يعرف المشهد السياسي المغربي حاليا نقاشا واسعا بخصوص مستقبل الخارطة السياسية في البلاد في أفق الانتخابات التشريعية المقبلة. و يستأثر الموضوع المتعلق بتمثيلية الشباب في هذه الانتخابات باهتمام كبير في ظل الدعوة التي وجهتها المؤسسة الملكية للأحزاب السياسية من أجل تجديد نخبها، و منح الفرصة لفئة الشباب في الترشح بكثافة للاستحقاق الانتخابي الأول من نوعه في العهد الدستوري الجديد الذي قد يلبي بعضا من الطموحات الشبابية على أرض الواقع، ارتباطا بالتطبيق السليم لبنوده وفصوله، وبذلك يمكن أن نقول بأن الشباب المغربي يمكن أن يعود إلى الواجهة من جديد بعدما كان محركا أساسيا في المشهد السياسي المغربي إبان حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ... لكن بسبب الانتكاسات الكبيرة التي عرفتها فئة الشباب, أهمها انتشار ظاهرة البطالة في الصفوف المتعلمة منها, دفع العديد من الشباب المغربي للبحث عن ملاذ له لم يكن إلا العزوف عن كل شيء, عن التعليم, عن الرياضة وعن السياسة. فعندما نتحدث عن المشاركة السياسية للشباب, فإننا نستحضر ظاهرة العزوف السياسي, لأن نسبة ساحقة من الشباب المغربي لم تعد تشارك في السياسة ولا تهتم بشؤونها بشكل مباشر، فلا تذهب إلى الانتخابات، وتعزف عن المساهمة في تحديد المنتخبين سواء في المجالس البلدية أو التشريعية رغم تخفيض سن الانتخاب إلى 18 سنة ... فالظاهرة عزوف الشباب المغربي عن اقتحام أدغال السياسة و أهوالها راجع إلى تراكمات عديدة, فقد اعتاد البعض أن يصف السياسة بأنها فن الكذب والمراوغة, معتبرين أنه ما يكاد يدخلها إنسان إلا وأفسدته, فيما يصفها آخرون بأنها عالم مليء بالدسائس والحيل. هنا تتحمل الأحزاب السياسية المسؤولية الكبرى بسبب غياب برامج تهتم بانشغالات الشباب و تؤطره, لأنها تقلص دوره إلى أصوت إنتخابية و تعتمد عليه كقاعدة فقط. علاوة على غياب الديمقراطية داخل التنظيمات السياسية و المتمثلة أساسا في غياب تناوب حقيقي على التسيير و الوصول إلى مراكز إتخاد القرار, مقابل هيمنة النُّخب المُسنة على قيادات معظم الأحزاب، وعدم إقبال عدد من هذه الأحزاب على ترشيح الشباب ذوي الكفاءات والخبرات في الانتخابات المحلية أو التشريعية، و غياب الجدية و الإرادة في التعامل مع قضايا الشباب و إشراكهم في البرامج الحزبية يسد الباب في وجه الشباب ويجعله ينفر من السياسة ومن السياسيين. إضافة إلى وجود مشاكل حقيقية داخل الأحزاب، إذ ليس هناك طريق مفروشة بالورود، بل عكس ذلك هناك صراع النخب. على سبيل المثال: بعض الشبيبات الحزبية المغربية نجد على رأسها قيادات غير شابة تفرض على الشباب تحت تبريرات عديدة كطول مدة ممارستها للعمل السياسي الذي أكسبها خبرة و تجربة واسعة, ولكنها في حقيقة الأمر ما هي إلا تبريرات واهية للحفاظ على استمرار ضمان الهيمنة الحزبية على الشبيبات الحزبية من خلال بعض القيادات التي تجاوزت عمر الشباب, و منها من دخل في العقد الخامس وهو مازال يقف على رأس شبيبة حزبية, و بما يعني الحد من عملية تجديد النخب السياسية, مما نتج عنه ظهور حركات إحتجاجية داخل بعض الشبيبات الحزبية و بعدها الحراك السياسي الشبابي مع حركة 20 فبراير و ذلك نتيجة شعور الشباب بالإحباط مصدره مجموعة من السلوكيات الشاذة التي أضعفت العمل الحزبي و السياسي وجعلت التمثيلية حكرا على البعض دون الكل، غياب تشبيب النخب السياسية و إنتشار الفساد السياسي, إضافة إلى عدم تمكن الأحزاب السياسية من لعب الدور المنوط بها, مما جعل الشباب يسئم من المشهد السياسي الحالي ... لهذا التعامل مع ظاهرة العزوف السياسي في أوساط الشباب يفرض الوقوف على كل مسبب على حدة، وبلورة جهود إجرائية لإعادة الثقة إلى المواطن وتحقيق نوع من المصالحة بينه وبين الشأن السياسي عامة والشأن الانتخابي على وجه الخصوص, فالأحزاب السياسية مطالبة بإعمال إصلاحات داخلية تروم تحمل مسؤولياتها المفترضة في تأطير الشباب وتمثيلهم وبلورة تطلعاتهم ومطالبهم لصناع القرارات، ومواكبتها للتحولات التي شهدها المجتمع المغربي سواء على مستوى الحضور أو الخطاب. كما لا يكفي إدراج الشباب كمحور صغير ضمن برامج الأحزاب المتشعبة، بل الحرص على تتبع إدماجهم وانخراطهم ووعيهم السياسي والحرص على تجديد الصلح بين الشباب والسياسة. كذلك ينبغي أيضا تطهير البرلمان والجماعات المحلية من سماسرة الانتخابات، واعتماد معايير انتخابية مؤسسة على الكفاءة والمحاسبة والمصداقية، ومحاطة بضمانات سياسية وإدارية وقانونية وميدانية، تكفل احترام إرادة المواطنين واختياراتهم ... هذا وقد شكلت اللائحة الوطنية للشباب منعطفا جديدا في المشهد السياسي ببلادنا، وإجراء اعتبرناه استثنائيا لحل إشكالية تمثيلية الشباب، في مجلس النواب خلال استحقاقات 25 نونبر المقبلة، و ذلك بتخصيص ثلاثين مقعدا للشباب في اللائحة الوطنية، التي جرى اقتراحها، من خلال مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب. الأمر الذي جعل هذه المبادرة تلقى ترحيبا واسعا في أوساط العديد من النخب الشابة داخل الأحزاب السياسية، حيث ستشكل آلية فعالة وداعمة ستمكنهم من ولوج الحياة السياسية والمشاركة في صنع القرار من خلال التمثيلية في المؤسسة التشريعية. مع أننا في المغرب لم نكن في حاجة لهذه اللوائح لو ساهمت الأحزاب في إدماج نخب شابة في هياكلها، ومختلف قطاعاتها، وبالتالي القطع مع هذه الأداة التشريعية التمييزية، التي ربما قد تصبح مطلبا لفئات أخرى في المجتمع. وبما أنه لم يتم تحديد المعايير لاختيار هؤلاء الشباب، فإن التخوف المطروح في هذه الحالة هو أن تلجأ النخب السياسية والقيادات الحزبية الحالية إلى تعيين أبنائهم وعائلاتهم وأصدقائهم والمقربين منهم، وبالتالي سنقع في إشكالية التوريث السياسي داخل البرلمان ... إذن ستكون نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة ل 25 نوفمبر عنصرا حاسما لقياس درجة اهتمام الشباب المغربي بالحياة السياسية, فالمشاركة السياسية لشباب لا بد أن تقوم في أحد جوانبها الأساسية على الحرية في الاختيار، بعيدا عن أي ضغط أو إكراه, و على الجميع تحمل مسؤوليته و العمل على تأطير الرأي العام لتبليغ رسالة مفادها أن المفارقة الكبرى هي بناء الديمقراطية دون مشاركة ديمقراطية ...