رغم الجهود التي يبذلها المسلمون في فرنسا من أجل الانفتاح على مجتمعهم، وتقديم صورة حسنة عنهم تُطمئِن الفرنسيين، فإن الاعتداءات التي تحدث من حين لآخر، والتي كان آخرها هجمات باريس الدموية من طرف تنظيم "داعش"، تساهم في تصاعد ظاهرة "الإسلاموفوبيا". وتثير هذه الظاهرة تخوفات وسط الجالية المغربية خاصة بعد إعلان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند حالة طوارئ تمتد ثلاثة أشهر والتي لم تعلن منذ 1955 في مواجهة الثورة الجزائرية، فضلا عن قرار إغلاق الحدود وعدة تدابير تضييق على المهاجرين وتصريحات معادية لهم. أحداث وأرقام تسعة أيام مضت على هجمات باريس الدامية لتنفجر من جديدة موجة من الإسلاموفوبيا، في فرنسا والدول الأوروبية. حيث هاجم مجهولون مسجد "بونتارلييه"، بعبارات عنصرية من قبيل "فرنسا للفرنسيين"، كما رسمت في مسجد آخر في منطقة فال دي مارن بفرنسا صُلبان كثيرة على جدران المسجد. إضافة إلى إشعال النار في أحد مساجد "أونتاريو الكندية" دون وقوع إصابات. في نفس الإطار منعت، يوم السبت غداة الهجمات، سيدة محجبة من دخول أحد متاجر "زارا" في فرنسا إلا بعد خلع الحجاب كما تم تدمير مطعم "السلطان" المتخصص بتقديم الأكل العربي، في منطقة "سين ماريتيم" الفرنسية ولم يتم تحديد من قام بكسر زجاج المطعم وتكسير جزء من محتوياته. وبلغة الأرقام، أوضح تقرير للمرصد الوطني لمناهضة الإسلاموفوبيا، صدر الشهر المنصرم، ارتفاع الحالات التي سجلت اعتداءات وتهديدات بحق المسلمين في فرنسا، هذه السنة إلى 330 اعتداء، حيث تضاعفت الاعتداءات العنصرية ضد المسلمين في فرنسا ثلاث مرات خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2015، مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية ويتوقع ارتفاع عدد الاعتداءات بعد هجمات باريس إلى أكثر من ذلك. وتجدر الإشارة إلى أنه يعيش في فرنسا قرابة 8 ملايين مسلم غالبيتهم من دول شمال إفريقيا ومعظمهم مغاربة. تناقض باريس كلما ذكرت فرنسا إلا ويستحضر المتتبع بلد الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان واحترام كل الأديان والأجناس، لكن بعض المتخصصين في علم الاجتماع والمحللين السياسيين يرون أن فرنسا تتناقض مع ماترفعه من شعارات للحرية. في هذا السياق أكد علي الشعباني، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، في تصريح ل "العمق المغربي" أن فرنسا تعيش تناقضا حيث إنها "تتبجح" بشعار "المساواة، الحرية، الأخوة" ولا تطبقه على أرض الواقع، مؤكدا أن الغضب والتشنج لا يفيد، وأن ردود الفعل الانفعالية ستضر فرنسا، مضيفا أن سياستها لم تعد تختلف عن سياسة "إسرائيل" حسب تصريحه ل "المعق المغربي". ويرى عبد الصمد بلكبير، المحلل السياسي المغربي، بدوره أن الغرب يعيش تناقضا صارخا بين رغبته في اليد العاملة وخوفه منها، مضيفا أن الأعمال الإرهابية لا تبتعد عن إرادة أمريكا. وقال بلكبير في حديث ل "العمق المغربي"، إن "حاجة أوربا للهجرة أكبر من حاجة المهاجرين لأوربا وأوروبا ستعاني أكثر مما سيعانيه المهاجرون إذا استمرت سياسة التضيق والاعتداءات عليهم، كما يجب على فرنسا أن ترجع إلى تاريخها العقلاني"، مشيرا إلى أن مواجهة الإرهاب ليست بالعنف بل بالعقل والفكر. وفي إشارة لليمين المتطرف الفرنسي قال المحلل السياسي ذاته، إنه لا مستقبل لليمين وأنه قوي فقط لأن اليسار ضعيف، مضيفا أن الفكر التقدمي هو من سينتصر على حد تعبيره. يمين متطرف لا تتوقف حملات اليمين المتطرف في أوروبا عن زرع الخوف من الدين الإسلامي في نفوس الفرنسيين والأوربيين، ومحاولات طرد المهاجرين وسجن المسلمين الفرنسيين، وفصلهم عن النسيج الوطني في الدول الأوروبية. في هذا الصدد أكدت رئيسة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، الأسبوع الماضي، أن التحرك القوي الصارم هو الذي يحمي الفرنسيين "الذين لم يعودوا في أمان"، معتبرة أن "اتخاذ إجراءات عاجلة أمر يفرض نفسه"، وأضافت أنه على فرنسا "أن تعيد تسليح نفسها وحظر المنظمات الإسلامية وغلق المساجد وطرد الأجانب الذين يدعون إلى الكراهية بأرضنا" على حد تعبيرها. فيما قال المفكر الفرنسي ورئيس التحرير السابق لجريدة "لوموند" الفرنسية "آلان غريش" في حوار مع موقع "الجزيرة مباشر"، إن الهجوم سيعطي قوة أكبر لليمين المتطرف، و"نحن لدينا انتخابات للمناطق، وهذه الانتخابات لها وزن سياسي واقتصادي كبير، وللمرة الأولى من الممكن أن يفوز بهذه الانتخابات اليمين المتطرف". خوف وتوجس في تعليق على الاعتداءات التي تعرض لها بعض المهاجرين بعد أحداث الجمعة الماضي، أكدت نزهة الوفي النائبة البرلمانية عن فريق العدالة والتنمية، والمهتمة بقضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أنه لا يجب أن تكون محاربة الإرهاب مظلة للمس بالحقوق الأساسية للمهاجرين بل يجب تحكيم العقل واجتثاث الإرهاب من أصوله ومن منظور المواطنة حسب تصريحها ل "العمق المغربي". ودعت الوفي الحكومة المغربية بتتبع ورصد كل الاعتداءات التي تطال المغاربة باعتبار الأمر واجب دستوري بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين المغرب وفرنسا فيما يخص الإصلاح الديني والإسلام المعتدل مستحضرين النموذج المغربي في إصلاح الورش الديني ومقاربته في مكافحة الإرهاب على حد قولها. ويظل خوف وتوجس المهاجرين من سحابة "الإسلاموفوبيا" السوداء التي أظلمت مدينة الأنوار، وفي انتظار سماء صافية لأوربا من جديد تبقى قلوب المغاربة في حناجرهم خوفا على أقاربهم هناك.