تعنيف الأستاذ عطوف الكبير بكلية الآدب بأكادير من قبل الملثمين، ليس في الواقع سوى الشجرة التي تخفي الغابة، فقد ألفنا في هذه الأيام أن نسمع بأساتذة المدن (أستاذ تارودانت، وأستاذ أزمور وأستاذ الرباط وأستاذة شيشاوة…) ولفظة “الأستاذ” ليست عربية في أصلها بل فارسية، وتعني مربي أو مروض الكلاب، والرجوع إلى الأصل أصل، فترويض الكلاب عمل شاق ومكلف بالضرورة. لن تتملك نفسك وأنت تشاهد ذلك “الفيديو”، الذي تناقلته المواقع الاليكترونية حيث يشرح فيه الأستاذ المعتدى عليه بكلية الآدب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة ابن زهر، وهو جالس في المقصف الخاص بالأساتذة، حيث (يقفقف) ويدير عينيه بحاجبين مبعثرين يمينا وشمالا، خوفا من أي مفاجئة محتملة، فقد أصيب الأستاذ بالذعر أو ما يسميه علماء النفس الرهاب عند الحادث الشنيع الذي تعرض له؛ تصرف مشين وحرام أن يتم الهجوم على الأستاذ داخل الحرم. ثمة أسباب كثيرة ومعقدة، حولت فضاءات التحصيل العلمي مدرسة كانت أو جامعة إلى “ساحات حرب طاحنة”، وساد قانون الغاب وأصبحت الحياة فيها للأقوى. ففي كل موسم امتحانات نسمع أن مجموعة ملثمة اعتدت على طلبة محسوبين على فصيل ما، أو على أستاذ، أو على طالب في الماستر يحرص إلى جانب أستاذ في تقويم ما؛ فيتحول الامتحان إلى “المحاين” ويتحول معه تقويم معلومات الطالب، إلى تقويم أضلع حراس الامتحانات، أو تكسير زجاج سيارتهم كما حدث بكلية الحقوق السنة الماضية، أو نسمع أن أستاذا أقدم على أفعال شاذة، من تحرشات واغتصابات وفضائح من قبيل سرقة بحوث طلبته وهلم جرا… وقد أصبح من المألوف في جامعة ابن زهر، الشجار بالسكاكين وبالسواطير بين “الطلبة”، أو بالأحرى المحسوبين على الطلبة، والذين يهتمون بحصص من الانحراف –باستعمالهم جميع أنواع المخدرات التي يحصلون عليها قرب باب الحي الجامعي- أكثر من تركيزهم على دروسهم… وعلى الرغم من المجهود المبذول من لدن القائمين على شؤون الجامعة، لإسعاد طلبتها وأساتذتها وموظفيها، فإن ثمة “معارك” تستأنف من حين لآخر يتزعمها بعض الطلبة والأساتذة تحت شعار “الغياب” غياب الأمن، وغياب الإمكانيات والمعدات والبنيات التحتية والنظافة، وغياب الأساتذة وغياب الطلبة، وغياب الكراسي في بعض الشعب، وغياب التعويضات و”أبسط شروط التنافس”… ولعل تلك الوقفة التي نظمها الأساتذة والطلبة أمام إدارة كلية الآداب، تلخص حجم المعاناة داخل الحرم، فقد تعرض أحد زملائهم للتعنيف إثر قيامه بواجبه، أو بالأحرى بواجب رجل الأمن، لأنه لو وقع ذلك في جامعة ألمانية لتدخل رجل الأمن في الحين، أي لكان هو من يطلب البطاقة التعريفة، وليس الأستاذ؛ ولا يسع أي عاقل إلا أن يسجب ويستنكر هذا الاعتداء الشنيع على ذات ونفس الأستاذ، الذي لم يكن يوما يتخيل أنه سيصفد بأياد غير آمنة، لينعت بتلك النعوت التي وصف بها معلمه في الصفحة 101 من روايته “الاغتراب المزدج” ولم يكن عطوف الكبير يعرف أنه سيصبح في موقف يستعطف فيه مجموعة من المثليين، عذرا الملثمين، ليكتشف أن لفظة المرء في القولة المشهورة (عند الامتحان يعز المرء أو يهان) قد تعني الممتحِن أيضا أي الأستاذ… وقد قرر الأستاذ المجروح مع مجموعة من الأساتذة النقابيين، أن يقلبوها “صباط” مع إدارة الكلية، فاختلطت الحسابات الشخصية بالحسابات النقابية، وهذا ما اتضح في الوقفة التنديدية وفي الاجتماعات التوافقية “الصاخبة” حيث خرج الأستاذ المكلوم عن المألوف وفاء لما قال: (أحب الخروج عن المألوف) ص29 “الاغتراب المزدوج” وأضاف بالصفحة 93 (وحدي ضد العالم هكذا… “أنا” كنت دائما آخذ قراراتي بمفردي والأمس كاليوم لم يتغير شيء بالنسبة لي قراري لا رجعة فيه…) وليس الفخر بالنسبة للإدارة في أن تقهر قويا، بل في أن تنصف ضعيفا، وهدد المؤرخ وعالم الاجتماع المحترم –كما سمى نفسه- بالاستقالة أمام الملإ في حال عدم انصافه وهذا من حقه وقال أمام المحتجين (لماعندو سيدو “المغرب” عندو للاه “فرنسا”) لو استشار الأستاذ الباحث الفنان الشعبي عبد الله الداودي ونشد (لمابغانا تعمى عينو هاكا نقولوا) لكان أفضل لأن “القفشة” خطيرة جدا ويؤاخذه عليها زملاؤه كونها مساس بثوابت الأمة، فالوطن من أجله مات ويموت أبناؤه، وهناك “قفشة” أخرى تراجع عنها في “الفيديو” والتي أقلقت أبناء الجنوب كونها تشكل نوعا من التحريض عليهم بل والتشكيك في وطنيتهم، ويرفضون (شي يديرها وشي تجي فيه) فالأستاذ -حسب الطلبة- هو من يدفع إلى الغش فأن يخاطب الطلبة أثناء الامتحانات بأسلوب تعجيزي ويقول خذوا دفاتركم واستنسخوها على أوراق الامتحان لن تحصلوا على النقط عوض أن يخفزهم وهذا ليس بغريب في أستاذ يعتبر الامتحانات مضيعة للوقت يقول: “أضحت الامتحانات غولا يرعب الإدارة والأساتذة على الخصوص (…) الامتحانات التي لا تنتهي ولا تسمن ولا تغني من جوع، اللهم إبداع العبث والمتاهات اللامتناهية؟” (الاغتراب المزدوج) ص10 ف “بعد الإفراج مباشرة عن نتائج المجزوءة التي يدرسها الأستاذ، والتي كانت حبلى بالأصفار (أكثر من 40 صفرا بالنسبة لطلبة السنة الثالثة)، مما فجر غضب عدد من الطلبة، متسائلين عن المنهجية التي يتبعها الأستاذ في تنقيط مواد الامتحان.” (مشاهد أنفو). وانطلاقا من أراء بعض الطلبة المستجوبين، فالأستاذ لا يحسن التواصل معهم بل ويرفض اطلاعهم على أوراقهم حسب تعبير الطلبة، وباطلاعك على تعليقات زوار “الفيديو” تجد بعضها يقول: (الأستاذ الذي يمارس السلطوية على الطلبة ويعطي الأصفار…ويحاول أن يفرض بها وجوده، وينسى أن الوجود يفرض بالعلم… يستحق ما وقع له. كرامة الطالب فوق كل اعتبار… هناك أساتذة آخرون في الشعب الأخرى ينتظرهم نفس الأمر… فكلية الآداب تمارس فيها كافة أشكال السلطوية على الطالب فلحد الآن لم نرى نقط الدورة الأولى…) هيسبريس 14 – مغربي من الجنوب الثلاثاء 12 يونيو 2012 – 13:31 والسبب الذي يجهله زملاء أستاذنا عن قيامه بتوقيع كتابه بمقر رئاسة الجامعة، في عز أيام الإضراب الذي خاضه الأساتذة لإنصافه، هو أن (الديب حرام ومرقتو حلال). وكل ما دكرناه من باب التوضيح وليس تبريرا لإهانة الأستاذ، ولا أدري متى ستغادر الجامعة هذا الحضيض الذي تتمرغ فيه، لكنني أحار كثيرا وأنا أتذكر تلك الورشات التي يحضرها عموم الناس إلى جانب الطلبة والأساتذة مثل الضحك والمضحك في الأدب التي يشرف الأستاذ أحمد الشايب على تنظيمها وتعد هذه المناسبة السنوية عرسا أدبيا بكل المقاييس و(عرس ليلة تدبيرو عام) ويتوجه الباحثون من مختلف الجامعات إلى كلية الآدب بأكادير لدراسة المضحك والضحك والاستمتاع بتك اللحظات، التي كنا نجدها فسحة للترفيه عن النفس، ثلاثة أيام من الضحك ودراسته، وبكثير من الشوق كنا ننتظر مشاركة الأستاذ حيمد وفي الغالب يكون موضوعها حول ثقافة يهود المغرب، فالأستاذ يثقن العبرية والعربية والفرنسية ويهتم باللغات القديمة، كان وفيا للقراءة المغربية وباللهجة المراكشية، كان الأستاذ أحمد الشايب -منسق مجموعة البحث في الضحك والمضحك في الثقافة والأدب- ذكيا في اختيار وقت هذا النشاط الذي يصادف بداية فصل الربيع من كل سنة، وكان مليئا بالمفاجآت ويشكل لنا فسحة نتنفس عبرها خارج المقرر. وأحن إلى الماضي كلما تذكرت تلك الأوقات الجميلة التي قضيناها برحاب الكلية، كنا محظوظين بأن أشرف على تكويننا أساتذة جهابذة من أمثال عبد النبي داكر وحسن الطالب ومصطفى الطوبي والأستاذة العربي ربيعة وخديجة الراجي والأستاذ عبد الرحيم عنبي وعبد العالي الدكالي وحيمد عبد الرحيم وأحمد الهاشمي وعمر حلي وحسن حمايز ومحمد خطابي ومحمد بنعمر وأحمد الشايب و… كانوا يعفوننا من الدروس التقليدية “المملة”، على عكس البعض، كلما اختلفنا حول فكرة ما كلما حولها الأستاذ إلى موضوع ويطلب منا الأستاذ إعداد عرض على شكل مناظرة، بعدما مكنونا من منهجيتها، لكنه سرعان ما تتحول تلك “المناظرات” إلى “الاتجاه المعاكس” حينها يتدخل المشرف بدريعة الخروج عن قواعد المناظرة فيلطف الأجواء لتستأنف المناظرة من جديد لم نكن نعرف ما معنى قبول الرأي المخالف لولا هؤلاء الأساتذة الذين زرعوا في عقولنا قوة الحجة واستأصلوا منها حجة القوة؛ كنا نخجل كثيرا عندما يقترح علينا أحدهم حضور بعض الدورات التكوينية، نحس كأننا عراة أمام الناس، أما اليوم فقد انقلبت الموازن وأصبح الطلبة يشاركون الأساتذة “دورات المياه” دون استحياء بل ويحدقون في أعين الأساتذة، هزلت صراحة وتدنى الوازع الأخلاقي، وغاب الضمير ولم يبق إلا في دروس النحو. كان الغش في ذلك الوقت استثناء، أما اليوم فقد أصبح قاعدة، بل حقا من حقوق البعض، كان لي صديق من “الذين في قلوبهم مرض” وبالدورة الاستدراكية، وفي النثر، وما أدراك ما النثر، النثر القديم، الذي يشرف عليه آنذك الأستاذ بنعمر، كل وسائل الغش لا تنفع مع الرجل، لكن الحاجة تبقى دائما أم الاختراع، طلب صديقنا -سامحه الله- أحد الطلبة المميزين، بعدما عاهده على أن (هادي والتوبة) وزور كل البطائق التي تثبت هويته، ودخل المجتهد مكان صديقنا وأجاب عن السؤال جوابا كاف، ثم وقع وخرج وظن الطالبان أنهما (قطعوا لواد ونشفوا رجلهم) إلا أن الأستاذ من عادته أن يراجع التوقيعات واحدا تلوى الآخر ثم اكتشف توقيعا مزورا لينكشف أمر الطالبين معا، فتركهما إلى أن أنهيا الامتحانات ثم علق إعلانا يطلب فيه أن يلحقا بإدارة الشعبة لأمر يهمهما فاتجه الطالبان إلى الأستاذ بالمسلك –الذي يرأسه- وأخبرهما الأمر، ووضع بين أيديهما أوراق الامتحان وقال لهما بالحرف: لو كنتم مكاني، علما أن النص القانوني واضح كل الوضوح ولا اجتهاد مع النص، كيف ستتعاملان مع هذه الوضعية فاستقرا رأيهما على إلغاء الوحدة لصديقنا وتغيير نقطة مجزوءة النثر للطالب المجد وتعويض نقطته 14/20، ب 06/20 -النقطة التي حصل عليها صديقنا المستدرك في الدورة العادية- (ماتدير خير مايطرا باس) ولكم ما حكمتم به إلى اللقاء.