قال تعالى “وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر، قال ومن كفر فامتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير”/ سورة البقرة الآية 126. هنا قدم الله الأمن على الرزق وذلك لحكمة ربانية تؤكد بالملموس بأن استتباب الأمن، يسهل في تمكين الرزق، وأشهى الطيبات لاتحلو مع انعدام الأمن. ويعتبر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، أهم مراجع تحديد الأمن والاستقرار،فكتاب الله الحكيم يحتوي على آيات كثيرة تعطي حيزا كبيرا لمفهوم نعمة الأمن، بل اعتبرها من أفضل النعم واعظمها. وكذلك فالسنة النبوية لا تشد عن القاعدة، فاحاديث كثيرة تتحدث عن عظمة الاستقرار الامني، وفي الحديث التالي المعنى السامي لرسالة الإسلام حول أمن الجار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه”. في ظل ما أصبحنا نعانيه من انتشار الجريمة والفوضى في معظم أرجاء المعمور، اخترنا اليوم موضوع الأمن والاستقرار، ولنطرح بعض التساؤلات عن الأسباب الحقيقية في انتشار ظاهرة الجريمة، ونبحث عن أجوبة مقنعة في ماهية الاستراتيجية التي يجب اتباعها للحد من انتشارها. وسنأخذ كنموذج للمدن التي أصيبت مؤخرا بانتشار هذه الآفة، ونحن في ربورتاجنا لا نعطي نظرة سلبية للمدينة المنتقاة، فستبقى “رغم المعاناة”، في نظر أبنائها ومحبيها ممن زاروها وخلبوا بجمالها، عروسا لا تثكل ولا تهجر، إنها مدينة أزمور التاريخية، المدينة التي كانت عنوانا للتلاحم والتآزر بين ابنائها، حيث كنا نلقب سكانها بأنهم أسرة واحدة،لكن خلال السنوات القليلة الأخيرة، دخلت المدينة في انتشار ظاهرة الإجرام، بكل تلاوينه وأصنافه. وقد عاشت المدينة خلال السنتين الماضيتين على إيقاعات ساخنة ، بل صفيح من جمر لاهب، جعل القلق يسري في دم الأغلبية الساحقة من الساكنة المحلية،مما حدا ببعض صفحات التواصل الاجتماعي المحلي، بدق ناقوس الخطر، ومطالبة المصالح الأمنية بالمدينة والمصالح الاقليمية بالتدخل الاستباقي لحماية المواطنين من بعض المجرمين. كما سبق لبعض الجمعيات المحلية بإصدار بيان حول تدهور الوضع الأمني بالمدينة،مطالبين السلطات الأمنية سواء المحلية أو الإقليمية أو المديرية العامة للأمن الوطني،بتكثيف الجهود للحد من ظاهرة إعتبرها الموقعون بأنها تنذر بالخطر. وفي بحثنا عن الأسباب والمسببات وطرق المعالجة، أخذنا حقيبة تساؤلاتنا وطرحناها على بعض المواطنين وأصحاب الاختصاص، فكان لقاؤنا بهم على النحو التالي : -مصطفى طالب جامعي: أصبحنا نعيش في مدينة أزمور مرحلة خطيرة من انتشار واسع للجريمة، وبتنا داخل دوامة الخوف واللااستقرار النفسي، وكمواطن أعيش في هذا الرعب، أحمل المسؤولية الكاملة لكل المسؤولين، من رجال أمن وسلطة محلية ومسؤولين محليين ومنتخبون. -سناء طالبة جامعية: شخصيا سبق وأن تعرضت لسرقة هاتفي المحمول في وضح النهار، وأمام درب درقاوة،ولم أقم بوضع أي شكاية في الموضوع لعلمي بأني لن أرجع إلا بخفي حنين. وأتمنى كمواطنة لي الحق في العيش بسلام، والإحساس بالأمان، بأن يجد المسؤولون في بلادنا، حلولا استراتيجية لمحاربة هذه المعضلة، والتي انتشرت داخل وسطنا المغربي بصفة عامة. سعيد تاجر: تعيش ازمور كباقي مناطق المغرب، انتشارا واسعا للدواوير العشوائية، والتي تفرخ الجريمة، فظاهرة الهجرة القروية إلى المدينة، جعلها تختنق، ويختلط الصالح بالطالح، وزيادة النمو الديموغرافي للمدينة، بالمقارنة مع استمرار عدد رجال الأمن كما السابق، جعل العنف والجريمة تنتشر سريعا، وبالتالي فالحل في نظري هو زيادة عدد رجال الأمن، يعني بالمفهوم العلمي زيادة في الموارد البشرية واللوجستيكية للدائرة الأمنية للمدينة، فبالمقاربة الأمنية نستطيع التغلب على انتشار هذه الظاهرة. عزالدين الفايد محامي بهيئة خريبكة:. – لايخلو اي مجتمع من الجريمة كسلوك مخالف لقواعد اجتماعية اوسياسية او اقتصادية او دينية ,او حتى أعراف ارتقت الى درجة الالزام باحترامها ووضعت لها قواعد قانونية تحدد الافعال المجرمة والعقوبات المطبقة عليها تطبيقا للقاعدة المعروفة في القانون الجنائي لاجريمة ولا عقوبة الا بنص . والجريمة في عمومها كظاهرة وكفعل مخالف لتلك القواعد تتعدد الاسباب فيه، يمكن اجمالها فيما ماهو ذاتي مرتبط بشخصية المجرم نفسه ،ومنها ماهو موضوعي مرتبط بالظروف العامة التي يعيش داخلها المجرم، ومنها ما يختلط فيها الذاتي والموضوعي في نفس الوقت، وهذا النوع الاخير من الجرائم هو الغالب في مظاهره بحيث يجد الباحث في السلوك الاجرامي، سواء “اكان رجل قانون محامي ،قاض ، رجل مباحث ، باحث اجتماعي “.. ظروفا اجتماعية او سياسية او اقتصادية كانت السبب الرئيسي في الاقدام على الفعل الجرمي، خاصة في المجتمعات التي تعيش ظروفا سياسية غير ديمقراطية تسود فيها الطبقية الاقتصادية وتنتشر فيها مظاهر الفساد الاقتصادي واحتكار الترواث ، وقلة فرص الشغل اضافة الى انتشار المخدرات بمختلف اصنافها، وهي عوامل ان كانت تشكل في ذاتها جرائم مستقلة فإنها ساهمت من جانب آخر في بروز جرائم اخرى خاصة من داخل الفئة المتعلمة التي انتهى بها مصيرها التعليمي الى الشارع ،وطبعا اختارت هذه الفئة نوعا من الجرائم يتناسب مع مستواها، وتجلى ذلك فيما اصبح يسمى بالجرائم الالكترونية اما بالقرصنة للحسابات البنكية او النصب على بعض الشواذ جنسيا والتهديد بفضحهم … كما دفعت وتدفع نفس الاسباب الى ظهور مايسمى بالجرائم الاخلاقية ،هذا دون ان نغفل دور الاعلام كسبب مسكوت عنه ….. ونعتقد ان الاسباب الذاتية المحضة للجريمة ترجع بالاساس الى عوامل نفسية خاصة بكل حالة اجرااجرامية وقد تناولها علماء الاجرام من عدة زوايا وألفوا بشأنها العديد من الدراسات التحليلية، تحولت في بعضها الى نظريات فلسفية حول السلوك البشري الشاذ الخارج عن النظام المجتمعي المتفق عليه بين افراد الجماعة ،وطبعا لن ندخل في تفصيل هذا النوع من الجرائم حتى لانتيه في النظري. واذا كان هذا النوع من الاجرام الذاتي اي الذي يرجع الى أسباب ذاتية ،يجد البعض من الدارسين للظاهرة الاجرامية ،في العلاج النفسي الوسيلة الأنسب للقضاء عليه او على الاقل الحد منه،فان الجريمة الموضوعية او المختلطة ،فطرق معالجتها في اطارها الشمولي، مرتبط باعادة النظر في المنظومة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ككل ،من خلال نهج سياسة ديمقراطية لمجتمع يكون الكل فيها سواء امام القانون فيه يشعر من خلاله ان لاامتياز لأحد على أحد، والكل يخضع بمقتضاه للمحاسبة ، يطبق في الوطن معيار المواطنة في توزيع ثرواته وخيراته “فرص الشغل متاحة للجميع ،تعليم وصحة مجانية”… اذ ذاك سيجد ان الظاهرة الاجرامية بدأت تنكمش من تلقاء نفسها وتقل مظاهرها دون جهد او تكاليف كبيرة تدفع من أموال المجرمين انفسهم او من عائلاتهم كما هو مشاهد الان ،حيث تصور الدولة للرأي العام محاربة الجرائم ،وهو اسلوب ينظر لعلاج الظاهرة كنتيجة ولا ينظر الى اسبابها في اتجاه القضاء على هذه الاسباب. وأخيرا وخلال كل ما تم سرده على لسان المستجوبون، لابأس من طرح الأسئلة المتكررة حول الموضوع السابق: لنبحث معا عن من يتحمل مسؤولية انتشار الجريمة والعنف، من المسؤول، ومن الضحية ومن الجاني؟ هل المسؤولية تقع فقط على عاتق رجال الأمن ؟ أم المسؤول هم بعض المنتخبون الذين في البحث عن مكان شاغر فوق كرسي فان، يغمضون أو يتواطئون مع بعض سماسرة الانتخابات في كسب الأصوات عبر السماح بانتشار البناء والدواوير العشوائية التي تعد بفعل بنيتها مدرسة لتفريخ الجريمة؟ أم المسؤول هم بعض الأباء الذين تخلوا عن دور المراقبة والتقويم لأبنائهم؟ أم المسؤولة هي بعض الأمهات اللواتي تخلينا عن دورهن كأول مدرسة تبني الأجيال؟ أم المسؤول هي المدرسة التي لم تعد قادرة على التلقين البيداغوجي الصحيح؟ أم المسؤول هو الإعلام الذي في بحثه عن أموال المستشهرين تاه في براكين بعض البرامج والافلام والمسلسلات التي تلقن الطفل السلبيات قبل الإيجابيات، بل هناك برامج متهمة في أنها مدرسة لتلقين أصول الإجرام. وبالتالي تخلى هذا الإعلام عن دوره التوعوي؟ أم المسؤول هم الأحزاب والجمعيات الذين تخلوا عن دور الاستثمار في العقل البشري بتنظيم ندوات ولقاءات ثقافية تحسيسية، والتي قد تفلت الطفل من التفكير السلبي إلى الإبداع الروحي والافلات من دخول عالم الإجرام.؟ اخوتي أخواتي. ..كلنا مسؤولون عن انتشار هذه الظاهرة، وكلنا ضحاياها، وفي نفس الوقت نحن الجناة. .. في بحثنا عن مكان تحت الشمس، وفي بحثنا عن لقمة تسد رمق العيش، تهنا عن دورنا المخول لنا في تنشئة أجيال سليمة، ووسط تيهاننا هذا ضعنا وتركنا أبناءنا داخل كهف مظلم تحيط به وحوش التردي. فلنعد للسبيل القويم، ولنقترب من فلذات اكبادنا، ولنأخذ بأيديها في عبور واد الظلام. ولنحاول تقويم الإعوجاج من أنفسنا ليسري ذلك على المنظومة الإجتماعية ككل…