خص المؤرخ والكاتب الباراغواياني، لويس أغويرو، صحيفة "دياريو" الإسبانية بمقال تحدث فيه عما أسماه بالمفارقة التي تنهجها من تطلق على نفسها "الحركات التحررية"، ومنها جبهة "البوليساريو" الانفصالية، حيث تتعمد الدفاع على حدود رسمتها القوى الاستعمارية، لأجل الحفاظ على مصالحها الخاصة. ودعا ذات المؤرخ، من أسماهم "بالتقدميين الأوروبيين" العارفين بمبدأ احترام حقوق الغير، إلى أن يخرجوا من ثوبهم وينهوا مأساة حدود صنعوها في وقت من التاريخ لحماية مصالحهم"، مضيفا أن هذا النموذج من "الحركات التحررية" همه استغلال مأساة الآخرين لقضاء مصالح فردية.. وفيما يلي مضمون الحوار مترجما: قال الكاتب الإسباني المقيم بالمغرب خوان غويتيسولو، صاحب جائزة ثربانتيس، إن قضية الصحراء تواجه مبدأين متعارضين: الأول، يتمثل في رغبة المستعمر عدم المساس بالحدود التي رسمها، وهي الأطروحة التي تدافع عنها الجزائر. والمبدأ الثاني يتجلى في الحفاظ على حدود الدولة التاريخية، بعدما شوهت بفعل التدخل الأوروبي، وهي الأطروحة التي تشبثت بها الدولة المغربية. إن مفهوم عدم المساس بالحدود الإفريقية والذي لقي سند له لأسباب "براغماتية" محضة، حيث أن اختفاءه يعني ترك الباب مفتوحا أمام النزعات العرقية والقبلية والتي ستمس بأغلبية دول القارة السمراء، تم تحريفه خاصة من بعض الدول كالجزائر لأنها ستربح إذا ما بقيت الحدود التي رسمها المستعمر على حالها والتي لم تأخذ بعين الاعتبار الواقع العرقي ولا الاجتماعي ولا الثقافي لسكانها. إذا طبقنا هذا المبدأ على المغرب، فإنه سيعطي الفرصة لظهور دويلات أخرى: الدولة المغربية ودولة الريف ودولة طنجة الحرة ودولة سيدي إفني ودولة طرفاية ودولة الصحراء. وفي هذا الصدد، قال المفكر المغربي اللامع عبد الله العروي في كتابه "الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية" إن الاستعمار هو المسؤول الوحيد عن اندلاع مشكل الحدود بالقارة الإفريقية. وكما يعلم الجميع فإن أوروبا عملت على تقسيم الدول الإفريقية لخدمة مصالحها الخاصة. وبهذا نقول لها، أن تكون تقدميا وتحترم حقوق الغير هو أن تعيد رسم الحدود الأصلية للدول وليس أن تترك تلك التي فرضتها بالقوة قوات الاستعمار. وكما سبق لي وقلت في مناسبات أخرى، إن الحدود الاستعمارية السخيفة التي رسمها العبيد والمحتل الأوروبي في تراب الصحراء، بات اليوم ملحا أن يحترم تلك الحدود الأصلية للدول المحررة من قبضة المستعمر كما تريد ذلك الجذور الثقافية والثوابت الصحراوية. ولو افترضنا جدلا أن تلك الحدود التي رسمها المستعمر صحيحة، فإننا نحن اليوم كسكان أمريكا الجنوبية لن نكون موجودين، خاصة بلدان كالباراغواي وبوليفيا حيث ستجبر على الانتماء لدولة الأرجتين. ليس فقط القوى الاستعمارية هي من ترغب في رسم الحدود الجغرافية خدمة لمصالحها، لكن أيضا الحكومة الجزائرية في عهد الرئيس بومدين، الذي كان يسعى إلى إيجاد منفذ لبلده نحو المحيط الأطلنتي وبالتالي استكمال الدائرة عبر أرض المغرب. إن التقدمية المزعومة التي تنتظر الجزائر سندها تبدو في كل مرة غير مقنعة. وعندما تدعم الجزائر المبدأ الأخلاقي القانوني لتقرير مصير "الشعب الصحراوي"، فهي تقوم به اعتمادا على نبل قليل واحترام نذل للحدود التي رسمتها الامبريالية المستعمرة. وبعيدا عن قضية الصحراء، فإنه لم يسبق للدبلوماسية الجزائرية أن أبدت رضاها تجاه طموح الأقليات المقموعة. فالجزائر أدانت انفصال إقليم بيافرا عن نيجيريا، واستنكرت انفصال كابيندا عن أنغولا، وحتى أنها دعمت أديس أبابا ضد الحركات التحررية الإريترية والتي كانت تدافع لأسباب عرقية ولغوية ودينية وثقافية معقولة ليست كتلك التي يتخذونها لانفصال الصحراء. فلا يمكنك أن تكون مدافعا عن القضايا الإنسانية وفي نفس تعمل على إطالة أمد الصراع حيث يعاني البشر، ولكي تستفيد أنت على حساب مأساة الآخرين. وهذا ما يجب أن يتذكره هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالتقدميين، والذين يجعلون حججهم ترتكز على حدود جغرافية رسمتها القوى الاستعمارية غصبا على الشعوب ويتركون معاناة السكان تدوم، بهدف تحويل المساعدات الإنسانية إلى التجارة.