لا أحد يمكنه أن ينكر شرعية الإضراب الذي يبقى حقا من الحقوق المقدسة في الممارسة النقابية، لكن ماحدث أثناء إضراب قطاع النقل خلال اليومين الماضيين في العديد من المدن لايمت بصلة لحق الاضراب إذا لم يكن يسيء إليه ويضرب شرعيته في العمق. نعم. إن التجربة النقابية لم تستطع لحد الآن أن ترسم لنا رسما بيانيا واضحا يوضح الحدود الفاصلة بين الإضراب وحرية العمل، وتطرح إشكاليات كبرى على هذا المستوى، لكن ما حدث أيضا في كثير من المدن خصوصا بالدارالبيضاء يتجاوز حتى سقف حرية العمل بالنسبة لفئة عريضة لم تر جدوى في الانخراط في إضراب خاضع لحسابات أخرى لم تعد خفية على أحد. ففي الدارالبيضاء مثلا لم يكثف بعض أصحاب سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة على عرقلة عمل من خالفوهم الرأي بل عمدوا الى إحداث فوضى عارمة جدا، إذ أغلقوا طرقا رئيسية وهاجموا سيارات أجرة كانت تعمل في ظروف طبيعية و ألحقوا بها أضرارا بليغة جدا وعرقلوا حركة السير في عدة مواقع، وحدث نفس الشيء في مدن أخرى كالحاجب مثلا. المثير حقا أن قوات الأمن التي تحرص على تكسير عظام المعطلين في العديد من شوارع المغرب اكتفت بالتفرج رغم أن الأمور وصلت حد الاعتداء على الأشخاص وعلى الممتلكات وعرقلة حركة السير وإغلاق المنافذ والممرات، وهذه ليست دعوة لتكسير عظام الذين تسببوا في كل هذه الأضرار، بقدرما هي دعوة ملحة لتطبيق القوانين وفرض النظام العام والحفاظ على مصالح المواطنين وأمنهم وسلامتهم. إن ما أقدم عليه بعض أصحاب سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة والذي كان محل استنكار من طرف المواطنين ومن طرف العديد من الصحف المغربية الصادرة أمس يعكس مستوى الحنق الذي أصيبت به بعض مافيات النقل في بلادنا التي ترى في مدونة السير تهديدا مباشرا لمصالحها، بل إن الممارسات المشينة التي تأسف لها الجميع والتي اضرت بصدقية الاضراب نفسه تؤشر على بروز ظاهرة «الفتوة» في بعض القطاعات التي ترهب المواطنين من أجل ضمان نجاح الإضراب خصوصا حينما لايستسيغ المواطنون إضرابا مثل الذي حدث في قطاع النقل.