"حزب الله" يؤكد مقتل 17 جنديا إسرائيليا الخميس في معارك الجنوب    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    وزارة الأوقاف: فاتح شهر ربيع الآخر 1446ه بعد غد السبت    الحكومة تُحدد نظام البذلة الرسمية لموظفي الجمارك    قلعة أربعاء تاوريرت بالحسيمة.. معلمة شاهدة على تاريخ الريف    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في حيازة وترويج 7 كيلوغرامات و800 غرام من الكوكايين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    "الماكلة واللعنة".. جزائريون مقيمون في المغرب يرفضون الانخراط في الإحصاء    المنظمة العالمية للملاكمة تقرر إيقاف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مدى الحياة    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    نقابات الصحة تكشف تفاصيل اجتماع تنفيذ الاتفاق مع الوزارة    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية    موظف شرطة ينتحر بسلاحه في الرباط        "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    بايتاس يلوم الجفاف على عدم تحقيق نسبة نمو كبيرة للاقتصاد المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    أخبار الساحة        عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    تقييم "أوبن إيه آي" مطورة "تشات جي بي تي" ب157 مليار دولار بعد تبرعات طائلة    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة:الرد على هجمات إيران سيكون قريبا    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    كيوسك الخميس | ودائع المغاربة لدى الأبناك تتجاوز ألفا و202 مليار درهم        الرئيس الإيراني: "إذا ردت إسرائيل سيكون ردنا أقسى وأشد"    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    إطلاق مركز للعلاج الجيني في شيفيلد برئاسة أستاذ مغربي ببريطانيا    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال التمثيلية السياسية للشباب بين المطرقة والسندان للوصول إلى البرلمان
نشر في بيان اليوم يوم 09 - 10 - 2011

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التمثيلية السياسية للشباب المغربي، خاصة بعد ما عرفه العالم العربي، ومعه المغرب من حراك سياسي شبابي مع حركة 20 فبراير، أثمر في بلدنا انبثاق دستور جديد قد يلبي بعضا من الطموحات الشبابية على أرض الواقع، ارتباطا بالتطبيق السليم لبنوده وفصوله، وبذلك يمكن أن نقول بأن الشباب المغربي اليوم قد عاد إلى الواجهة من جديد بعدما كان محركا أساسيا في المشهد السياسي المغربي إبان حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
فالشباب هم الثروة الحقيقية للشعوب في عالمنا العربي، فهم الحاضر والمستقبل، وهم الأمل والطموح لكل تقدم وتنمية أكانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم ثقافية، لهذا كله وجب رد الاعتبار لهاته الفئة داخل المجتمع، تلك التي اتهمت بالعزوف عن المشاركة السياسية، في الوقت الذي يمكن أن نقول فيه بأنه تم تكريه الشباب في ممارسة السياسة، وبالتالي إخراجه من معادلة الفعل السياسي، وتركه يتفرج على محترفي اللعبة بالميدان، إذ لابد من احترام حق الشباب في العمل السياسي، حيث أنه وللأسف أصبح هذا المكون الاجتماعي عملة تستخدم فقط خلال الحملات الانتخابية كأبواق دعائية مكتراة، في استغلال بشع للفقر والحاجة والبطالة، وهي صورة انعكست بالسلب على مشهدنا السياسي المختل، وزادته رتابة ومللا حتى اختلط الحابل بالنابل وتساوى الكل، وأصبحت الأحزاب السياسية دكاكين انتخابية للبيع والشراء السياسي، وتخلت العديد منها عن دورها التأطيري وإنتاج الأطر والكفاءات، بعدما لعبت الدولة لعبتها في احتواء النخب وتبخيس العمل السياسي وإبعاد المواطن «الشباب» عن المشاركة السياسية.
اليوم نسمع خطابا جديدا انتشر كالنار في الهشيم ويتداوله الجميع بالشكل الذي يوحي بالتغيير نحو الأفضل، بعد انتفاضة سياسية شبابية زكت كل التحركات المحتشمة التي ناهضت من داخل المجتمع المغربي، ومن داخل الأحزاب السياسية أيضا، كل تلك السلوكيات الشاذة التي أضعفت العمل الحزبي وجعلت التمثيلية حكرا على البعض دون الكل، وإذ نطرح سؤال التمثلية السياسية نطرح سؤالا آخر بالمقابل يتجه نحو من يمثل من وكيف؟ هي فعلا قاعدة سياسية متعارف عليها للنيابة عن الشعب أو الأمة، تتمثل في نسبة المشاركة وعدد الناخبين، فمن المسؤول عن كل ما جرى في الساحة السياسية؟ وكيف نعيد للشباب اعتباره السياسي؟
1 - مسؤولية الدولة:
تتجلى مسؤولية الدولة في إحداث فراغ سياسي أدى إلى بلقنة المشهد الحزبي المغربي وجعل السياسة آلية في أيدي البعض للتسلط والاغتناء، إذ تم إنتاج مؤسسات منتخبة تعمل خارج اهتمامات المواطن وانشغالاته وانتظاراته الاقتصادية والاجتماعية، كل ذلك مع تكريس التبعية، وممارسة سياسات الاحتواء السياسي، وإضعاف النخب مما أدى إلى اضمحلال الطبقة المتوسطة داخل المجتمع المغربي، ونضيف إلى ذلك عدم الاهتمام اللائق بمراكز التنشئة والتربية والتأطير، وعدم رصد الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لذلك، خاصة منها الموجهة للشباب المغربي الذي ظل تائها لا يعرف ما يريد أن يفعله، ليحتضنه الانحراف مع توفر وسائله وللأسف من كحول ومخدرات بجميع أصنافها...، ألا يعتبر هذا إجراما في حق ثروة بشرية لا تقدر بثمن؟ سؤال يجد كنهه اليوم والكل يريد أن يتواصل مع الشباب بغية إشراكه من جديد في معركة سياسية ضد الفساد والمفسدين، من تجار الانتخابات وانتهازيي الفرص ممن تكونوا في مدرسة أعيان الدولة وحكامهما ضدا على رغبة الشعوب في ذلك، ممن ألفوا الحكم باسم الشعب، والشعب بريء منهم ومن سياستهم، في الوقت الذي رأينا فيه ثورة الشباب المثقف الطامح والعارف والمستعد للدفاع عن بلده وكرامة المواطن، نرى أن لذلك مدلولا ومغزى واضحين، لكنه بعيد عن العفوية والقدرات التي امتلكها شباب مغرب القرن العشرين، الذين منهم اليوم من يسير الشأن العام للدولة في بدايات القرن الواحد والعشرين بكل حسناتهم وسيئاتهم، شباب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وشباب الشبيبات الحزبية المناضلة، وجماهير الحركة الوطنية التي قاومت المستعمر الغاشم، فما الذي حدث كي لا يكون الخلف لخير سلف؟ الجواب هو سياسيات القمع والاضطهاد وضرب الحريات الفردية والجماعية، إلى جانب انتشار اللامبالاة وعدم اكتراث المجتمع الشبابي بما يدور حوله، في ظل التخلي عن سياسات التأطير والتوجيه والمتابعة، وفي عز بروز بدائل اجتماعية وثقافية أبعدت الشباب ثارة باختياره وثارة أخرى مكرها، لتصبح الساحة فارغة وراكدة، مما ساهم في انتشار كل ما هو ضار في مستنقع الذل والمهانة، وضرب الأخلاق والكرامة والمواطنة.
إنها صور تعكس نوعا ما مسؤولية الدولة، التي ربما قد اعترفت بذلك مع تولى الملك محمد السادس لعرش أسلافه، وإقدامه على العديد التغييرات الشكلية والجوهرية، مع حكومة سياسية يسارية إلى حد ما، مهدت للانتقال الديمقراطي والسياسي بين ملكين، عشن في عهدها ما سمي بالتناوب السياسي التوافقي، الذي شكل أرضية للتحول لم يكتب لها الاستمرار في ظل غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي ظل وجود لوبيات مجابهة للتغيير من داخل دواليب الدولة اقتصاديا وسياسيا، فجاء المفهوم الجديد للسلطة وتشكلت هيأة الإنصاف والمصالحة، وبزغ عصر الحرية مند سنة 1998، إذ وفي اعتقادي المتواضع أن المغرب وبخطوته هذه قد كان خارج حسابات الربيع العربي بالشكل الذي تعيشه الدول العربية اليوم بفضل اليقظة والتبصر ولو بدون حصول نتائج كبيرة، لكن التحرك السياسي لشباب حركة 20 فبراير وما تسلحت به من قوة مستمدة من الحركات العربية المنتفضة ضد الاستبداد والفساد وكل مظاهر التخلف، قد أعاد للحياة السياسية والحزبية بعض البريق واللمعان من جديد، وحركت في داخلها شيئا ما جعلها تقاوم الخوف والجبن، وجعلت بعضا من المذكرات والمراسلات والأفكار المجمدة مند سنوات تعود لها قيمتها الرمزية، ليكتب المغاربة ولأول مرة في تاريخهم دستورهم بنفسهم، دستورا متطورا ومتقدما ما كان له أن يكون لولا هاته الحركة الشباب الميمونة.
2 - مسؤولية الأحزاب السياسية:
لا يختلف اثنان على أن الأحزاب السياسية قد تتحمل مسؤولية تقصيرية في لعب دورها كما يحب بارتباط بعضها ببعض، فتهميش الشباب وعدم الثقة فيه وفي مؤهلاته من الأسباب التي نفرته من الانتماء إليها رغم مقاومته لكل الأساليب الممارسة ضده داخل المجتمع، فتكرست داخل الأحزاب معاني الزبونية السياسية والانتفاعية والمصلحية، وأصبحنا نرى أحزابا عائلية على وزن المقاولات العائلية، وأصبحن نرى العائلة والأسرة في المجلس البلدي والقروي والبرلمان وحتى الحكومة، وترك أبناء الشعب فقط للأشغال السياسية الشاقة والمؤبدة، فبات بذلك التنظيم الحزبي ينادي بالديمقراطية ولا يمارسها، ينادي بالتأطير ولا يفعله، ينادي بالنزاهة والشفافية في تدبير المؤتمرات والديمقراطية الداخلية وإشراك الأطر والكفاءات وترشيح الشرفاء والنزهاء...، لكن ذلك يغيب في الممارسة ويظل فقط خطابا عند الأغلبية، لتصبح اللغة المتداولة هي «دير ما دار جارك ولا... ، فأصبح العناد والمباهاة عنواني الفعل السياسي «الراقي» وللأسف عند العديد من الهيئات السياسية وزعمائها.
واليوم تجد الأحزاب السياسية نفسها مكرهة شيئا ما على التجاوب مع الشباب والاعتراف به، مؤمنة بصراع للأجيال، ولد داخلها من جديد بعد دستور 2011، فتحركت الشبيبات الحزبية لتنادي بالحق في التمثيلية السياسية وولوج البرلمان، ولما لا الحكومة المقبلة، إنه حق مشروع يصطدم ببعض العقليات المتحجرة من داخل بعض الأحزاب، ويصطدم أيضا بمشهد انتخابي صعب المراس، محتكر من طرف أناس احترفوا الانتخابات وسيطروا على بعض الأحزاب وقيادتها، هؤلاء منهم الصالح ومنهم الطالح، هذا الأخير ما أكثره وما أكثر سلوكاته الفاسدة، فلابد أن يحارب هذا النوع، ولابد أن يؤمن الجميع دولة وأحزابا ومجتمعا مدنيا بضرورة اختفاء هذا النوع من الكائنات الانتخابية، وابتعادها حتى لا تتكرر نفس الوجوه ونفس العقليات، فقد يحدث كما سمعنا وقرأنا في مختلف وسائل الإعلام، أن توجه رسائل مبطنة بعدم ترشيح العديد من هؤلاء، لكن من يضمن اليوم عدم قيام أولائك بتقديم أبنائهم وأقاربهم في مكانهم باستغلال نفوذهم وأموالهم، فيصح بذلك كلام «كيف الولد كيف باه» أو تطبيقا للمثل الشعبي «ضرب الولد من كفاه خرج يشبه لباه» و»قلب البرمة على فمها تخرج البنت تشبه لمها» اعتبارا لغياب التكوين والتأطير وفي ظل استغلال النفوذ السياسي، وكم من النماذج المضحكة التي تجد فيها بالفعل الابن رئيسا لمجلس قروي ما، لكن أباه من يسير ويحكم ويوقع أيضا!
صحيح أن تحولا ما سيحدث، لكن كيف ومتى؟ سؤال يجيب عنه تاريخ موعد الانتخابات التشريعية القامة في 25 نونبر 2011؟ فكيف نعيد للشباب اعتباره؟ وهل اللائحة الوطنية للشباب إلى جانب النساء هي الحل؟ ومن يمثل الشباب هل الشبيبات الحزبية لوحدها؟ وهل بهذا المقترح قد يعود الشباب إلى الواجهة ويصوت بكثافة؟ هي أسئلة وأخرى تجد نفسها في صلب النقاش حول التمثلية الحقيقية للشباب المغربي الذي يشكل ثلثي الساكنة.
3 - حضور الشباب ومسؤوليته التمثيلية..
من الواضح جدا أن الشباب المغربي حاضر في الزمن السياسي لمغرب القرن الواحد والعشرين، لكنه غائب عن صنع القرار السياسي، ومن ثم نقول أن لهذا الغياب ما يبرره في ما قلناه سابقا، لكن الحضور في الزمن السياسي لمغرب اليوم يقتضي بالضرورة تحميل وتحمل هاته الفئة النشيطة داخل المجتمع لمسؤوليتها كما يجب، وبناء عليه انطلق الحديث عن التمثيلية السياسية الحقيقية للشباب بالشكل الذي يعيد الاعتبار لهم، في جدلية كيف يحدث ذلك وبأية آليات؟، في ظل المتغيرات السياسية والانتخابية لبلدنا، جاءت وزارة الداخلية باقتراح تخصيص لائحة من ثلاثين شبابا أقل من أربعين سنة في دائرة وطنية تضم ستين من النساء أيضا، وهو اقتراح معيب في نظرنا لعدة أسباب، من أهمها ما سببه من نقاش حاد صدر عن الحركة النسائية بالأساس، التي تعتبر «الكوطا» حقا لها دون غيرها، اعتبارا لعدم اعتراف المجتمع الذكوري في غالبيته بحق المرأة في المشاركة السياسية، مما يحيلنا على أن عددا من نساء الأحزاب السياسية ألفن الوصول بسهولة إلى البرلمان، وهو ما يجعل المبدأ في أساسه مفرغ المحتوى، على اعتبار أن الآلية ما هي إلا فرصة سانحة للفت النظر إلى شريحة النساء بوجودها السياسي والتشريعي، بهدف في التقرب أكثر فأكثر من نبض المجتمع وتغيير عقلية البعض منه نحو الاعتراف بالمرأة كشريك أساسي في جميع المجالات والميادين، لكن ربما هذا الأسلوب لم يعط أكله بالشكل المنتظر منذ اعتماده في الانتخابات التشريعية، إذ أن العديد من النساء لم يبرمن عقودا اجتماعية للنزول ميدانيا ومحاولة ربط الاتصال مع عموم المواطنين والمواطنات في محاولة لتأسيس منهج جديد في معاملة المرأة كشريك، لكنه عوض التجرؤ والتحلي بالعزيمة بالنزول للميدان والترشيح جنبا إلى جنب مع الرجال، برز النقاش من جديد في إطار موسع يوسع قاعدة التمثيلية إلي الثلث، وهي حق سياسي مرتبط أساسا بالواجبات السياسية للمرأة نفسها أولا، وللقيادات الحزبية الوطنية والمحلية ثانيا، في أفق تحقيق المناصفة المنشودة دستوريا، لكن هاته الآلية التي تنعت «قدحا» بالريع السياسي والانتهازية الانتخابية، وجد فيها الشباب ضالته هو أيضا، فأصبح النزاع جدلية متواصلة بين النساء والشباب، ودستورية الالتقاء في لائحة واحدة، كسبب رئيسي يوضح العيب في الاقتراح كما أشرنا، وصراع آخر للأحزاب مع شبيباتها من داخل دواليبها، وسؤال التمثيلة بين شباب الأحزاب السياسية، وشباب الشبيبات الحزبية، وشباب حركة 20 فبراير، والشباب المغربي عامة، ليجد السؤال المحوري نفسه حاضرا في ذهنية المهتمين، حول من سيمثل من؟ وفي أي اتجاه ستسير هاته اللائحة (المتاهة السياسية) وهل يوسع هذا المقترح من قاعدة تمثيل الشباب ومشاركته السياسية، دون حدوث زعزعة تنظيمية لأغلبية الأحزاب السياسية المهزوزة أصلا على المستوى التنظيمي؟ فما الربح من آلية أثبتت عدم جدواها بالشكل المطلوب على مستوى النساء لنعيدها من جديد على مستوى الشباب أقل من أربعين سنة؟ أسئلة حارقة تدعو للتأمل في الموضوع/ «القانون» بروية وهو الآن محط الدرس والمناقشة في البرلمان، الذي ربما سيصادق عليه دون اعتبار لعواقبه، لأن الانتخابات في الأصل هي صراع تمثيلي سلمي على المستوى الترابي المحلي، فإذا أردنا تحقيق مآرب ما نسعى من خلالها لتمثيل فئات معينة لابد من تأسيس نظري وتطبيقي لذلك، في اتجاه إخلاء أولا الساحة من المفسدين الذين أغلقوا كل المنافذ أمام النساء والشباب والأطر الكفأة، كما لابد أيضا من محاربة كل الآفات المصاحبة لتفاقم أزمتنا الانتخابية من فقر وأمية وبطالة...؟ هاته الأمور ربما تحتاج لوقت كبير، حتى تعالج في المستقبل القريب بعد سنوات من الآن، لكن المرحلة الحالية تستدعي تخصيص لوائح محلية إقليمية أو جهوية لكل من الشباب والنساء كل على حدة، ولما لا العمل بمنطق «الترشيح فئوي والتصويت فئوي»، «النساء يصوتن على النساء» و»الشباب يصوت على الشباب» في دوائر خاصة جدا تكون لاحقة بالدوائر الأخرى التي تعني الكل دون البعض، وهو منطق ربما يحدد معالم خريطة سياسية أخرى بمدلول مشاركاتي لجميع النخب والفئات على المستوى الوطني والمحلي، مع الاحتفاظ بدون مانع بمقترح لائحة وطنية إضافية تخص النساء لوحدهن، وأخرى تخصص للأطر والكفاءات الشابة بدون تحديد للسن كما هي بالنسبة للنساء، ولما لا توسيع اللائحة الوطنية لتضم في صفوفها امرأة ورجل بالتوالي بمعدل نصف مقاعد البرلمان، حتى نصل إلى مبتغى تشكيل برلمان بفسيفساء حزبية، تمثل كل الفئات الاجتماعية والأطر والكفاءات السياسية اللازمة لمؤسسة تشريعية من أهم مهامها إنتاج القوانين والتشريعات، كل ذلك باعتماد الشرعية والمشروعية الانتخابية الحقيقية محليا ووطنيا، لبرلمان واقعي يعكس صورة المشهد السياسي المغربي، ويعكس بالضرورة أيضا صورة المجتمع المغربي على «علاته»، نظرا للتحول المنشود الذي يقتضي رسم خريطة واضحة المعالم، تصبو نحو توحيد الآراء والرؤى، وفق منظور شمولي لمعاني الدفاع عن المصالح العامة بإشراك الكل مع الكل، دون الوقوع في تمثيلية البعض ضد الكل، وبعيدا عن تحسين وتجميل الصورة بمكياج قانوني سياسي يتأثر حتما بعوامل التعرية بفعل التجادبات الميدانية على مستوى التسيير والممارسة.
إن حاضر اليوم يدعو للتفاؤل بحدوث المتغير الحقيقي في مستقبل الغد، في عصر الواقعية والشمولية والعولمة، في عصر البحث عن الانعتاق من براثين التخلف بحثا عن النماء الحقيقي، لبلد يرقى بنفسه إلى مصاف الدول المتقدمة، لدولة تتحرك بجميع أطيافها رجالا ونساء وشبابا، وحتى أطفالا، لتحقيق الممكن لشعب لا يؤمن بالمستحيل إن توفرت الظروف اللازمة لإشراكه في جميع مناحي الحياة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع تحديد الأولويات خاصة لفئة الشباب الذي يجد نفسه اليوم بين مطرقة الدولة وسندان الأحزاب السياسية في ما يخص تمثيليته على المستوى السياسي، وإشراكه بشكل حقيقي غير مزيف، دون البحث عن تأثيث مزركش لمشهد سياسي، لابد من إعادة النظر في بنائه ومكوناته، حتى نرقى لفعل سياسي محدد الأهداف والمرامي، تكون ثمار مردوديته واضحة في ما يصدر عن دواليب التسيير والقرار، من خلال حدوث متغيرات اجتماعية واقتصادية جد هامة، تعيد الثقة كل الثقة في النخب ودورها السياسي من داخل الأحزاب السياسية كهيئات تأطيرية للمجتمع، ومن داخل المؤسسات المنتخبة المحلية والوطنية كآليات تمثيلية للشعب والأمة.
باحث في العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.