من دون سابق إنذار نزل خبر استقالة عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة السابق والامين العام لحزب العدالة والتنمية من مقعده البرلماني، كالصاعقة ليبعثر ما تبقى من الأوراق في المشهد السياسي المغربي. وأعلن ابن كيران استقالته من مجلس النواب ضمن قصاصة إخبارية نشرها الموقع الإلكتروني الرسمي لحزب العدالة والتنمية ظهر يوم الأربعاء 12 أبريل 2017. وبرر الموقع قرار الاستقالة بكونه "تصحيحًا لوضعية التنافي" التي نشأت منذ أكتوبر الماضي بين تعيين ابن كيران رئيسًا للحكومة مكلفًا بتشكيلها وبين صفته كنائب برلماني. وأضاف الموقع أن "الأمر كان يقتضي حينها تفعيل مسطرة رفع التنافي لكنه لم يتم إلى اليوم". مبررات الاستقالة التي ساقها الموقع الالكتروني للحزب لم تقنع الكثيرين داخل الحزب وخارجه، وتواترت التكهنات والتخمينات حول الأسباب الحقيقية ودلالاتها. محللون وخبراء في القانون الدستوري فندوا تبريرات الاستقالة الواردة في الموقع وقالوا إن حالة التنافي لا تنطبق على ابن كيران. واستندوا إلى القرار الصادر عن المجلس الدستوري رقم 825 لعام 2012 والقائل إن حالة التنافي لا تصبح سارية المفعول إلا بعد تعيين الحكومة رسميا من قبل الملك وتنصيبها من طرف مجلس النواب، وهو ما لم يحصل في هذه الحالة. ويمضي هؤلاء في القول حتى لو افترضنا وجود حالة التنافي هذه فإن دواعي الاستقالة من عضوية البرلمان لم تعد قائمة أصلا اليوم، خصوصا وأن ابن كيران أعفي من مهام تشكيل الحكومة قبل حوالي الشهر. وبالتالي ثمة أسباب غير تلك المعلنة حملت ابن كيران على اتخاذ هذا القرار. فكيف لسياسي انتزع شعبية واسعة وناضل سنوات طويلة حتى تصدر حزبه المشهد الحزبي في ثلاث انتخابات محلية وتشريعية منذ عام 2011 أن يقدم على قرار من هذا القبيل؟ أليس من واجبه إحاطة ناخبيه والرأي العام بالأسباب والدوافع الحقيقية لتخليه عن صفته البرلمانية التي اكتسبها من صناديق الاقتراع ؟ ذهبت معظم قراءات المحللين إلى اعتبار قرار الاستقالة قرارا سياسيا اتخذه ابن كيران حتى يتفادى الإحراج الذي قد يقع فيه. وقال عمر الشرقاوي أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في تدوينة له على فيسبوك "أيا كان الموقف الذي سيتبناه ابن كيران من برنامج الحكومة الجديدة لحظة التصويت عليه في مجلس النواب، بدعمه أو رفضه أو الامتناع عن التصويت، فإن كلفته السياسية ستكون عالية." ويعتبر الشرقاوي قرار الاستقالة شكلا مهذبا من أشكال التمرد والاحتجاج السياسيين على شكل الحكومة الجديدة وكأن حال لسان ابن كيران يقول: " ما الفائدة من الانتخابات وتمثيلية البرلمانية اذا كانت النتائج الحكومية غير تلك التي كان يتوخاها جزء من الرأي العام؟" وعشية افتتاح الدورة البرلمانية يوم الجمعة 14 أبريل أعطى بنكيران إشارات بدت متناقضة للبعض. فمن جهة حث برلمانيي حزبه على تقديم الدعم لحكومة زميله رئيس الحكومة سعد الدين العثماني. وخاطبهم قائلا: "علينا كأعضاء في الحزب مساندة الحكومة وتقديم الدعم لها مع ضرورة القيام بالواجب في انتقاد الأمور التي يجب أن تنتقد، وتنبيه رئيسها فيما إذا كان هناك أي انحراف". ومن جهة أخرى عبر ابن كيران عن عدم رضاه على تشكيلة الحكومة قائلا: إن "الطريقة التي تم بها تشكيل الحكومة الجديدة فيها كلام"… لكن الكلام في هذا الموضوع مضيعة للوقت، داعيا إلى "التفكير في مستقبل حزب العدالة والتنمية". ويبدو أن تداعيات مسلسل تشكيل الحكومة الجديدة في المغرب لا تزال تتوالى. فتنازل رئيس الحكومة الجديد سعد الدين العثماني أمام الضغوط التي مورست على سلفه ابن كيران أثارت غليانا داخل قيادة وقاعدة الحزب. ويقر العديد من قيادييه أن الظروف التي يمر بها تمثل خطورة على تماسكه بعد إعفاء أمينه العام من رئاسة الحكومة وقبوله بانضمام أحزاب نالت حصة الأسد من الوزارات الاستراتيجية واكتفى هو بأخرى ثانوية. *عن موقع "بي بي سي"