شكلت قضية تدبير المجال الغابوي أحد تحديات المغرب البيئية والعمرانية، والتي تجدد طرحها بمناسبة اليوم العالمي للبيئة والذي يخلد كل سنة يوم 5 يونيو، في هذا الحوار يكشف عبد العظيم الحافي، المندوب السامي للمياه والغابات، عن خضوع عمليات التفويت لنظام قانوني واضح وأن هناك عمليات تسوية جارية للحالات التي سبقت إحداث المنذوبية، وتوقف المنذوب عند معضلة الاستهداف المتزايد للملك الغابوي، والذي رغم تحرير ما يناهز 30 ألف محضر قانوني حولها إلا أن الأحكام القضائية الصادرة لم تتجاوز نصفها فضلا عن كون ما ينفذ منها لا يتجاوز 10 في المائة من تلك الأحكام، من ناحية أخرى أبرز في هذا الحوار إشكالية التأخر الحاصل في التحفيظ العقاري للملك الغابوي والذي لم ينطلق إلا قبل بضع سنوات ليصل اليوم إلى تحفيظ ما يناهز 500 ألف هكتار لكن الهدف يبقي جد طموح وهو الوصول إلي تحفيظ 9 ملايين هكتار وفق مخطط عشري ينتهي في سنة .2014 يتوفر المغرب على مساحة غابوية مهمة، وتثار بين الفينة والأخرى تساؤلات حول موضوع تفويت الأراضي الغابوية، وسبق أن توصلت بجواب من مصالحكم أن الغابة ليست رصيدا عقاريا ولكنه يلجأ إليها في حالة الاضطرار، إلا أن الملاحظ أنه تم تفويت مساحات غابوية لشركات اقتصادية كبرى في المغرب كالضحى وهولسيم، وبالرغم من أنه تتم مقايضة بأرض أخرى ولكنها أقل قيمة من الناحية الإيكولوجية، فهل تمارس ضغوط على المندوبية لتفويت هذه الأراضي؟ وهل يحصل تعارض بين إقامة مشاريع سياحية واقتصادية على الغابة ووجود منظومة غابوية هشة؟ لا يمكن التعاطي مع الملك الغابوي كرصيد عقاري يتم اللجوء إليه بطريقة تلقائية، لأن القوانين المتعلقة بإدارة وتدبير الملك الغابوي تنص على عدم قابلية هذا الأخير للتفويت، لكن المشرّع أجاز بعض الاستثناءات عن القاعدة القانونية في الحالة التي يغيب فيها البديل عن الملك الغابوي يمكن حصرها في ثلاث حالات: ـ الفصل عن النظام الغابوي بموجب مرسوم وزاري بالنسبة للأراضي الغابوية مشاريع ذات منفعة عامة كبناء الطرق والسدود والمؤسسات العمومية........الخ ـ المبادلة العقارية بالنسبة لإنجاز مشاريع اقتصادية واجتماعية وسياحية ذات صبغة دائمة ومطابقة لتوجيهات التصاميم المعمارية، بعد المصادقة عليها من قبل المراكز الجهوية للاستثمار، شريطة ألا تتنافى التجهيزات المزمع إنجازها مع المحافظة على الثروات الغابوية من جهة، وضرورة إنجاز دراسات حول تأثير هذه المشاريع على البيئة بهدف اتخاذ التدابير الوقائية والتعويضية الملائمة من جهة ثانية. ـ الاحتلال المؤقت بالنسبة للمشاريع ذات صبغة مؤقتة تشتمل على تجهيزات خفيفة ومطابقة لتوجيهات التصاميم المعمارية، وفي كل الأحوال دون الإخلال بالصبغة الغابوية لهذه الأراضي. وإن المندوبية السامية للمياه والغابات منذ إحداثها تعمل وفق هذه المساطير والمناهج بدون استثناء، وكل الحالات السابقة الخارجة عن الإطار فهي في طور التسوية لتصفية كل الملفات وفق القانون والمواصفات الشفافة. أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، فأود أن أشير أنه وتماشيا مع التنمية السوسيو اقتصادية السريعة التي تشهدها بلادنا والرامية إلى إنجاز مشاريع تخدم التوجه التنموي للبلاد، والتي تتطلب وعاءا عقاريا يمكن أن يهم في بعض الحالات الملك الغابوي في غياب البديل، فإن المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر تعتمد في هذا الإطار، وبتنسيق مع كافة المتدخلين، حلولا توفق بين المحافظة على البيئة من جهة، وضمان السير العادي لأشغال هذه المشاريع من جهة ثانية. السيد الحافي، نعرف أن من المصائب التي تهدد الغابة المغربية هي نهب عصابات متخصصة للأشجار، خصوصا أشجار الأزر ذات القيمة المالية العالية، فماذا تفعل المندوبية السلمية للمياه والغابات إزاء هذه الظاهرة، لاسيما وأن لجنة برلمانية وقفت على سرقة ما يفوق 350 شجرة بمنطقة الأطلس المتوسط؟ إن هذه الظاهرة ليست اكتشاف الساعة أو اكتشاف لجنة، وإنما هي ظاهرة تتعامل معها المندوبية السامية كإشكالية هيكلية، بالحزم والصرامة اللازمين. هذه العصابات هي جماعات منظمة تعمل بطريقة ممنهجة مستخدمة أحدث الوسائل من هواتف نقالة ومناشير كهربائية ومصابيح إليكتروجين وأسلحة نارية، ولا تتردد في التهجم على أطر المياه والغابات للقيام بهذه الجرائم، وتكثف نشاطها ليلا في مناطق وعرة، حتى يتعذر على الغابويين ملاحقتهم. وقد قامت المندوبية السامية للمياه والغابات في هذا السياق بجملة من التدابير كتكثيف الحملات التمشيطية ومراقبة المحاور الغابوية والقيام بعمليات تفتيش مباغتة داخل المستودعات والدور المشبوهة ومراقبة مصدر المواد الغابوية المستعملة وجرد المناشيرالمرخصة وغير المرخصة وتعقب مسار الخشب في مختلف المراحل التي يمر بها، غير أن هذه العمليات الزجرية لا يمكن أن تؤتي أكلها إلا إذا انخرط المواطنون ذوو الحقوق والساكنة القروية في حماية الغابة، وهي مقاربة المندوبية السامية التي تعتمد إشراك الساكنة المحلية من ذوي الحقوق في حراسة الملك الغابوي. غير أن هذه الجرائم لا يجب أن تنسينا أن تراتب الأهميات والاستغلالات يجعل من الرعي المفرط جوهر المشاكل المصيرية، إذ إن تكاثر القطعان بحمولة تبلغ 3 إلى 5 أضعاف الحمولة القصوى المتاحة وامتداد الاستغلال الرعوي على طول السنة، يجعل أن النظم البيئية تتضرر إلى درجة أنها قد تبلغ مستوى الاختلالات الهيكلية التي لا رجعة فيها. (مقاطعا) وما الذي تفعله المندوبية من إجراءات إزاء هذه الممارسات؟ المنظور الزجري المحض قد أبان عن محدوديته بالرغم من أنه يبقى ضروريا لمواجهة المخالفات، لكن المندوبية السامية للمياه والغابات تبني منهجيتها على تنظيم ذوي الحقوق والمنتفعين في إطار يضمن حق الاستغلال في مستويات لا تضر بالنظم البيئية، وهذا يحتاج إلى تعبئة كل الفاعلين من ساكنة وسلطات إدارية. وفي ما يخص الجانب الزجري لمثل الممارسات التي أتحدث عنها، فإن المندوبية تحرر سنوياً 30 ألف محضر بشأن المخالفات المضرة بالغابة (نهب الأشجار والترامي على الأراضي الغابوية والتعاطي للزراعات المحظورة والرعي الجائر... الخ) وترفعها لوكلاء الملك. إلا أن نصفها فقط هو من تبث فيه المحاكم، و10 % من القضايا التي تصدر بشأنها أحكام هي التي يتم تنفيذها، أي 5 % من مجموع المحاضر المنجزة. وما ألح عليه هو ضرورة الصرامة والسرعة في تنفيذ الأحكام القضائية التي ترمي إلى الحفاظ على الثروة الغابوية. ولهذا فإن إصدار أي حكم على ما يجري يتطلب قسطا من معرفة بواطن الأمور ولا ينبغي أن يتجاهل تفاصيل ما تقوم به أطر وأعوان المندوبية من العمل في ظروف صعبة صباح مساء، بالإضافة إلى الاعتداءات التي يتعرض لها التقنيون الغابويون من مواجهات واعتداءات من لدن العصابات، يضطرون معها بعد نفاذ محاولات الردع، إلى استعمال أسلحتهم دفاعا عن النفس، مما ينتهي مع الأسف بحكم بالسجن النافذ ضد الإطار الغابوي، وكأن الأمر يتعلق بجريمة اعتداء، بيد أن هؤلاء الموظفين هم قانونيا حملة السلاح للردع أو للدفاع عن النفس إذا اقتضى الحال. بصدد الحديث عن حراس الغابة، بالرغم من أنهم رأس الحربة في مواجهة ناهبي الغابة، لكن أوضاعهم المعيشية غير مشجعة، سواء وسائل العمل أو التعويضات أو بعدهم عن أسرهم لمدة طويلة، فما هي التدابير التي تبنيتموها لتحسين وضعيتهم؟ صحيح أن هذه الفئة تعمل في ظروف عمل قاسية، وهذا ما جعل المندوبية السامية تضع في قلب اهتماماتها ظروف العمل وخاصيات كل منطقة، فمنهم من بقي في مناطق غابوية وعرة لمدة طويلة (15 و20 سنة) دون الاستفادة من انتقال، وهو الأمر الذي وضعنا حدا له، بحيث تتم الانتقالات على رأس كل 4 سنوات دون تمييز لأحد على حساب آخر، بالإضافة إلى أن الكل اليوم يعرف مساره الوظيفي، ولم تبق هناك أي محسوبية أو زبونية أو ما يجعل الموظف يفقد ثقته في مؤسسته. والحقيقة أن بعض الامتيازات كحطب التدفئة كانت سابقا تقسم بطريقة يظلم فيها صغار الموظفين، وتكون حكرا على فئة دون الفئات الأخرى كالتقنيين والموظفين الإداريين، ولكن الآن لم يعد الأمر قائماً، بحيث توزع بالتساوي اعتبارا للموقع الجغرافي وخاصياته دون تمييز بين الفئات. كما أن التعويضات القانونية الخاصة بالعزلة والتشجير والمردودية أصبحت توزع وفق معايير شفافة، طبقا لهدفها الأصلي، و لم تعد كما كانت توزع بالتساوي على حساب من يعانون العزلة أو لصالح لمن لا علاقة مباشرة لهم بعمليات التشجير، وهو ما جعل في السابق هذه التحفيزات تفقد فعاليتها. هل صحيح أن بعض غابات الأرز معرضة لخطر الانقراض تماما؟ موضوعيا، فإن الغابة تنتقل من وضعية حسن إلى أحسن فيما يخص إعادة تأهيل النظم البيئية، سواء الأرز أو غيره، لأن البرامج التي وضعناها تأخذ بعين الاعتبار خصائص كل التشكيلات و المنظومات الغابوية. وليسهل الفهم، علينا أن ندرك أن وتيرة نمو الأشجار الغابوية بطيئة وتقدر بـ5 إلى 10 أضعاف الولايات الانتخابية، مما يجعل التحكيم لصالح إعادة هيكلة النظم الغابوية شيئا لا يتأتى إلا إذا حضر قسط فائق من الوعي والمسؤولية، ولا يشكل في أي حال من الأحوال هدفا لمن ينتظر ربحا قريبا، ماليا أو انتخابيا كان. فقانون البيولوجيا الغابوية له أحكامه وغير خاضع لمن شاء أن يقدم أو يؤخر، والعمليات التقويمية جارية من قبل المندوبية السامية حجما ومنهجا. أضف إلى ذلك الإشكالية القائمة المرتبطة بالتغيرات المناخية، فهناك توقعات بارتفاع درجة الحرارة في أفق 2060 و2070 بدرجتين أو 3 درجات. بمعنى أن كل التشكيلات الغابوية التي كانت تنبت في مستوى (أ)، لن يمكنها في ذلك الوقت النمو إلا في مستوى يعلو على مستوى (أ) بـ 500 متر، أي أن بعض أشجار الأرز في مناطق معينة ستختفي، ولكن ستفتح له مناطق أخرى أعلى وأقل برودة وأكثر تناسباً لنموه. وحاليا فإننا نأخذ بعين الاعتبار هذا التغير الجوهري أثناء عملية إعادة التشجير، لأن أشجار الأرز التي نغرسها الآن ستصل إلى نموها الكامل بعد 30 و50 سنة، أي سنة .2060 الناظر إلى المخطط العشري لإنقاذ الغابة يظهر له أنكم تشتغلون ببرامج اعتيادية لا توازي حجم المخاطر والتهديدات المحدقة بالرصيد الغابوي للبلاد؟ إن ما تقوم به المندوبية السامية هو عكس ما تقولون. إذ إنه لا من باب المنهجية والمقاربة وحجم البرامج ونوعيتها، يظل البرنامج العشاري بمثابة ثورة في النصوص والإنجاز، وانتفاضة في مستوى التحديات. هذا البرنامج العشري الغابوي 2014/2005 لم تتم صياغته في مكاتب مكيفة، بل انطلق من الإشكالية الرئيسية التي تعرفها الغابة. نحن لم نضع أرقاما وأهدافا بشكل اعتباطي، بل ستجد في المخطط جوابا على كل إشكالية من الإشكاليات المطروحة حول المياه والغابات ومحاربة التصحر. فيكفي أن تأخذ إشكالية الترامي على الملك الغابوي، مثلا أستطيع القول إننا حققنا في 4 أو 5 سنوات من المخطط ما لم نحققه في 50 سنة منذ الاستقلال من حيث التحفيظ الغابوي، وانتقلنا من ما مجموعه 9000 هكتار إلى 500 ألف هكتار في ظرف 3 سنوات. وقد أخذنا على نفسنا أن ننتهي في أفق 2014 من تحفيظ 9 ملايين من الملك الغابوي، وهذه ثورة حقيقية ضد العمل السهل والمريح. مثال ثان هو تشجير غابة المعمورة في أواسط السبعينات واستبدال أشجار البلوط الفليني بأشجار الأكالبيتوس، أدى إلى اختلال النظام البيئي ككل بغابة المعمورة، لذا فقد وضعت المندوبية السامية برنامجا يرمي إلى غرس 20 ألف هكتار من البلوط الفليني عند نهاية المخطط العشري، وذلك بمعدل 2000 هكتار سنويا ابتداءا من.2005 أليس ذلك انتفاضة ضد ما يهددنا من تدمير البلوط الفليني واستبداله بالأوكاليبتوس! أما ما يتداول من أن الغابة المغربية تخسر 31 ألف هكتار سنوياً ففيه سوء فهم كبير، إذ إن التراجع هو ما يعادل 31 ألف هكتار، وتتعلق بتراجع في كثافة الأشجار يعبر عنه بمقابل مساحة فرضية لترقيم التراجع، مع العلم أن الملك الغابوي في هذه الحالة لم يفقد أي هكتار فعليا.