بحلول ال30 من يوليوز الجاري، يكون الملك محمد السادس قد قضى 9 سنوات في سدة الحكم خلفا لوالده الراحل الحسن الثاني الذي حكم البلاد ب«قبضة من حديد لمدة 38 سنة»، حسب العديد من المراقبين والمهتمين. فما الذي تحقق خلال هذه التسع سنوات من جلوس محمد السادس على عرش المملكة وما الذي لم يتحقق؟ في معرض جوابه عن هذا السؤال، يقول إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في تصريح ل«المساء»، إن المغرب عرف في عهد محمد السادس عدة تحولات وتطورات، لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد، وهمت بالأساس فتح أوراش كبرى تتعلق بالبنيات الأساسية وتمثلت في بناء المطارات وشق الطرق السيارة وتشييد الموانئ..«لكن، يستدرك لشكر، لا بد من التأكيد، ونحن في نهاية هذه العشرية، على أن البلاد محتاجة إلى تعاقد سياسي جديد يضمن استمرارية الانتقال الديمقراطي»، وهو ما يفرض، حسب لشكر، ضرورة أن تكون هناك جرأة في مباشرة إصلاحات دستورية والسياسية في البلاد. ورفض لشكر الخوض في الحديث عن المنجزات أو التراجعات التي عرفتها بعض القطاعات الوزارية كالتعليم والصحة، وقال في هذا السياق: «إن الاستراتيجية القطاعية ليست شأنا ملكيا، لأن المؤسسة الملكية تكتفي فقط بتحديد التوجهات والاستراتجية الكبرى للسياسات العمومية في البلاد، فيما بلورة هذه التوجهات والاستراتيجية الكبرى تبقى من اختصاص الحكومة والبرلمان وهما مؤسستان موضوع مساءلة ومراقبة»، مضيفا أن «المؤسسة الملكية هي فوق المساءلة والمراقبة دستوريا». ويدعو لشكر إلى دعم مطلب الإصلاحات الدستورية خاصة وأن الملك صادق على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. وفي السياق نفسه، يعتبر عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أنه خلال هذه التسع سنوات من حكم محمد السادس تبخرت الكثير من الآمال العريضة التي كانت تعلقها فئات عريضة من المغاربة على العهد الجديد. وقال ل«المساء» إن المغاربة كانوا يعتقدون أنهم سيدخلون مرحلة جديدة من الانتقال الديمقراطي مع مجيء محمد السادس ولو بشكل متدرج تقطع مع ما عاشوه في وقت سابق. غير أن الأمور، حسب أفتاتي، لم تتجه في المسار الصحيح، مؤكدا أن البلاد دخلت منعطفا نكوصيا جسده بشكل ملموس تأسيس ما يسمى «حزب المخزن»، في إشارة منه إلى الحزب الذي يجري التحضير له من طرف فؤاد عالي الهمة، الوزير السابق المنتدب في وزارة الداخلية. وقلل أفتاتي من الاستثمارات والأوراش المفتوحة في عدة جهات من المغرب، مشيرا إلى أن المستفيدين من هذه الأوراش والاستثمارات هم «لغلاض ديال لبلاد». أما محمد مجاهد، الأمين العام لحزب الاشتراكي الموحد، فيرى أن ال 9 سنوات المنقضية من حكم محمد السادس، وإن عرفت بعض المكتسبات على مستوى الحريات العامة وحرية الصحافة، فهي استمرار لدينامية نضالية شاملة بدأت في عهد الراحل الحسن الثاني مع بداية التسعينيات عندما تم احتواء جزء من القوى الديمقراطية في ما سمي آنذاك بحكومة التناوب، ويشير، من جهة أخرى، إلى أن هذه التسع سنوات من حكم محمد السادس عرفت تراجعات خاصة عندما تم تشكيل حكومة برأس تقنوقراطي سنة 2002، والتي تزعمها إدريس جطو. ويضيف مجاهد، في تصريح ل«المساء»، أن عدد التقنوقراط تضخموا أكثر وازداد عددهم في حكومة عباس الفاسي الحالية». وإذا كان مجاهد يعترف بأن المغرب شهد بعض التقدم من خلال جلب بعض الاستثمارات الأجنبية وتشييد بعض الموانئ والطرق، فإن التطور الاقتصادي المستقبلي، في نظره، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إصلاحات دستورية تقوم على فصل حقيقي بين السلط وإعمال آليات المراقبة وعدم الإفلات من العقاب وحماية المال العام ومحاربة الفساد المستشري في دواليب الدولة، إضافة إلى ضرورة ردم الفوارق الاجتماعية بين مختلف الفئات الاجتماعية. ومن جانبه، قال نجيب الوزاني، عن حزب العهد، إن «أهم الأشياء التي تحققت خلال ال9 سنوات المنقضية من اعتلاء جلالة الملك لعرش أسلافه كانت في المجالات التنموية، حيث شهدت أقاليم المملكة ثورة تنموية كبرى». وأضاف الوزاني، في تصريحاته ل«المساء»، أن هذا الأمر برز بشكل كبير «من خلال الزيارات التي قام بها جلالة الملك عبر ربوع المملكة وتواصله مع المواطنين، وهذا خلق ارتياحا لدى المواطنين». في نفس الصدد، صرح الوزاني بأن «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كانت من بين أهم المبادرات على الإطلاق، بالإضافة إلى ظهور مفهوم جديد للسلطة في علاقتها بالمواطنين واتساع هامش الحريات العامة». في المقابل، اعتبر الوزاني أن ما لم يتحقق خلال هذه السنوات التسع هو «عدم إيجاد حل لمشكل البطالة وخاصة بطالة الشباب الحامل للشهادات، بالإضافة إلى مشكل التعليم الذي لازال قائما رغم محاولات الإصلاح». أما نور الدين عيوش، فقد اعتبر أن هناك مشاريع كبرى تحققت «على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية». وسرد عيوش، في تصريحه ل»المساء»، كل المشاريع التي تحققت على مدى 9 سنوات «بدءا من مدونة الأسرة مرورا بهيئة الإنصاف والمصالحة، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمبادرة الوطنية لدعم القروض الصغرى، ورهان 2010، وليس انتهاء بالأوراش الاقتصادية الكبرى: ميناء طنجة المتوسطي، التنمية الجهوية، واستراتيجية ثقافية مهمة». وأضاف عيوش «أن الانتخابات على عهد الملك محمد السادس كانت انتخابات نزيهة بشهادة الجميع». أما ما لم يتحقق في هذه السنوات التسع فقد لخصه عيوش قائلا: «لم نجد حلولا بعد لمحاربة الفقر في المغرب، كما أن الإصلاح التعليمي لم ينج تماما، والرشوة لازالت تنخر المجتمع». وختم عيوش كلامه قائلا: «لا بد من تعديلات دستورية من أجل إعطاء صلاحيات أوسع للوزير الأول.. وأنا أتمنى في المستقبل القريب أن يسود الملك ولا يحكم». في نفس الصدد، قال نبيل بنعبد الله، وزير الاتصال السابق، إنه «قد تحقق الكثير من الإنجازات في عهد محمد السادس، وهذا التقييم الأولي هو تقييم موضوعي لا ينطلق أبدا من نظرة المجاملة، أو المرور جانبا على الحقيقة». وأكد بنعبد الله أن «الفضاء الديمقراطي هو أكثر الفضاءات التي عرفت مكتسبات قوية على درب تكريس دولة الحق والقانون وتثبيت ثقافة حقوق الإنسان والمساواة»، وهذا «لا يعني أنه ليس هناك، في بعض الحالات وفي بعض الفترات، استمرار لمظاهر الماضي، وهذا أمر طبيعي مادمنا نوجد في مرحلة انتقالية». وعلى علاقة بالميدان الاقتصادي، قال بنعبد الله إنه «لا مجال للمقارنة بين مغرب السكتة القلبية ومغرب اليوم»، ويستطرد قائلا «لكن هذا المجال يحتاج في المستقبل إلى ضبط التوجهات وإلى القضاء النهائي على كل تجليات اقتصاد الريع» وأكد بنعبد الله أيضا أن «المجال الاجتماعي موجود في صلب الاهتمامات الملكية، كما تدل على ذلك المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهذا الأمر يوجد اليوم في صلب التحديات الرئيسية التي يواجهها المغرب». وختم وزير الاتصال السابق كلامه قائلا: «قناعتي أن الهاجس الاجتماعي موجود في صلب التوجهات الملكية». وفي تعليقه على مرور 9 سنوات على وصول محمد السادس إلى سدة الحكم، قال عمر بندورو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن النظام السياسي المغربي مع الملك الجديد مازال يعيش في حالة عطب. والمؤشر على هذه الحالة من العطب، في نظر بندورو، هو أن هناك اتجاها أكثر فأكثر نحو تركيز السلطة السياسية في يد الملك، بل إنه حتى السلطة الاقتصادية فهي محتكرة من طرف فئة من المسؤولين المحسوبين على المحيط الملكي، مشيرا إلى أن هذا الوضع يؤدي إلى إضعاف المبادرة الحرة. وأما على مستوى حقوق الإنسان في عهد محمد السادس، فيسجل بندورو عودة ظاهرة الاختطاف والتعذيب وظاهرة الاختفاءات القسرية وتدهور الحريات العامة بكل أشكالها، سواء تعلق الأمر بتأسيس الأحزاب السياسية أو الترخيص للجمعيات أو تنظيم التجمعات العمومية أو حرية الصحافة. و«حتى هيئة الإنصاف والمصالحة التي تأسست بمبادرة ملكية، يؤكد بندورو، فإن عملها كان محدودا ولم تستطع البحث عن الحقيقة في عدد من القضايا المرتبطة بنظام الحسن الثاني»، مضيفا في السياق نفسه أنه حتى توصيات هذه الهيئة، رغم تواضعها، لم يتم تفعيلها». وانتقد بندورو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وقال إن هذا المجلس في عهد محمد السادس أصبح مناهضا لحقوق الإنسان، مذكرا في هذا المنحى بالدعاوى القضائية التي رفعها رئيسه أحمد حرزني ضد جريدتي الحياة والجريدة الأولى على خلفية نشرهم لشهادات من أرشيف هيئة الإنصاف والمصالحة.