بعد أكثر من ثمانية أشهر من خطفهم من أقصى الشمال الغربي لموريتانيا من طرف «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، جاءت الأنباء لتعلن نجاح مساعي الإفراج عن الرهينتين الإسبانيين ألبرت بيلالتا، وروكي باسكوال، بعد أن تحقق للقاعدة وكتيبة الملثمين منها على وجه التحديد ، التي يقودها المختار بلمختار ، الملقب بلعور، بعضا من أهم مطالبه. فقد وافق بلعور على الإفراج عن الإسبانيين المعتقلين عنده بعد تقديم فدية تصل إلى 14 مليون أورو، وبعد تسليم السلطات الموريتانية لنظيرتها المالية منفذ عملية الاختطاف عمر الصحراوي، الذي يعتقد أن الماليين بدورهم قاموا بتسليمه إلى بلعور. وتتباين أنظمة الدول المطلة على الصحراء في التعاطي مع القاعدة ومطالبها، ففي حين ترفض الجزائر وموريتانيا أي تفاوض أو تبادل أو تحاور مع عناصر التنظيم، ترى مالي أن التفاوض والتبادل يبقيان الخيار الأسلم في التعاطي مع التنظيم المسلح. يرى الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية ، إسلمو ولد المصطفى ، أن الجميع ربح وخسر في نفس الوقت بصفقة الإفراج عن الرهينتين، فموريتانيا ربحت لأنها لم تدفع أموالا، ولم تفرج عن "إرهابيين" لديها، ولم تسلم معتقلا للقاعدة، وتنصلت من الضغوط الإسبانية، أما إسبانيا فقد نجحت حين حالت دون موت مواطنيها. أما القاعدة فقد حققت ، في نظره، مكاسب مادية ونجاحات سياسية حين فرضت على الأوروبيين التعامل معها بوضوح، لكنها خسرت مرتين حين تنازلت عن دروع بشرية تقيها ضربات العدو، وتركت ظهرها مكشوفا للضربات العسكرية. كما أنها خسرت حين تخلت عن أكثر من عشرين من أبنائها في السجون الموريتانية لم تدمجهم ضمن الصفقة، وهو ما يمثل خسارة إستراتيجية لها في موريتانيا التي تعد ساحة تجنيد رئيسية لها، حسب رأي ولد المصطفى. لكن الصحفي المتابع لشؤون القاعدة ، سيدي أحمد بابا ، يعتقد أن ما جرى يشكل انتصارا للقاعدة من خلال فرض شروطها على الأنظمة الأفريقية مستفيدة من الضغوط التي يمارسها الغربيون بشكل واسع على حكام العالم الثالث، وغياب أي فرص أخرى لتحرير الرهائن دون التبادل ودفع الأموال. ويرى بابا أن فشل العملية العسكرية الموريتانية الفرنسية -التي حاول من خلالها الجيشان تحرير الفرنسي ميشيل جيرمانو دون دفع مال ، فانتهى به المطاف قتيلا على أيدي القاعدة- قد أقنع الغربيين بفشل أي طريق آخر سوى الفدية أو التبادل في تحرير رهائن القاعدة. وهو يؤكد أن نجاح التنظيم في فرض إطلاق سراح الصحراوي -الوسيط في عملية الاختطاف- يمثل منعطفا خطيرا أيضا باعتبار أن القاعدة من خلال إصرارها على الإفراج عنه تشجع آخرين من تجار السلاح وأباطرة الصحراء على التعامل معها باعتبار سلامتهم مضمونة وحريتهم مكفولة ما دامت الأنظمة غير قادرة على الصمود أمام اشتراطات التنظيم المسلح. ويجزم بابا بأن ما حدث من شأنه أن يوسع من هوة الخلاف بين الجزائر وموريتانيا بعدما راهنت الجزائر على مواقف نواكشوط الرافضة للتبادل قبل أن تنخرط فيه بشكل غير مباشر تحت ضغط إسباني قوي. ويعتبر أن ذلك يمثل وأدا لملف القيادة العسكرية المشتركة التي يوجد مقرها بتمنراست في الجزائر، و"لاءاتها" بشأن دفع الفدية أو التبادل مع تنظيم القاعدة. وكانت صحف جزائرية قد هاجمت السياسة الموريتانية تجاه القاعدة ، حيث اعتبرت صحيفة «النهار» أن موريتانيا انضمت إلى حلف الشيطان ممثلا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر بعد تسليمها عمر الصحراوي لمبادلته بالرهينتين الإسبانيين. وقالت إن الخطوة الموريتانية جاءت "للتكفير" عن العملية العسكرية التي عجّلت بتصفية جرمانو (78 عاما)، حيث تعتبر نفسها مسؤولة أخلاقيا عن إعدامه، فضلا عن رغبة هذه الأخيرة "في تجنب سخط أوروبا في الظرف الحالي، باعتبارها تعاني تشنجات داخلية بسبب المعارضة". أمين محمد