الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، هذا ما كتبه مجموعة من الشيوخ والمتفقهينبحرَ هذا الأسبوع وهميعلقون بذلك على حِراك الشارع وخروج المواطنين في مدينة الحسيمة، وفي عدد من المدن والهوامشِ المغربية، تعبيراً وسخطاً واحتجاجاً على مقتل "محسن فكري"السمّاك وابن الريف الجريح الذي شُحن وسُحق في حاويات الأزبال بطريقةِ غاية في القسوة والبشاعة، لا لشيء إلا لكونه احتج على سمكه بطريقته التي لم يكن يجد بداّ منها، بعدما قرّر المسؤولون طحن سمكه أمام مرأى ومسمع الجميع بدون وجه حقّ، ودون تطبيق مسطرة الحجز كما يقضي بذلك القانون. أيها الشيوخ، نطرح بين يديك هذه الأسئلة بعد إذنكم؛ لماذا هذا "النص الديني" الذي احتججْتم بهلتستنكروا بذلك خروج الناس للشارع بعد تذمّرهم وسخطهم، دون سائر النصوص الدينية الأخرىلتبرير السكوت عن "الحكرة" والبؤس بعدما طال انتظار الناس في التغيير ؟ لماذا تسوغون الظلمبمسوغديني وتلبسونه بلبوس روحاني ؟، أليس المكان الطبيعي "للمثقف"ورجال الفكر هو جنب الجماهير ومزاحمة القواعد الشعبية بركابهم بعدما خرجت ترثي الشهيد محسن ومعه كرامة المواطن بعامة، كما فعل سارتر وبير بورديو (المثقف العضوي بتعبير كرامتشي) في الثورة الطلابية الماركوزية التي غيرت أرجاء أروربا بأكملها كما قيل عنها،بعدما اصطفّا مع الجماهيرالكادحة الغاضبة تأطيرا وتعبئة، وقالا ما يجبُ أن يقال يومئذ ؟ لنكن جدليين ومنطقيين ،هل هناك فتة أفتكُ وأشرّ واقبحُ من أن يُفتن الانسان في كرامته، ورزقه، ومالهِويطحنَ ويعصربالطاحونةأمام مسمعه في حاويات الأزبال ؟كما لو أنه لا شيء اطلاقا. لماذا لا تستدلون بالقول المأثور " من مات دون ماله أو عرضه فهو شهيد.."أو كما قال النبيّ الاكرمُ ما دمنا لسنا حفاظا كمّل، ألم يكن محسن إلا مدافعا عن ((ماله)) المغصوب المهدور بعد اقتراضه له،ليحارب البطالة والعطالة ويعيل عشْرة من الأنفس في مدينة صغيرة كالحسيمة؟المدينة التيلا زالت تعاني الحصار الاقتصادي والثقافي وغلاء المعيشة وقس على ذلك واقعة "مي فتيحة " بائعة "لبغرير" بعدما ضاقت بها الدنيا بما رحبت، وظلمت ولم تجد من ينصفها .. وغيرها والغير كثير من المواطنين الذين يعيشون حكايات مأساوية، ومسرحيات يومية في هدر كرامتهم وإنسانيتهم في الإدارة والمحاكم والمرافق والمؤسسات العمومية..الخ، ودونكم خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة الذي لم يكن إلا تحصيل حاصل، وإجابة عمّا يعيشه المواطن من "حكرة" وتبخيس وعَسَفٍ وتعطيل لمصالحه في الإدارة المغربية وتنبيه نواب الأمة المغربية لذلك .. إن الذين يستدلون بنصوص دينية لتبرير الاستبداد كما فعل غير ما واحد مؤخرا حينما ساقوا حديث الفتنة المعروف، هو من قبيل الخوف على المصالحوالامتيازات، هو من قبيل التواطئ والمهادنة مع الفساد ولا يخرج عن فكر الدروشة الانزوائي والشطحات الصوفية .. أين الفتنة ؟ وما العبرة ؟ الفتنة نائمة في بطون الجياع، وقابعة في بيوت الفقراء والمطحونين طبقيا في أحياء الصفيحالهامشية الذين لا يجدون بضع أمتار يحفرون فيها "قبر حياة " يحفظون فيه كرامتهم في الوقت الذي يستغل فيه خدام الدولة عشرات الهكتارات بدراهم رمزية. إن الفتنة كامنة هنا في هوامشنا المنسية حينما يدفعهم "حقدهم الطبقي" إلى الاتجاه نحو "داعش" أو الانضمام للتياراتالدينيةالمتطرفة.. وهل هناك فتنة أفتن وأخطر على أمننا الثقافي والاستراتيجي من هذه ؟ . إننا نحتاج إلى ايقاظ هذه الفتنة من منازل المعذبين في الأرض، وتهذيبها وطردها من أكواخهم البئيسة بلا رجعة، بتأسيس عدالة اجتماعية حقيقية، وإقامة دولة الحق والقانون وربط المسؤولية بالمحاسبة .. نعم هي نائمة لكن ليس في بيوت من يملكون الامتيازات ويعيشون برواتب خيالية و"فلات"فارهة وفي بحبوحة من العيش .. الفتنة قابعة في منازل المعطلين الذين تحصّلوا على الشواهد الجامعية بعد سنوات الكد والتحصيل وظلوا ينتظرون عملا شريفا يصون كرامتهم لتأتي بعد ذلك الحكومة بتوظيف العقدة لتتبخر كل آمالهم .. الفتنة حينما يمّر عليك ممثل ومنتخَب سياسيفي بسيارة فارهة تم اقتناؤها من آخر "الماركات" من المال العام في جماعة قروية فقيرة لا يملك سكانّها حتى الماء الصالح للشرب . الفتنة نائمة في بيوت الأرامل ودور الأيتام الذين لا يجدون من يمدّون لهم اليد الرحيمة في زمن غذا فيها الطحن الوحشي والقسوة عنوانا صارخا .. قوم في الثرى وقوم في الثريا .. فوارق طبقية صارخة والمواطن أشبه بحشرة تافهة يمكن أن تداس وتهان ولا حرج، ومع ذلك يبررون السكوت للجم الألسن حتى لا تستيقظ الفتنة ؟ ! هنا نتفق مع الفيلسوف ماركس لأن الدين لو قريء هذه القراءة المتأسلفة المظلمةالمغلقة وفهم بهذا المنطق، سيصير أفيونا ومخدرا للشعوب حقّا، وما كان لسماحة الإسلام الذي أنجب رجالا وشجعانا وقفوا في ظلم الظالمين حتى ولو كلفهم ذلك النشر بالمناشير .. على الحكومة والمنتخبين وكل الأجهزة السياسية القائمة في البلاد أن يأخذوا العبرة من الحراك والطوفان البشري الذي اندلق الى الشارع من جديد، الحراك الذي حمل في طياته الكثير من الدلالات والرسائل الرمزية العميقة لمن يهمهم الأمر، من جرّاء سياسة التمييز والاقصاء وغياب تكافئ الفرص، والبطالة المستشرية التي ارتفعت بنسب غير متوقعة وغلاء المعيشة، وسياسة "الحكرة " واللامساواة.. إن الشارع لا زال ينبض وينتظر التغيير المنشود وسينتظر، على السلطة أن تعرف أن بؤر التوتر لا زالت قائمة ولا أحد كان يتوقع أن قتل سمّاك الحسيمة سيهيج معه البحر،عليها أن تفهم وتعي أن الكرامة هي الوطن وهي الشيء الوحيد الذي لا يقبل المساومة والمصادرة..