، وهذا ما برز في لحظات معينة، مثلا فيما بين 1960 إلى 1975 لم يكن موجودا، لأن مسألة السلطة محسومة والفاعلون الذين كانوا يحملون تصورا آخر للمجتمع ولمصدر السلطة كانوا في الهامش، وكانت هناك هيمنة مطلقة للمؤسسة الملكية، فلذلك لم يسجل قط في التاريخ أن كان صراعا حول الوزارات أو حول الترابية بينها، كانت آنذاك كل الوزارات متساوية و مسألة التراتبية تدخل في العمل.
لكن ابتداءا من 1975، بدأ هذا النقاش يطفو على السطح، خصوصا بعد أن أصبحت المؤسسة الملكية مقتنعة بأن نمط الحكامة السابق غير ممكن في إطار التحولات العالمية والجهوية، لاسيما مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات، وللتذكير، في الفترة التاريخية التي قال فيها الملك الراحل الحسن الثاني " بأنني ضمن النظام المطروح عليه أن يتطور، وبأنني أطلب تجميد البرلمان لمدة سنتين أو تمديده لمدة سنتين، وستكون هذه الفترة بمثابة مرحلة تفكير، وبعدها سنفتح على الجميع"، إذن منذ 1989 إلى الآن، أصبح هذا النقاش ممكنا.
- لماذا؟
+ لأنه أصبحت هناك قناعة، بحيث يجب التخلي عن نظام الحكامة القديم والدخول في نظام حكامة جديد، قاعدته تراكب بين الشرعية التاريخية الدينية والشرعية الشعبية.
طبعا هذا التراكب في أي إطار سيتم؟ بالنسبة للملكية المغربية لا يمكنه أن يتم إلا في إطار تراتبية، وهذه التراتبية هي سمو الشرعية التاريخية الدينية على الشرعية الشعبية.
هذا هو الشرح النظري والتاريخي لهذا التطور.
- هل الخروج عن قاعدة تكريس مفهوم وزارة السيادة (مثل حالة وزارة العدل مع حكومة اليوسفي ثم حكومة جطو) هو مجرد استثناء، أم خيار حاصل في إطار صيرورة التغيير والانتقال الديمقراطي؟
+ هذا لن يغير شيئا فيما قلته، فقط هناك فرق درجي، (وأسطر كثيرا على عبارة "درجي")، بعبارة أخرى فما هو الثابت عندما أقول فرق درجي؟ الثابت هو تراكب الشرعية الديمقراطية مع الشرعية التاريخية الدينية في إطار سمو هذه الأخيرة، وترجمته هي اكتساب مناطق نفوذ، بعابرة أخرى، أن تتسع مناطق نفوذ الشرعية التاريخية والدينية، بمعنى الوزراء الذين يأخذون شرعيتهم مباشرة من الملك وليس من صناديق الاقتراع، ومناطق نفوذ الشرعية الديمقراطية التي تأخذ شرعيتها من البرلمان ومن نتائج صناديق الاقتراع، كيفما كانت هذه النتائج، باعتبار أننا نتكلم في إطار منطق شكلي، ومع ذلك في إطار هذا المنطق الشكلي، هناك نوع من الصراع بخصوص توسيع أو تقليص النفوذ، وهذا ما أسميه ب "الهندسة المتحركة"، بمعنى ليس هناك رسم لحدود نهائية، بل هناك هندسة متحركة، وهي التي تعطي للقوة وللفاعل المهيمن إمكانية رسمها كما يشاء، فقد يوسع مجال وزارات السيادة لكي يشمل حتى عشرة وزارات، وقد يقلصها في أربعة، كما جاء في خطاب مشهور للملك الراحل الحسن الثاني، الذي يقول الداخلية والوزارة الأولى والعدل والأوقاف، هذا عندما كان يتحدث عن التناوب الأول، أي العرض الأولي للتناوب في 1989 والذي لم يعط شيئا، وفي مقترحه الثاني، في التناوب المطروح بعد انتخاب 1993، عمليا، نظرا لأن الكتلة الديمقراطية كانت فاعلا صاعدا له برنامج يتجاوب معه عدد من المواطنين بشكل كبير، خصوصا أن البرنامج المجسد في ميثاق الكتلة كان يعبر بوضوح عن أن الشرعية الشعبية يجب على الأقل أن تساوي الشرعية التاريخية الدينية، لذلك كان الحديث عن مجلس الوزراء، ومن ضمن مقترحات ميثاق الكتلة الأول أن يفوض الملك للوزير شرعية توازي شرعية الملك، هذا ما عبر عنه آنذاك مستشار الملك رضا كديرة بأنه انقلاب على جلالة الملك، وبعد فشل العرض الأول للتناوب، كان جواب الملك هو عدم التنازل عن أسبقية الشرعية التاريخية الدينية ولكن تنازل في الفضاء، ولذلك قلص الفضاء إلى حدود وزارة الداخلية، ترك الوزارة الأولى ووزارة العدل ووزارة الخارجية، فكان هناك تراجع عند التطبيق ولكن ليس في المبدأ الذي هو سمو السيادة التاريخية والدينية، وهذا هو الصراع الذي سيحسمه دستور 1996، وثلاثة أحزاب الكتلة من أصل أربعة صوتت على الدستور بقبول الشرعية الشعبية الآتية بالديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع، وبذلك فهي نوع من الاعتراف بالضعف، والنتيجة كانت مباشرة لأن هناك اعترافا بالضعف، أصبحت وزارات السيادة سبعة في حكومة اليوسفي.
- في نظركم هل مازالت هناك دواعي لاعتماد مفهوم السيادة في وقت ينادي فيه الجميع بضرورة ترسيخ مفهوم المواطن والمواطنة عوض مفهوم الرعية؟
+ الإشكال في سؤالكم، هو عبارة "ينادي به الجميع"، فمن هذا "الجميع"؟ هذا غير صحيح، الجميع يستعمل خطابا لا توحده إلا الكلمات، بمعنى أن الجميع يتحدث عن مواطنة، يتحدث عن الحداثة، يتحدث عن الديمقراطية، بل يتحدث حتى على الشفافية ودولة الحق والقانون، إلا أن اتفاق هذا "الجميع" ينتهي عند الكلمات.
عندما ننتقل إلى مدلول الكلمات، أي ماذا نضع في قلب كل كلمة؟ وما هي دلالتها؟ هنا يحدث الخلاف الكبير، وما يعطيك الوضوح في هذا الإطار هي المواقف السياسية، وأعني بالخصوص المواقف السياسية حول الإصلاح الدستوري، فقضية الإصلاح الدستوري تضرب وتقولون أنتم ب "الجميع" لأن هناك أولا من يقول بالإصلاح الدستوري الآن، وهناك من يقول بالإصلاح الدستوري مستقبلا عندما يرضى الملك ويريد، إذن هناك خلاف أولي حول الوقت والزمن، مادام هذا الخلاف موجودا سيستمر النقاش حول وزارات السيادة لأن نفس البناء الذي هو تراكب ضعيف بين الشرعية الديمقراطية والشرعية التاريخية الدينية مع سمو كبير لهذه الأخيرة، سيؤدي إلى استمرار الجدال حول وزارات السيادة.
وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى أن المشكل لا يتعلق بوزارات السيادة فقط، فأنتم الصحفيون غالبا ما تقاربون الأمور بشكل جزئي، فنفس الإشكال مطروح بالنسبة للدولة على الصعيد المحلي بتمثيلية الوالي أو العامل، والذي له صلاحيات كبيرة جدا، في الدستور، هو أيضا ممثل للسيادة وله سمو على ممثلي الوزارات، فمثلا سابقا في لحظات ميزان القوى كان مندوب وزارة لا يخضع للوالي أو العامل، بل يخضع لوزيره، والآن وبحكم بعض مقتضيات الدستور أصبح الوالي أو العامل ممثلا للدولة ومندوب أي وزارة يخضع له أكثر مما يخض لوزيره.
بل أكثر من هذا، ألا تلاحظ بأن جميع المدن الكبرى تقريبا من يوضع كعمدة على رأسها، غالبا ما يكون من حزب ضعيف لماذا؟لأن في البناء الذي نحن فيه لا يجب أن تظهر سلطة لها شرعية شعبية تدخل في نزاع مع من يمثل الشرعية التاريخية الدينية، فإذا كان هناك نزاع مثلا عمدة مدينة الدار البيضاء او مدينة مراكش يمثل التكتل الأقوى الموجود فسينازع ممثل الشرعية الأخرى، بذلك عندما يوضع على رأس مدينة، هناك تدخلات مختلفة، (فهناك اختلال يعطينا الأوضاع الكاريكاتورية التي تعرفون)، ففي الدار البيضاء أغلبية وفي الحكومة أغلبية أخرى، وليس هناك تطابق، بعبارة أخرى إن الأغلبية الحكومية المتضامنة حول الوزير الأول مفروض أن تنعكس محليا، لكنها هي متصارعة، وهذا يبين أن السامي هي الشرعية الأخرى ورموزها.
إذن الجميع غير متفق على الإصلاح الدستوري زمانا ( في توقيته) وفي هذا دلالة.
ومن يؤسس؟ هل الشعب الذي يؤسس وبحركات اجتماعية تطالب بتغيير وبانتقال أو بإدارة ملكية عندما يريد الملك؟ بمعنى آخر إن هذا التأجيل نفسه يكسر الصراع بين الشرعيتين، وهذا هو المستوى الأول في الخلاف.
أما المستوى الثاني فهو في المضمون، فحتى عندما يتفق هذا "الجميع" (الذي جاء في سؤالكم) حول الإصلاح الدستوري، فما هو مضمونه؟ وما هي الفصول المعنية؟ فإذا دققنا برامج الأحزاب في هذا الإطار سنجد أن هناك فرقين كبيرين، من ينزع نحو، على الأقل، التوازن بين السلطتين، إذن العودة إلى ميثاق الكتلة لسنة 1992، هو الذي يعطي للوزير الأول نفس الثقل للملك، علما أننا لسنا في إطار النموذج الغربي، الملك يسود ولا يحكم، ولكن يحكم بمعية الوزير الأول بدون تراتبية، في وئام ووفاق، وهذا مفهوم التوافق الوطني، أي توافق الشرعية الشعبية الديمقراطية مع الشرعية التاريخية الدينية، هذا النموذج لازال مطروحا، ولكن في المجتمع من يسانده ضئيل، والأحزاب السياسية التي تسانده وزنها متواضع.
وهناك من يطالب بإصلاح دستوري عندما يريد الملك وعندما يرضى ولكنه جزئي، إذ انه سيمس بعض الملاءمات، إذن نحن لازلنا في نفس التوجه، وبطبيعة الحال، أقول إن الوضعية هي وضعية استمرارية وليست وضعية قطيعة، وبما أنها كذلك فسيبقى النقاش دائما عن رموز السيادة بالمفهوم المغربي، أي سيادة المؤسسة الملكية المجسدة والممثلة للأمة، والتي ستبرز عبر وزارات قد تتسع وقد تتقلص، كوزارات أساسية، خصوصا من لها ركائز داخل المجتمع، شبكات الولاة، الجيش وشبكة العلماء المرتبطين بالمجلس العلمي، هذه هي الرموز الأساسية للسيادة التقليدية المغربية والتي تطمح للتطور بدون أن تنازعها سيادة شعبية كيفما كان مصدرها وكيفما كانت قوتها.
وهذا هو إشكال المغرب لأنه يتردد في أن يدخل حداثة العصر، فلذلك في الأخير، ما يستعمل كإسهاب في كلمات حداثية، حداثي، مواطنة.. كل هذا كلام لا غير، لأن المضمون الذي يعطى لها مضمون يلائم المصطلح "العصري" مع ثقافة محافظة.
بن يونس المرزوقي/أستاذ القانون الدستوري
من يمنع وزيرا أول من تقديم استقالته إن لم يتم قبول تشكيلة حكومته الكاملة؟
يرى يونس المرزوقي أن اعتماد مفهوم "وزارات السيادة" يهدف لترسيخ ممارسات خاطئة قصد فرضها كواقع، وهذا ما يجعل محاسبة الوزير الأول مهمة صعبة مادامت هناك قطاعات خارجة عن مجال تدخله ولم يكن له يد في اختيار الوزراء المسؤولين عنها، وفي نظره فإننا لا نعدو أن نكون أمام ممارسة لا تستقيم مع المبادئ العامة للديمقراطية، باعتبار أن الحياة السياسية المغربية مبنية على مبدأ التقرب من الملك.
- ما موقع مفهوم وزارة السيادة في الفقه الدستوري المغربي، إذ هناك من يعتبر أن هذا المفهوم أمر غير دستوري ويتعارض مع مفهوم الديمقراطية؟
+ لست أدري من أدخل مفهوم "وزارة السيادة" إلى الحياة السياسية المغربية، ولكن من الواضح أن وراءها هدف واضح يتمثل في ترسيخ مفاهيم وممارسات خاطئة قصد فرضها كواقع لا يُمكن تجاوزه.
إن الديمقراطية، بصفة عامة، إسناد تسيير شؤون الحكم إلى حزب أو تآلف حزبي معين مسنود بأغلبية برلمانية. ولذلك فإنه لا يمكن أن نمنح هذا الحزب أو هذه الأغلبية حكما ناقصا لأن هذا يتناقض مع مبدأ المسؤولية السياسية. فمن سنحاسب بالنسبة لوزارات "السيادة"؟ فنحن لا يُمكن أن نحاسب الحكومة في شخص الوزير الأول، لأن هذه القطاعات خارجة عن مجال تدخله بل لم يكن له يد في اختيار الوزراء المسؤولين عنها؛ كما أنه لا يُمكن محاسبة رئيس الدولة (الملك بالنسبة للمغرب) لأنه غير خاضع للمسؤولية السياسية بالمعنى المتعارف عليه في الفقه والحياة الدستورية.
وباختصار، فإن الأمر لا يعدو أن يكون بمثابة ممارسة لا تستقيم مع المبادئ العامة للديمقراطية. والأكثر من هذا، هو أن الفاعلين السياسيين المعنيين ليس لهم موقف واضح من هذا الموضوع الذي يسوده تعتيم كبير. إننا لا نعرف هل هناك وزير أول اقترح أسماء معينة وتم رفضها، ولا نعرف هل يتلقى الوزير الأول المعين تعليمات مسبقة بعدم تقديم مرشحين لهذه المناصب ... أم أن الأمر يتعلق بقبول صريح من قبل هؤلاء الفاعلين لقواعد هذه الممارسة.
– هل الخروج نسبيا من قاعدة تكريس مفهوم وزارات السيادة (وزارة العدل منذ حكومة اليوسفي) مجرد استثناء أم اختيار، أملته صيرورة التغيير والانتقال الديمقراطي؟
+ في الحقيقة ليس هناك أي خروج نسبي عن قاعدة مفهوم السيادة. وإذا كان الأمر واضحا بالنسبة لبعض الوزارات (الداخلية، الخارجية، الأمانة العامة للحكومة، الأوقاف، الدفاع)، فإنه بالنسبة لوزارة العدل لم تكن أبدا وزارة سيادة. لنلاحظ أن هذا القطاع كان لمدة طويلة بيد كل من الاتحاد لدستوري من خلال كل من المعطي بوعبيد وعبد الرحمان أمالو. ويُمكن إيجاد تفسير لذلك، في وجود المجلس الأعلى للقضاء الذي يتولى الاختصاصات الجوهرية في مجال القضاء، ولا يترك لوزير العدل إلا التسيير الإداري لهذا القطاع؛ ولعل هذا ما يُفسر إسناد هذا القطاع إلى الاتحاد الاشتراكي كتكريس لقاعدة عدم اعتبار هذا القطاع من وزارات السيادة، ولا ينقص الآن إلا وزيرا أول يتمسك بهذا.
– هل يعني مفهوم "وزارة السيادة" أن تعيين الوزير القائم عليها خارج عن مجال اقتراح الوزير الأول لفريق حكومته؟ وما هي علاقة مختلف الوزارات بمفهوم السيادة؟ وهل هناك تراتبية بهذا الخصوص في الممارسة؟
+ سبق أن أشرت إلا أن الممارسة السياسية بالمغرب ما زال يشوبها الغموض الواسع حتى على صعيد المعلومات. فليس لدينا لحد الآن وزيرا أولا يكشف ولو تفاصيل صغيرة عن تجربته في اختيار الوزراء.
ولكن من الراجح أن تكون هناك تعليمات مسبقة حتى لا يقع أي سوء تفاهم بهذا الخصوص. فإما أن الملك يقرر (بنفسه أو بواسطة طاقمه المقرب) في الأسماء التي ستتولى تسيير الوزارات التي يعتبرها من وزارات السيادة، أو أن يتم ذلك لاحقا من خلال اتصالات بالوزير الأول المعين. لكن الذي لا نعرفه، هو لماذا لا يكون الوزير الأول المبادر بخصوص اقتراح أسماء يعلم مسبقا أنها تحوز رضا الملك حتى يتقرب منه؟
إن الحياة السياسية المغربية مبنية على مبدأ التقرب من الملك، فلماذا دائما نعالج هذا الموضوع وكأنه مفروض من قبل الملك (خاصة في العهد الجديد)، ولماذا لا نوجه اللوم إلى المرشحين للوزارة الأولى؟ فمن الذي يمنع وزيرا أول أن يُقدم استقالته إذا لم يتم قبول تشكيلة حكومته الكاملة؟
– ظل القصر يتحكم عن قرب في مجموعة من الوزارات منذ أن اختلق الملك الراحل الحسن الثاني بدعة "وزارات السيادة"، في نظركم ما هي الدواعي إلى خلق هذه البدعة وإلى فرض هذا النهج في التعامل مع بعض الوزارات دون غيرها؟
+ إن خلق ممارسة "وزارات السيادة" كانت تتحكم فيه عوامل الصراع السابق بين النظام والمعارضة التي كانت قوية آنذاك. وبما أن المرحوم الحسن الثاني كان يعي جيدا أن "التناوب" ضرورة سياسية لإعطاء النظام استمرارية أفضل، فإنه كان يُحضر لكل شيء بشكل مسبق.
إن مفهوم "وزارات السيادة" لم يكن مطروحا قبل 1992، حيث كان الملك يعين الوزير الأول والوزراء. ولكن بعد هذا التاريخ، وبعد بداية الحديث عن مفاهيم جديدة من قبيل: التوافق، التراضي، التناوب ... كان لا بد للحسن الثاني من أن يقوم بوضع سياج حول بعض الوزارات التي يعتبرها استراتيجية بالنسبة لاستمرار النظام. وهنا يُمكن الرجوع إلى واقعة تشبثه بوجود إدريس البصري ضمن حكومة محمد بوستة في هذه الفترة وبلاغ الديوان الملكي الشهير في هذا الموضوع.
وطبعا فإن التجربة الطويلة للحسن الثاني في الحكم، كانت تجعله مطمئنا إلى أن هذه الممارسة لا يُمكن أن تزول بزواله، بل إنها ستستمر لفترة طويلة حتى بعد وفاته. وهذا ما نعيشه الآن.
– في نظركم هل نهاية العمل بمفهوم "وزارات السيادة" مرتبط بتوسيع صلاحيات الوزير الأول والحكومة؟ وهل لازال ساري المفعول الآن؟
+ لا أعتقد أن نهاية العمل بمفهوم "وزارات السيادة" مرتبط بموضوع صلاحيات الوزير الأول والحكومة. يجب أن نفرق هنا بين الصلاحيات الشكلية أو المسطرية وبين الاختصاصات الموضوعية للوزير الأول. ففيما يخص هذه الأخيرة، يحتاج الدستور المغربي فعلا إلى مراجعة من أجل تدعيم مؤسسة الوزير الأول وإسناد اختصاصات أخرى لها؛ لكن فيما يخص الموضوع الأول، فإن الفصل 24 من الدستور واضح وليس فيه أي تقييد بخصوص صلاحية الوزير الأول في اختيار أعضاء الحكومة. ينص هذا الفصل على ما يلي : "يعين الملك الوزير الأول. ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول ... "، لنلاحظ أنه ليس هناك أي قيد أو شرط أو استثناء، وأن ما ينقص هو استعمال الوزير الأول، لسلطاته الدستورية فقط.
– ماذا يميز "وزارات السيادة" عن باقي الوزارات الأخرى؟ وهل القائمون على هذه الوزارات لهم حظوة أكبر من زملائهم في الحكومة؟ أليست السيادة مرتبطة بالحكومة وليست مقصورة على وزارة دون سواها؟
+ إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي أن نسلم في البداية بوجود هذا النوع من الوزارات. لكن الملاحظة تبين أن الأمر يتعلق فقط بالوزارات التي لها علاقة دائمة أو واسعة مع الملك. ذلك أن الملك استنادا إلى اختصاصاته الدستورية، يحتاج إلى فريق عمل داخل الحكومة. فهو بصفته أمير المؤمنين (الفصل 19) يحتاج باستمرار إلى وزير للأوقاف والشؤون الإسلامية، وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة (الفصل 30) يحتاج إلى مسؤول عن إدارة الدفاع الوطني، وبصفته المسؤول عن اعتماد السفراء وعن التوقيع والمصادقة على المعاهدات (الفصل 31) يحتاج إلى وزير الخارجية، وبصفته رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء (الفصل 32 و86) يحتاج إلى وزير للعدل، وهكذا. وأعتقد أن الاحتياج المستمر إلى وزير قوي للداخلية بدأ يقل تدريجيا نتيجة ما نلاحظه من تعدد وزراء الداخلية منذ إقالة البصري، ثم الاستغناء عن كاتب الدولة في لحظات حرجة، مما يبين أن هذه الوزارة بدأت تفقد طابع "وزارة السيادة".
وفي مقابل ذلك، نلاحظ أن الملك لا يحتاج باستمرار إلى وزير للصيد البحري، أو محاربة الأمية، أو حتى وزير التربية الوطنية أو الثقافة أو إعداد التراب ... وإذا ما كان هناك من قطاع ذي أهمية خاصة، يتم إلحاقه بالوزارة الأولى.
– ما هي في نظركم وجوه التعارض بين مفهوم "وزارات السيادة" من جهة، ومسؤولية الحكومة أمام الملك والشعب وكذلك تعارضها مع مفهوم المواطنة والمشاركة في صناعة القرار من جهة أخرى؟ وهل يتماشى مفهوم "وزارات السيادة" مع مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تجتازها بلادنا؟
+ التعارض بين "وزارات السيادة" ومسؤولية الحكومة لا تطرح أمام الملك لأن الجميع مسؤول أمامه، ولكن المشكل مطروح بالنسبة للبرلمان المنتخب بالاقتراع العام، والذي سيجد نفسه محروما من محاسبة "وزراء السيادة" بنفس الشكل الذي يمكن أن يحاسب به وزراء آخرين. ولهذا، أعتقد أنه إذا استمر الوضع هكذا، فإن المراقبة بواسطة الأسئلة ستقل (كما هو الأمر بالنسبة للأمين العام للحكومة) وستخف حتى مناقشة ميزانية هذه الوزارات.
أما بخصوص الانتقال الديمقراطي، فإنه لا يتلاءم مع هذه المفاهيم التي ينبغي أن تزول إن عاجلا أو آجلا.
عمر بندورو/ أستاذ القانون الدستوري
الدستور لا يسمح للملك بالاحتفاظ بوزارات يضع على رأسها مقربيه
يرى عمر بندورو أن مفهوم "وزارات السيادة" غير دستوري ولا يتلاءم مع المنهجية الديمقراطية، وهو المفهوم الذي برز مع الملك الحسن الثاني وتكرس بعد العودة إلى الحياة البرلمانية منذ سنة 1977، وقد استهدف إبعاد الأحزاب السياسية من تدبير شؤون بعض الوزارات، وفي نظره كرس الملك محمد السادس مفهوم "وزارات السيادة"، إذ ظلت جملة من الوزارات مناطا للمقربين من الملك، هؤلاء الذين ينفذون القرارات الملكية تحت مراقبته المباشرة، لاسيما وأن معيار التعيين يكون مرتبطا بالشخصية المعنية ومدى إخلاصها للقصر أكثر من انتمائها السياسي.
- ما موقع وزارات السيادة في الدساتير المغربية؟ وهل هو أمر غير دستوري، علاوة على أنه قد لا يتماشى مع المنهجية الديمقراطية؟
+ وزارات السيادة مسألة غريبة عن الدستور، ما ينص عليه الدستور هو أن الملك يعين الوزير الأول، وباقتراح من هذا الأخير يعين بقية أعضاء الحكومة، فالدستور لا يسمح للملك بالاحتفاظ بوزارات يضع على رأسها مقربيه، فهذا المفهوم غير دستوري ولا يتلاءم بالإضافة إلى ذلك مع المنهجية الديمقراطية.
- في نظركم متى برز مفهوم "وزارات السيادة بالمغرب؟ وهل الخروج عن قاعدة تكريس هذا المفهوم مجرد استثناء أم اختيار في طور الترسيخ بفعل صيرورة التغيير؟
+ برز مفهوم وزارات السيادة مع الملك الحسن الثاني وتكرس بعد العودة إلى الحياة البرلمانية في سنة 1977، وإشراك الأحزاب الوطنية في التشكيلة الحكومية، بمعنى آخر، تكريس هذا المفهوم صاحب عودة الأحزاب إلى المشاركة في الحكومة، وكان يهدف إلى أن بعض الوزارات لا يمكن أن تدار من طرف الأحزاب، إما لحساسيتها لأنها ترتبط بالقوة العمومية أو لأهميتها بالنسبة للملك كالأمانة العامة للحكومة أو وزارة العدل و وزارة المالية أو وزارة الخارجية، فإذا كانت هذه الوزارات تدار أحيانا من طرف ممثلي الأحزاب، فيجب أن تكون الشخصية التي ستكلف بها تتوفر على شروط مرتبطة بالإخلاص والولاء للملك واستعدادها لتطبيق الأوامر والتعليمات الملكية بدون قيد أو شرط.
- في نظركم ماذا يعني مفهوم "وزارة السيادة"؟ هل مما يعنيه أن أمور تلك الوزارة وجب أن تظل بيد الملك أو القصر دون سواهما، وبالتالي لا مدخل للفاعلين السياسيين فيها مهما كان موقعهم وتموقعهم في الخريطة السياسية؟
+ بالطبع وزارة السيادة لا يعني أنها مجال محفوظ للملك (Domaine RESERVE) فيضع على رأسها شخصية تتمتع بثقته، وكل القرارات المرتبطة بصلاحيتها تتخذ من طرف الملك ولا يقوم الوزير إلا بتنفيذها بإخلاص ولا تكون موضوعا مطروحا لا أمام الحكومة ولا أمام الوزير الأول، ولكن القرارات المتخذة تبلغ بالطبع لاحقا للوزير الأول ولأعضاء الحكومة ولا يجب مناقشتها.
- يبدو أن الرأي السائد بين فقهاء القانون الدستوري، يقول إن "وزارة السيادة" بدعة اختلقها الملك الراحل الحسن الثاني لإبعاد السياسيين عن التأثير في صناعة القرارات الحساسة، فما قولكم بهذا الخصوص؟
+ سياسة إبعاد منتمي الأحزاب السياسية عن التأثير في القرارات المرتبطة ببعض القطاعات الحساسة، كانت منظمة منذ 1956 من طرف الملك محمد الخامس، فلقد عمل الملك محمد الخامس منذ عودته من المنفى على إبعاد الأحزاب السياسية وإدارة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وكذلك مديرية الأمن الوطني، بمعنى آخر كل ما يتعلق بالقوة العمومية تم وضعه تحت نفوذ الملك وحده من أجل توطيد الملكية وجعلها في خدمة العرش.
نفس السياسة، اتبعها الملك الحسن الثاني ووطدها واستعمل القوة العمومية من أجل قمع الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية والسياسيين الذين لا يتفقون مع السياسة الملكية، مما أدى إلى الخروقات الخطيرة لحقوق الإنسان، أما تعبير وزارات السيادة فكرس بالخصوص في التسعينات عندما اقترح الملك الحسن الثاني على أحزاب الكتلة، بعد انتخابات 1993، المشاركة في الحكومة مع احتفاظه بعدة حقائب وزارية لشخصيات لا تنتمي للأحزاب السياسية، فعمل القصر على نشر وتعميم هذا المفهوم الذي أصبح يتقلص أو يتسع بناء على الإدارة الملكية. فإذا كان هذا المفهوم معروفا في عهد محمد الخامس "بالمجال المحفوظ للملك" (Domaine RESERVE) ويقتصر على القوة العمومية، فلقد اتسع في عهد الملك الحسن الثاني ليشمل قطاعات وزارية أخرى كالمالية ووزارة العدل ووزارة الخارجية.. إلخ إلى غاية 1998 أي إلى غاية تشكيل "حكومة التناوب التوافقي".. تقليص أو اتساع هذا المجال مرتبط بالإرادة الملكية وحدها، في حين إن هذا المفهوم، كما أشرت إلى ذلك سابقا، مخالف للدستور.
- هل مازال العمل بمفهوم "وزارة السيادة" قائما في عهد الملك محمد السادس؟ وما هو مضمونه الآن مقارنة بعهد الملك الراحل الحسن الثاني؟
+ كرس الملك محمد السادس هذا المفهوم واتبع نهج أبيه في تقليصه أو توسيعه، فالأمانة العامة ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووزارة الداخلية وكل ما يتعلق بالقوة العمومية والأمن هو مناط للمقربين من الملك الذين ينفذون القرارات الملكية تحت مراقبته المباشرة. باختصار نفس المفهوم في عهد الحسن الثاني ما زال مطبقا حاليا، مع العلم أن وزارة العدل أحيلت إلى ممثل الاتحاد الاشتراكي.
- هل الملك بصفته مؤسسة دستورية، له الحق دستوريا في اعتبار بعض وزارات حكومته وزارات سيادة دون غيرها لكونه يمارس السيادة بصفة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية؟
+ المفهوم الديمقراطي للسيادة يعني أن الشعب هو الذي يملكها ويمارسها عبر الانتخابات الدورية التي تسمح له بتجديد أغلبية برلمانية تنبثق عنها حكومة تتكلف بتطبيق البرامج الانتخابية التي حظيت بثقة الشعب، فيجب مبدئيا أن تكون هذه الحكومة مكلفة بالسياسة العامة للبلاد في كل القطاعات حتى يستطيع للشعب أن يحاسبها خلال الانتخابات، ويمكن كذلك للبرلمان أن يراقبها دون إحراج الملك أو مساءلته عن السياسة التي يتبعها في مجال ما يسمى بقطاعات السيادة.
فاحتفاظ الملك ببعض الوزارات يجعله محاسبا على سياستها ويدفع المحللين إلى إبداء آرائهم أو انتقادها، الشيء الذي ليس مستحسنا لأن الملك يجب أن يكون فوق الصراعات السياسية.
- سبق لبعض الفعاليات السياسية أن طالبت بأن لا يتكلف سياسيون متحزبون بتدبير شؤون "وزارات السيادة" (قضية وزارة العدل)، كيف تقرؤون وتقيمون مثل هذا المطلب الصادر عمن يعتبرون من النخبة؟
+ إذا عهد الملك محمد السادس لممثل حزب، وزارة العدل، فلا يجب الاعتقاد بأن الوزير يسيطر على الشؤون القضائية، قد يكون له تأثير على السياسة العامة دون التحكم فيها، لأن وزارة العدل مشكلة من الكاتب العام والمديرين الذين لا ينتمون للأحزاب السياسية، وأن تعيينهم يتم من طرف الملك الذي يراقب مدى إخلاصهم ووفائهم للملك، أحيانا يعتقد بأن شخصية يتم تعيينها من طرف الملك وهي متحزبة، في حين أن معيار التعيين يكون مرتبطا بالشخصية المعنية ومدى إخلاصها للقصر أكثر من انتمائها السياسي.
- ألا تعتبرون أن اعتماد فكرة "وزارة السيادة" من شأنها استمرار تكريس مفهوم "الرعية" على حساب المواطنة؟
+ "وزارة السيادة" مفهوم يتناقض مع الدستور ولا يتلاءم مع مفهوم الديمقراطية ومتطلباتها، أما مفهوم "الرعية" فإنه يتعلق بوضعية المغربي وعلاقته بالملكية والنظام السياسي والذي يجب أن يندثر في النظام السياسي، وذلك بإعطاء المواطن الوضعية التي يتمتع بها كل مواطن في المجتمع الديمقراطي، ولن يتم ذلك إلا بإقرار ملكية دستورية وبرلمانية وديمقراطية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.