مرة أخرى تكون غزة على موعد جديد مع فعالية تتناول السينما. مثل هذه الفعاليات لم تتوقف منذ شهور. مؤسسات وجهات عديدة قاموا بتنظيم تلك الجهود. صالون نون الأدبي، الذي تقوده باقتدار الدكتورة مي نايف وزميلتها فتحية صرصور، دعا الأحد 17/1/2010 نخبة من المثقفين والمهتمين، في إحدى قاعات جامعة الأقصى، لمناقشة طاقم ملتقى الفيلم الفلسطيني، فيما يتعلق بالمهرجان السينمائي الذي نظمه الملتقى أواخر الشهر الماضي بالتعاون مع جامعة فلسطين وحمل اسم مهرجان القدس السينمائي الدولي الأول. هذا هو اللقاء الخامس من نوعه الذي ينظمه الصالون على التوالي لمناقشة فعاليات سينمائية. بداية اللقاء كانت عرضاً لفيلم "غياب" للمخرج البحريني محمد راشد بوعلي عن نص "الوحيد وحده" للشاعر قاسم حداد. الفيلم شبه صامت مدته سبع دقائق، وهو عمل فني يحاول أن يدفع المشاهد للتفكير والتنبؤ من خلال مساحة الغموض البناء فيه. الدكتورة مي نايف أوضحت أن مثل هذه العروض تفتح آفاق المشاهد الفلسطيني، وتنمي لديه الثقافة السينمائية، وتجعله أكثر قدرة على التفاعل مع السينما. المخرج السينمائي سعود مهنا رئيس الملتقى، تحدث عن المهرجان بصفته رئيس لجان المشاهدة والتحكيم، وركز في حديثه على المعايير التي تم بناء عليها اختيار الأفلام للمشاركة أولاً ثم اختيار الأفلام الفائزة ثانياً. اللافت في كلامه ما يتعلق بالشفافية والجدية، حيث تم تخصيص استمارات تقييم يتم من خلالها معرفة رأي المحكمين، وحتى أن بعض اللجان زادت على ذلك بكتابة تقرير بعد مشاهدة الفيلم. الإعلامية إيناس الطويل مديرة العلاقات العامة في الملتقى تحدثت عن تجربتها في المهرجان السينمائي كناطقة باسمه. جوهر وطريقة حديثها الواضح والمحكم والمتسلسل يكشف عن موهبة إعلامية صقلتها -بلا شك- تجربة طويلة من العمل كمذيعة ومعدة ومقدمة برامج في تلفزيون فلسطين. المتحدث الثالث المخرج المسرحي أسامة مبارك عضو لجنة التحكيم الخاصة بأفلام القدس، الذي أشار إلى أهمية ودلالة الاسم الذي حمله المهرجان لمواجهة الزيف الإسرائيلي المتمثل في تنظيم مهرجان سينمائي إسرائيلي سنوي يحمل اسم القدس. المداخلات والنقاشات التي أعقبت المتحدثين تكاد تجمع على أهمية الحراك الفني الذي تشهده غزة، خاصة ما يتعلق منه بالإنتاج التلفزيوني والسينمائي، وعلى وجه الخصوص الأفلام الوثائقية، لما لها من أهمية وطنية وإنسانية وتاريخية. الاحتلال الإسرائيلي يرتعد خوفاً من الحقيقة والتوثيق. هذا بالضبط ما جعله يرتبك من تقرير غولدستون، وهو أيضاً ما جعل صوابه يطير من مجرد لقطات في مسلسل تلفزيوني تركي (وادي الذئاب). صالون نون الأدبي نظم منذ انطلاقته قبل عدة سنوات العشرات من اللقاءات والندوات الأدبية والثقافية، بجهد ذاتي من القائمين عليه. محدودية الإمكانيات وقلة عدد المهتمين بالشأن الثقافي لم تحبطهم وواصلوا أداء الرسالة المؤمنين بها. نحن، في غزة، أمام نخبة من الفنانين والمثقفين المخلصين، تدرك أهمية ما تقوم به، وهي في سبيل ذلك تحفر في الصخر من أجل تحقيق فائدة أو تسجيل إنجاز، شخصي مجتمعي إنساني ووطني. لا شك أن أمامهم تحديات كبيرة، خاصة كيفية الارتقاء بمستوى الإنتاج السينمائي، من أجل تسويق أفضل وتأثير أعمق في المشاهد والرأي العام. إنهم بحاجة لدعم المجتمع، وجزء من هذا الدعم التشجيع والنقد البناء.