أولى الملك محمد السادس منذ توليه الحكم ، لمسألة إدماج الشباب في الحياة العامة أهمية خاصة .ولعل هذا الاهتمام الملكي كان نابعا من عدة عوامل من بينها توليه الحكم وهو في سن 36 سنة مما جعله قريبا من الشرائح الشابة التي تشكل مكونا رئيسيا ضمن الهرم السكاني بالمغرب . كما يمكن إرجاع ذلك إلى عدة تطورات شبابية عرفتها الساحة السياسية بالمغرب ، تمثلت بالأساس في أحداث 16 ماي 2003 التي تورط فيها شباب من الأحياء الهامشية للعاصمة الاقتصادية ، وكذا تداعيات حراك 20 فبراير الذي تزعمه وشاركت فيه شرائح واسعة من الشباب في مختلف مناطق المملكة . بالإضافة إلى حراك الريف الذي أشعل شرارته سماك شاب وقاد مسيرات احتجاجاته شباب من المنطقة رفض التفاوض إلا مع الملك . الاهتمام الملكي بإدماج الشباب في الحياة العامة شكل موضوع الشباب محوراً رئيسياً في عدة خطب ملكية ، حيث دعا العاهل المغربي في خطاب بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2012، إلى "بلورة استراتيجية شاملة، من شأنها وضع حد لتشتت الخدمات القطاعية المقدمة للشباب، وذلك باعتماد سياسة تجمع بشكل متناغم ومنسجم، مختلف هذه الخدمات ".وقد زاد الاهتمام الملكي بوضعية الشباب بعد حراك الريف وما خلفه من تداعيات سياسية أثرت بشكل كبير على الوضع السياسي الداخلي باتخاذ السلطة لعدة إجراءات حيث شملت الغضبة الملكية عزل مجموعة من المسؤولين الإداريين والوزاريين ، بل بلغ الأمر بمنع بعضهم من تقلد أية مسؤولية عمومية ، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات تشددية في حق مجموعة من شباب المنطقة وإصدار أحكام ثقيلة ضدهم. وبالتالي ، فقد تطرق الخطاب الملكي في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في 13 أكتوبر 2017 "بأن التقدم الذي يعرفه المغرب لا يشمل مع الأسف كل المواطنين وخاصة الشباب، الذي يمثل أكثر من ثلث السكان ، حيث دعا إلى بلورة سياسة جديدة مندمجة للشباب تقوم بالأساس على التكوين والتشغيل، قادرة على إيجاد حلول واقعية لمشاكلهم الحقيقية. ولإدماج فئات الشباب في الحياة السياسية " كما أن "تأهيلُ الشباب المغربي وانخراطُه الإيجابي والفعال . معوقات إشراك الشباب في الحياة العامة على الرغم من الاهتمام الملكي بإدماج شرائح الشباب في الحياة العامة ، فما زال إدماجهم في الحياة السياسية سواء على الصعيد المحلي أو الوطني يواجه عدة عوائق انتخابية و تنظيمية – إلغاء اللائحة الوطنية للشباب بعد الحراك الذي عرفه المغرب، والذي قاده الشباب المطالب بالاهتمام بقضاياه وبتجديد النخب السياسية، وبعدما عانت المملكة لعقود من احتكار النخب نفسها ذات النفوذ والمال مقاعد البرلمان ، وتجاوبا مع تداعيات حراك 20 فبراير الذي قادته بالخصوص شرائح واسعة من الشباب ، تم إقرار لائحة وطنية للشباب تضم 30 مقعدا للبرلمانيين الشباب، مقابل تخصيص لائحة وطنية للنساء تضم 60 مقعدا. مما أتاح فتح كوة سياسية للشباب داخل البرلمان .فخلال ولايتين تشريعيتين ، تمكن 60 برلمانيا شابا : 30 في انتخابات 2011، و30 في انتخابات 2016 من ولوج مجلس النواب، وسط مراقبة من قبل عدد من الفاعلين لأدوار هؤلاء البرلمانيين الشباب ومدى مساهمتهم في تجويد العمل التشريعي. لكن قبيل الانتخابات التشريعية لسنة 2021، طفا النقاش من جديد حول جدوى «الكوطة» المخصصة للشباب في اللائحة الوطنية: بين من ينادي إلى تعزيزها ودعم تمثيلية الشباب في المؤسسات المنتخبة. فقد أصر المدافعون على بقاء اللائحة على ضرورة استمرار التمييز الإيجابي للشباب، باعتباره مدخلا لتجويد العمل البرلماني ومدخلا لمشاركة الشباب وحضوره في المجالس المنتخبة وعلى رأسها البرلمان، مستدلين بذلك على الفترة ما قبل 2011 التي كانت فيها نسب الشباب بالبرلمان ضعيفة وشبه منعدمة بالنظر للطريقة التي كانت تدبر بها الانتخابات التشريعية ومنطق اللوائح المحلية الذي يخضع في معظم الدوائر لمنطق الأعيان. وبالتالي فإن حذفها سيعيد التركيبة البرلمانية ما قبل 2011 التي كان يطبعها حضور الأعيان وكبار السن بدرجة كبيرة جدا. بالإضافة إلى أن إقرار لائحة البرلمانيين الشباب قد ساهمت في مصالحة حقيقية بين الشباب والفعل السياسي وجودت الأداء البرلماني، من خلال حضور عدد من الشباب وإبرازهم لقضايا كبرى داخل مجلس النواب وإثارة نقاش راق داخل اللجان الموضوعاتية ولجان تقضي الحقائق. بالإضافة إلى القدرة على التواصل وتبسيط اللغة البرلمانية للمواطنات والمواطنين والتفاعل مع قضاياهم ومع القضايا المجتمعية البارزة.. بالمقابل، يرى الرافضون لبقاء اللائحة ودعاة حذفها على أن اللائحة الوطنية للشباب لم تحقق الأهداف التي وجدت من أجلها، وهي بالأساس تكوين نخب شبابية جديدة قادرة على المنافسة محليا ، مستدلين في ذلك بأن الشباب الذين حظي بتمثيلية داخل مجلس النواب في إطار الكوطة لم يتمكن من وضع قدمه على الميدان وتحويل حضوره البرلماني عن اللائحة الوطنية لقوة على مستوى دائرته المحلية لينافس في الاستحقاقات المقبلة. بالإضافة إلى اعتبارها ريعاً سياسياً لا يستند إلى أي معيار ديمقراطي سمح لأبناء أصحاب النفوذ والأعيان والمقربين من التسلق السياسي عبر هذه الآلية الانتخابية ، ومنحهم مقاعد برلمانية غير مستحقة لشباب اتكالي لا يستطيع التعويل على نفسه لممارسة الفعل السياسي وسط الأحزاب والعمل ميدانيا والمنافسة في الدوائر المحلية وقد أفضى هذا الجدل السياسي ، إلى إلغاء اللائحة الوطنية للشباب بعدما أقر القانون التنظيمي لمجلس النواب تخصيصه ثلثي الترشيحات للنساء في اللوائح الجهوية المتنافس حولها في حين تم إبعاد الشباب عن المؤسسة البرلمانية. – تأخر تفعيل المجلس الاستشاري للشباب لقد سبق للمغرب منذ استقلاله إنشاء عدة مجالس لتأطير مشاركة الشباب في الحياة العامة. نظرا للأدوار السياسية التي لعبها خلال فترات تاريخية من المسار السياسي المغربي، سواء في النهوض بقضايا الوطن أو المساهمة في الأوراش التنموية. فالشباب آنذاك كان مؤسسا للدينامية السياسية التي عاشها المغرب في ثلاثينيات القرن الماضي، وعمل على تأسيس الحركة الوطنية لمواجهة السلطات الاستعمارية . كما ساهم بشكل ملموس من خلال العمل التطوعي والنضالي والاستجابة الشبابية الكبيرة لنداء الملك محمد الخامس، يوم 15 يونيو 1957 الذي وجهه للشباب المغربي من مدينة مراكش من أجل المساهمة في بناء طريق الوحدة. ولعل هذا ما دفع الملك محمد الخامس إلى التعجيل بتأسيس المجلس الوطني للشباب في 2 غشت 1957 ، والذي رعاه شخصيا ، وحضر بعض جلساته. وقد صدر مرسوم رقم 222.57.2 يحدد تركيبة المجلس الذي يتولى رئاسته رئيس الوزراء أو نائبه، ويتشكل في عضويته من وزراء في الحكومة، وهم: وزير التهذيب الوطني، وزير الاقتصاد، وزير الداخلية، وزير الصحة العمومية، وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية وكذا الكاتب العام للحكومة أو من ينوب عنه. كما أن المجلس كان يضم في عضويته أعضاء المجلس الاستشاري الثلاثة الممثلين لهيئات الشبيبة والرياضة. غير أن هذا المجلس جمد عمله بعد سنة من تأسيسه خصوصا مع ظهور تطورات سياسية شهدها المغرب منذ سنة 1959 قبل وأده تماما بإقالة حكومة عبد الله إبراهيم. وبعد إلغاء العمل بالمجلس الوطني للشباب لعدم فعاليته طيلة 13 سنة من تأسيسه، ، أصدر الملك الحسن الثاني ظهيرا شريفا في 16 يونيو 1971 أحدث بموجبه المجلس الوطني للشبيبة والرياضة برئاسة الملك أو باسم الملك الوزير الأول أو الوزير المكلف بالشبيبة والرياضة. و قد كان يضم في عضويته كل من الوزير الأول واثني عشر وزيرا، وكذا بعض رؤساء الأقسام وبعض الجمعيات وعشرة أعضاء من مجلس النواب ينتخبهم المجلس المذكور، بالإضافة إلى الكاتب العام لوزارة الشبيبة والرياضة ورؤساء الجمعيات الرياضية الذي تضعه السلطة الحكومية المكلفة بالشبيبة والرياضة. أما اختصاصاته ، فقد حددت في تقديم الاستشارة في جميع المسائل ذات المصلحة الوطنية المتعلقة بالشبيبة والرياضة. وإبداء رأيه على الخصوص في البرنامج الوطني للشبيبة والرياضة الذي تضعه السلطة الحكومية المكلفة بالشبيبة والرياضة، و كذلك استشارته في جميع المسائل الأخرى . لكن هذا المجلس حبرا على ورق. ليتم خلال مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، وفي إطار تداعيات الأزمة السياسية والوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي عانىت منها بالخصوص شرائح واسعة من الشباب المغربي ، تأسيس المجلس الوطني للشباب والمستقبل بمقتضى ظهير 20 فبراير 1991، حيث عهد له صياغة ميثاق وطني لتشغيل الشباب وتنمية الموارد البشرية، وإعداد برنامج استعجالي لإدماج الشباب من حاملي الشهادات. وقد استمر المجلس الوطني للشباب ، التي أسندت رئاسته للقيادي الاتحادي الحبيب المالكي ،في اتخاذ إجراءات متتالية للتخفيف من مشكلة تشغيل الشباب، وكان من بينها مكتب تشغيل يختص بخريجي الجامعات. كما أنجز عدة دراسات وأبحاث حول النهوض بوضعية الشباب وإشراكهم في الحياة العامة لكنها بقيت حبيسة رفوف المجلس . وبالتالي ، ففي سياق حراك 20 فبراير نص أول دستور في عهد الملك محمد السادس على إنشاء (المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ) يروم مأسسة إدماج الشباب في الحياة السياسية ،حيث نص الفصل 33 من الدستور على اتخاذ السلطات العمومية التدابير الملائمة لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للمملكة، ومساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة جمعويا وسياسيا ). لكن بعد أزيد من 13 سنة على دسترة هذا المجلس الاستشاري فما زال لم يخرج إلى حيز الوجود ، الأمر الذي يجعل الباب مفتوحا أمام العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء التأخر في إخراج هذه المؤسسة الدستورية، التي تعنى بالشباب وقضاياهم. ولعل هذا ما دعا أحد النواب إلى طرح سؤال كتابي وجهه إلى وزير الشباب والثقافة والاتصال بشأن الإجراءات والتدابير التي ينوي القيام بها لتفعيل هذا المجلس الاستشاري و لتعزيز إدماج الشباب في محيطه المجتمعي والسياسي. – تعثر التشبيب الحزبي دعا الملك منذ بداية حكمه إلى ضرورة تشبيب المشهد السياسي وتجديد النخب الحزبية التي خلفها له والده . حيث حث الملك القيادات الحزبية، إلى ضخّ دماء جديدة في هياكلها، لتطوير أدائها، باستقطاب نُخب جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمَل السياسي. ويبدو أنَّ ما دفع الملك إلى دعوة الأحزاب السياسية إلى استقطاب نخب جديدة هو فشل الأحزاب في القيام بدور الوساطة بين الدولة والمجتمع. وقد تجلّى ذلك الفشل بوضوح خلال الحركات الاجتماعية التي عرفها المغرب كحراك الريف ، وحراك سيدي إيفني... ، حيث ظل دور الأحزاب السياسية شبه غائب.ولمح الملك في خطاب للعرش إلى عجز الأحزاب السياسية المغربية عن القيام بدور الوساطة بالقول: "يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي؛ لأن أبناء اليوم هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم. كما يجب عليها العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها". لذا ، فقد شكل القانون الخاص بالأحزاب السياسية آلية من آليات تشبيب النخب الحزبية سواء من خلال التنصيص في المادة 49على تنظيم المؤتمرات الحزبية في آجالها المحددة وإلا تم حرمانها من الدعم المالي للدولة، أو من خلال المادة 26 التي تنص على أن " يعمل كل حزب سياسي على تعميم مشاركة النساء والشباب في التنمية السياسية للبلاد ... كما يتعين على كل حزب سياسي أن يحدد في نظامه الأساسي نسبة الشباب الواجب إشراكهم في الأجهزة المسيرة للحزب". لكن يبدو أن عملية تشبيب النخب الحزبية ما زالت تواجه عدة تعثرات بسبب ضعف ثقافة التنافس السياسي داخل الأحزاب ، حيث بات من الملاحظ أن معظم الأحزاب تلجأ إلى انتخاب قياداتها الوطنية في غياب شبه تام للمنافسة السياسية داخلها ، إما لعدم ترشح أي منافسين جادين أو لانسحابهم في اللحظات الأخيرة. في حين تلجأ أحزاب أخرى إلى تمديد الفترات الفاصلة بين مؤتمراتها الوطنية أو إجراء تعديلات على أنظمتها الداخلية، بما يسمح لأشخاص محددين بالبقاء على رأس الحزب لفترة أطول.ففي حزب الأصالة والمعاصرة، انتخب المجلس الوطني المنبثق عن المؤتمر الخامس للحزب، فاطمة الزهراء المنصوري، محمد المهدي بن سعيد، وصلاح الدين أبو الغالي، "لأمانة عامة جماعية" دون أي منافسين. فيما عانى حزب الاستقلال، جمودا سياسيا منذ سنتين بسبب رفض الأمين العام الحالي، نزار بركة، عقد المؤتمر الوطني في وقته القانوني. قبل أن تعلن اللجنة التنفيذية للحزب دعمها لترشيح بركة ذاته لولاية ثالثة كمرشح وحيد. في حين تم انتخاب إدريس لشكر ككاتب أول بعد تصويت المجلس الوطني على قرارات تمنح لشكر الحق في الترشح لولاية ثالثة لقيادة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بينما جددت رئاسة بن عبدالله لحزب التقدم والاشتراكية لثلاث ولايات. في حين تمت إعادة انتخاب عزيز أخنوش لولاية ثانية على رأس حزب التجمع الوطني للأحرار، في المؤتمر الوطني السابع سنة 2022، دون أي منافسين . وبالتالي ، فهذه الممارسات لا تساهم في التماهي السياسي للشباب مع هذه الأحزاب وتعكس صورة لا تقارب تماما نسبة الشباب المغربي في الهرم الديمغرافي الوطني، ونشاطه في الحياة العامة . إذ نجد أن الشباب يمارس السياسة بشكل كبير ومختلف بحكم أن السياسة قول وفعل وعمل و ممارسة، وقام بتطوير آليات التواصل السياسي عمليا بالاستفادة من الثورة المعلوماتية، لكنه في جله عدديا غير منتمي تنظيميا للتنظيمات الحزبية . وعموما فعلى الرغم من الخطب الملكية التي تؤكد على الادماج السياسي للشباب في الحياة العامة ، وعلى الرغم من القوة الديمغرافية للشباب داخل المجتمع ، فما زال الحضور الشبابي في مراكز القرار على الصعيد المحلي، كما الوطني، محدودا. وبالتالي ، فإن قطاعات واسعة من الشباب اختارت العمل المدني كصيغة بديلة تضمن لنفسها عبرها مشاركة، ولو محدودة ، في صنع القرار داخل الجماعات التي تشتغل ضمن ترابها. ولعل هذا ما دفع برئيس منتدى المواطنة، عبد العالي مستور، إلى الإقرار بوجود " هوة صادمة بين القوة الديمغرافية للشباب داخل المجتمع والمستويات العلمية والفكرية التي يتوفرون عليها ، وحضوره الباهت في مراكز القرار والمسؤولية"