أثار الاستاذ الحسين الملكي موضوعا شيقا يوم الأربعاء 11 يونيو 2008 بخصوص تصفية الملك الغابوي وما يثيره من انعكاسات سلبية على الصعيد الاجتماعي. والاكيد أن الدارس للظهير الشريف في حفظ الغابات واستغلالها المؤرخ في 10 أكتوبر 1917 يستنبط أن المشرع لم يعط تعريفا لمفهوم الغابة وانما عمد إلى أسلوب تعداد بعض الأملاك واعتبرها خاضعة للنظام الغابوي وهكذا فانه طبقا للفصل الأول تخضع للنظام الغابوي الأملاك الآتي ذكرها: أولا: الملك الغابوي ثانيا: الغابات المتنازع فيها بين الدولة وجماعة أوبين أحد هذين الصنفين من الملاكين وأحد الافراد ثالثا: غابات الجماعات القابلة للتهيئة والاستغلال بصفة منتظمة رابعا: الاراضي الجماعية المعاد غرسها أو التي ستغرسها من جديد وأراضي الرعي الجماعية التي يجب تحسينها من طرف الدولة بعد موافقة مجلس الوصاية على الجماعات خامسا: الأراضي المعاد غرسها أو التي ستغرس من جديد وأراضي الرعي الجارية على ملك أحد الافراد والتي يريد ملاكوها أن يعهدوا بصددها للدولة إما بالحراسة واما بالحراسة والتسيير، وتحدد بموجب مرسوم كيفيات جعل الاملاك المنصوص عليها في 3 و 4 و 5 أعلاه خاضعة لنظام المرسوم المذكور في حالة عدم وجود العقوبات الخصوصية المنصوص عليها في ظهيرنا الشريف هذا للعقوبات المقررة في الفقرة الأولى من الفصل 55 بعد وذلك بصرف النظر عن إرجاع المحصولات وتعويض الضرر عند الاقتضاء. وأضاف الفصل مكرر (1) لما ذكر: أولا: الغابات المخزنية ثانيا: الاراضي المغطاة بالحلفاء المسماة (منابت الحلفاء) ثالثا: التلال الأرضية والتلال البحرية إلى حد الملك العمومي البحري حسب ما بين هذا الحد في التشريع الخاص بالملك العمومي للمملكة المغربية رابعا: المنازل الغابوية وملحقاتها والمسالك الغابوية والاغراس والمشاتل المحدثة في الغابات المخزنية ومنابت الحلفاء أو التلال وكذا الاراضي المنجزة للملك الغابوي لأجل منشآت كهذه عن طريق الهبة أو الشراء والمعاوضة العقارية خامسا: الاراضي المخزنية المعاد غرسها بالاشجار أو التي ستغرس من جديد والاراضي التي اشتراها الملك الغابوي لإعادة غرسها وكذا ملحقاتها كالمنازل الغابوية والمزارع... الخ. وقد أتى الفصل الأول مكرر (ب) بقرينة قانونية مفادها ان الاملاك المذكورة اعلاه تعتبر املاكا تدخل ضمن الملك الخاص للدولة مادامت لم تباشر عملية التحديد، كما أنها تخضع لعملية التحديد طبقا لمقتضيات ظهير 3 يناير 1916. الخلط بين طبيعة الملك ويستخلص من الفصل الأول كما هو مكرر مرتين أن المشرع خلط بين طبيعة الملك وطرق تسييره. فطبيعة الملك هي كنهه وجوهره وبصفة أدق طبيعته القانونية أي ذاتيته، أما طرق التسيير فتتمثل في المسطرة المعمول بها في تسيير الملك والجهة الموكل لها هذا التسيير والتدبير. والملك الغابوي هو ملك من أملاك الدولة الخاصة أي ملك مخزني ظاهره اشجار، أغراس، نباتات، تلال الرمال والرمال البحرية الى حدود الملك العمومي البحري. وتوجد هذه الاملاك إما بطريقة طبيعية أو بتدخل من الدولة عن طريق التشجير. ومن خلال دراسة منشورة على الشبكة العنكبوتية (1) تم تعريف الغابة بأنها مصطلح يشمل الغابات الطبيعية والمزارع الشجرية الحرجية، وتستعمل كناية على قطعة أرضية ذات غطاء تاجي يتجاوز نسبة 10%، وتزيد مساحتها على 5ر. هكتار وتتميز بوجود الأشجار وعدم هيمنة استعمالات أخرى للأراضي ويتحتم أن يبلغ طول هذه الأشجار 5 أمتار، كما يمكن اعتبار قطعة أرضية بمثابة غابة وإن لم تكن عامرة بالأشجار، ولا يمكن اعتبار حرجات الاشجار المنشأة للانتاج الزراعي غابة كفرارع أشجار الفاكهة، كما يستثنى من مفهوم الغابة الاشجار المغروسة في إطار الزراعة المختلطة بالغابات. ويقصد في مفهوم الدراسة الأراضي الحرجية كل الأراضي التي يشكل غطاء تاجها الشجري نسبة تتراوح بين 1 و 5 في المائة في الاشجار التي يصل ارتفاعها إلى 5 أمتار عند النضج أو الأراضي ذات غطاء تاجي يزيد على 10 في المائة من الأشجار التي لايصل ارتفاعها إلى 5 أمتار عند النضج أو ذات غطاء من الجنبات أو الشجيرات يتجاوز نسبة 10 في المائة. ويستخلص من هذه الدراسة أن صبغة الغابة لاتفقد بالازالة الطبيعية أو بفعل جرمي كالحريق، لأن الغابات تتجدد عادة، بينما تفقد الغابة هذه الصفة نتيجة تحويلها إلى أرض زراعية أو نتيجة الزحف العمراني كما هو الشأن عند توسيع المدار الحضري، وعلى العكس من ذلك تصبح القطعة الأرضية غابة إذا اشتراها الملك الغابوي من أجل اعادة غرسها أو تلقاها كهبة أو وصية. وقد خص ظهير 10 أكتوبر 1917 في حفظ الغابات واستغلالها كما وقع تعديله وتتميمه عقوبات زجرية لكل من انتهك حرمة الغابة سواء عن طريق الافساد أو الاتلاف أو النقل أو الازالة أو الحريق. وهكذا فقد عاقب الفصل 31 كل من كسر علامات الغابة أو أفسدها أو أتلفها أو نقلها أو أزالها بعقوبة مالية تتجاوز 200 درهم وعقوبة حبسية قد تصل إلى 3 أشهر بالإضافة إلى التعويض عن الضرر الذي لحق الغابة، وتسري نفس العقوبة على من حفر الغابة أو قصبها أو حائطها أو سياجها المستعمل لتحديدها أو تحديد أقسامها . ويلاحظ على هذا الفصل أنه استعمل مصطلحات فضفاضة تحمل اكثر من معنى وتتعلق كلها بالمعالم المحيطة بالغابة وليس الغابة ذاتها، وهي عبارة عن منقولات أو عقارات بالتخصيص. لكن ما ينبغي الاشارة إليه في هذاا الصدد أن القانون الجنائي قد عاقب عن جرائم التخريب والتعييب والاتلاف بواسطة الفصول 580 إلى 607 حيث قد تصل العقوبة إلى حد الإعدام ولاسيما إذا حصل هذا الاتلاف نتيجة لإضرام النار. مافيا متخصصة في إتلاف الغابة والواقع أن هناك مافيا متخصصة في اتلاف الغابة دون أن تعاقب لأنها إما انها لاتترك دليلا ضدها أو أنها تحمل شخصا غير معاقب بسبب ظروفه أو صفته الشخصية على ارتكاب هذه الجريمة نيابة عنها ولكنها تجني ثمارها بعد هدوء العاصفة ومن تم تتحول الغابة إلى قطعة أرضية تستغل في أغراض غير تلك التي خصصت لها في الأصل كالزراعة والبناء. وما يشجع على هذا الوضع المشين ما تضمنه الفصل 27 من ظهير 10 أكتوبر 1917 كما وقع تعديله بمقتضى ظهير 18 يناير 1935 وكذا ظهير 30 نونبر 1951 عندما نص على أنه: «من أحيا أرضا في الغابة بنفسه أو بواسطة الغير يعاقب بذعيرة لا تقل عن 100 درهم ولا تزيد عن 200 عن كل عشرة آلاف متر مربع أحياء وإذا اقتضى قرار التعرض رد المكان إلى حاله الأول، فيجب عليه أيضا أن يرد المكان إلى حاله الأول إذا أمر بذلك مدير إدارة المياه والغابات. ولزم أن يغرسه بأشجار من النوع الذي قطعه وذلك في أثناء 3 أعوام وإن لم يفعل في الأمد المذكور فإن إدارة المياه والغابات تقوم بذلك على نفقته وتحرر قائمة الصوائر وتنفذها ويطالب بأدائها على الكيفية المبينة في الفصل 16 من هذا الظهير الشريف. وإذا قام شخص آخر غير رب الملك بإزالة الأشجار قصد إحياء الأراضي دون أن يقدم التصريح،، فتجري عليه العقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذا الفصل ويمكن أن يكون رب الأرض مسؤولا من الوجهة الجنائية عن الجريمة اللهم إلا إذا أخبر بذلك إدارة المياه والغابات قبل أن تثبت بنفسها وجود تلك الجريمة. تساهل مع ناهبي الملك الغابوي يستخلص من هذا الفصل أن واضعها كان متساهلا جدا مع ناهبي الملك الغابوي أولا من خلال إعطاء سلطة تقديرية لرئيس مقاطعة المياه والغابات بخصوص من عمد إلى استغلال الغابة عن طريق الزراعة والفلاحة وحتى البناء عندما خولته الفقرة الأولى من الفصل 27 إمكانية الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أو عدم الأمر وذلك باستعمال مصطلح «إذا أمر بذلك..» ولكن ماذا لو لم يأمر؟!! ومن الناحية الأخرى فإن الذي يقوم بإزالة الأشجار قصد إحياء الغابة فعقوبته هي الذعيرة، ويمكن أن يتابع جنائيا ما لم يبادر بالتبليغ عن نفسه. وبمفهوم المخالفة فإن عقوبة من أزال الأشجار بنية البناء أو الفلاحة هي التعويض المالي أي الذعيرة وبصفة استثنائية قد يحال على القضاء من أجل جريمة إتلاف الغابة إذا بدا لموظف إدارة المياه والغابات ذلك حسب قناعته الشخصية، ولكن إذا بلغ الجاني عند نفسه قبل تحرير محضر بذلك فلا عليه ويبقى من حقه إعادة الحالة على ما كانت عليه ولكن على مهل أي خلال 3 سنوات!! حماية الامتيازات وقانون النخبة وصفوة القول فإن ظهير 10 أكتوبر 1917 كما وقع تعديله وتتميمه كله ثغرات وجاء لحماية الامتيازات التي كان ينعم بها عليه القوم آنذاك ولاسيما المستعمرين والأجانب بصفة عامة، وكان سيفا مسلطا على المواطنين المغاربة المجاورين للغابة الهدف منه تهجيرهم إلى خارج موطنهم الأصلي، ويعد نصا مكملا لظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، ذلك أن هذا القانون الأخير لم يأت من أجل تصفية الأملاك العقارية وإنما لتحصين حقوق الأجانب ضد الأهالي باستعماله للمناعة المطلقة والتطهير وتحويل الحقوق العينية إلى تعويض نقدي عند الضرر أو التدليس، وهذا ما سار عليه ظهير 10 أكتوبر 1917 الذي استعمل تقنية القرينة القاطعة عوض البسيطة في تكييف قطعة أرضية على أنها غابة مخزنية. أكيد أنه في الوقت الراهن يلعب قانون التحفيظ العقاري دورا تنمويا واجتماعيا ولكنه قانون النخبة ويتعين مغربته بأن يعتمد على الوسائل المعمول بها في القرى والبوادي دون الاختصار على ما يجري به العمل في الحضر، ذلك أن وسائل الإشهار في الجريدة الرسمية لا تؤدي بالضرورة إلى تبصير وإعلام المواطن العادي. كما أن ظهير 10 أكتوبر 1917 السالف الذكر إذا كان يمنع الأهالي الاستفادة من المنتوج الغابوي إلا استثناء فإنه لا يتورع في معاقبة من لم يقم بحماية الغابة. وهكذا نص الفصل 48 على أنه من استدعته الحكومة لمقاومة حريق غابة وامتنع من ذلك بلا عذر يقبل يعاقب بذعيرة تتراوح من 10 فرنكات إلى 100 (تصل الآن إلى 2000 درهم). ويمكن سجنه من 5 أيام إلى 3 أشهر ولا يعتبر الاستدعاء أروباويين واجبا إلا إذا أبلغهم ذلك بواسطة موظف فرنساوي إما كتابة وإما مشافهة، وأما الأهليون فيجب عليهم أن يمتثلوا بمجرد وصول الاستدعاء إليهم مشافهة لرئيس القبيلة أو الفرقة على لسان موظف من موظفي الدولة كيفما كان. ويضيف الفصل 49 بأنه يمكن معاقبة القبيلة أو أهل الدوار أو أهل الفرقة بالذعائر المذكورة بالضمان زيادة عما يحكم به على مرتكبي المخالفات المذكورة ومن شاركهم فيها... والحاصل أن الأوروبي غير ملزم بمقاومة الحريق رغم استفادته من الغابة إلا إذا تم استدعاؤه بواسطة أجنبي مثله إما كتابة أو شفاهة، أما المغربي القروي فهو مجند دائما للدفاع عن الغابة ويكفي أن يستدعي شفاهة بل وحتى عن طريق أية إشارة دالة على الأمر بالامتثال. وفي حالة التباطؤ تمتد العقوبة إلى القبيلة بكاملها وطبعا هذه العقوبة لا تصل إلى الأوروبي لأنه غير معني بداية لأنه ليس من القبيلة ولا من الدوار، وثانيا لأن استدعاءه لمقاومة الحريق ليست مؤكدة. هل من تدخل؟ والمعول عليه أن يتدخل المشرع من أجل مغربة القانون المنظم للغابات وقد مر عليه أكثر من 90 سنة شأنه في ذلك شأن كل القوانين الصادرة بداية الحماية، لأن جلها مناف لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا والمجتمع المدني مدعو بدوره لجرد كل الفصول القانونية الواجبة الملائمة مع النصوص والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان عامة سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا. 1www.fao. org/FRESTRYIFO/fran www. Fao.org /docrep/008/y0900a / y O900a20