بداية لن ننكر حق أي حزب في تقديم المرشح الذي يريد؛ و الانفتاح على القوى و الشخصيات التي يعتبرها قد تشكل جزءا من المشروع السياسي للحزب؛ هذا حق خالص له و لأجهزته؛ لكن نحن من يقدم لنا العرض السياسي و الانتخابي، كناخبين و كمواطنين، يحق لنا كذلك التفاعل و التعليق على أية خطوة نعتبرها تمس مسار البلد؛ و تتعلق بمستقبله الديموقراطي. شخصيا؛ كنت أعتبر أن صوتا كصوت سعد الدين العثماني الذي ظل ينادي من داخل العدالة و التنمية بالدولة المدنية و ببعض الشعارات التي لا يمكن إلا الاتفاق عليها؛ قد يكون هذا الصوت بداية تحول قد يشهده هذا الحزب خاصة على مستوى الفصل النهائي بين الخط الدعوي الذي يجسده تيار حركة التوحيد و الإصلاح و الخط السياسي للحزب؛ و أنها بداية مؤشرات إيجابية على هذا المنحى التي قد تدفع أشخاص مؤمنين بالدولة المدنية؛ والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان و سموها؛ سلطة القوانين الوضعية على التشريعات الفقهية التي تخضع لتأويل خاص للنص الديني… قد يقبلون على مشروع البيجيدي دون خوف من الالتفاف على هذه الشعارات و المبادئ؛ و دون ان تتحول كل هذه المطالب الى مجرد ورقة قد يتم طيها أو تمزيقها في أية لحظة.. ما زكى من هذا المنحى، الذي كنت أحد المطالبين بتشجيع صوته داخل البيجيدي، هو دفعه الى أن يعيش نفس التطور، و لو بصيغة مختلفة، لما عاشته الأحزاب الديموقراطية المسيحية بأروبا، التي تخلت عن جل مطالبها الكنسية و اندمجت في الحياة السياسية هناك؛ بل تحولت الى عنصر استقرار و دعم الديموقراطية؛ ما زكى الرغبة في تقوية هذه الأصوات، هو محاولة تشجيعها و تشجيع الخط المدني داخل هذا الحزب؛ كنت شخصيا قد استبشرت خيرا حينما عبر ابن كيران بنفسه على هذه المطالب في إحدى لقاءاته مع طلبة مدرسة عليا خاصة؛ حيث أعاد التأكيد على نفس المطالب، بل ذهب بعيدا في عدم اشتراط الحجاب او ممارسة الشعائر الدينية على المنخرطين فيه، بشرط الالتزام بخطه السياسي و ضوابطه…. مع الإعلان عن الترشيحات؛ فوجئت بتزكية القباج بمراكش للترشح للانتخابات باسم العدالة والتنمية؛ و هو صاحب دور القرآن؛ ذي آراء و مواقف من الديموقراطية نفسها و من البرلمان مخجلة؛ بل تكفيرية لها؛ بل معتبراً أن التصويت على البيجيدي واجب شرعي…. و هي آراء و مواقف لا علاقة لها بما تعلن عنه العدالة والتنمية نفسها من مواقف؛ ويمكن القول أن هذا الترشيح يعيد طرح نفس الأسئلة على هذا الحزب، و عن تداخل الدعوي بالسياسي، فهذا الرجل ليس شخصية عادية، بل دعوية و له جيشه السلفي الاحتياطي بكل التراب المغربي. هذا الترشح ضرب ما اعتبرناه في لحظة ما تقدما و تحولا نوعيا في مسار العدالة والتنمية؛ بل يمكن اعتباره تراجعا خطيراً؛ فهو انتقل من التحالف مع التوحيد و الاصلاح الى التحالف مع السلفيين و المتشددين. من حق البيجيدي أن يبني استراتيجيته الانتخابية؛ و من حقه حصد المقاعد و الأصوات ما استطاع الى ذلك سبيلاً؛ لكن أن يكون هذا الاتجاه على حساب قيم الديموقراطية و المدنية، فذاك يجعل من العدالة والتنمية حزبا يفكر بعقلية انتخابية ضيقة، دون الوطنية.