بثت القناة الثانية ( 2M ) ليلة الخميس 8 / 1 / 2009 برنامجا توثيقيا مهما حول تدبيرالملك الغابوي بالمغرب،ومعاناة المسؤولين المباشرين على تدبير هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي . وقد كشفت فقرات البرنامج عن تأكيد وتوثيق عدة حقائق بالصورة والصوت نراها منسجمة مع نظرتنا لموضوع سوء تدبير الملك الغابوي بالمغرب، و فشل وعدم جدوى الأساليب المعتمدة في تدبير هذا القطاع / المجال في مختلف أساسيات تدبيره ( قانونيا ، ماديا، معنويا، بشريا، بيئيا، ثقافيا،استراتيجيا ...). وقد حاولنا في الحلقات / الأجزاء السبعة السابقة المنشورة بجريدة (العلم) (1) أن نبرز ونركز في كل واحدة منها على تناول الموضوع من زاوية معينة، انطلاقا من الأسس التشريعية المنظمة للموضوع في جوانبه الإجرائية، أو الاختيارات السياسية التي كانت تحكم فلسفة المشرع الاستعماري الفرنسي في مختلف المحطات التشريعية، بدءا من أول نص تنظيمي صدر في أول عدد صدر للجريدة الرسمية بالعربية بتاريخ 01/02/1913 ، مرورا ببعض المحطات التشريعية الأساسية ( ودون غض النظر عما يمكن تسجيله سلبيا على البرنامج الوثائقي/ التوثيقي للقناة الثانية من خلال مضامينه من الناحية القانونية والحقوقية ، التي لا نراها سليمة كما يفهمها أو ينفذها ويمارسها بعض المسؤولين ميدانيا، بشكل أبان عن اقتناع و قناعة بذلك فإن ذلك في نظري أبعد ما يكون عن الفلسفة الحقيقة للتشريع المغربي الذي يجب أن تفهم نصوصه وموادها بشكل متكامل و في عمق مضامينها، وسياقاتها، وما تجسده من اختيارات سياسية وحقوقية، والتي يجب أن تكون متجاوبة ومنسجمة مع الاختيارات السياسية والتنموية العامة للدولة حاليا ... بدلا من التقوقع والانغلاق في مفاهيم وسلوكيات وأساليب وإجراءات كرست سلبيا في عهود وأزمنة لا يليق بالدولة المغربية الحديثة أن تمارس في ظلها، وتحت غطاء التمسك بالتطبيق الحرفي لاجراءات القانون على علاتها ودون اعتبار لروح القانون الذي لا تقبل مقتضياته الاعتداء على جوهر الحقوق بمقتضى تدابير مسطرية شكلية . ولعل من بين أهم ما أبرزه مضمون البرنامج التلفزيوني أعلاه ويستحق الوقوف عليه جديا هو موضوع الكفاءات البشرية وتخصصاتها العلمية التي أسند لها تدبير هذا المجال بمختلف تشعباته وتنوع تداخلاته وملابساته وتعقيداته، ظهر منها جزئيا نمادج كفاءات وعطاءات بأرحية لأطر شابة وأسر مغربية أعطت وتعطي لهذا الوطن العزيز ما يجعلها محقة في الاعتزاز والإنصاف، لكن مع تسجيل تحميلها من المهام و المسؤوليات ما لا يصح قانونيا فرضه عليها (نمودج : مهندسين و تقنيين أو غيرهم .... يمارسون مهام قانونية ، و إجرائية ، وضبطية ، ووقائية ضد الجريمة ، أو محاربتها واقعيا أو ضد أشخاص يحترفون الإجرام ضد واحدة من الثروات الوطنية ، مراقبة الغش ...، محاربة المخدرات (القنب الهندي )، مهام تحاورية مع السكان وتدبير الشأن المحلي في العلاقة مع السكان ومعاناتهم الاجتماعية والمعاشية لأسرهم ، وماشيتهم ، وكيفية تعاملهم مع الظروف البيئية للحفاظ عليها ، مع الفترات الثلجية في مناطقها ، ومواجهة كل من التصحر والجفاف في مناطقه وكأن باقي السلطات والإدارات المحلية والمركزية ، وكذا المنتخبة محليا أو مركزيا لايهمها الأمر في شئ ...؟ ومن حقنا التساؤل ،هل في الأمر غياب أو تغييب من طرف البرنامج خصوصا أنه أشار بشكل محتشم وسلبي لدور بعض فعاليات المجتمع المدني..... ومرة أخرى نؤكد أن أعلى مؤسسة قضائية بالمغرب شددت هي الأخرى على أن الملك الغابوي بالمغرب ليس ملكا خاصا للدولة، علما أني كنت قد أشرت في الحلقات السابقة / السبعة إلى أن تفكير بعض مسؤولي إدارارت مصالح المياه والغابات كما أكده البرنامج ما زال يعشش في تفكيرهم ، وذهنياتهم ، وسلوكاتهم ، وممارساتهم، كثير من عناد التمسك بالتمترس المنغلق وراء مفاهيم سلوكات ماضوية في التعامل جزئيا مع نصوص تشريعية صدرت في بدايات فترة الحماية / الاستعمارية للدولة المغربية منذ أواخر القرن التاسع عشر، مرورا عبر محطات ..... من بدايات القرن العشرين ووصولا إلى تاريخيا، وزمانيا ، وظرفيا إلى بدايات محطة تاريخية أخرى لها أكثر من عنوان وكثير من الخصوصيات في بدايات القرن الواحد والعشرين من بينها فترة من بين بدايات بناءاتها التأسيسية ( يناير 2009 ) السعي لترسيخ دولة : المشروعية ، الحقوقية ، القانونية ، ..الانصافية ..... وتذكيرا لما سبق تأكيده في هذه الحلقات بخصوص ضرورة التمييز بين مفهوم الحق في ملكية الأرض الغابوية التي قد يملكها الخواص ، أفرادا ، أ وجماعات .. كما قد يمكن أن تكون ملكا خاصا للدولة بصفتها الخاصة التي تخضع لقواعد القانون الخاص في الإجراءات المسطرية، وقواعد الا ثبات عند دراسة وتقييم المنازعات القضائية ضد ها، وباعتماد منطق المحاججة القانونية لوسائل الإثبات قانونا . ودون إعادة الشرح والتوضيح للمفهوم القانوني لمصطلحي المفاهيم العامة حول : االأراضي الغابوية أو الفلاحية أو الرعوية أو غيرها .... وأساليب أو أنواع طبيعة وظروف استغلالها وبأشكال وأنماط تميز جدريا بين حقوق الملكية الشرعية للأرض ، والحقوق العينية بشأن الاتنفاع المؤقت بمنتوجها ، وبعيدا أو استبعادا لمنطق سلطوي تحكمي تسلطي أساس منطقه أن :( كل ملك غابوي أو به شبهة غابة هو ملك خاص للدولة ....) . وهذا الخلل الكبير يستوجب التفكير الجدي في التعامل مع هذا الموضوع الحيوي الحساس و النظرة أو النظرات الضيقة القاصرة في التعامل معه ، لأن حفظ ورعاية الملك الغابوي والمحافظة عليه والحرص على حسن تدبيره واستغلاله ، باعتباره ثروة وطنية سواء كان ملكا خاص للدولة أو ملكا خاصا لغيرها، من أفرادا أو جماعات، أو مجموعات ... أساس وأهم ما يجب الحرص والمحافظة عليه لفائدة الوطن والمواطنين هو ضمان المساهمة الإيجابية للجميع في تحقيق المنفعة والمصلحة العامتين ، وفق أساليب ووسائل في إطار تطبيق سليم للقواعد القانونية بنزاهة وأمانة ..... وتأكيدا لما أشير أعلاه وسابقا في حلقات هذا البحث بخصوص كون التشريع المغربي يميز بين الملك الغابوي الخاص للدولة والملك الغابوي المملوك للخواص نورد كذلك مايلي : أولا : على مستوى التشريع : القانون رقم 03-11 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، المنفذ بظهير شريف رقم 59-03-1 صادر في 10 ربيع الأول 1424 (12 ماي 2003 ) منشور بالجريدة الرسمية عدد 5118 بتاريخ 19 / /06 2003 ، حيث تنص المادة 23 منه على مايلي : ( تعتبر الغابات سواء العمومية، أو الخاصة بمثابة ممتلكات ذات منفعة مشتركة من واجب الإدارة والخواص المحافظة عليها واستغلالها بشكل يضمن توازنها واحترام الأنظمة البيئية ) . ثانيا : الاجتهاد والعمل القضائي المغربي : موقف أعلى مؤسسة قضائية بالمغرب / حول حق الملكية للأراضي الغابوية : تأكيدا لما سبق توضيحه في الحلقات / الأجزاء السابقة وبصفة أساسية حول موضوع حقوق الملكية للأملاك الغابوية وشبهها بالمغرب، وضرورة التمييز والضبط المصطلحي القانوني بين عدة مفاهيم لكل منها حمولاته ودلالاته ، والتزاماته وواجباته التبادلية، وأحيانا المتبادلة نورد في سياق مناقشة الموضوع في حلقته الثامنة قواعد وحيثيات لقرار ات قضائية للمجلس الأعلى بصفته أعلى مؤسسة قضائية رقابية لحسن تطبيق التشريع والقانون بالمغرب ومن ذلك مايلي : 1 قرار المجلس الأعلى / الغرفة الإدارية رقم 1687 بتاريخ 11 / /12 1997 ، في الملف الإداري عدد 102911 : (إن الملكية العامة أو الخاصة للأراضي الغابوية لا تستمد وجودها ومشروعيتها من ظهير 1917 بل يجب أن تنبني على سند قانوني آخر غير الظهير المذكور . إذا كان ظهير 1917 يضع قرينة لفائدة الدولة بإضفائه للطابع الغابوي على وجود نبات طبيعي ، فإن هذه القرينة وحدها دون وجود ما يعززها لا يكفي ما دام الأمر يتعلق بمجرد قرينة ، وفي غياب أي تحديد إداري منشور بالجريدة الرسمية عملية تشجير الأٍرض وحدها لا ثثبت ملكيتها لإدارة المياه والغابات التي يتعين عليها إثبات الملك بالطرق القانونية. بمقتضى الفصل الأول مكرر مرتين من ظهير 10 / /10 1917 فإن ملك الدولة الغابوي يتم تحديده وفق الشروط المنصوص عليها في ظهير 03 / /1 1916 ، أي سلوك مسطرة خاصة للشهر العقاري كما حددها هذا الظهير تم صدور قرار وزيري بالتحديد ينشر في الجريدة الرسمية ) . وقد يكون مفيدا أن نورد في هذا المجال ، مضامين قرارات أخرى للمجلس الأعلى في الموضوع منها مايلي : 2 قرار المجلس الأعلى عدد374 ، المؤرخ في 16 / /03 2001 ، في الملف العقاري عدد : 371/4/1/99 ملك غابوي - دعوى استحقاق: ( استناد حكم القاضي باستحقاق المدعي وهو شخص مدعي للمدعى فيه عقار ، أرض على إفادة الخبير بأن المدعى فيه العقار موضوع النزاع لا يدخل ضمن الملك الغابوي دون وقوفه على مستندات الإدارة للتأكد مما إذا كان المدعى فيه من مشمولات الملك الغابوي أم لا ، يجعل إفادته مجردة وتخمينية لا يمكن الارتكاز عليها). 3 - قرار المجلس الأعلى عدد 367 ، المؤرخ في 15 / /03 2001 ، ملف عقاري عدد : 898/5/1/98 موضوعه : التحديد الإداري للملك الغابوي ، كان من بين حيثياته أن : ( عدم جواب المحكمة على دفع الدولة المغربية بكون الأرض موضوع مطلب التحفيظ تابعة للملك الغابوي الذي بوشر تحديده إداريا تنفيذا للمرسوم رقم 321-84-2 الصادر بتاريخ 9-10-1984 يجعل حكمها ناقص التعليل). 4 - قرار المجلس الأعلى عدد 2835 ، مؤرخ في 2004.10.06 ، ملف مدني عدد 3334/1/1/2003: (الأشرية المجردة عن أصل التملك لا ينزع بها الملك من يد حائزه). 5 -قرار المجلس الأعلى عدد : 3140 المؤرخ في : 30/11/2005 / ملف مدني عدد : 1145/1/3/2005 ( إن كل حق عيني مدعى به ، يعتبر غير موجود سواء بالنسبة للغير أو بين طرفي العقد إلا من تاريخ تسجيله بالرسم العقاري طبقا للفصلين 66-76 من ظهير التحفيظ العقاري). 6- قرار المجلس الأعلى عدد2240 ،م ؤرخ في 5 / /07 /2006 ، ملف مدني عدد 136/1/1/2005: ( إن البينة المتأخرة تاريخا هي الراجحة على المتقدمة عليه لأنها تشهد بالملك في زمان مضى). 7 - قرار المجلس الأعلى عدد 2459 ، مؤرخ في 26 / /07 2006 ، ملف مدني عدد 3337/1/1/2005: ( إدلاء الطاعن المتعرض بموجب تصرف في الملك يعتبر شاهد عرفي لفائدته فكان على المحكمة والحالة هذه أن تناقش حجة الطرفين وتبحث في حيازة الطاعن للمدعى فيه). 8 - قرار المجلس الأعلى عدد2634 ،مؤرخ في 13 / /09 2006 ، ملف مدني عدد 571/1/3/2005: ( إن المحكمة عندما لم تأخذ بفحوى القرار النيابي المحتج به الذي هو بمثابة إعادة توزيع الانتفاع بالأراضي الجماعية موضوع الدعوى بين الورثة والذي منح الحق للطالب وفق العرف الجاري به العمل ، رغم اكتسابه الحجية بين أطراف الخصومة وليس بالملف ما يفي إلغائه من طرف مجلس الوصاية ، تكون قد خرقت الفصل الرابع من ظهير 19 / /04 1927 ). ليبقى التساؤل مطروحا بشأن هذه الورقة حول: أي دور للجماعات المحلية والمجالس المنتخبة في تحديد الملك الغابوي ونوعيته وحماية وتدبير الأملاك والثروات الغابوية ...؟ إنه عنوان لموضوع يستحق الدراسة آمل أن يبادر المهتمون بمدارسته والمساهمة العلمية في في مناقشته، وهو ما سنتناوله لاحقا بحول الله. هوامش: - 1) الحلقات السبعة السابقة من هذا البحث منشورة بجريدة ( العلم ) ضمن صفحة المجتمع والقانون، التي تصدر بانتظام كل يوم أربعاء ( 11 / 6 / 8 200،بالعدد 21069 ، و9 / 7 / 9 200، بالعدد 21093، و23 07/ / 2008، بالعدد 21105، و27 /08 2008 ،بالعدد 21135، و1-2 / /10 2008 ، بالعدد 21165، و08 /10/ 2008 ،بالعدد 21170 ، و 05 / /11 2008 ،بالعدد 21194 ). - 2 ) مجلة (الإشعاع ) تصدرها هيية المحامين بالقنيطرة بالعدد 26 دجنبر 2002، بالصفحة 177 ، صدر في إطار الطعن ضد قرار محكمة الاستئناف بتطوان، الصادر بتاريخ 30 / /11 1995 ، في الملف عدد 84/19941