حدثان على جانب من الأهمية ميزا الأيام القليلة الماضية، ودفعا «المساء» إلى تخصيص هذا الملف حول الجريمة في المغرب. الأول، هو تدخل وزير الداخلية أمام البرلمان للرد على سؤال طرحه فريق برلماني من المعارضة حول (ظاهرة تفشي الجريمة في المغرب). وقد جاء رد الوزير عليه مطمئنا إذ قال بأنه «كتقييم عام، تؤكد كل المؤشرات أنه تم خلال السنة الأخيرة تسجيل تحسن كبير في الإحساس بالأمن لدى المواطنين، كما أن كل أرقام الجريمة اتجهت إلى الانخفاض خلال هذه السنة». وأما الحدث الثاني فكان إصدار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المعروفة اختصارا ب«الهاكا»، تقريرا موضوعاتيا حول البرامج التي تتخذ من الجريمة تيمة لها في القنوات العمومية ذات البرمجة العامة. وتضمن التقرير معطيات كمية رقمية دقيقة للغاية، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مثيرة للقلق. والحال أنه بين لغة الرد المطمئنة لوزير الداخلية في البرلمان، واللهجة الاتهامية للهاكا في تقريرها المرجعي، تضاربت لغة الإحصائيات حول الجريمة التي تيسر لنا الوصول إليها من أجل تعزيز مواد هذا الملف بها. فالأرقام التي توفرها بيسر المنظمات الدولية المهتمة بموضوعات الجريمة على مواقعها، تختلف كثيرا عن تلك التي ينطق بها مسؤولونا نادرا، أو ترشح من وقت لآخر عن المصالح المركزية للأمن. وهي في الغالب تنحو إلى طمأنة الرأي العام، ولا تعكس واقع الجريمة ببلادنا. بمعنى آخر إن الإحصائيات حول الجريمة لا تمثل سوى حالات ما يعرف بالإجرام الظاهر. ففي مجتمع بنيته الفكرية شبه تقليدية – شبه عصرية مثل المجتمع المغربي، ما تزال كثير من الجرائم لا تدون في سجلات الأمن إما لأن أطرافها تخشى على تضرر سمعتها، أو لأنها تسوى خارج القانون، من خلال إجراء تسويات مصالحة، أو تطوى باللجوء إلى فرض تنازلات بالإكراه والضغط. وعلى ذلك فإن الأرقام – متى توفرت – لا تعبر عن واقع الجريمة الفعلي، لكنها تمنح من يتفحصها صورة تقريبية. والصورة المتاحة لمشهد الإجرام في المغرب لا تبعث على الاطمئنان. وبعيدا عن الأرقام لكن قريبا جدا من مراتع الجريمة، تغطي الشبكات الاجتماعية نقص المعطيات فتعرض بالصوت والصورة مثلا مشاهد مخيفة لمجرمين مسلحين بسيوف ومُدًى، وهم يعتدون على الناس في أحد أحياء الدار البيضاء… أو حصار مئات المواطنين لسيارة أمن وتحرشهم برجال الشرطة. تتعدد الأشرطة التي التقطها راصدون هواة، وبعد مشاهدتها لا يمكن لعاقل أن يشعر بالارتياح لما آل إليه حال بعض مدننا. فهل يشاهد مسؤولونا ما يعرض من شواهد حية عن واقع الجريمة في شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أن يطمئنونا إلى تراجع الجريمة؟ وهل تدرك قنوات التلفزيون المغربي بأن ما تعرضه يكون له تأثير إما سلبي أو إيجابي على مشاهديها، خصوصا من خلال عرض تفاصيل مصورة لوقائع جرائم شهيرة على النشء الصاعد؟ إن الجريمة ملازمة للإنسان، وقد عرفتها حتى أكثر المجتمعات البشرية طهرانية ومنها مجتمعات الرسل والأنبياء. وهي اليوم أضحت ثالث سبب للوفاة في صفوف الفئة العُمْرية بين 15 و44 عاما في العالم، بواقع حوالي 740 ألف قتيل في المعدل كل عام. والجريمة ليست جامدة، بل إنها ديناميكية ودائمة التطور مع تطور حياة الإنسان وتعقد علائقه. والمغرب في ذلك لا يشذ عن القاعدة بما هو كتلة مجتمعية حية ودائمة التفاعل سلبا أو بالإيجاب مع محيطها. ولذلك فقد شهدت الجريمة في بلادنا خلال السنين الأخيرة تحولات كبرى وعميقة غيرت واقع البنية السكانية وطبيعتها الاجتماعية. فقاعدة الهرم السكاني يهيمن عليها الشباب، كما أن تواصل الهجرة بكثافة إلى الحواضر رفع نسبة التمدن إلى أكثر من 60 % من مجموع السكان. وبرأي الخبراء فإن هذه النسبة مرشحة للارتفاع خلال السنين القادمة لتقارب 75 % . وطبعا تؤدي الهجرات المتوالية إلى ارتفاع الضغط على المدن التي تجاوزت طاقتها الاستيعابية، فانتشرت نتيجة لذلك أحزمة البؤس على هوامش المدن، التي تعشعش فيها المخدرات والإرهاب وجرائم العنف بأشكالها. وبانفتاج بلدنا على العالم زاد تأثر الناس سلبا على الخصوص، بما يجري من حولنا في العالم. وظهرت إلى الوجود نتيجة لذلك على مدى السنين الأخيرة أشكال جديدة من الجرائم من قبيل جرائم الإرهاب، وجرائم «التشرميل»، وجرائم النصب والاحتيال عن طريق ما يعرف ب«السماوي»، والجرائم الإلكترونية بأشكالها، وجرائم السطو على فروع البنوك وشاحنات نقل الأموال، وجرائم الخطف لطلب الفدية، إلخ. وإلى جانبها تطورت أشكال «تقليدية» للجريمة بحيث استفحلت وزادت حدة القسوة ومنسوب العنف فيها، ومنها جرائم اغتصاب ثم قتل الأطفال. وجرائم وأد الرضع الناتجين عن علاقات خارج الزواج وهم أحياء، وغيرها. وتطرح هذه التحولات دون شك، على كل من المراقب والفاعل أسئلة كثيرة تستدعي تحريك نقاش حولها. منها: ما هي خلفيات تلك التحولات وأبعادها؟ وهل هي طارئة بفعل التأثر بما يجري من حولنا عبر العالم من تحولات؟ أم إنها مرتبطة بشكل حصري بطبيعة ونفسية الفرد المغربي؟ وهل تواكب القوانين الجديدة المقترحة التحديات التي تطرحها تلك التحولات؟
الاتجاهات الجديدة للجريمة في المغرب «التشرميل».. موجة بدأت شبابية وانتهت إجرامية لعل أبرز ملمح عن تحولات الجريمة في المغرب ما نلحظه من ظهور أشكال جديدة من الإجرام لا تكاد تخلو صحيفة أو قناة أو موقع على الشبكة من جديد أخبارها كل يوم، بحيث باتت عناوينها المخزية تؤشر على خطورة ما آل إليه الوضع الأمني والاجتماعي من تردي. ومن أمثلة ذلك نذكر ظاهرة «التشرميل» التي لم يمض على قفزها إلى ساحة الإجرام سوى عام واحد، وظاهرة الابتزاز الجنسي على الإنترنت التي بلغت مستويات بالغة الخطورة باستهدافها هذه المرة ضحايا من الخارج باسم مومسات مغربيات افتراضيات، ما يسبب للمغرب في حرج كبير يخدش صورته ويمس بكرامة المغربيات. وإضافة إلى هذين الاتجاهين الإجراميين الجديدَيْن، تفاقمت مؤشرات القلق على نحو مخيف بخصوص حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال من الجنسين التي لا تعرف إلا تصاعدا، وقد صارت مقرونة بجرائم قتل بشعة هدفها إخراس ألسنة الصغار عن تفجير الفضيحة. «التشرميل» موجة أو صيحة نشأت في الأصل على صفحات الشبكات الاجتماعية على أيدي شباب ومراهقين، كانوا يسعون إلى التميز والظهور من خلال نشر صور لهم يرفعون فيها أسلحة بيضاء ويظهرون مبالغ مالية وخمرا ومخدرات. ويعمدون في صورهم إلى ارتداء بعض الملابس الشبيهة بتلك التي يرتديها أفراد عصابات الجريمة في الأفلام الأمريكية، وحلاقة رؤوسهم على طريقة بعض قبائل الهنود الحمر في أمريكا. أما أثناء حديث «المشرملين» فيما بينهم فإنهم يستعملون لغة خاصة، لتأكيد الطابع الخاص والمنغلق لمجموعاتهم. و«التشرميل» بما هو ظاهرة حديثة بالكاد مر على ظهورها عام كامل، يمكن النظر إليه من وجهة نظر سوسيولوجية على أنه ظهر كشكل من أشكال التعبير عن نقمة جيل المراهقة الحالي ورفضه لسلطة كل من الأسرة والمجتمع وأجهزة الدولة. لكن اختيار «المشرملين» لمظهر المنحرفين من أجل التعبير عن أنفسهم، نقل ظاهرة «التشرميل» من حقل التباهي والسعي إلى فرض الذات ولفت الانتباه، وهي سمات تميز فترة المراهقة والشباب، إلى حقل الجريمة. وذلك على الرغم من أن كثيرا من «المشرملين» «المؤسسين» للظاهرة عبروا أثناء التحقيق معهم بأن الأسلحة البيضاء التي حملوها في صورهم للتباهي فقط. وأصبح «التشرميل» بالتالي عنوانا أطلقه الإعلام لوصف كل أشكال الاعتداء العنيف الذي ينتهي بالدم. وبانتقال مصطلح «التشرميل» في الصحافة والإعلام إلى التعبير عن جرائم العنف التي يستعمل فيها السلاح الأبيض بأنواعه، طفا إلى سطح الجريمة نوع جديد من الاعتداء على النساء. فقد تفجر خلاف حاد بين شاب وزوجته الفتاة، قبل شهور في مراكش. وعندما بلغت حدة النزاع أوجها وفقد الزوج أعصابه، أخرج سكينا ومزق بشفرته خد زوجته لإخراسها عن الكلام أو عن الصراخ ربما. وبعد انتشار الخبر ومعه صورة لوجه المرأة الشابة الممزق، في الصحف وعلى مواقع الإنترنت، تكرر الحادث بالطريقة نفسها في جهات أخرى من المغرب ومع ضحايا أخريات. وهكذا بعد أن كان الرجل حين يغضب من زوجته في السابق يصرخ، ويضربها بيده أو بنعاله، أو قد يطردها من البيت. لكن لم يكن أبدا يستعمل في مواجهتها سلاحا أبيض. ومتى استعمله فإنه يكون بالضرورة أمام قوة قاهرة أقوى منه، لا مع امرأة هي فوق ذلك زوجته، ولخشيته من أن يجر عليه استقواءه بالسلاح الأبيض على زوجته سخرية المجتمع واحتقار الرجال له. لكن القيم تغيرت مع الأجيال الجديدة فأصبح «التشرميل» لا يستثني حتى «الجنس الضعيف» ببطشه.. الابتزاز الإلكتروني.. المال أو الفضيحة! انتشر قبل مدة نبأ انتحار مواطن خليجي قيل إنه وضع حدا لحياته تحت تأثير ابتزاز جنسي مهين تعرض له من طرف مواطن مغربي من مدينة وادي زم. وحكاية هذا الخليجي لا تختلف في شيء عن مئات الحكايات الأخرى التي تكرر نفسها في كل مرة، وبالأسلوب نفسه تقريبا. فقد تعرف الخليجي على الشبكة على فتاة مغربية بحسب تفاصيل الخبر كما نقلته مواقع عربية، وانجرا معا إلى (الشات) عبر «فايسبوك» ثم «سكايب». وبعد أن مر التيار بين الطرفين، عمدت «الفتاة المغربية» إلى إثارة غريزة الخليجي بما يكفي لدفعه إلى التعري أمام كاميرا حاسوبه، وهو جاهل أن ما كان يقوم به من حركات مثيرة يتم تسجيله من الجهة الأخرى. بعد نهاية حصة التعري، قطعت «الفتاة المغربية» الاتصال لتقوم بتوضيب الشريط المسجل، ثم ترسل نسخة منه إلى الخليجي ليشاهدها. وهنا بدأ الابتزاز! كشفت «الفتاة المغربية» للخليجي عن حقيقتها، إذ تحولت إلى شاب يفرض عليه شروطه: «إما أن ترسل مبلغا يقدر بكذا في اسم فلان عبر وكالة لتحويل المال، أو سوف يكون عليك مواجهة الفضيحة أمام أهلك وأصدقائك الذين سيتفرجون عليك! « ثم يمنحه مدة قصيرة للتنفيذ. في الغالب يرضخ «الضحية» لمبتزه فيرسل المبلغ المطلوب. لكن المبتز لا يقنع أبدا، فيطلب مبلغا آخر ويمنح ضحيته مهلة جديدة. وهكذا يستمر «الضحية» في إرسال مبالغ مالية لمنع الفضيحة إلى أن ينهار بطل الشريط الفاضح ويرفض في النهاية. فيرفع مبتزه شريط الفضيحة على موقع يوتيوب ويضع عليه اسم وبلد البطل فينفضح أمره… كثيرون رضخوا لمبتزيهم حتى النهاية درءا للفضيحة، لكن منهم كذلك من توجه منذ البداية إلى أقرب مركز للأمن للشكوى وبينهم مواطنون عربا كثيرون ينتمون إلى بلدان الخليج طبعا، وأيضا إلى الأردن ولبنان وحتى إلى مصر التي ليست بلدا غنيا. أما المغاربة فقد كانوا من أوائل ضحايا هذا الشكل الجديد من الابتزاز الإلكتروني. ونذكر من بينهم فتى قاصر تعرض لابتزاز رجل يعمل في محكمة بوجدة وهو متزوج وأب. فقد خدع هذا الأخير الفتى بأن ادعى بأنه فتاة. وبعدما أقنعه بالظهور عاريا أمام حاسوبه صور الفتى المراهق في أوضاع مخجلة ثم ساومه إما أن يرضخ لنزواته ويمكنه من نفسه أو يفضحه بنشر الشريط. ولم يكن الرجل يظن أن الفتى المراهق سوف يكشف الأمر لوالدته التي اتصلت بالأمن. فتم الوصول إلى المبتز من خلال رقم هاتفه، وانتهت الحكاية بسجن الرجل الشاذ وانكشافه. كما كان بين الضحايا سيدات متزوجات تعرضن للابتزاز الجنسي والمالي من طرف عشاق سابقين في مقابل عدم نشر أشرطة جرى تصويرهن فيها عاريات. بل إنه لم يسلم من هذا الابتزاز حتى بعض الشخصيات السياسية والاجتماعية المعروفة، ومنها برلماني وزعيم سياسي مغربي تفجرت فضيحته قبل أشهر حين رفض الرضوخ للابتزاز. وإذا كان الفراغ الأمني والقانوني قد سمح طويلا بانتعاش هذا النوع من الجريمة الصامتة، وسمح بالتالي للمبتزين بأن يعيشوا في بحبوحة بالمبالغ الطائلة التي جنوها من ضحاياهم ويشبعوا نزواتهم، فإن ذلك بات صعبا فعله دون حساب، حيث أصبح في إمكان الأمن المغربي أن يتعقب أثر المبتزين ويوقفهم. بيد أن ذلك لم يوقف تكرار الجريمة، وبالتالي فالضرر الأكبر وقع ويستمر في الوقوع على سمعة المغرب وكرامة نسائه التي يمرغها بعض المبحرين من ضعاف النفوس في الوحل كل يوم، من خلال ممارسة ابتزازهم متخفين وراء أسماء سوءٍ نالت شهرة قذرة على الشبكة العنكبوتية، من قبيل «ديانا المغربية، و«إلهام المغربية»، وغيرها!-
اغتصاب وقتل الطفولة.. بشاعة لا تنتهي! يعتبر اغتصاب الأطفال مسا سافرا بحقوق الطفولة كما أقرتها ونصت عليها المواثيق الدولية، إذ تترتب عنه أضرار نفسية وبدنية تلازم الضحايا مدى الحياة وتؤثر بالتالي على اندماجهم الاجتماعي والأسري الطبيعي. وجرائم اغتصاب الطفولة المذكرة كما المؤنثة ليست جديدة على المجتمع المغربي، ولا هي ارتبطت ببلادنا حصرا. فظاهرة البيدوفيليا عالمية، والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المهتمة بحماية الطفولة لا تنفك تدق ناقوس الخطر من تنامي الظاهرة في كل بقاع الأرض. لكن الجديد في هذا الشأن مغربيا، هو أن كثيرا من مغتصبي الطفولة صاروا يعمدون إلى قتل ضحاياهم للتخلص من الفضيحة، في ظل تساهل قضائي غريب. وقبل أن نشرع في استنطاق الأرقام الرسمية حول الظاهرة، وجب التنويه مرة أخرى إلى أنها لا تعدو أن تكون تقريبية ولا تترجم بالتالي حجم انتشار جريمة الاعتداء الجنسي على الطفولة. والسبب في ذلك، كما شرحت لنا فاعلة جمعوية مهتمة بالموضوع، يرجع إلى كون الموضوع ما زال طابو في المغرب، حيث يخشى بعض الضحايا وأسرهم أن يتعرضوا لسخرية المجتمع ويكونون بالتالي مكرهين على الصمت. وتشير معطيات المديرية العامة للأمن الوطني إلى أنه خلال الفترة بين 2007 و2012 بلغت حالات الاعتداء الجنسي على أطفال من الجنسين بالمغرب ما مجموعه 11599 مصرح بها. بينها 8129 حالة اعتداء على طفلات، و3470 ضحية من الأطفال الذكور، وقد استهدفت على الخصوص الفئة العمرية بين 15 و18 سنة. لكن متابعة تطور الظاهرة تكشف لنا بأنه ابتداء من العام 2010 أصبحت الفئة الأكثر استهدافا بالعنف الجنسي هي تلك البالغة أقل من 12 سنة. وبخصوص التوزيع الجغرافي لحوادث العنف الجنسي ضد الأطفال، تشير المصادر نفسها إلى أنه برسم العام 2011، تصدرت مدينة مكناس قائمة أكثر المدن التي سجلت فيها اعتداءات جنسية على أطفال، بما مجموعه 270 حالة، تلتها فاس ب 219 حالة، ثم أكادير ب 194 حالة. بينما في العام الموالي (2012) تصدرت مراكش القائمة ب 258 اعتداء، تلتها الرباط ب 204 حالات اعتداء جنسي، ثم مكناس ب 134 حالة. وكانت جمعية مهتمة بالطفولة المشردة (التي تسميها أطفال الشوارع) احتضنت 115 طفلا فاعترف لها 10% منهم بأنهم سبق أن تعرضوا لاعتداءات جنسية سواء في الشارع أو حتى داخل بيوت أسرهم! ولا يخفى أن الطفولة المشردة هي الأكثر عرضة للاغتصاب، لافتقادها بالأساس إلى أية حماية. كما يتبين من خلال استقراء أماكن تعرض الأطفال للاغتصاب بأن الشارع يعتبر مكمن الخطر الأول عليهم. كما أن أطفال البادية أكثر عرضة للاعتداء الجنسي من أطفال المدن، نظرا لطبيعة التشتت السكاني الذي يطبعها، ما يجعل الأطفال تحت رحمة المنحرفين. أما بالتدقيق في بروفايل مغتصبي الأطفال بحسب إحصائيات العام 2012 الصادرة عن وزارة العدل والحريات، فيتضح بأن الرجال البالغين يمثلون 1880 مجرما مدانا في مقابل 262 من المغتصِبين القاصرين. في حين بلغ عدد مغتصِبات الأطفال 19 امرأة بالغة و17 فتاة قاصرا. وفي أغلب الحالات يكون المغتصب غريبا عن ضحيته، بينما في حالات نادرة يكون منتميا إلى أسرته أو يكون المغتصب هو رب عمل الطفل أو مدرسه. أما قاتلو الأطفال فكان بينهم برسم السنة نفسها 31 رجلا بالغا إلى جانب 17 قاتلا قاصرا و 5 قاتلات بالغات. وينتهي الاعتداء الجنسي على الأطفال في بعض الأحيان بالقتل. وتقول تقارير الجمعيات الحقوقية المغربية بصدد الأحكام التي تصدر في ملفات البيدوفيليا، إن من العوامل التي تشجع على تكرار الاعتداءات الجنسية على الأطفال نجد التساهل القضائي مع المعتدين. ويتأكد ذلك من خلال إحصائنا لمجموع الملفات التي أدين فيها متهمون مغتصبون لأطفال بالسجن النافذ أمام محاكم المملكة خلال العام 2012، إذ نجد بأن نسبتهم لم تزد عن 37 ,52%، بينما تمت تبرئة الباقي أو حكم عليهم بالسجن الموقوف التنفيذ أو بغيرها من العقوبات غير السالبة للحرية ! وعلى سبيل المقارنة، فقد أدانت محكمة أمريكية قبل أشهر شابا سعوديا اغتصب طفلا أمريكيا دون عنف وحكمت عليه بالسجن النافذ 33 عاما مع أقصى ظروف التشديد..
عندما تتمردأحياء بكاملها على الأمن في كبريات المدن تفيد إحصائيات صادرة عن مكتب الأممالمتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة بأن المغرب احتل الرتبة الثانية من حيث انتشار الجريمة، بين بلدان منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وتتصدر الترتيب غير المشرف مصر، بينما حلت الجزائر ثالثة خلف المغرب. ومن التقرير نفسه يستفاد بأن الدار البيضاء جاءت على رأس قائمة المدن التي يستفحل في أحيائها الإجرام، وهو رأي تعضده المتابعة الوثيقة ليوميات الجرائم التي تصل إلى الصحافة ووسائل الإعلام، وإن كانت لا تمثل إلا قليلا من كثير، برأي فاعلين جمعويين. نماذج من مؤشرات الخوف وإلى جانب الدار البيضاء تشهد أغلب المدن الكبرى (سلا – الرباط، وفاس، وطنجة، ومكناس…) تصاعدا غير مسبوق في مستويات الجريمة. وهو غير مسبوق لأن اللصوص والمنحرفين أصبحوا يقترفون اعتداءاتهم على مواطنين أفرادا وجماعات في واضحة النهار، وداخل بيوتهم أو في وسائل النقل أو في الأزقة. فضلا عن ظاهرة انتشار المخدرات والأقراص المهيجة في المقاهي التي يرتادها قاصرون من الجنسين، وحتى على أبواب بعض المؤسسات التعليمية. ويسمح تصفح مواقع التواصل (فايسبوك، ويوتيوب، وتويتر، وواتساب) للمتتبع الاطلاع على مجريات الانتشار المخيف للانحراف والجريمة في أحياء المدن الكبرى، من خلال مئات من أشرطة الفيديو التي صورها ورفعها في الغالب راصدون هواة. ويعج موقع يوتيوب على الخصوص في هذا الصدد بأشرطة فيديو تظهر عصابات منحرفين يفرضون قانونهم الخاص على أحياء بكاملها، في غياب تام لأي علامة على وجود الأمن. وكان فيديو مخيفا قد أشعل قبل شهور الشبكات الاجتماعية، ويظهر فيه «قطيع» كامل من المنحرفين الشباب في وضعية غير طبيعية، مسلحين بأسلحة بيضاء ويقطعون الطريق ليلا على المارة والراكبين. وقبل شهور، قام سلفيون بمنطقة بني مكادة بطنجة بتطبيق حد شرب الخمر على شاب كان عائدا لتوه من حفل زفاف إلى منزله، حيث اعترضوا سبيله وشرعوا في ضربه. ونقلت وسائل إعلام أن عناصر من تلك الجماعة يطلقون على أنفسهم «جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، سبق لهم تأديب شاب آخر كان يتعاطى المخدرات من خلال ضربه بشكل مبرح قبل إطلاق سراحه. وقبل ذلك كان سلفيون هاجموا في المنطقة نفسها دورية أمنية من أجل تحرير رفيق لهم كانت الشرطة اعتقلته، واعتدوا على الأمنيين. وقبل أيام فقط، راج على الشبكات الاجتماعية شريط فيديو يظهر العشرات من سكان حي شعبي في فاس الغاضبين وهم يحاصرون سيارة أمن، ويهددون بالاعتداء عليهم. ويفهم من تعليقاتهم أنهم يحتجون على ضرب أحد الشرطيين من تلك الدورية قريبا للمحتجين على رأسه بالأصفاد. بينما يوضح صاحب الشريط أن الشرطي لجأ إلى ضرب المجرم للدفاع عن نفسه، قبل أن تهاجم أسرته وجيرانه الشرطي الذي احتمى بسيارة الشرطة. وكان الخوف باديا على عناصر الشرطة وكاد الوضع مرات عديدة أن ينفجر لولا تعامل أفراد رجال الشرطة الشباب بضبط كبير للنفس. هل ستنفلت الأوضاع؟ يرفض العميد المتقاعد محمد أكضيض عبارة «انفلات أمني»، فهذه العبارة التي تتناولها الصحف للتعبير عن بعض الحوادث «عندما أسمعها تقفز إلى ذهني ذكريات سبق أن عشتها في بعض البلدان الأفريقية جنوب الصحراء في إطار عمليات أممية لحفظ السلام. إن الانفلات يعني تسيبا كاملا وغيابا للأمن وبالتالي قتلا في الشوارع بالرشاشات بين فئات وطوائف أو مليشيات متناحرة، داخل بلد لم يتبق فيه لا للدولة ولا للقانون من مجال لفرض هيبتهما. لا شك أنك تتفق معي بأن هذا النوع من الانفلات الحقيقي لا وجود له في المغرب. وبالتالي فإن ما يروج في بلادنا، وأغلبه عبارة عن جريمة تقليدية، لا يمكن أن يقال عنه بأنه انفلات». لكننا نقرأ يوميا تقريبا عن مواجهة تجار المخدرات والمنحرفون المخدرون بالأقراص المهيجة لرجال الدرك أو الشرطة، والأمثلة كثيرة بحيث يكفي اللجوء إلى أي محرك بحث لتفيض الأمثلة بالمئات. ويرد أقضيض على ذلك بالقول: إن سبب تلك الحوادث هو «الأقراص المهيجة (القرقوبي) التي تدخل إلى بلادنا من الجزائر بهدف تدمير شبابنا. وقد انتبه المسؤولون لذلك فخاضوا حربا بلا هوادة على مروجي تلك السموم، ولاحظتم الكميات الكبيرة منها التي تمكن الأمن من حجزها في الدار البيضاء مثلا». أما بخصوص حالة سلا التي يعرفها جيدا بحكم أنه ابن المدينة، فيوضح قائلا: «إن تنامي الجريمة فيها سببه النقص الحاصل في العنصر البشري. وهنا لا بد من الإشارة إلى التوظيفات الجديدة لرجال الأمن التي ستقبل عليها المديرية العامة للأمن الوطني، في الأيام القليلة القادمة». وحال مدينة سلا هو حال غيرها من المدن التي تعيش بين وقت وآخر انفلاتا أمني، إذ يرتقب برأي رجل أمن أن تخفف التوظيفات المرتقبة في صفوف الشرطة بعض الضغط. فالنقص الحاصل في العنصر البشري فاقم من تأثيره خروج بعض شيوخ الأمن إلى التقاعد دون أن يتم تعوضهم على مدى سنوات. ولذلك فإن «قطاع الأمن هو القطاع الحكومي الوحيد الذي سيوظف أبناء المغاربة هذه السنة». وفي هذا «دليل على أن المسؤولين في بلادنا واعون بأن تحقيق الأمن أصبح من أولى الأولويات في المغرب»، يختم محدثنا.
الأزهر: ارتفاع الجريمة بالمدن سببه الهجرة القروية والاكتظاظ في الحوار التالي مع محمد الأزهر أستاذ علم الإجرام بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، نسعى إلى البحث في جذور الجريمة وبيان أسباب تحولها من خلال كشف المبررات الذاتية والموضوعية للسلوك الإجرامي في المغرب. – لعل السؤال البديهي الذي يفرض نفسه كمقدمة لهذا الحوار الصحفي هو: هل السلوك الإجرامي متأصل أم مكتسب لدى الفرد المغربي؟ مسألة أصول السلوك الإجرامي فيها نقاش كبير بين الباحثين. فهناك من يقول بأن السلوك الإجرامي يتوارث بالانتقال من السلف إلى الخلف، وهناك من يقول بأنه سلوك مكتسب، ثم هناك من يقول بهما معا. وقد توصل الباحثون إلى طروحاتهم هذه بعد القيام بتجارب وإجراء إحصائيات. ومن السباقين إلى القول بالانتقال الوراثي للجريمة باحث إيطالي يرى بأن السلوك الإجرامي مرجعه إلى تشوه عضوي أو عقلي لدى المجرم، حيث قال بأن المجرم شاذ التكوين له سمات خاصة، حيث يتميز عن غيره من الناس بصفات خاصة عضوية ونفسية. واستعرض الكثير من تلك السمات. وانضم إلى هذا الطرح الكثير من الباحثين مثل شارل جونج الذي قام بأبحاثه على الكثير من الأشخاص ليقوم بمقارنات، حيث خلص إلى أن المجرم هو نتيجة انحطاط عام موروث. ثم هناك الباحث الأمريكي هوتون في كتابه (المجرم الأمريكي) الذي خلص إلى أن التركيب العضوي للمجرم يختلف باختلاف نوعية الجرائم. هذا إضافة إلى من قاموا بدراسة شجرة العائلة للمجرمين حيث تبين لهم بأن المجرمين يتحدرون من سلالات عرفت بالإجرام، وقاموا كذلك بمراقبة التوائم وتبين لهم بأن الجريمة عرفت نسبا كبيرة عند التوائم، كذلك الكروموزوم الزائد وتأثيره على الفرد، وكذا مدى تأثير الإفرازات الزائدة على الغدة النخامية. بينما هناك من الباحثين من يركزون على التنشئة الاجتماعية، نذكر منهم سيزرلاند الذي يؤكد على أن السلوك الإجرامي سلوك مكتسب ويرجعه إلى الصراعات الثقافية، ويسانده في ذلك الكثير من الباحثين، أما أصحاب الاتجاه المختلط فيقولون بأن التنشئة الاجتماعية الجيدة تستطيع أن تنتصر لدى الشخص الذي انتقلت إليه الوراثة المرضية الإجرامية. والعكس قد يكون الشخص سليما وراثيا في حين أن تنشئته الاجتماعية فاسدة، وهذا سيؤدي به الى نهج السلوك الإجرامي. من هذا المنطلق فإن المجرم في المغرب يخضع للضوابط نفسها، لكنني أميل إلى أن سبب الجريمة هو التنشئة الاجتماعية بشتى ضروبها، بما في ذلك الصراعات الثقافية. وهذا ما أصبحت تعيشه مدننا، خصوصا بعد الربيع العربي واجتياح المدن (ترييف المدينة) ما نتج عنه عدة صراعات بين خصوصيات ثقافية متنوعة واصطدام ثقافة البادية بثقافة المدينة، نتجت عنه سلوكات شاذة. – تبعا لذلك، يلاحظ المتتبع لتطور النشاط الاجرامي تحولا كميا ونوعيا في الجرائم المغربية في العشر سنين الأخيرة.. إلى ماذا يعزى هذا التحول بنظرك؟ الجريمة ظاهرة اجتماعية تنشط عند كثرة الاحتكاكات، وهي موجودة منذ أن ظهر الإنسان، وتعرف تزايدا وتراجعا. لكن التطور التكنولوجي أفرز الكثير من مظاهر الإجرام الجديدة. كما أنه لا ينبغي علينا أن ننسى بأن ظهور السيارة جعل الجريمة تتطور بشكل فاحش حيث أصبحت وسيلة لنقل المسروقات وللفرار. وعموما أقول بأن ما يعرفه العالم الآن من تطور تكنولوجي ورقمي ساعد في الإجرام بشتى ضروبه. وقد ظهرت معه جرائم جديدة بفعل تقنيات الإنترنيت، إضافة إلى اقتحام الخصوصيات وكذا الاختراق الثقافي عن طريق وسائل الإعلام والاتصال (ظاهرة توجيه السلوك بواسطة الإعلام) بفعل الاختراق أو التماهي. وأعطي هنا مثلا بقوارب الموت التي لم تظهر إلا بعد ظهور القنوات الفضائية التي حركت الرغبة الجامحة في الالتحاق بالآخر الذي يعيش رفاهية مغرية. إن الاختراق الثقافي كوسيلة للعودة إلى الاستهلاك قد حرك هذه النزعة في أفق الحصول على الرفاه بجميع الوسائل، خصوصا غير المشروعة منها: الاختلاس، الرشوة، النصب والاحتيال، اعتراض سبيل المارة، الاتجار في المخدرات والمسكرات، وظهور الإجرام المنظم والعابر للقارات. ثم إن عصابات الاتجار في المخدرات والعقاقير المهلوسة لها أسلوب واستراتيجية في ترويج هذه السموم، نتج عنه كثرة الجرائم بفعل المخدرات والمسكرات المهيجة، أو الإجرام من أجل المال للحصول على الجرعات بفعل الإدمان، هذا إضافة إلى عامل الهجرة الداخلية . وهناك عوامل مختلفة أخرى عرفها العالم بما في ذلك المغرب الذي أصبح قبلة لهجرة الأفارقة والعرب، بل وحتى من الغرب بفعل الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت بعض الدول الغربية. – من بين التحولات الأخرى التي لابست الجريمة أننا بتنا شاهدين على جرائم قتل على مستوى كبير من البشاعة. كيف تقرأ ارتفاع منسوب العدوانية في المجتمع المغربي خلال السنين الأخيرة؟ الجريمة البشعة كانت دائما موجودة منذ القدم. والقارئ لتاريخ المغرب قد يحدثك عن المدعو (بولكبادي) قد يكون شخصية حقيقية أو لا يكون كذلك. لكن زعموا قديما بأنه كان يقتل ويأكل كبد ضحيته. كذلك كان هناك ولا يزال الكثير من القاتلين بالطريقة نفسها التي لا تخلو من وحشية. وفي البادية خصوصا في النزاعات القبلية والانتقامية (أخذ الثأر) كانت تظهر معالم قوة الحقد وآثار الانتقام، وهو الآمر نفسه الحاصل الآن، لكن بزيادة ملحوظة وهذا راجع لعدة عوامل منها: التغيرات الاجتماعية، والهجرة الداخلية حيث أصبحت جرائم القسوة تستفحل في المدينة، واستفحال انتشار المخدرات المهيجة، وكذا تأثير وسائل الإعلام ما يدفع بعض المشاهدين إلى التماهي مع الجرائم التي يشاهدونها، وأيضا هناك عامل التنشئة الاجتماعية الفاسدة القيم، وسهولة الحصول على المال من خلال العنف والإيذاء ، خصوصا وأن كل شخص في الشارع يحمل معه على الأقل هاتفا نقالا قد تكون قيمته باهظة. ثم هناك العوامل النفسية التي نذكر من بينها التكرار الذي يولد العادة: أصبحت رؤية الجريمة مسألة عادية وأيضا مشاهد القتل في الحروب، إذ تؤدي مشاهدتها يوميا إلى الاستئناس بها. وينتج عن ذلك لدى البعض قيامهم بالفعل الإجرامي دون أدنى شعور بالذنب. هذه بعض العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى العنف والبشاعة في الإجرام، نظرا لأنانية الفاعل دون أن يعير أي اهتما م للقيم. ثم إن الفاعل يكون شابا قوي البنية ما يساعده على تعنيف ضحاياه. – طيب. من خلال استقراء الإحصاءات المتوفرة نكتشف بأن الجريمة في المغرب حضرية أكثر منها قروية، كيف تشرح لنا هذا الوضع؟ الجريمة موجودة في القرية وفي المدينة. فالقرية تتسم بجرائم القسوة، في حين أن المدينة تكثر فيها جرائم الأموال والأشخاص. لكن الهجرة من القرية إلى المدينة نقلت الكثير من جرائم الريف إلى المدينة، ثم أن نسبة السكان تعرف اكتظاظا في الحاضرة أكثر من البادية. وكلما كثر الاحتكاك إلا واستفحلت الجريمة. وثقافيا تعرف البادية نوعا من التعاضد بين السكان في أفق إشباع الحاجات أو المساعدة على ذلك، خلافا للمدينة التي تعرف تنوعا في الصراعات: بين الغني والفقير، وبين الأحياء الراقية والشعبية أو الصفيحية، وبين التعلم والأمية، الخ. – هل تعتقد في إمكانية التحكم في النشاط الإجرامي المتصاعد؟ وكيف؟ التصدي للجريمة واجب اجتماعي يجب أن تتآزر فيه جميع مكونات المجتمع. لكن المقاربة الأمنية ضرورية ويجب دعمها جيدا بالأطر المتمكنة، وبالاستفادة من الخبرات الأجنبية بتداريب خارجية، ووضع برامج للتكوين، وتوفير الوسائل اللوجيستكية الكافية، بما في ذلك كل الوسائل التقنية الحديثة، كما يقع على عاتق الدولة دور توفير أماكن للوقت الثالث من ملاعب رياضية ودور للشباب والثقافة وممارسة الفنون لتهذيب الذوق. بل يجب عليها أن توفر في الإقامات السكنية ملاعب ودورا للثقافة والعروض الفنية. أما الأحزاب السياسية من جانبها فتقع عليها مسؤولية تأطير الناس سياسيا وثقافيا وتربويا. والمجتمع المدني: بدوره عليه القيام بأنشطته الثقافية والرياضية، والترفيهية وتأطير المواطنين، والإكثار من الجمعيات التي تهتم بالأنشطة التربوية. كما ينبغي الاهتمام بالأسرة عن طريق برامج تكوينية تحسيسية إما مباشرة، أو عن طريق التلفزة. وفي هذا الصدد يجب على وسائل الإعلام أن تساعد على الحد من الجريمة لا أن تكون وسائل تأثير وتحفيز عليها، فهناك برامج خطيرة تعرضها التلفزة وتتوجه إلى الجريمة.
دروس في الإجرام بالصوت والصورة ! برامج الجريمة في التلفزيون بمنظار ال«هاكا» أصدرت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المعروفة اختصارا ب«الهاكا» أخيرا تقريرا موضوعاتيا حول البرامج التي تتخذ من الجريمة موضوعا لها في القنوات العمومية ذات البرمجة العامة. وقد تضمن التقرير معطيات وصفية وإحصائية دقيقة تتعلق ببرامج الجريمة في كل من القناة الأولى والقناة الثانية وميدي 1 تي في. وكشف التقرير بأن برامج الجريمة، كانت تستقطب أعلى نسب للمشاهدة في المغرب من طرف جمهور واسع. وهو ما تؤكده نتائج قياس نسبة المشاهدة «لماروك متري»، والتي وضعت برامج إعادة تشخيص الجريمة «مداولة» و«أخطر المجرمين» خلال سنة 2013، ضمن لائحة البرامج العشرة الأولى الأكثر متابعة من طرف الجمهور المغربي، حيث بلغ عدد من شاهدوا برنامج «أخطر المجرمين» أربعة ملايين وربع المليون، فيما بلغ عدد مشاهدي برنامج «مداولة» ثلاثة ملايين متفرج. وأوضحت أرقام ماروك متري بأن 18 من الجمهور الناشئ (الذي تتراوح أعمارهم بين 5 و14 سنة) يشاهدون برنامج «أخطر المجرمين»، فيما يشاهده 20 % من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة. أما بالنسبة إلى برنامج «مداولة» فإن نسبة الأطفال الذين يتابعونه والذين تنحصر أعمارهم بين 5 و14 سنة، فتصل إلى 20 % من المشاهدين الذين يتابعون البرنامج. وتبين المعطيات أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي للمتفرج إلا وابتعد عن هذا النوع من البرامج، إذ أن 62 % من جمهور برنامج «أخطر المجرمين» هم أشخاص بدون شهادات تعليمية، فيما تبلغ نسبة جمهور البرنامج من أصحاب الشهادات المتوسطة 30 في المائة، في حين لا تتعدى نسبة مشاهديه من حاملي الشواهد العليا 8 %. وتضيف ال(هاكا) في تقريرها بأنه على إثر بث تلك البرامج التلفزيونية، توصلت بشكاوى من كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزارة العدل والحريات، وكذا من المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ومن وزارة الاتصال. وكانت عبارة عن رسائل وجهها مواطنون يتظلمون من تلك البرامج، التي اعتبرتها بعض الشكايات مست بحقوقهم المرتبطة أساسا بقرينة البراءة والحق في سرية الهوية. وفي هذا السياق، توصلت الهيئة خلال سنة 2013 بما مجموعه ثمان شكايات منها سبع شكايات ضد برنامج «مسرح الجريمة» وشكاية واحدة ضد برنامج «أخطر المجرمين»، في حين لم يتم تقديم أي شكاية ضد برنامج «مداولة». وترجع خلفيات قيام ال(هاكا) بهذا البحث إلى كون رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، كان قد وجه رسالة إلى الهيئة في موضوع برامج الجريمة التي تبثها القنوات العمومية، من أجل مراقبتها وافتحاصها وإعطاء رأيها في الموضوع. من المشاهدة إ لى التنفيذ! ولبيان مدى خطورة التأثير السلبي لهذا النوع من البرامج على الجيل الناشئ، كانت تقارير إخبارية نقلت حالة دخلت عالم الإجرام مبكرا بعد مشاهدة بعض حلقاتها. وهكذا، ففي أواخر الصيف الماضي، تعرض مغترب مغربي في السويد للقتل في ظروف غامضة بمدينة مرتيل. وبعد مرور أيام على اقتراف الجريمة، تم توقيف فتى يبلغ 17 عاما متلبسا بجريمة قتل ضابط متقاعد من الجيش كان يعيش في المدينة نفسها، وغير بعيد عن سكن الضحية الأول. وأثناء التحقيق مع المشتبه به أقر بأنه هو قاتل المغترب المغربي، وتبين أنه يتحدر من إحدى البوادي الفقيرة، وأنه كان يعمل مياوما بالمدينة. كشفت التحقيقات أن الجاني القاصر الذي يسمى أيوب بدون سوابق، وأنه نفذ جريمتي القتل متأثرا بمشاهدته لبعض برامج الجريمة نفسها التي حللها تقرير «الهاكا». وأوضح الجاني أثناء محاكمته بأنه تجرأ على اقتراف الجريمتين بعدما استلهم خططه من برنامج «أخطر المجرمين» الذي كان يبث على القناة الثانية، وأيضا من وحي مشاهدته مجموعة من الحلقات من برنامج «مسرح الجريمة» على قناة ميدي 1 تي في. واعترف بأن تلك المشاهدات مكنته من الإعداد والتخطيط الجيد لاستهداف أشخاص بعينهم. ولعله من باب تأكيد صحة ما ذهب إليه تقرير ال(هاكا)، من كون «62 % من جمهور برنامج «أخطر المجرمين» هم أشخاص بدون شهادات تعليمية»، أن الجاني أيوب اعترف بأنه هاجر من مسقط رأسه تاونات إلى مدينة تطوان، من أجل استكمال دراسته الثانوية، قبل أن ينقطع عن الدارسة وينتقل إلى مرتيل. وهناك شرع في العمل مبكرا، حيث اشتغل مدة طويلة في مهن عشوائية عديدة كبيع الذرة المشوية، قبل أن يقرر القيام بعمليات قتل من أجل الاغتناء والعودة إلى بلدته.
أكضيض: اندحار القيم والقرقوبي وراء تنامي الجريمة وبشاعتها يعتبر محمد أكضيض، الإطار الأمني المتقاعد والخبير في القضايا الأمنية بالمغرب، بأن مؤسسة الأمن تواكب تطور الجريمة بجميع أشكالها. ويرى بأن الخلل الكامن وراء تنامي الإجرام وبشاعته إنما مرجعه إلى اندحار القيم والأقراص المهيجة التي تهرب من الجزائر. – دعنا نبدأ هذا الحوار بالسؤال عن السبب أو الأسباب التي تشرح تحولات الجريمة في المغرب بنظرك… لا بد أن نستحضر هنا التحولات الجارية في المغرب كجزء من العالم من حولنا. كما أن عدد سكان المغرب الذين كانوا في بداية الاستقلال ستة ملايين أصبحوا اليوم 34 مليونا، مع قاعدة هرم شابة. وعليه فإن الجريمة تطورت تبعا لذلك من خلال ما نلاحظه من تزايد للعنف داخل المجتمع تفرضه التحولات الجارية. كما تجدر الإشارة إلى أن انفتاح المغرب على وسائل التكنولوجيا وعلى الشبكة العنكبوتية فتح عليه باب جرائم من نوع جديد، ومن أكثرها خطرا الجريمة الإرهابية حيث التحق مئات الشباب المغاربة بالتنظيمات الإرهابية المتطرفة في بؤر التوتر .. – نقصد أن الجرائم أصبحت تتسم بالبشاعة والسادية. نقرأ مثلا خبرا عن اغتصاب رجل لأمه، وقتل آخر لوالده.. من واقع تجربتك السابقة كمسؤول أمني كيف تفسر هذه القسوة على من يفترض أنهم أقرب الناس إلى هؤلاء المجرمين؟ طبيعة الانسان المغربي هادئة. لكن نلاحظ اندحارا لنظام القيم في جميع دول العالم ومنها المغرب، حتى أصبحنا نسمع عن شخص يجامع أمه جنسيا أو عن شخص يلجأ إلى قتل والده أو والدته تحت ضغط الإحباط الذي يلازمه ليلا ونهارا، ومن حاصل تجربتي في أجهزة الأمن أستطيع أن أقول بأن من يرتكب هذه الفواجع إنما يحاول أن يعبر من خلالها عن احتجاج دفين على والديه اللذين يحملهما المسؤولية ويعتقد أنهما ولداه وحكما عليه بأن يعيش مصيرا لا يرضى عنه. وبالتالي وجد نفسه بلا إمكانيات وبفائض وقت بلا حد، يتابع بحسرة أنماط استهلاك لا قدرة له على مجاراتها وهي تعبر أمامه في كل وقت. فتتربى نفسه على الحقد والضغينة إلى أن يقترف أبشع الجرائم في حق الوالدين. فترى بذلك أن ما يحرك حياة الناس هو البحث عن المادة وليس الالتزام بالقيم التي كانت تحكم سلوكياتهم وتصرفاتهم في السابق. وعموما، دعني أقول لك إننا نعيش تداعيات تدافع بين زمن وزمن آخر، لعل من أبرز تجلياته هي هذه المشاريع قوانين (الجنائية) التي هي في طور المناقشة حاليا .. – لنفصل أكثر في ملامح الجريمة بالمغرب.. هل صحيح أن البوادي والقرى أقل إجراما من المدن؟ يسعفنا علم الإجرام في فهم السبب الكامن وراء كون المدينة تسجل نسبا من الجريمة أكثر من البادية. لقد كادت الهجرة أن تفرغ البوادي خصوصا فئة الشباب، حيث لم يتبق فيها سوى حوالي 45% من سكانها. واستقطبت هذه الكتل البشرية الكبيرة النازحة مدن كبيرة وخصوصا قطب الدار البيضاء الكبرى. ومن نتائج هذه الهجرة نجد ارتفاع نسب الجريمة… وهنا اسمح لي أن أعطيك مؤشرا على أن المدن المغربية بدورها آمنة. تعرف مثلا بأن محلات بيع الذهب في المغرب، بما تحتوي عليه من كميات كبيرة من المعروضات في شكل مجوهرات غالية ليست تحت حراسة أمن لا عام ولا خاص. فتجدها بواجهاتها الزجاجية مفتوحة في الأسواق الشعبية والقيساريات.. تصور أن هذه الدكاكين على كثرتها تعرض حزامات من الذهب ومجوهرات نفيسة بلا أية حراسة لا ظاهرة ولا خفية، وهي والحمد لله آمنة. وهكذا عندما يزورنا أجنبي وينزل إلى الأسواق فيرى محلات بيع الذهب، يندهش كثيرا ويقتنع مع نفسه بأن المغرب آمن.. – لننتقل الآن إلى مستوى آخر.. باعتبارك ابن الميدان، هل تتوفر للجهات الموكولة إليها محاربة الجريمة ما يكفي من وسائل وإمكانيات للقيام بعملها على الوجه المطلوب؟ دون محاباة دعني أقول لك إن المسؤولين الحاليين عن الأمن قد فتحوا أوراشا هامة بهدف تصحيح الوضع، منها التكوين المستمر لرجال الأمن في معهد الشرطة وفي ولايات الأمن. وتنظيم مناظرات علمية في المعهد الملكي للشرطة حول مواضيع الذكاء الاقتصادي، ومحاربة الشغب، والجريمة الإلكترونية، وغيرها. وقد تم إشراك باحثين وفاعلين من المجتمع المدني فيها، والهدف طبعا هو تكوين قاعدة للبحث العلمي حول الأمن والجريمة بأنواعها. كما قامت المديرية العامة للأمن الوطني بتوظيفات كثيرة خلال السنين الأخيرة تهم اختصاصات متعددة، منها مثلا المهندسون الإعلاميون المتخصصون في الجريمة الإلكترونية وخاصة المرتبطة منها بالإرهاب والابتزاز. ومكن ذلك العمل المديرية من معالجة كثير من الملفات الشائكة. وفي إطار مواكبة تحولات الجريمة كذلك، أشير إلى أن المديرية العامة تتوفر حاليا على أقسام دراسات لها تخصصات متعددة، فالأمن لا يسير بالارتجال كما يعتقد البعض. والخلاصة أن أداء أجهزة ورجال الأمن يتطور من أجل محاصرة الجريمة، وفي هذا الصدد يندرج ميلاد المكتب المركزي للتحقيقات القضائية الذي يضم نخبة أمنية ضاربة ومثقفة، ويمثل لبنة قانونية وتقنية من شأنها أن تعزز جهود محاصرة الجريمة وتحقيق استتباب الأمن في المغرب. بالأمس كانت أجهزة الأمن تقوم بحملات تمشيطية بحثا عن المجرمين، أما اليوم فأصبح لدينا رجال أمن دكاترة ومهندسون إعلاميون يلاحقون المجرمين الإلكترونيين على الشبكة العنكبوتية. وهذا تحول كبير في معالجة الظواهر الإجرامية الجديدة، علما بأن الجريمة التقليدية ستبقى طبعا من سرقة بالعنف أو بواسطة الدراجة النارية وغيرها. أما فيما يخص ترتيب البيت الداخلي للأمن بما يواكب ارتفاع الجريمة، فإنه لم يجر المدير العام السابق تغييرات مهمة في مصالح الأمن لوجود قناعة لديه في أن المناخ العام السائد للدولة يسير وفق مبدأ الانتقال السلس أو التغيير بالتدرج. ثم هناك شيء آخر وهو أنه لم يضع حوافز جديدة ولا ضخ هواء جديدا لمحاربة الإجرام. ثم إن العقوبات القاسية التي تلقاها رجال الأمن من المجلس التأديبي جعلت المناخ متوترا يطبعه الخوف من مزيد من العقوبات، ما يجعل اهتمام رجل الأمن ينصب على رؤسائه خوفا مرة أخرى من أي عقوبة قادمة. أما ما يتعلق باللوجستيك، فقد ورثت كما قلنا تركة من المركبات من عهد حميدو لعنيكري وتهالكت حتى أصبحت قريبة من المتلاشيات، والميزانية العامة لا تسمح بتجديد الأسطول إلا بشكل استثنائي. وهكذا عاشت بعض ولايات الأمن مثل الدار البيضاءوفاسوالرباط على هبات عبارة عن دراجات نارية لرجال الأمن العاملين من أجل سد الخصاص في اللوجستيك. لكن عموما أقول إن هناك دائما مواكبة لتحولات الجريمة والبحث عن حلول لها. وفي هذا الصدد لعلك تذكر جيدا أنه عندما استفحلت ظاهرة السطو على الوكالات البنكية قبل سنوات، قامت وزارة الداخلية باجتماع مع مسؤولي البنوك وشركات الأمن الخاص التي أصبحت شريكا للدولة في إنتاج الأمن. وتم فرض تجهيز جميع الوكالات بكاميرات مراقبة، فتراجعت عمليات السطو على البنوك في أعقاب ذلك بشكل كبير جدا. – ارتباطا بموضوع الجريمة الإلكترونية، نقرأ كثيرا من الشهادات والأخبار في الشبكة العنكبوتية تدفع إلى الاعتقاد بأن بعض المغاربة صاروا روادا في الابتزاز الجنسي لمواطنيهم وللأجانب من العرب وغير العرب كذلك. كيف تشرح لنا هذا المستجد؟ دعني أقول إن عصرنا يتميز بانتشار نمط الاستهلاك الراقي كنموذج وقدوة لدى الشباب المغربي. لكن هذا الشباب الذي لا ينقصه لا الذكاء ولا المؤهلات الكفيلة بمساهمته بفعالية في تنمية بلده، يعاني من انسداد الأفاق أمامه وهذه مسؤولية الحكومة وليست مسؤولية الأمن. إن الجهات الوصية على أمن المغاربة سبق أن طرحت منظورا جديد يقوم على «الإنتاج المشترك للأمن»، ومعناه أن الأمن ليس المسؤول الوحيد عن محاربة الإجرام في البلاد، بل المسؤولية ينبغي أن يتحملها الجميع. وبالتالي وجد هذا الشباب نفسه ينحرف ويمارس جرائم الابتزاز الإلكتروني كطريق للحصول على موارد مالية وفيرة تسمح له بأن يعيش ويتماهى مع نمط الاستهلاك الراقي الذي يطمح إليه. فالأمن ليس مسؤولا عن هذا الواقع، بل الحكومة هي التي يقوم عليها واجب تحسين ظروف عيش الشباب حتى لا يلجأ إلى الجريمة الإلكترونية أو غيرها.