إنها رواية تلج عالم الروتين والموظفين داخل الحكومة وخاصة عالم التأمينات الاجتماعية، كما تلقى الضوء بشكل ساطع على الفساد المرعب والمقرف وغير الرحيم على الإطلاق في منطقة خالية تماما من نظافة الضمير، حيث قدم محمد غزلان هذه التجربة معتمدا على جمل يستخدمها الشارع كحكم وأمثال ترشد الناس للتعامل مع هذه الفئة من الموظفين. إنها رواية على الرغم من تناولها مشكلة الراوي فقط والتي هي في مجموعها تخص الغالبية العظمى منا، إلا أنها تُقربنا بصدق إلى عالم بشع وتُسلط الضوء عليه ربما يراه الذين يخافون على هذا البلد الذي تحجر قلبه، وأصبح لا يهتم حتى بشئون شيوخه الذين أفنوا عمرهم في خدمته بعد أن نفض من قبل يديه من شبابه. إنها رواية بها روح حية وتشعر أنها طازجة وما زالت حية ومستمرة في حياتنا حيث تعبر عن قصة / مشكلة يعيشها البطل وصديقه، وينقلها لنا ونعرفها نحن أيضا ويعيش العديد بل أغلب البيوت المصرية فيها، ولكن مع اختلاف التفاصيل حيث نتشارك مع شخوص الرواية في الأحداث، ولا بد أن نفعل مثل البطل الذي يقول عن تجربته وتجربتنا (انتظرت بعض الوقت عند إشارة المرور, ولم أجد من يحترمها, فاخترقت سيل السيارات ص 42) هكذا نحن جميعا نفس الرجل الذي بدأ في إعطائنا دروس عن الحياة تساعدنا على فهم مصر وما يحدث في عالم موظفيها ووزاراتها ومديرياتها حيث يقول في ص50 من الرواية، (أول درس تعلمته على يد الصحفي العجوز الذي وصف السعاة والفراشين وعمال البوفيه بأنهم كتمة الأسرار ومفاتيح الألغاز في كل دواوين مصر). إنها الرشوة.. الحلاوة.. الإكرامية.. وأسماء عديدة ومتجددة لا حصر لها اخترعها الشعب المصري وما زال يخترع لها على أسماء، وخاصة موظف الحكومة للابتزاز واستخدام السلطة في تعطيل مصالح الناس وحقوقهم وتوقيفها وتعذيب المواطنين في الديوان الحكومي للتعذيب في مصر. إنها رواية تقترب من كل عوالم الرشوة وتقف عند مشكلة بسيطة تستغرق أعواما في بلد مثل مصر فقط، وهي ضم ملف خدمة قديم إلى ملف خدمة حالي للتأمينات من أجل الحصول على معاش كامل . المعاش هي الكلمة التي كانت وما زالت تمثل للفقراء ومتوسطي الدخل حصن الأمان الأخير في نهاية العمر. هذا الحصن الذي يمنعهم من التسول بعد أداء واجبهم إزاء الأجيال الجديدة وإنفاق أعمارهم في العمل من أجل صالح هذا البلد. إنه الواقع الذي تحول إلى مأساة ورحلة عذاب يجتمع فيها كبر السن والشيخوخة والفقر وغلظة وفساد ذمة الموظف. لقد نجح محمد غزلان أن يدخل بنا هذا العالم ويؤلمنا دون ضجيج ومع خفة دم البطل الموازى للراوي وصديقه في الرواية في آن واحد، يمنحنا إياها عند حضوره على صفحات الرواية. لقد كانت شخصية هانئ الكفراوى من أفضل الشخصيات حضورا وحيوية، لقد أحببناها بالفعل على الورق حتى تشعر أنه معك لحما ودما في مكان ما يراقبك وأنت تقرأ الرواية. لقد صدرت هذا الرواية بعنوان أول القصيدة.. بسيطة عن دار اكتب للنشر والتوزيع فى القاهرة في طبعتها الأولى عام 2008. صدر من قبل للروائي والصحفي محمد غزلان روايات.. الخروج من بغداد سنة 2004.. الواطى.. وله تحت الطبع مذكرات عبد ريال- يوميات مصري يعمل في الخليج... وصمت الليالي وآبار الحزن.