تشير عدة معطيات بأن الصراع المحوري في الانتخابات المقبلة لن يخرج عن دائرة أحزاب: البام البيجيدي والاستقلال دون إغفال دور الملكية بكونها ضابطة للإيقاع السياسي المغربي. أما الأحزاب الأخرى أي الاتحاد الاشتراكي والأحرار والتقدم والاشتراكية والحركة والاتحاد الدستوري فستكون حاضرة ما بعد نتائج الانتخابات بالنسبة للتحالفات الجماعاتية والجهوية ،وهو ما يعني ان مسار وأجواء الانتخابات المقبلة ستكون رهينة تقاطب سياسي ثلاثي بين أحزاب البام والبيجيدي والاستقلال . حزب العدالة والتنمية له إستراتيجية مفادها ان تدبيره للشأن العام لن يؤثر على شعبيته في الانتخابات المقبلة لان كتلته الناخبة لا تتغير بتغير مواقع الحزب ، وحزب الأصالة والمعاصرة يريد ان يثبت انه ليس حزب القصر بل حزب له شرعيته وقواعده الشعبية وبأنه الحزب المؤهل لمواجهة المد الأصولي،وحزب الاستقلال يريد ان يثبت ان مشاريع أحزاب الكتلة هي مستقبل المغرب، وبأن انتخاب حميد شباط على رأس أمانة الحزب جاء لتقوية الحزب وليس لإضعافه . وعلى هذا الأساس فأحزاب البام والبيجيدي والاستقلال هم أكثر الأحزاب استعدادا للانتخابات المقبلة التي ستضع استراتيجيات القادة عبد الاله بنكيران والياس العماري وحميد شباط في المحك لتحديدد مستقبلهم السياسي داخل أجهزة أحزابهم . استعداد هذه الاحزاب للانتخابات المقبلة لهذه الانتخابات انطلق منذ اكثر من سنة ، وفي عز مناقشة مشروع القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات ومشروع القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات ومشروع القانون التنظيمي رقم 14-112 المتعلق بمجالس العمالات والأقاليم تفرض بعض الأسئلة والفرضيات نفسها حول الأحزاب التي ستصنع الحدث باحتلالها المراتب الأولى في الانتخابات المقبلة .وعليه ،وحسب عدد من المؤشرات والمعطيات فالصراع والتنافس حول المواقع الاولى في الانتخابات المقبلة لن يخرج عن دائرة أحزاب البام والاستقلال والبيجيدي، ولن نتصور الفوز بالمراتب الاولى فيها خارج دائرة هذا القطب الثلاثي الذي يدخل غمار الاستحقاقات الانتخابية في سياق وطني واقليمي ودولي صعب للدولة وللأحزاب ذاتها. 1-انتخابات ذات رهانات كبرى في واقع بئيس سياسيا: ستتحكم في الانتخابات المقبلة أربع رهانات أساسية : أولها تجاوز صدمة نتائج انتخابات 2009 ونتائج انتخابات 2011 التي لم تفرز تحالفات طبيعية ومؤسسات تمثيلية قوية وقطبية حزبية ، بل انها عرفت مبالغة في إقحام كل أحزاب المعارضة والأغلبية -بدون استثناء- للمؤسسة الملكية في الصراع الحزبي، وتحويل الملكية إلى عنصر للتوظيف في الصراع بين السياسي بينهم في وقت لم تعد المؤسسة الملكية في حاجة لا ي حزب ان يتحدث باسمها او يدافع عنها او يختنبئ وراء ها .ثانيهما ستنظم هذه الانتخابات –لأول مرة- تحت حكم حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية حامل شعارات:لا للفساد لا للتزوير لا للتحكم لا لصناعة ولتزوير الخرائط الحزبية. ثالثها إجراء هذه الانتخابات في سياق سياسي تتبادل فيه الأحزاب معارضة وأغلبية كل أشكال التهم والشتم دون أي احترام لأبسط أخلاقية قواعد ومبادئ التواصل السياسي.والأكيد ان كل حزب من أحزاب المعارضة والأغلبية سيغتنم تنظيم هذه الانتخابات لتصفية حساباته السياسوية مع خصومه .رابعها هناك هاجس كبير مخيف للدولة وللأحزاب هو هاجس نسبة المشاركة حيث ان هناك أكثر من مؤشر على ان نسبة المشاركة يمكن ان تكون كارثية وهذا ما يفسر مصادقة مجلس الحكومة على مشروع قانون تنظيمي رقم 15-33 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 11- 29 المتعلق بالأحزاب السياسية، يتيح بالخصوص للأحزاب السياسية إمكانية تأسيس تحالف فيما بينها لتقديم ترشيحات مشتركة والاستفادة من دعم مرشحي هذه التحالفات بعد ان كان ممنوعا في انتخابات 2009 2- مواطن متذمر من جدوى تنظيم الانتخابات : أصيب المواطن بصدمة حول كيفية اشتعال المؤسسات التي تفرزها هذه الانتخابات خصوصا مؤسسات ما بعد دستور 2011 ، فلا المؤسسة البرلمانية ولا نخبها ولا هياكلها غيرت سلوكها او خطاباتها او كيفية طرح مقترحات القوانين او الحضور الى الجلسات او طرح الاسئلة او التعقيب عليها. بل انها زكت اكثر الصورة النمطية السلبية عند المواطن عن المؤسسة البرلمانية. ولا الحكومة التزمت بتفعيل تصريحها الحكومي ولا بتفعيل برامجها الانتخابية ، ولا الأحزاب السياسية أدت وظائفها التاطيرية والتمثيلية ودبرت خلافاتها الداخلية على أسس الديمقراطية الداخلية ، مما جعل المواطن يشك في جدوى هذه المؤسسات باستثناء شكه في المؤسسة الملكية التي يرى انها المؤسسة التي تشتغل بوتيرة تفاعلية مع تطلعات الشعب مقارنة مع باقي المؤسسات التي تعيش على إيقاع أزماتها الداخلية وصراعاتها الهامشية على حساب المشاكل الكبرى التي تعرفها للبلاد تعليميا واقتصاديا واجتماعيا وإعلاميا وعلميا وأخلاقيا . 3- الانتخابات وحزب العدالة والتنمية وتكلفة الحكم : ستتجه كل الأنظار في الانتخابات المقبلة اتجاه حزب العدالة والتنمية لمعرفة التكلفة التي سيؤديها الحزب بعد ثلاث سنوات على تدبير الشأن العام، ومدى إمكانية إخضاعه للعقاب الانتخابي من طرف المواطنين . أكيد ان حزب البيجيدي واع كل الوعي بأنه سيكون مستهدفا في الاستحقاقات المقبلة من قوى المعارضة ومن قوى أخرى خفية ،وبأن المواجهة مع خصومه ستكون شرسة خصوصا وانها انتخابات تنظم في عهد حكمه.لكن رغم كل ذلك فهناك عدة معطيات تشير بأن حزب البيجيدي سيبقى عنصرا أساسيا في الانتخابات المقبلة لكون مناضليه أكثر انضباطا لمبادئ للحزب ولقرارات قيادته ،وأكثرها التزاما بقواعد نظامه الأساسي ونظامه الداخلي، وأكثرهم امتلاكا لإستراتيجية تواصلية ممنهجة وفعالة قد تختلط فيها الآلية السياسية مع الدعوية مع الأخلاقية.لكن قوته الضاربة هي معايير واليات اختيار مرشحيه للاستحقاقات الذين يخضعون لمعايير نوعية وذكية صارمة تتحكم فيها المؤسسة الحزبية وليس الأمين العام عكس باقي الاحزاب.وبالمناسبة نشير ان حزب البيحيدي قد جدد مساطر الاقتراح والترشيح والتزكية من خلال جمع عام يختار المرشحين وفق ما صادق عليه المجلس الوطني الذي حدد اليات الترشيح والتزكية .التي تمر من عدة مراحل : الترشح : مرحلتين :أ- الترشح الأولي .ب- الترشح النهائي بعد ذلك تأتي مرحلة ثالثة هي مرحلة التزكية. وعكس ما يعتقد البعض فالعقاب الشعبي لحزب البيجيدي لن يكون له تأثيرا كبيرا على مسار الحزب الذي يراهن على جعل الانتخابات المقبلة مقياسا لاستمرارية شعبيته في المغرب وبرهانا على محدودية العقاب الشعبي له، وللإشارة ، يتوفر حزب العدالة والتنمية على كتلة انتخابية قارة وملتزمة تصوت على مرشحيه مهما كان موقع الحزب، بفضل قوية انضباط المناضلين، الذين يشكلون قوة انتخابية لا تتغير، وعكس باقي الأحزاب فالحزب لا يعول على اسم وكيل اللائحة أو اسم بعينه ما دامت صناديق اقتراعه الداخلي هي التي تحدد المرشحين ووكلاء اللوائح والكل ينضبط لقرارات الحزب. لذلك -حتى إشعار أخر- فمن المتوقع ان يتبوأ حزب المصباح الصفوف الأولى في الاستحقاقات الجماعية والجهوية خصوصا في المجال الحضري. ونشير هنا ان هناك معطى سوسيولوجي له اكثر من بعد ودلالة ويستهدف حزب البيجيدي والخوف من اكتساحه الانتخابات الجماعية والجهوية المقبلة 2015 يتمثل في التحاق احد رموز ما سمي ب"السلفية الجهادية"، عبد الكريم الشاذلي، رفقة عدد من السلفيين بحزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية"، وانضمام رموز السلفية وقادة "الشبيبة الإسلامية" إلى حزب "النهضة والفضيلة"، و أبرزهم محمد عبد الوهاب رفيقي، الذي عين نائبا للأمين العام لحزب "الشمس" بهدف محاضرة المد البيجيدي. 4-الانتخابات والبام ومعادلة الحزب البديل : حصل حزب البام على الشرعية الشعبية بعد انتخابات 2011 ليصبح بذلك حزبا ضابطا لايقاع المشهد الحزبي مستفيدا في ذلك من تراجع احزاب الكتلة الوطنية ليصبح المنافس القوي لحزب البيجيدي بعد نهجه إستراتيجية تواصلية ممنهجة لتسويق منتوجه السياسي الذي ما يزال يجد صعوبة في تجاوز للصور النمطية التي ألصقت بحزب البام منذ تأسيسه وهي كونه حزب القصر .لذلك فحزب البام واع كل الوعي بان سياق انتخابات 2015 مخالف تماما لسياق انتخابات 2009 وهو ما سيفرض عليه النضال على اكثر من واجهة ليقنع المواطن بان احتلاله المواقع الأولى في الانتخابات الجماعية سنة 2009 لم يكن عملية مطبوخة ومخطط لها بل كان نتيجة عرضه الانتخابي ، ولهذا انخرط الحزب في الاستعداد لهذه الانتخابات منذ اكثر من سنة لاعتقاده انها ستنظم في شهر يونيو.والاكيد ان كل الأنظار ستتجه نحو حزب البام الذي صرح احد قادته بان الحزب سيقول كلمته في زمن سياسي أصبحت الاحزاب فيه تتواطأ لتوزيع شرعيات الوجود و الاستمرارية و المنافسة، وتسجيلها باسمها كما تسجل الإبداعات و أسماء الشركات، بين «الشرعية الوطنية» و»الشرعية الديمقراطية» و»الشرعية الشعبية» و»الشرعية الدينية «والشرعية الإيديولوجية» مراهنا في ذلك على الأعيان وأصحاب المال والأعمال وجيل جديد من النخب والكائنات الانتخابية البراغماتية ليبقى في نفس نتائج انتخابات 2009، وان كنت أرى صعوبة تكرار سيناريو اكتساح حزب الجرار لانتخابات 2009 " لأن سياق انتخابات 2009 ليس هو سياق انتخابات 2015. لكنه سيبقى القوة الوازنة في الانتخابات الجماعية والجهوية ومجالس العمالات والاقاليم 5-الانتخابات وحزب الاستقلال ورهانات وتحديات شباط : رغم التغييرات التي طرأت على البنية الحزبية لهذا الحزب في عهد شباط فانه سيبقى من الأحزاب التي ستكون لها كلمتها في الانتخابات المقبلة لأسباب متعددة منها أهمها ان للحزب كتلة ناخبة قارة شانه في ذلك شان حزب البيجيدي ويتوفر على تنظيمات داخلية متماسكة كما ان له إستراتيجية هي الرهان على اعيان المجال القروي ونفوذ كبار العائلات المرتبطة بالثقافة الاستقلالية اكثر من ارتباطها بالأمين العام وايضا الاستثمار الجيد في الشرعية الدينية ورصيد الحزب التاريخي .لذلك فحظوظ حزب الاستقلال في الانتخابات المقبلة ستكون قوية خصوصا بالنسبة للانتخابات الجماعية التي يستفيد فيها من تغطية جميع الدوائر الانتخابية. ونشير-هنا- ان حزب الاستقلال انطلق منذ اكثر من سنة في استقطاب أعيان بعض الجهات والبحث لتزكية المرشح القادر بالمقعد اكثر من الرهان على المرشح المناضل الذي لا ينتمي لفئة الأعيان او فئة أصحاب المال والجاه . لكن هناك مشكل قد يقلق قادة حزب الاستقلال وهو التقارب الجاري هذه الايام بين زعيم تيار بلاهوادة، عبد الواحد الفاسي، المنشق عن حزب الاستقلال عقب المؤتمر 16 لحزب الاستقلال بعد انتخاب حميد شباط امينا عاما، وبين أحمد فطري، أمين حزب الحزب المنشق عن حزب الميزان سنة 2007، بخصوص التنسيق لمشاركة تيار بلاهوادة في الانتخابات الجماعية والجهوية عبر بوابة حزب الوحدة والديمقراطية الذي يمكن ان يقتات من الكتلة الناخبة الاستقلالية الساخطة على شباط . 6-المشاركة الشعبية الرقم الصعب في الانتخابات المقبلة: من اهم القضايا التي ستفرض نفسها في الانتخابات هي نسبة المشاركة التي هي من مسؤولية الدولة والاحزاب والاعلام والمواطن والمجتمع المدني فاذا كانت العملية الانتخابية في عمقها هي أداة للمشاركة السياسية الشعبية، وتسيير للشأن العام، عن طريق انتخاب مؤسسات لذلك فان نسبة المشاركة تبقى عاملا اساسيا اما لتقوية المؤسسات او بلقنتها والمتبع لتاريخ الانتخابات المغربية يلاحظ ارتفاع ظاهرة العزوف السياسي الذي اصبح يخيف الدولة والاحزاب ذاتها لما له من تأثير مباشر على تشكيل المؤسسات التمثيلية.لذلك سيبقى الهاجس المحوري في الانتخابات المقبلة بالنسبة للدولة وللأحزاب هو نسبة المشاركة فيها وهناك اكثر من مؤشر ان الدولة ستتساهل مع الكائنات الانتخابية الفاسدة ومع الأعيان والأميين لضمان مشاركة محترمة في هذه الانتخابات. خاتمة يصعب التكهن لصدارة هذه الانتخابات خارج دائرة القطب الثلاثي الاستقلال البام والبيجيدي، لذلك ستكون الاستحقاقات المقبلة شرسة بين هذه الاحزاب ، لان هناك حقد ظاهري وآخر دفين بين قادة أحزاب البام والبيجيدي والاستقلال بل ان كل واحد منهم يمثل عقدة للأخر. الاستقلال والبام سيركزان على المجال القروي بالنسبة للجماعات الترابية لانه مجال قوتهم الضاربة، البام والبيجيدي سيركزان على المجال الحضري خصوصا بالنسبة للانتخابات الجهوي. ونشير هنا بانه باستثناء مناضلي احزاب الاستقلال والبيجيدي والاتحاد الاشتراكي واليسار الاشتراكي الموحد فالسلوك الانتخابي عند مناضلي بافي الأحزاب الأخرى يبقى غير خاضع لأي منطق بل سيبقى خاضعا لثقافة العائلة والأعيان والولاء والانتقام والمال والمصالح والتموقع.