بعد الإعلان رسميا عن وفاة زعيم جبهة البوليساريو الإنفصالية محمد عبد العزيز، تتجه الأنظار إلى الشخص الذي سيخلفه في منصب ما يسمى ب "الأمين العام لجبهة ورئيس الجمهورية"، وفق مضمون المادة 49 من القانون الأساسي للجبهة الوهمية، التي تقول إن رئيس ما يسمى ب"المجلس الوطني" يتولى "منصب الأمين العام للجبهة ورئيس الجمهورية، إلى غاية انتخاب الأمين العام الجديد في مؤتمر استثنائي يعقد في ظرف 40 يوما من وفاة الرئيس". وبهذا، فإن المدعو "خطري أدوه" وهو رئيس المجلس الوطني للكيان الوهمي، هو من سيتولى قيادة زمام الجبهة إلى حين الإعلان انتخاب رئيس جديد، حيث ستكون هذه الفترة وفق مراقبين مرحلة حرجة في تاريخ الجبهة، بالنظر إلى الصراع القوي الذي سيكون بين قيادات الجبهة من أجل الظفر بمنصب "الأمين العام ورئيس الجمهورية"، حيث سيكون لجنرالات الجزائر المتحكمة بشكل كبير في دواليب تسيير الحركة الانفصالية دور أساسي في تحديد الزعيم المقبل. من هو خطري أدوه؟ يعتبر خطري أدوه من بين الأوائل الذين ساهموا في تأسيس جبهة البوليساريو، حيث تشبع في دراسته بالفكر الثوري الماركسي الذي كان سائدا آنذاك خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وهو ما سهل التحاقه بصفوف جبهة البوليساريو التي كانت تنادي باستقلال الأقاليم الجنوبية عن المغرب، بدعوى أن السكان الموجودين بالصحراء هم شعب مستقل وليس تابعا للمغرب، بالرغم من أن جده كان أحد الجنود الذين قاتلوا في صفوف جنود الشيخ ماء العينين ضد الاستعمار الإسباني. وينتمي خطري الذي نشأ وترعرع في الصحراء إلى قبيلة "تنواجيو" المعروفة بأنها من سلالة الأشراف الأدارسة، ولها فروع بالسودان وموريتانيا، وهي ذات أصول مغربية وبالضبط من مدينة تارودانت، إذ أنها "تألفت حديثا في القرن التاسع الهجري ببلاد شنقيط على يد الشيخ سيدي يحيى بن إدريس بن زكرياء الروداني القادم من المغرب"، وفق ما تذكر المصادر التاريخية. وتعتبر قبيلة "تنواجيو" التي ينتمي إليها خطري أدوه، بأنها أقلية وليست ذا شأن كبير داخل مخيمات تيندوف، حيث يسود داخل الجبهة منظور قبلي عتيق، غير أن خطري حسب مقربين منه "كان ليس قبليا بالفطرة، وجاء للثورة شابا في مقتبل العمر نهاية 1975، مفعما بالنظريات الثورية والمبادئ النضالية، ولم يكن يتصور أن القبلية هي المقياس والمعيار للحكم على الأفراد". بدأ مشواره في جبهة البوليساريو مذيعا في "إذاعة الصحراء الحرة" التي كانت حينئذ صوت البوليساريو، حيث كان شابا مثقفا، صاحب صوت معبر ومجيدا في الإلقاء بأسلوب سلس، فكان منه المذيع والمحرر والمخرج، زيادة على إلمامه بالموسيقى الحسانية شعرا وغناء وعزفا، وهذا ما دفع قيادة الجبهة إلى تكليفه بعد ذلك بمديرية الثقافة مع صديقه أحمد ولد الشيعة، وقد قام بدور كبير في الدعاية للجبهة خلال جولة ثقافية في بعض دول القارة الإفريقية، أوساط الثمانينيات. نكسة انتفاضة 1988 كغيره من الشباب والقبائل بمخيمات تندوف، حاول خطري أدوه الانتفاض في وجه قيادة البوليساريو بزعامة الرئيس الراحل محمد عبد العزيز، وذلك بعد أن لاحظ أبناء المخيمات أن الهدف الذي من أجله أُنشأت جبهة البوليساريو وهو الحصول على الاستقلال والعدل والكرامة، ليس إلا مؤامرة من الجزائر لإضعاف المغرب، حيث بدأت حركة ثورية بقيادة عمار الحضرمي (الوالي السابق لجهة كلميمالسمارة) ومنصور عمار وعبد القادر الطالب عمار وغيرهم من رموز المعارضة. كانت انتفاضة 1988 حركة تهدف لإسقاط النظام الحاكم في الجبهة، بعد أن قام الأخير بتصفية عشرات الأشخاص الذين كانوا على رأي مخالف لرأي سلطة جبهة البوليساريو، وهذا في غياب توجيه أي تهم حقيقية للضحايا أو حتى عرضهم على أي محاكم سواء كانت مدنية أو عسكرية، وقد أنتجت هذه السياسة القمعية في نهاية المطاف تذمر شعبي كبير كاد أن يعصف بالنظام الحاكم في ما يسمى ب "الدولة الصحراية" وقد تجلى ذلك الغضب والتذمر في أحداث 1988 التي أحدثت شرخا عميقا في الصور القيادي للبوليساريو. وبعد تمكن الجبهة بمساعدة الجيش الجزائري في القضاء على الثورة، التي كان رموزها ينادون بالعودة إلى حضن المغرب أو التفاوض معه على الأقل، تم اعتقال خطري أدوه، حيث تلقى درسا قاسيا خلال هذه المرحلة الحاسمة من حياته والتي سيكون لها التأثير الأكبر على مجرى حياته السياسية منذ ذلك اليوم، حيث تم تعذيبه من طرف مجموعة من إطارات الجيش في القاعدة العسكرية، ليفهم ساعتها قيادة الجبهة على حقيقتها، وأن الأقليات من أمثاله لا حق لهم بالمناصب القيادية داخل الجبهة، إلا تحت حماية أحد الكبار قبليا وتموقعا في السلطة، فقدم نقده الذاتي خلال ندوةٍ داخل الميخيمات. وتحول خطري بعد ذلك، إلى يد طيعة في يد الرجل القوي محمد عبد العزيز، "ولم يعد يعرف ما عدا السمع والطاعة، وأوامر الرئيس لا تناقش، فكان المختص في صياغة الشعارات والبيانات لكل مرحلة، ولا يخصه ما عدا إشارة بسيطة من السيد الرئيس، ليكون كل شيء جاهز: شعارات بيانات تقييمات تحليلات وثائق كلها تصب في ما يريده الرئيس، وما يعجب السيد الرئيس"، وفق ما ذكره مصدر داخل المخيمات، حيث تحول بعد أن فهم اللعبة جيدا بعد أحداث الصراع على السلطة 1988، من معارض مغضوب عليه، يتعرض للضرب والتعذيب بالقاعدة العسكرية، إلى رجل نظام بامتياز. نهاية رجل شجاع! لقد شكلت انتفاضة 1988 تحولا دراماتيكيا في مسار الزعيم الحالي للبوليساريو، بعد أن وعى أن مصير الجبهة ليس بيد الصحراويين وإنما بيد قادة الجيش الجزائري وحاكم قصر المرادية في العاصمة الجزائر، وأنه إن أراد أن يعيش فعليه أن يعرف من أين تؤكل الكتف، وهو ما مكنه فعلا من الصعود للقمة بطريقة صاروخية، من مدير عام لوزارة إلى وزير إلى رئيس البرلمان، إلى المفاوض الأساسي حول مصير الصحراويين. ورغم المناصب التي تقلدها بسرعة داخل المخيمات، فإن خطري يُنظر إليه دوما على أنه الحاشية التي يمكن الاستفادة منها ما دامت تسبح بحمد القيادة، ويمكن الاستغناء عنها في أي لحظة دون أن يكون لذلك أي تأثير يذكر لا سياسي ولا اجتماعي، وخطري أدوه يعي ذلك أكثر من غيره، وهو ما يفسر انتخابه رئيسا للمجلس الوطني (أي البرلمان)، في فترة مرض الرئيس محمد عبد العزيز، حيث سيكون هو "الجوكير" الذي سيقود سفينة الجبهة إلى حين العثور على ربان جديد متفق عليه بعد أربعين يوما من الآن.