شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    الدورة الثانية للمعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2024.. مشاركة 340 عارضا وتوافد أزيد من 101 ألف زائر    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخطاء كريستوفر روس في التعاطي مع قضية الصحراء
نشر في زابريس يوم 04 - 10 - 2010

ملاحظات حول الرسالة السرية التي بعثها إلى "مجموعة أصدقاء الصحراء"
عادت "جبهة البوليساريو" لتعزف من جديد على وثر قديم تطالب من خلاله بتنظيم استفتاء لتقرير المصير وبموازاة مع هذه الأطروحة المتجاوزة أقدم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا على بعث رسالة إلى ما أسماه "مجموعة الدول الصديقة للصحراء" وقد كشفت هذه المراسلة عن "قصور في زاوية المعالجة" التي يعتمدها روس كقاعدة للقيام بدوره.ورغم أن روس حاول أن يحيط رسالته بسرية تامة،وهو يبعثها إلى إسبانيا وأربع دول أعضاء في مجلس الأمن هي الولايات المتحدة و انجلترا و فرنسا و روسيا مع استثناء الصين فإن الرسالة قد تسربت بسهولة إلى وسائل الإعلام الإسبانية التي وظفتها ضد المغرب في عز الأزمة بين الجارين.. تفضح رسالة روس من خلال مضمونها انحيازا واضحا لأطروحات متجاوزة،وعن جهل عميق لحقيقة كيان ما يسمى البوليساريو وعلاقاته مع الجزائر وخضوعه التام لأجندتها كما تعكس الرسالة المذكورة جحود الأمين العام للامم المتحدة لجدية المقترح المغربي المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي الذي أشاد العالم كله بجدتها.ويتزامن هذا الجدل مع استمرار احتجاز المواطن مصطفى سلمة ولد سيدي مولود في ظروف لا إنسانية من طرف ميليشيات البوليساريو وما أثاره من جدل عالمي حول حقيقة انتهاكات حقوق الانسان بتيندوف مقابل صمت غير مبرر من لدن الإعلام الإسباني والجزائري،ومن يدور في فلك الانفصال عن حالة إنسانية تتعلق بانتهاك حق من حقوق الإنسان وهو حرية التعبير والرأي.. فيما يلي تنشر "النهار المغربية" مقالا تحليليا لمحمد حنين وهو أستاذ للقانون العام بجامعة محمد الخامس – أكدال- جمع فيه مجموعة " ملاحظات حول رسالة كريستو فر روس إلى مجموعة أصدقاء الصحراء".
بعد 17 شهرا على توليه مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء وجه الأمريكي كريستوفر روس رسالة إلى ما أسماه مجموعة الدول الصديقة للصحراء. وهي فضلا عن كونها تتسم بطابعها السري فإنها تكشف عن رأي روس حول وصول المفاوضات إلى الباب المسدود، æالتحذير من مخاطر استمرار الوضع الراهن للنزاع مع دعوة من وجهت إليهم هذه الرسالة إلى المبادرة بتقديم دعم خاص لتجاوز مرحلة التي تعرفها المفاوضات. و تثير هذه الرسالة مجموعة من الملاحظات ليس فقط بالنسبة لمضمونها و لكن كذلك بالنسبة لمقاربة روس في ممارسة مهام الإشراف على التفاوض بين الأطراف. فمنذ توليه مهمة المبعوث الخاص لم يتمكن روس سوى من التهييء لجولتين من المباحثات غير الرسمية بين الأطراف الأولى بالنمسا في غشت2009 و الثانية بويستشستر كونتي بالولايات المتحدة في فبراير 2010 . و انتظر منذ هذا التاريخ إلى يونيو الأخير ليوجه رسالته السالفة الذكر يفسر فيها أسباب تعثر المفاوضات بين الأطراف محاولا بذلك التحرر من المسؤولية¡و إلقائها من جهة على أطراف النزاع و من جهة أخرى على الدول التي وجهت لها الرسالة. لكنه رغم ذلك يستنتج تحمل روس مسؤولية هذا التعثر لكونه لم يتحلى بالحزم اللازم للقيام بمهامه ولم يستوعب بما يكفي خلفيات النزاع¡ولم يستفد من تجربة من سبقوه في ممارسة نفس المهام كما لم يبادر إلى تتبع تطورات الوضع في الميدان حتى يتمكن من توظيف المعطيات للدفع بعجلة التفاوض .
خلفيات تسريب رسالة روس
احتفظ روس لرسالته بطابعها السري، و اختار أن يوجها أواخر يونيو 2010 إلى اسبانيا وأربع دول أعضاء في مجلس الأمن هي الولايات المتحدة و انجلترا و فرنسا و روسيا دون الصين و هو استثناء غير مبرر مادامت هذه الأخيرة تعتبر فاعلا أساسيا في مجلس الأمن و تساهم بفعالية في الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين كما تهتم هي كذلك بتتبع نزاع الصحراء و بمسألة السلم في شمال إفريقيا. و قد حاول روس من خلال السرية تفادي الكشف عن رأيه بكيفية علنية خاصة عبر التصريحات الصحفية التي أدت بسابقه فان والسوم إلى مغادرة منصبه. لكن هذه الرسالة لم تحافظ على طابعها السري طويلا إذ سرعان ما تم نشرها في جريدة الباييس الإسبانية الصادرة في 20غشت 2010 ، و هو ما خيب بدون شك آمال روس في تصريف أفكاره بعيدا عن الأضواء. فربما كان سيئ الحظ مع جريدة الباييس التي تمكنت من الحصول على الرسالة بسهولة و المبادرة إلى نشرها في خضم توتر العلاقات المغربية الاسبانية وفي تزامن مع تخليد المغرب للذكرى 57 لثورة الملك و الشعب ، و هو ما يعتبر نشرا غير بريء بل مدبرا من أجل توظيف الرسالة لأغراض سياسية للتشويش على المغرب من خلال تحويل الأنظار إلى قضية الصحراء عوض تداعيات توتر العلاقات المغربية الإسبانية.
غياب رؤيا واضحة
يتضح من خلال رسالة روس عدم توفره على رؤيا واضحة حول الكيفية الملائمة لتسوية النزاع، وهو ما يبرز من خلال تأكيده على ربط تعثر المفاوضات برفض دراسة و مناقشة الاقتراحات المقدمة من كل طرف معتبرا أن المناقشة لا تعني قبول المقترحات بقدرما تبرز احترام كل طرف للآخر. فهذا طرح سطحي لا يسمح باستنتاج أن كريستوفر روس يحمل تصورا محددا يمكن أن يساهم في دعم الخيارات المطروحة للتفاوض ، فحسب اعتقاده أن مجرد القبول بمناقشة مقترح البوليساريو حول تنظيم الاستفتاء في الصحراء كفيل بتفادي تعثر المفاوضات متجاهلا أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك . فجبهة البوليساريو لو علمت أن المغرب سيقبل مناقشة مقترحها لتخلت عنه و طرحت مقترحات أخرى من أجل عرقلة التفاوض . فما لا يستوعبه روس أن هذه الجبهة عبارة عن مصلحة تابعة للأجهزة الاستخباراتية الجزائرية و من تم فهي لا تتوفر على حرية اتخاذ القرار حتى تتفاوض بقناعة و تبصر حول ما يخدم المصالح الحقيقية للمقيمين في المخيمات. لذلك فإن تعميمه لفكرة عدم توفر الطرفين على الإرادة السياسية من أجل مفاوضات حقيقية يتسم بإجحاف كبير في حق المغرب باعتباره دولة ذات سيادة و تنخرط في المفاوضات بحرية و استقلالية بل إن المغرب بادر إلى كسر الجمود بطرح مبادرة جريئة و متميزة كأرضية للتفاوض وهي مبادرة اعتبرها مجلس الأمن بالجدية ، ومن المؤكد أن كل ذلك يؤكد على خلاف ادعاءات روس الإرادة السياسية للمغرب لإيجاد تسوية نهائية للنزاع،و تبعا لذلك لا يمكن مقارنته مع البوليساريو التي تفتقر إلى حرية المبادرة و لا تتحرك إلا بتعليمات من الأجهزة الجزائرية. إلى ذلك يضاف أن روس قد تخلى عن حياده عندما ألقى باللوم على المغرب لرفضه قبول مناقشة مقترح البوليساريو الشيء الذي استغلته وسائل الإعلام الجزائرية، و حددت حسب طريقتها الخاصة المسؤولية عن تعتر التفاوض. و تفاديا لمثل هذه التأويلات كان على روس التحلي بالتجرد و الحزم في تقديم استنتاجاته .
مقترح الاستفتاء مقاربة متجاوزة أمميا وواقعيا
يلاحظ من خلال طرح روس أنه لم يستخلص العبر من تطورات المعالجة الأممية لملف الصحراء ، لكون اقتراح البوليساريو تنظيم استفتاء في الصحراء ليس اقتراحا جديدا بل تداولته الأمم المتحدة قبل إحداث هذه الجبهة نفسها ، كما أنه شكل محورا أساسيا في مخطط التسوية الاممي الذي دخل حيز التنفيذ سنة 1991لكن ترتيبات تطبيقه واجهتها عراقيل متعددة خاصة تلك المتعلقة بتحديد هوية من لهم الحق في المشاركة في الاستفتاء الأمر الذي أدى إلى إيقاف أشغال لجن تحديد الهوية¡وبالتالي الإعلان الرسمي من طرف الأمم المتحدة عن فشل خيار الاستفتاء¡و الدعوة إلى البحث عن خيار بديل في إطار حل سياسي . فلماذا لم يتساءل روس عن سبب عودة البوليساريو إلى طرح مقاربة متقادمة و متجاوزة مع العلم أنها تتحمل مسؤولية تعتر لجن تحديد الهوية ؟ فما هي المستجدات التي تدفع اليوم إلى إحياء مقترح يعلم أصحابه أنه مستحيل التطبيق ؟ ثم كيف يسعى روس إلى العودة إلى الصفر و دفع المغرب إلى قبول مناقشة مقترح سبق للأمم المتحدة أن فشلت في وضع ترتيبات تطبيقه كما أنه سبق لمجلس الأمن أن دعا في عدد من قراراته إلى تجاوز خيار الاستفتاء و البحث عن خيارات بديلة لتسوية النزاع بكيفية متفاوض بشأنها ومتوافق عليها من لدن الأطراف . تناقض منهجية روس مع استنتاجات فان والسوم
سبق للهولندي فان والسوم الذي تولى مهام المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء من 2005 إلى أن خلفه روس في يناير 2009 ¡وأشرف على أربع جولات للتفاوض بين الأطراف في » منهاست » ، أن اعتبر بعد تحليل عميق أن خيار استقلال الصحراء غير واقعي و يتعين تجاوزه ، و هي نفس القناعة التي عبر عنها سابقه اريك جونسن الذي ترأس لجنة تحديد الهوية منذ1993 ¡و تولى مهام الممثل الخاص للامين العام إلى غاية 1997 حيث اعتبر وهو يقدم شهادته أمام اللجنة الرابعة في أكتوبر 2008 أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء تشكل خطوة مهمة نحو حلّ نزاع الصحراء وأنه يتعين على البوليساريو التخلي عن بعض طموحاته ، و للإشارة فقد أصدر كتابا أوضح فيه التعثرات التي عرفها مسلسل تحديد الهوية، في إطار مخطط التسوية، وبيّن فيه فشل هذا المسار مستنتجا ضرورة التوصل إلى حلّ سياسي للنزاع متفاوض بشأنه. لكن رغم هذه القناعات فإن روس يميل إلى قبول مناقشة اقتراح الاستفتاء ضمن الخيارات المطروحة يصرف النظر عن الاستنتاجات التي توصل إليها أصحابها بعد تجربة عميقة و تحليل موضوعي لملابسات النزاع و خلفياته ، فهل يتوفر على وسيلة سحرية لتفادي ما عجز عنه من سبقوه و سيوفر ضمانات إجراء الاستفتاء في حالة قبول مناقشته كخيار لتسوية النزاع ؟ فإذا كان يعتقد ذلك فما عليه إلا أن يراجع أرشيف الأمم المتحدة ليتعرف على العراقيل الحقيقية لاستحالة تطبيق الاستفتاء. و نتيجة لذلك فإنه كان على روس و هو يشرف على جولات التفاوض أن يستخلص العبرة من فشل مقاربة الاستفتاء،و يدرك أن طرحها من جديد لا يعدو أن يكون مناورة محكمة للهروب إلى الأمام،و تعقيد مسلسل التفاوض حتى يستمر الحال على ما هو عليه. فإدراك هذه الخلفيات كان من شأنها مساعدة روس،و هو يحرر رسالته تفادي تعويم مسؤولية تعتر التفاوض بل كان من شأن ذلك أن يوفر عليه الوقت أثناء جولات التفاوض و يطالب بالاكتفاء بمناقشة الاقتراحات الجديدة و الجادة من أجل الحفاظ على المصداقية التي تحدث عنها في رسالته.
مقاربة روس سطحية و غير واقعية
بنى روس استنتاجاته بصرف النظر عن تطور الأحداث على مستوى الواقع ¡وعدم أخذها بعين الاعتبار عند تحليل أسباب تعتر المفاوضات بل عدم توظيف هذا التطور في القيام بمهام الوساطة ، فروس لم يبرز من خلال رسالته تأثيرات ما تعرفه المخيمات من أحداث و تطورات على مقترح التسوية الملائم للنزاع¡ و هو ما جعل مقاربته تتسم بالسطحية و عدم الواقعية. فمنذ الإعلان عن مبادرة الحكم الذاتي تنامى تدفق أفواج العائدين إلى أرض الوطن خاصة الشباب رغم الحصار المفروض على المخيمات بكيفية تعتبر بمثابة استفتاء ضمني حول هذه المبادرة و الإعلان عن رفض الاستمرار في الخضوع لسيطرة قيادة قمعية تستمد قوتها من دعم قوي و مباشر للجزائر، و لها مصلحة في استمرار الوضع الراهن. فلو تابع روس هذه المعطيات و هو يقوم بمهمته لتمكن من معرفة الأسباب الحقيقية لتعثر المفاوضات.و ربما كانت مهمته ستكون سهلة لو علم أن البوليساريو في طاولة المفاوضات لا تقوم سوى بدور الناطق الرسمي بما تمليه عليها الجزائر من تعليمات ، وإذا علم ذلك سيدرك الأهداف الحقيقية للجزائر من خلق النزاع و تغذية استمراره ، و عندئذ سيتمكن من إدراك أن محاولاته للتوصل إلى نتائج عبر المفاوضات في شكلها الحالي ستبقى دون جدوى مادامت المفاوضات الحقيقية يجب أن تجرى بين المغرب و الجزائر ، وفي هذه الحالة سيكون اللجوء إلى طلب دعم ما أسماه مجموعة الأصدقاء مبررا وستكون له نتائج ملموسة ، و عندئذ تتاح له الإمكانية أكثر لتقريب المسافات لإيجاد التسوية المنشودة ، دون ذلك لن يتمكن لا روس و لا غيره بالظفر بوساطة جدية و فعالة لتسوية نزاع الصحراء ما دام الطرف الحقيقي يستمر في اللعب وراء الستار.
تلاشي خرافة تمثيل سكان الصحراء يطرح اليوم السؤال بكل جدية حول شرعية تمثيلية جبهة البوليساريو لسكان الصحراء بعدما التحق عدد كبير من مؤسسيها بالوطن الأم، و اندمجوا بإيجابية في المجتمع وفي الحياة العامة حيث يتقلد أغلبهم مناصب سامية في الدولة، فضلا عن انغلاق دائرة القيادة و احتكارها من طرف أشخاص مغمورين كان أغلبهم في الصف الثاني بعد عدد من المؤسسين العائدين إلى المغرب، مما يؤدي إلى سيطرة الفكر الوحيد و تصفية المعارضين¡و التنكيل بهم بكل وسائل القمع التعذيب . وفي ظل هذه الأوضاع تنعدم حرية الرأي و هو ما أصبح يعبر عنه قياديون في هذه الجبهة ممن أتيحت لهم الفرصة للتعبير عن آرائهم في تحد للأخطار التي تهددهم ، مع تأكيدهم على عدم إتاحة الفرصة لهم في المخيمات لتدارس مضمون المبادرة المغربية، فكيف يمكن لبضعة أشخاص أن يستمروا في الادعاء بأنهم الممثل الشرعي لسكان الصحراء و يتفاوضوا باسمهم ؟ فالتمثيل الشرعي يتطلب توفر عدة شروط لا شك أن روس على علم بها. فماذا سيكون رد روس إذا احتج المغرب عن حق على افتقار قيادة المخيمات للشرعية الحقيقية لتمثيل سكان الصحراء¡و رفض بالتالي الاستمرار في قبول التفاوض معها، أو إذا احتج هؤلاء السكان أنفسهم على هذه التمثيلية و عن القرارات التي تتخذها باسمهم فئة غريبة عنهم ؟ فمن المؤكد أنه من غير المقبول في منظور القانون الدولي أن تتحكم أقلية في تحديد مصير الإقليم ، ومن تم فإنه يتعين على الأمم المتحدة مراجعة معاييرها حول صفة الممثل الشرعي لسكان الصحراء ، كما يتعين على روس الذي يمثل أمينها العام أن يكون حريصا على الالتزام بالشرعية ، ويتفادى دعم مناقشة اقتراحات متجاوزة لقيادة تفتقر إلى مقومات الشرعية للتعبير عن إرادة الأغلبية المقيمة في الصحراء تحت السيادة المغربية .
عدم القبول باستمرار الوضع الراهنفي الوقت الذي يؤكد فيه روس على أن استمرار الوضع الراهن غير مقبول فإنه يؤكد على أن استمرار النزاع من شأنه أن تترتب عنه ثلاثة مخاطر : أولا أن يؤدي بالأطراف إلى مغامرة عسكرية أو شبه عسكرية ، و هذا الرأي ينطوي على مبالغة لكون المغرب سعى دائما إلى تسوية النزاع بالطرق السلمية ولم يسبق له أن هدد بالخيار العسكري ، ما عدا إذا كان روس يعلم نوايا الطرف الآخر وما تهيئ له الجزائر من دسائس خاصة أمام سباقها الجنوني نحو التسلح عن طريق صرف ملايير الدولارات على حساب العيش الكريم للمواطن الجزائري ، و حتى في هذه الحالة ستكون المغامرة العسكرية بمثابة انتحار. ثانيا : أن يتم دفع الشباب بالمخيمات إلى التطرف و الأعمال الإجرامية. لكن ما يتعين على روس إدراكه أن هذا الوضع ليس فقط خطرا محتملا بل واقعا معاشا في المخيمات بسبب انسداد الأفق و قمع الحريات و تدهور ظروف الكرامة الإنسانية. و ما غاب عنه أو تحاشى الخوض فيه هو أن المخيمات أصبحت مرتعا للإرهاب و التهريب و هو ما يشكل خطرا حقيقيا على الأمن و السلم الدوليين بالمنطقة برمتها . ثالثا : تفاقم خطورة إطالة أمد المعاناة الإنسانية ، و إذا كان هذا الاستنتاج يؤكد على ما تعرفه الأوضاع الإنسانية بالمخيمات من تدهور مستمر، فإن ما يتعين أن يعلمه روس أن المعاناة الحقيقية تنتج عن انغلاق تندوف، و تحويلها إلى سجن مفتوح يخضع لنظام عسكري صارم تحجز فيه مخلوقات بشرية ، لا إرادة لها أمام مصادرة حريتها في التنقل و التعرض للقمع و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، فحتى عدد هؤلاء المحتجزين غير معروف . فلا يمكن لروس أو غيره أن يتوفق في تدبير ملف التفاوض دون إدراك حقيقة الأوضاع في المخيمات، فما هو مؤكد أن رفع الحصار و السماح للمقيمين في المخيمات بالتنقل بحرية، على غرار ما ينعم به إخوانهم في الصحراء ، من شأنه أن يكون مفتاحا لحل عاجل للنزاع المفتعل . و بما أن ذلك يستحيل مادامت الأجهزة الجزائرية تفرض الخناق على المخيمات لوجودها فوق ترابها ، فلماذا لا تتم إعادة توطين المعنيين بالأمر في دولة أخرى من الدول المجاورة ؟ إن ذلك موضوعا بالغ الأهمية و يشكل مدخلا رئيسيا لتسوية النزاع ، فما على روس إلا أن يشتغل في هذا الاتجاه حتى تكون أمامه بدائل متعددة لتجاوز عقبات التفاوض بين الأطراف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.