ظلت القضية بدون متهم لأزيد من سنتين، حين عبرت أطنان من الحشيش ميناء طنجة المتوسط، أمام أنظار "السكانير"، وتوقف الحديث عن هذه العملية باعتبار المهربين "أشباحا"، وكأن شحنة المخدرات هي التي تتحمل مسؤولية تهريبها، قبل أن تسقط في أيدي الحرس المدني الإسباني بميناء الجزيرة الخضراء. هذه العملية تعود إلى شهر مارس لسنة 2012، بعدما تمكنت مصالح الأمن الإسبانية من إحباط محاولة لتهريب كمية من المخدرات يفوق وزنها 8 أطنان، تم العثور عليها خلال تفتيش مقطورة شاحنة للنقل الدولي قادمة من ميناء طنجة المتوسط، كانت تنقل حمولة من الطماطم والفلفل المعدة للتصدير، شحنت من منطقة شتوكة آيت باها، وعبرت المحطة الجمركية لميناء طنجة المتوسط ب "سلام". السلطات الإسبانية وبعد إيقاف سائق الشاحنة المحجوزة الذي يحمل الجنسية الإسبانية، قامت بإشعار مصالح الأمن المغربية، قصد فتح تحقيق حول ظروف وملابسات تنفيذ هذه العملية، وتم الاستماع إلى مجموعة من الأشخاص، بعد انتقال عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية إلى ميناء طنجة المتوسط لمباشرة البحث بتعليمات من النيابة العامة، دون أن توجه أصابع الاتهام لأي طرف من الجهات المسؤولية عن إجراءات المراقبة والتفتيش. التحقيق حول هذه القضية استمر لأشهر طويلة، بعد تقديم الشرطة القضائية بعض الأشخاص لعلاقتهم بعملية التهريب، دون أن يصدر أي أمر بمتابعتهم، وبقي البحث معلقا، لدرجة أن اعتقد البعض بأن عملية تهريب 8 أطنان تمت بدون مهربين ولا متواطئين معهم، كما هو حال العديد من القضايا الأخرى المماثلة التي تنتهي بمحاكمة السائق فقط، قبل أن تسلط الأضواء من جديد على هذه القضية، حين أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلال شهر مارس المنصرم، أمرا يقضي بإيداع جمركي بالسجن المحلي في إطار البحث الجاري في هذا الملف. الجمركي المشتبه فيه، كان يعمل بالمحطة الجمركية لميناء طنجة المتوسط، يحمل صفة تقني من الدرجة الثالثة، مكلف بإجراءات المراقبة بواسطة جهاز الكشف بالأشعة "السكانير"، حين ضبطت حمولة من المخدرات يصل وزنها ثمانية أطنان و362 كلغ، تم حجزها بميناء الجزيرة الخضراء، بعد عبورها ميناء طنجة المتوسطي. وبعد اكتشاف هذه العملية قامت إدارة الجمارك بنقله إلى مدينة أكادير سنة 2013، إلا أن الأبحاث التي أنجزتها المفتشية العامة لإدارة الجمارك، عجلت باعتقاله حين أعدت تقريرا توصل به قاضي التحقيق، كشف عن وجود تقصير في عملية المراقبة خلال عبور الشاحنة المحملة بالمخدرات، بعدما كان جهاز "السكانير" قد أظهر صورا قاتمة للشحنة المصدرة. الأمر الذي كان يفرض إخضاعها لتفتيش يدوي لإبطال الشك، وهو ما لم يتم القيام به وفق ما خلصت إليه نتائج أبحاث المفتشية التي تطرقت أيضا إلى تعدد أملاك الجمركي والاشتباه في شرعية مصدرها بالمقارنة مع طبيعة وظيفته كم ورد في التقرير نفسه. قاضي التحقيق وبعد مرور حوالي شهر على اعتقال الجمركي، أمر خلال الأسبوع المنصرم بوضع شخصين آخرين رهن الاعتقال الاحتياطي في إطار البحث الجاري حول القضية نفسها. ويتعلق الأمر بشقيقين لهما شركة للنقل الدولي، وأحدهما مكلف بمالية فريق اتحاد طنجة لكرة القدم، وهو ما أثار ضجة بالمدينة بالنظر إلى العلاقة التي تجمع التسيير الرياضي بالانتخابات، باعتبار أن رئيس الفريق مستشار برلماني ويشغل منصب رئيس مجلس عمالة طنجةأصيلة. الأمر الذي خلق "بلبلة" داخل المكتب المسير للفريق أمام "شبهة" الاتجار الدولي في المخدرات التي تطارد أحد أعضائه المقربين من الرئيس. المعطيات الأولية للبحث حول هذه القضية تشير إلى أن الشخصين الموقوفين لم يوظفا شركتهما في هذه العملية، بعدما كان لهما دور الوسيط حين كلفا شركة أخرى يمتلكها إسباني بنقل الحمولة التي ضبطت بها شحنة المخدرات، كما أنهما قاما بتقديم مبلغ 40 مليون سنتيم لتعويض أصحاب الخضروات المحجوزة مع المخدرات. وهو ما أثار شكوك المحققين، لتتم إعادة تقديم المعنيين بالأمر للمرة الثانية أمام النيابة العامة وفق المعلومات الجديدة التي كشف عنها البحث، حيث أحالت فرقة محاربة المخدرات بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية على وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية ثمانية أشخاص في حالة سراح، وبعد إحالتهم على قاضي التحقيق أمر بإيداع صاحبي الشركة بالسجن المحلي. مصادر مقربة من التحقيق كشفت عن إجراء مواجهة بين الأشخاص الثلاثة الموقوفين (الجمركي ومالكا شركة النقل الدولي)، قبل نهاية الشهر الجاري، لتحديد علاقتهم بتفاصيل الإعداد لعملية التهريب موضوع البحث الجاري، وما إذا كانت هناك أسماء جديدة شاركت في تنفيذ هذه المحاولة التي فشلت على مستوى نقطة التفتيش الإسبانية. كما يرتقب أن يكشف البحث عن مجموعة من الخيوط الأخرى لمعرفة مدى حجم تورط كافة الأطراف المعنية في هذه القضية قبل مواجهتهم بالتهم المنسوبة إليهم أمام القضاء. محمد كويمن