مفهوم الملك الغابو ي : بغض النظر عن مالكه الذي يمكن أن يكون: الدولة، أو مؤسسة عامة، أو مؤسسة خاصة، أو جماعة محلية، أو جماعة سلالية، أوعائلية، أو شخصا ذاتيا عاديا .... وبهذا المعنى فإنه ليس صحيحا اعتماد منطق كون كل ملك غابوي هو تلقائيا ملك خاص للدولة، والقوانين التي تعتمد في هذا الإطار والصادرة في عهد الاستقلال، لاتقول بذلك، مما يجعل بعض التصرفات الإدارية المنجزة بشأنها مسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي الخاص للدولة متسمة بانعدام المشروعية التي قد تصل في بعض الحالات للشطط والغلو في استعمال السلطة . وما يؤكد أن الغابات ليست ملكا عموميا بقوة القانون هو أن ظهير 01/07/1914 بشأن الأملاك العمومية - منشور بالجريدة الرسمية عدد 62 بتاريخ 10/07/1914 الصفحة 275/276 كما تمم وغير بظهير 29 أكتوبر 1919 ،أورد على سبيل الحصر في الفصل الأول منه ما يعتبر ملكا عموميا للدولة وحدها حق التصرف فيه وتدبيره باعتبارها وكيلة عن العموم، وباعتبار تلك الأملاك ذات منفعة عمومية مشاعة ليس من حق أحد التفرد بملكيتها ، حسب ما جاء في ديباجة القانون، ولم يورد المشرع ضمن الحالات التي حددها وهي 11 حالة ، الغابات والأحراش، مما يجعل التوسع، أو توسيع مفهوم الملك العمومي مفتقدا للشرعية القانونية التشريعية ، وهو ما ينطلي على بعض مراسيم تحديد الملك الغابوي - موضوع البحث - . وتأكيدا للحصر التشريعي لمفهوم الملك العمومي وما يدخل في إطاره أكدت ديباجة ظهير 01/07 /1914 مايلي : ( «ولما كان عدم التفريد لهذه الأملاك التي هي ملك عمومي للدولة قد أشير إليه في الفقرة الأولى من منشور وزيرنا الصدر الأعظم في الجريدة الرسمية بعددها المؤرخ في فاتح نونبر سنة 1912 وكان من الضروري أن نعين نوع الأملاك الباقية ملكا عموميا للدولة ووجهتها المعتبرة شرعا والضوابط التي يتمشى عليها في تدبير هذه الأملاك أصدرنا أمرنا الشريف بما يأتي : ...). تعيين المناطق التي يجري عليها نظام حماية الغابات واستغلالها : لعل ما يؤكد كون الحفاظ على الغابات وحسن استغلالها بصرف النظر عن مالك تلك الغابات الذي لا يكون بالضرورة هو الدولة وباعتبار الغابة تحقق منفعة عامة ولو كانت ملكيتها خاصة ، هو أن ظهير 10 /10/1917 ينص فصله الثاني على مايلي : ( ستصدر قرارات وزيرية بتعيين النواحي والغابات التي يجري عليها حكم ضبط الغابات . وأما الغابات والأحراش الخارجة عن تراب النواحي المذكورة فإن شؤونها تدار على الكيفية التي تحرر بضوابط خاصة بعد الموافقة بين إدارتي المياه والغابات والأمور الأهلية). مسطرة تحديد الملك الغابوي الخاص للدولة : إذن هي مجموعة إجراءات متكاملة تحكمها ضوابط وضمانات إجرائية وقواعد موضوعية وموضوعاتية محددة بدورها من طرف المشرع، تستهدف بالأساس وضع أو ضبط حدود عقار غابوي مملوك للدولة كإجراء أولي للقيام بعمليات تحفيظه في اسمها طبقا لقوانين التحفيظ العقاري . وهكذا فإن أقل ما يوصف به عدم احترام المقتضيات التشريعية هوالتعسف، خصوصا إذا خالفت ما نص عليه أي فصل من فصول ظهير 1916،كما عدل أو تمم لاحقا،المشار لها في الجزء الثالث من هذا البحث - عدد الأربعاء 23 يوليوز 2008 - . والأمر حسب مقتضيات النصين التشريعيين الصادرين في عهد الحماية والاستعمار المشار إليهما أعلاه يتعلق بمايلي : - 1 - نظام خاص بالغابات والأحراش وطرق إدارة شؤونها واستغلالها وجزاءات مخالفة مقتضياته . - 2 - إن المشرع حصر نطاق تطبيق النص ومجاله تحت عبارة ً المبينة أسفله .... وهي..ً . - 3 - إن المشرع أقر وأكد التمييز بين عدة أنواع من الغابات والأحراش منها : - أ) الغابات والأحراش كملك خاص للدولة توظف وتدار وتسير شؤونها بشكل يحقق المنفعة العامة ووفقا لسياساتها وتوجهاتها العامة . - ب )الغابات والأحراش كملك خاص للمؤسسات العمومية . - ج) الغابات والأحراش كملك مشترك لجماعات القبائل . - د ) الغابات والأحراش التي هي ملك مشاع بين الدولة أو مؤسسات عمومية أو جماعات من القبائل من جهة وبعض أفراد الناس من جهة أخرى . - ه) الغابات والأحراش المملوكة لأفراد الناس المعبر عنهم في لغة العصر بالخواص، وتؤكد هذه الوضعية مقتضيات الفقرة سادسا من الفصل الأول من ظهير 1917 ،كما عدل بظهير 1949 التي تنص على مايلي : َ - سادسا :( ....... الأراضي المعدة لرعي المواشي والتي هي لبعض أفراد الناس الراغبون أربابها في تكليف إدارة المياه والغابات إما بحراستها فقط وإما بحراستها و تدبير شؤونها معا ). إن الواقع الميداني وانطلاقا من بعض مراسيم التحديد للملك الغابوي يؤكد أن مصالح وإدارة المياه والغابات تلغي من تصورها قيام الملكية الخاصة للغابات والأحراش وتخرجها عن دائرة التعامل والمعاملات المدنية ضدا على مقتضيات العديد من القوانين الجاري بها العمل ومنها قانون العقود والالتزامات، وقوانين التحفيظ العقاري، و قوانين الاستثمارات الجديدة، وكذا فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، وهو أمر يستوجب إعادة النظر في الكثير من مراسيم التحديد المنجزة في هذا الإطار، ويمكن أن يتم ذلك بصيغ قانونية مختلفة ... ولعل ما يوضح هذا التقييم ويعززه هو الصيغة المتواترة في مراسيم المصادقة على التحديد الإداري التي تصاغ كما يلي :( يصنف نهائيا ضمن الملك الغابوي للدولة العقار المدعو «...)ً/ نمادج مراسيم التحديد أشير لها في جزء سابق من البحث - العلم عدد 21093/ صفحة المجتمع والقانون ليوم الأربعاء 09يوليوز 2008 -. ولإغناء هذه المساهمة الأولية في وضع أرضية للنقاش أرى أنه من المفيد الإشارة للنص الحرفي للفصل الأول من ظهير 10 أكتوبر 1917 كما عدل بظهير30 أبريل 1949 الذي نص على مايلي : ( يجري النظام الخاص بالغابات على الغابات والأحراش المبينة أسفله وتدار شؤونها طبق مقتضيات ظهيرنا الشريف هذا وهي : - أولا : الأحراش والغابات التي هي ملك للمخزن الشريف أو للمؤسسات العمومية أو لجماعات القبائل التي هي ملك مشاع بين الدولة أو مؤسسات عمومية أو جماعات من القبائل من جهة وبعض أفراد الناس من جهة أخرى . - ثانيا : الأحراش والغابات المتنازع فيها بين دولتنا الشريفة وبين بعض المؤسسات العمومية أو بعض جماعات القبائل ، وكذا الأحراش والغابات الواقع النزاع فيها بين أحد ممن ذكر وبين أفراد الناس . - ثالثا: الأراضي التي هي إما أراضي بها الهبش وإما أراضي بيضاء واقتضى بأنه من المصلحة العمومية إعادة غرسها بالأشجار أو تحسين حالتها بعد إجراء الموجبات القانونية في ذلك . - رابعا : تلول الرمل البحرية أو البرية . - خامسا : الأراضي المحدد غرس أشجارها أو التي ينبغي إعادة غرسها وعند الإقتضاء الأراضي المعدة لرعي المواشي التي ستقوم بتحسينها إدارة المياه والغابات بعد الموافقة مع المجلس المكلف بشؤونها والتي هي على ملك جماعات القبائل . - سادسا : الأراضي التي أعيد غرس أشجارها أو التي ينبغي تجديد غرسها فيها والأراضي المعدة لرعي المواشي والتي هي لبعض أفراد الناس الراغبين أربابها في تكليف إدارة المياه والغابات إما بحراستها فقط ،وإما بحراستها و تدبير شؤونها معا . وتحد بموجب قرار وزيري الكيفيات التي تجعل بها أحراش و غابات الجماعات والأراضي المومأ إليها في الفقرتين الخامسة والسادسة أعلاه تحت نظام الغابات ، وكذلك المقتضيات المتعلقة بتدبيرها و السهر عليها ، وكل من خالف مقتضيات قرار الوزيري المذكور تجري عليه عند عدم إصدار العقوبات الخصوصية المنصوص عليها في ظهيرنا الشريف هذا، العقوبات المقررة في الفقرة الأولى من الفصل عدد 55 الآتي بعده ، وذلك زيادة على ترجيع المواد وأداء تعويض الضرر إذا اقتضاه الحال). -3) التمييز بين المفهوم القانوني للغابات وغابات أركان كمفهوم خاص : هذا التمييز تؤكده صراحة مقتضيات ظهير4 مارس 1925 يتعلق ب : وقاية غابات شجر أركان وتحديدها، و تنص ديباجته هذا الظهير/ بيان الأسباب، صراحة على استثناء تلك الغابات من تطبيق مقتضيات ظهير 1917 كمايلي : (إن كيفية مباشرة حقوق التصرف التي لرعايانا منذ القديم في غابات شجر أركان الكائنة جنوب مملكتنا السعيدة وهي حقوق يصرح جنابنا الشريف تصريحا كليا بحفظها و بقائها لا تسمح بأن تجري على تلك الغابات بلا شرط ولا استثناء القواعد الموضوعة لوقاية الغابات لأجل المصلحة العمومية طبقا لظهيرنا الشريف المتعلق بالغابات والمؤرخ بعشرى حجة عام 1333 الموافق لعاشر أكتوبر سنة 1917 ). وتوضيحا لهذا المقتضى التشريعي يؤكد المشرع مايلي : ( وعليه فكان من اللازم جعل ضابط مناسب للظروف والأحوال تحصل به بعد تحديد غابات أركان الموافقة بين حقوق التصرف الثابتة لأ صحابها وبين الحقوق العليا التي لدولتنا الشريفة ذلك هو المقصود من ظهيرنا الشريف صحبته ). وقد تتضح الصورة أو التصور التشريعي للموضوع من خلال قراءة متأنية وفاحصة لفصول هذا الظهير، حيث نجد المشرع نظرا لرغبته في إجراء حماية خاصة لشجرة أركان، باعتبارها شجرة فريدة عالميا يميزها عن الأرض التي نبتت فيها وميز بين الحقوق المرتبطة بالشجرة والحقوق المرتبطة بالأرض ،وهوما يجري به العمل بين السكان أنفسهم منذ زمن طويل . و لبسط وفرض الحماية لهذه للشجرة الفريدة من طرف الدولة فرض المشرع سلوك مسطرة ظهير 1916 لتحديد غابة أركان ،حيث توجد هذه الأشجار فعلا مع تأكيده استثناءها من مقتضيات ظهير 1917 بعبارة : تجري عليها ضوابط إدارية خصوصية .... وهكذا نص الفصل الأول من ظهير 1925 على مايلي : (إن غابات شجر أركان بعد ما يقع تحديديها طبق الشروط المقررة في ظهيرنا الشريف المؤرخ بسادس وعشرى صفر عام 1334 الموافق لثالث يناير سنة 1916 تجري عليها ضوابط إدارية خصوصية تصدر طبق الشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل الثاني من ظهيرنا الشريف المؤرخ يعشري حجة عام 1335 الموافق لعاشر أكتوبر سنة 1917 وتراعي فيها العقوبات المشار إليها من الباب الرابع إلى الباب الثامن من ظهيرنا الشريف المذكور) . ولتوضيح إحالة هذا الفصل على الفقرة الثانية - تحديدا دون الفصل كله - من الفصل الثاني من ظهير 1917 تجدر الاشارة إلى أن هذه الفقرة تنص على مايلي : (وأما الغابات والأحراش الداخلة في حكم هذا الظهير الشريف فلا تخرج عنه ولا يفوت منها شيء إلا بظهير شريف ..... ). ولتأكيد التمييز بين الحقوق على شجرة أركان والحقوق على الأرض التي توجد بها هذه الشجرة نورد من الفصل الثاني من الظهير مايلي : الفصل الثاني : (يجب أن تكون الضوابط المذكورة محتوية على إثبات حقوق التصرف التي للأهليين منذ القديم في غابات شجر أركان ويبين فيها خصوصا كيفية مباشرة تلك الحقوق فيما يتعلق بالأشجار وأثمارها والانتفاع بالأرض .....). وتجد ر الاشارة في خاتمة هذا الجزء إلى الفصل الثالث من ظهير 1925 الذي تعتمده بعض مراسيم التحديد ، دون الاشارة لأي تعديل بشأنه وما تضمنته الفقرة الثانية منه من مقتضيات تتنافى بشكل واضح مع مبادئ الدستور وثوابت الوحدة الوطنية للشعب المغربي وعدم التمييز بين المواطنين المغاربة ونصه كمايلي : الفصل الثالث : (تبقى صحيحة بين الأهليين الذين هم من قبائل لها حق التصرف منذ القديم المعاملات و التخليات المعتادة المنعقدة فيما بينهم حسب العوائد المألوفة هنالك وتمنع كل معاملة أو إحالة بين أهالي القبائل المذكورة وبين إناس أجنبيين عن تلك القبائل وكل إتفاق يخالف ما ذكر يعد باطلا لا يعتد به على الإطلاق). يتبع