على مدار يومين، اختتمت أشغال ندوة علمية نظمها فريق البحث في الفكاهة والسخرية في الأدب والثقافة، بتاريخ: 29 و 30 يونيو 2012، في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير. وقد عرف اللقاء مداخلات لأساتذة باحثين من مختلف التخصصات، ينتمون إلى جامعات مختلفة وينطلقون من خلفيات معرفية متباينة، كما عرف كذلك مشاركات لثلة من طلبة الماستر والدكتوراه، الذين يدرسون في وحدتي: علم النص وتحليل الخطاب، والتواصل وتحليل الخطاب. وقدم كل هؤلاء مساهماتهم في أعمال الورشة الخامسة، التي دارت فيها البحوث المقدمة حول موضوع: "المضحك بين المتون الأدبية والوسائط الجماهيرية"، وتنوعت فيه النصوص المدروسة في لغتها بين العربية والفرنسية والإنجليزية. في كلمة مقتضبة، وجه رئيس الفريق ومنسق أعماله الدكتور أحمد شايب، رسالة شكر وتقدير إلى السيد العميد على رعايته الدائمة لمبادرات البحث بالكلية، كما رحب فيها بالباحثين المشاركين في الورشة وجمهور الحاضرين. وبعده ألقى الدكتور أحمد صابر عميد كلية الأداب والعلوم الإنسانية كلمة بالمناسبة، لافتتاح برنامج اليومين الدراسيين، نوه فيها بالمجهودات التي يبذلها الفريق، مما ضمن له الإستمرارية ومواصلة البحث والعطاء في قضايا الموضوع، واعتبر أن الحديث عن الفكاهة والسخرية والضحك ومشتقاته، قد يبدو في ظاهره هزلا، لكنه يستضمر في عمقه جدا، لاسيما أن الضحك والفكاهة، كانا من المواضيع التي شغلت الفلاسفة والكتاب القدامى والمحدثين، كما أصبحت اليوم تستأثر باهتمام الدرس الأكاديمي والجامعي، بل والرأي العام من مختلف الشرائح والطبقات. وفي جلسة الصباح، التي ترأسها الأستاذ مبارك أزارا، تناول الباحثان محمد مسكور والحسن أقديم في عرضهما المشترك، موضوع "المضحك في ربيع الثورات العربية"، عملا فيه على تحليل بعض الخطابات السياسية الوسائطية، للرؤساء العرب المخلوعين إبان انتفاضات العرب واحتجاجهم الشعبي في ربيع الثورات، وتركزت السخرية في العرض بوجه خاص على مظاهر المضحك في بعض خطابات كل من الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي، والرئيس المصري حسني مبارك، ثم قائد الثورة الليبية معمر القدافي، هذا الأخير الذي حظي بقسط وافر من الدرس، خاصة أنه صار بعد الثورة الليبية، مثارا للتندر والتفكه لدى فئات جماهيرية واسعة من القطر العربي وخارجه. أما الدكتور عبد الهادي الخيرات، الوافد من جامعة أوتريخت بهولندا، فقد جاءت مداخلته حول "السخرية والضحك في الأشكال ما قبل المسرحية كظاهرة سلطان الطلبة والبساط وسيد الكتفي"، التي عرفها المغاربة في احتفالاتهم الشعبية القديمة قبل تشكل الوعي المسرحي لديهم. بينما جاءت مساهمة الدكتور عثمان بيصاني في "الضحك والغيرية في ثنائية عبد الفتاح كيليطو من خلال كتابه: حصان نيتشه". في حين استخلص الأستاذ الباحث عمر بن عمي، مظاهر السخرية في أشعار ابن الرومي من خلال التصوير الكاريكاتوري الذي ميز هجاءه. وبدوره، رصد الباحث محمد عند الله الطالب تجليات المضحك في الأدب الشعبي، الذي تناول فيه الشعر الحساني كنموذج تمثيلي. ومن جهته ساهم الأستاذ الباحث عادل أيت أزكاغ بدراسة موسومة ب "الآخر الضاحك وصورته في الكوميديا"، أشار فيها إلى أن فن التمثيل المسرحي يكتسب أبعاده السيكولوجية ودلالاته السوسيولوجية، من خلال ظاهرة الفكاهة، التي تتناولها المواضيغ المسرحية كقيمة جمالية، ويجسد الممثل الكوميدي مظاهرها المضحكة بأسلوبها الساخر، ويوجها إلى الجمهور الذي ينفعل معها من مكانه كمتلقي عن طريق الضحك كشكل من أشكال الإستجابة مع العرض. أما جلسة المساء، فقد ترأستها الدكتورة بديعة الطاهري، ووزعت على الباحثين مداخلاتهم، كان أولها حول "التهكم الإجتماعي لدى السوسيين"، كما جاء في ورقة الأستاذة رابعة سوساني. بعدها تحدثت الأستاذة خديجة بلحية عن "اشكالية الحداثة وعنصر الفكاهة في الرحلة السفارية المغربية". وعالج الباحث ابراهيم أيت المكي في عرضه "المحاكاة الهزلية في الخطاب السياسي"، واختار لنموذجه خطب القذافي المصورة في موقع اليوتوب. كذلك، شارك الأستاذ الباحث عبد الوهاب صديقي، بمساهمة تصب في الحقل البيداغوجي والتربوي، حملت عنوان "الخطاب الساخر في مقررات اللغة العربية". ومن زاويته، تقدم الدكتور محمد مفضال، بدراسة أتت معنونة ب "الضحك الوسائطي واعتماده على السخرية في موقع الفيسبوك". وفي مجال الأدب الشعبي مرة أخرى، حاول الباحث محمد بوستة، إظهار ملامح "الفكاهة والسخرية في الزجل المغربي"، ومتع الجمهور الحاضر بقراءته الممسرحة لبعض المقاطع الزجلية، للنصوص التي اختارها موضوعا لبحثه. بينما تدخل الدكتور عبد العالي الدكالي، بعرض اهتم فيه بإبراز تجليات السخرية لدى الشعراء الصعاليك، وفي شعر عروة ابن الورد تحديدا. هكذا إذن، اختتمت أعمال اليوم الأول في مرحلة المناقشة، حيث أبدى جمهور المتدخلين والحاضرين أسئلة ومداخلات، أثرت النقاش في ملح الفكاهة ومظاهر السخرية في علاقتهما بالعلم والمعرفة، وتم خلالها تبادل آراء وأفكار، زادت الدرس عمقا وغنى وخصوبة. وفي اليوم التالي، ترأس الدكتور عثمان بيصاني الجلسة الصباحية، التي استهلت بعروض لمقاطع بعض الأشرطة السينمائية الفكاهية، التي استمتع الجمهور المتتبع بمشاهدتها، وتم خلال ذلك تقديم عرضين أكاديميين في الفكاهة السينمائية، كان أولهما، قد ألقاه الدكتور عز العرب قرشي، وبحث فيه عن آليات السخرية والفكاهة في أفلام الكوميدي المغربي "سعيد الناصري". أما ثانيهما، فكان للدكتور رشدي المنيرة، الذي اشتغل على كشف آليات المضحك في أفلام المخرج السينمائي المغربي "داوود أولاد السيد". وفي الأخير، تخلل هذا اللقاء الثاني من الورشة مناقشة، تميزت في مستواها بطرح أسئلة ومداخلات وتعقيبات وأفكار ووجهات نظر مختلفة ومتعارضة، وصلت إلى درجة التناقض أحيانا، مما يبرهن على أن الموضوع غني وشائك، ويؤكد أن قضايا الفكاهة والسخرية في الأدب والثقافة، تدعو إلى مزيد من البحث العلمي المتخصص، والنقد البناء الهادف لملامسة ما يزهق من حقائق دون قصد، فيما يخص الضحك والمضحك في مختلف العلوم ومجالات الحياة الإنسانية. وفي سبيل الختم، جدير بالذكر أن هذا الفريق سبق له وأن نشر أعمال الورشات الأربعة السابقة، وسيعمل على إخراج آخرها إلى النور عما قريب إنشاء الله. وترمي هذه الورشات في عمومها إلى تعميق مظاهر المضحك والساخر في الأدب والثقافة، وذلك من خلال أيام دراسية وتداريب تهدف إلى إشراك عموم الطلبة في هذا الموضوع، وتختص كل ورشة بجانب من جوانب البحث في الفكاهة والسخرية في الثقافة والأدب ( الفكاهة والسخرية في الأنماط الحكائية، والكوميديا، والنكتة، والكاريكاتور، والفكاهة والبيداغوجيا، والفكاهة والإشهار، والفكاهة والفولكلور، والفكاهة والثقافة الشعبية، والفكاهة والسينما، والفكاهة والأنترنيت...إلخ). وختاما،يدعو أعضاء فريق البحث، مختلف الباحثين من مختلف التخصصات.