تواجه إفريقيا العديد من التحديات والتهديدات التي تعيق تنميتها الشاملة والمندمجة وترهق ميزانيتها وترهن مستقبلها؛ فالقارة السمراء تعاني من الآثار الكارثية للاحتباس الحراري والجفاف وتراجع منسوب المياه السطحية والتي أدت بدورها إلى ندرة الإنتاج الزراعي وبالتالي تفاقم مشكلة الهجرة الجماعية داخل القارة وباتجاه أوربا في إطار ما بات يعرف باللجوء المناخي. وهي ظاهرة تؤكد كل التوقعات أنها ستستفحل في العشرين سنة القادمة، مع ما يعنيه ذلك من حروب قبلية أو عرقية على المراعي ومواطن الكلأ والماء، ومع ما يعنيه أيضاً من استفحال لظاهرة الجريمة المنظمة التي تنتعش في بيئة الفقر والهشاشة الاجتماعية. ومعلوم أنّ شبكات الاتجار في البشر تستغل ظروف البؤس هذه لتجنيد أعضائها، وهو قاسم مشترك تتقاطع فيه مع تجار المخدرات العابرة للقارات ومع التنظيمات الإرهابية. ولعلّ هذا ما يفسر إلى جانب عوامل أخرى تنامي الجماعات المسلحة داخل القارة، حتى أصبحت تسيطر على مناطق شاسعة تفوق مساحة أوربا كلها، وعجزت بلدان الساحل والدول المطلة على بحيرة تشاد، ومنطقة القرن الإفريقي عن مواجهتها رغم الدعم الذي تقدمه فرنسا من خلال نشرها لخمسة آلاف جندي من قواتها الخاصة في إطار عملية "برخان"، ورغم الدعم المباشر وغير المباشر من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربي. كلّ ذلك لم يُجْد نفعا بل تمدد الإرهاب إلى منطقة ساحل غينيا ووصل إلى دول في أقصى جنوب القارة لم يكن متواجداً بها من قبل. من هنا خطورة السياسة الخارجية للجزائر التي تصب الزيت على النار في نزاع الصحراء، فهي بذلك تساهم في حدة الاستقطاب والانقسام داخل المنظمة الإفريقية بين مؤيد ومعارض، كما أنها تشتت الجهود والطاقات الإفريقية وتحول دون تركيزها على حلّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية التي تهدد أغلبية دول القارة. بل إنّ سلوك النظام الجزائري تجاه ملف الصحراء المغربية أصبح عائقاً أمام أهمّ مشروع اقتصادي في القارة وهو اتفاق التبادل الحر المعروف اختصاراً باتفاق "زليكا"، لسبب بسيط وهو أنّ هذا الاتفاق ينبني على التكتلات الإقليمية في إفريقيا، والحال أنّ "جمهورية تندوف" لا يعترف بها "الاتحاد المغاربي" ولا أي تجمع إقليمي آخر، لذلك سيشكل استمرار دعم الجزائر للنزاع في الصحراء عرقلة حقيقية أمام الاندماج الإفريقي بعدما "نجح" النظام العسكري الجزائري في عرقلة الاندماج المغاربي. والخطير في الأمر أنّ الجزائر باحتضانها وترويجها للانفصال في الصحراء المغربية، فهي تنفخ في رماد كلّ الحركات الانفصالية التي تعتبر قنابل موقوتة لا تخلو منها منطقة إفريقية. وهذا يعود إلى مخلفات الحقبة الاستعمارية حيث خلقت الدول الأوربية دولاً، وسطرت لها حدوداً لا تراعي انسجام المكونات العرقية والقبلية داخل تلك الكيانات المصطنعة بقانون القوة لا بقوة القانون. ويكفي أن ننظر إلى ما يجري اليوم في إفليم تيغراي بدولة إثيوبيا، والإقليم الأنغلوساكسوني في الكاميرون، وإقليم كازامونس في السنغال، ودارفور في السودان، وجنوب السودان المتناحر بعد انفصاله عن الخرطوم، والصومال المنقسم عمليا إلى دولتين، وإقليم "بيافرا" في نيجيريا، وطوغولاند في غانا، وأرخبيل الزنجبار في تانزانيا، وإقليم كابيندا في أنغولا، ودولة الأزواد المعلنة في مالي، وأخيراً وليس آخراً الحكومة المؤقتة لجمهورية القبائل التي تطالب بالاستقلال عن الجزائر. لذلك على المغرب أن يتخذ من هذه الورقة مرتكزاً آخر يعزز به مرافعته في طرد الكيان الوهمي من الاتحاد الإفريقي، خاصة وأنّ الرياح الدبلوماسية تهب في اتجاه هذا الهدف بعد خروج الجزائر من رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي سيطرت عليه لمدة ثلاثة عشر سنة كاملة في تناف تام مع الأعراف الديمقراطية وقواعد التناوب بين دول القارة. يضاف إلى ذلك خروج جنوب إفريقيا المنحازة للطرح الجزائري من رئاسة الاتحاد الإفريقي وتعويضها بدولة صديقة للمغرب وهي الكونغو الديمقراطية. فهل سنستغل هذه الفرصة، أم سنضيعها كما اضعنا غيرها من الفرص طيلة نصف قرن من الحرب الشرسة المفروضة علينا من قبل الجزائر؟!