لا يمكن أن يتحرك أو يتحدث دون أن يثير حوله الكثير من الجدل حتى وقد غادر منصب رئيس الحكومة، هكذا هو عبد الإله بن كيران، الذي فاجأ أعضاء حزبه أول أمس الأربعاء بتقديم استقالته من مجلس النواب، تاركا لقيادة الحزب الاجتهاد في تبرير أسباب الاستقالة وخلفياتها. وبدت الاستقالة مفاجئة بالفعل، وإن كان قياديون في الحزب قد حاولوا التقليل من وقعها المفاجئ بالقول إن ابن كيران سبق وفاتحهم في الموضوع منذ مدة، لكن ذلك يبدو متعارضا مع تصريح ابن كيران نفسه قبل أقل من أسبوع، وهو يصرح في ضيافة شبيبة الحزب أنه كان يستعد للانسحاب من السياسة، بيد أن الثقة التي وضعتها على عاتقه الكتلة التي صوتت عليه، تفرض عليه الاستمرار والنضال. ولم يكلف ابن كيران نفسه عناء التنقل إلى مكتب مجلس النواب لإيداع استقالته لدى الرئيس الحبيب المالكي، وحتى الفريق النيابي للحزب، لم يتوصل من أمينه العام بما يفيد أنه سيغادر القبة التشريعية. ببساطة خط رسالة استقالته، واستدعى أحد معاونيه ليحمل نص الاستقالة إلى بناية شارع محمد الخامس. وعلى نحو مستعجل، حاول الموقع الإلكتروني للحزب أن يجد تبريرا للاستقالة، وكتب المشرفون على الموقع أن هذا الإجراء يعتبر «تصحيحا لوضعية ترتبت بعد تعيينه رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيلها عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة، مما جعله في وضعية التنافي مع الصفة البرلمانية، وكان الأمر يقتضي حينها تفعيل مسطرة رفع التنافي وهو ما لم يتم إلى اليوم». لكن عمر الشرقاوي، الباحث في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، أشار أنه «لا علاقة له بحالة التنافي المنصوص عليها في القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجلس النواب كما يريد أن يسوق ذلك الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، فابن كيران لا يتوفر على صفتين يمنع القانون الجمع بينهما، بل هو برلماني سقطت عنه الصفة الحكومية منذ تعيين العثماني رئيسا للحكومة. ولا ننسى القرار الشهير للمحكمة الدستورية رقم 825/12، الذي أصدرته سنة 2012، والتي قالت إن أجل شهر لإنهاء التنافي التي تطبق على الوزراء لا يشرع في احتسابها لدى رئيس الحكومة المكلف بتشكيلها إلا بعد تعيينها من طرف الملك، ومادام ابن كيران لم يشكل الحكومة، فإن الحديث عن التنافي غير ذي موضوع». ويرى الشرقاوي أن قرار الاستقالة «هو قرار سياسي لتجنب إحراج مباركة البرنامج الحكومي لحكومة العثماني خلال جلسة التصويت الأسبوع المقبل. فاستمرار ابن كيران كبرلماني كان سيفرض عليه خيارين ولكل منهما تكلفته السياسية، أولهما الحضور لجلسة التصويت، وآنذاك سيكون أمام ثلاثة احتمالات التصويت بنعم أو لا أو الامتناع. أو الخياري الثاني وهو الغياب عن جلسة منح الثقة الذي يعني عمليا التصويت بالرفض أو على الأقل يعادل الامتناع عن التصويت». الشرقاوي قال إن استقالة ابن كيران «هي صيغة مهذبة من صيغ سحب الشرعية عن حكومة زميله في الحزب، وربما قد يكون هذا القرار بمثابة ضوء أخضر لباقي النواب في حزبه لاتخاذ قرارات سلبية تجاه الحكومة التي يتصدرها حزبهم».