هناك ثلاث عوامل من وراء ظهور العدل والإحسان : تأثير الثورة الإيرانية، رد الفعل على محاولة طمس الهوية الإسلامية وتحريض الإسلام. تأثير الثورة الإيرانية شكلت الثورة الإيرانية لسنة 1979 حدثا كبيرا بالنسبة للإسلاميين ومن ضمنهم العدل والإحسان. بمجرد نجاح الثورة الخمينية التي ترجمت النظرية إلى الواقع، حاولت الجماعة تحقيق نفس المصير لكن بنمط حركي مختلف. هذا التأثير نلمسه من خلال إصدار ياسين لكتابه بالفرنسية مباشرة بعد الثورة وهو "الإسلام في زمن الثورة" سنة 1980. كما إن ياسين تبنى العديد من المفاهيم منها خاصة نظرية "ولاية الفقيه" التي اقتبسها الخميني نفسه من أحمد نقاري في كتابه "عوائد الأيام" الصادر سنة 1830. ياسين يأخذ بهذه النظرية مع تغيير محتواها. بمعنى أن الإسلامي هو الذي يجب أن يحكم وليس الفقيه. هذه الفكرة إذن ستؤدي بالجماعة إلى تبني التغيير الجذري على المدى البعيد وبدون عنف. العدل والإحسان كتأكيد للذات الإسلامية بعد الاستقلال في سنة 1957، استولت الانتلجنسيا الوطنية المفرنسة على دواليب السلطة. الملكية المغربية بالرغم من تنصيص الدستور على أن الإسلام هو دين الدولة والملك أمير المؤمنين، فقد اختارت العلمانية بمعنى أن الدين يجب أن ينحصر في المجال الفردي ولا يتدخل في الأمور السياسية ولا حتى في الحياة العادية. هذه النخبة المفرنسة هي، حسب العدل والإحسان، وريثة المستعمر في كل شيء حتى في سلوكها. بالنسبة للجماعة فإنها هي المسؤولة عن مشاكل المغرب والبعد عن الدين. مما يعني الطمس التدريجي للهوية الإسلامية للبلاد. ومن هنا ضرورة إحياء الهوية الإسلامية بمحاربة هذه النخبة المستغربة والعلمانية. تقدم العدل والإحسان نفسها إذن بمثابة المدافع عن هذه الهوية الإسلامية وكبديل للنخبة الحاكمة الفاسدة. القراءة الحركية للقران بالنسبة للجماعة هناك سببين شرعيين لإنشاء جماعة إسلامية : محاربة الفتنة واقتحام العقبة. أ. الفتنة : إن فتنة المجتمع تقتضي إنشاء جماعة لمحاربة هذه الفتنة. ومن أسبابها الترف والاستبداد. الترف يعني تمسك الإنسان بالأشياء المادية ويتميز بوجود أفراد يعيشون في البذخ والاستهلاك المفرط : "الترف المادي هو اختلال في توزيع الموارد. انه شيء مذموم يؤدي إلى نقيضه وهو الفقر. وبين الترف والفقر تضيع مصالح الأمة. في مجتمعاتنا المفتونة، تكثر المثيرات والحضارة فعلت في عقولنا ما فعلت وقتلت روح الأخوة وفرقت الأمة إلى قسمين : بذخ وإسراف من جانب وفقر ومرض وجهل من جانب آخر. كيف يمكن لأمة أن تحقق أهدافها في وقت توجد فيه قاعدتها الشعبية في جهل وفقر ومرض.وكيف يمكن تحقيق أهدافها والمستضعفون يشعرون بالحقد والحسد تجاه المترفين ."السبب الآخر للفتنة هو الاستبداد السياسي الذي يأخذ مظهرين : تبني القانون الوضعي بدل الشريعة واللجوء إلى الإسلام الرسمي. ب. اقتحام العقبة : تبرر الجماعة إنشاء حركتها باللجوء إلى المفهوم القرآني "اقتحام العقبة" المنصوص في سورة البلد : "فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة، فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة، يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة. ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، أولئك أصحاب الميمنة." يعطي ياسين تفسيرا خاصا لسورة البلد واقتحام العقبة. يقول في كتابه المنهاج النبوي : "تحدث الله تعالى عن الإنسان في سورة البلد ليذكره بكبده مادام بعيدا عن الله. ثم ذكر نعمه عليه وتحدث عن اقتحام العقبة. كأنه يريد أن يقول : مع كل هذه النعم وحرية اختيار الطريق الصحيح أو المنحرف لم يقتحم العقبة)... (على أية حال فهي دعوة من الله إلى الإنسان لسلك السبيل الصحيح." اقتحام العقبة بالنسبة لياسين تعني أن الإنسان الذي يريد إنقاذ حياته وتحقيق السعادة الدنيوية والأخروية عليه اقتحام هذه العقبة التي تتضمن ثلاث أبعاد : تحرير رقبة. فالعبادة لله والعبد بسبب عبوديته لا يستطيع عبادة الله فيجب تحريره. مساعدة الفقراء والمساكين لكي لا يصبح الفقر عائقا لعبادة الله. الدعوة لإنشاء جماعة من المؤمنين. إن الدعوة لاقتحام العقبة المنصوص عليها في سورة البلد هي دعوة صريحة لإنشاء جماعة إسلامية. لان انعزال المؤمن هو ضد ما ترمي إليه الآية. لأنه لا اقتحام بدون جماعة. كخلاصة لهذا الفصل فإننا نعتبر أن العامل المهم هو الدين وقوته الإقناعية. الإسلام له قدرة على الإقناع وعلى فرض مبادئه الأخلاقية وتصوره للعالم وللمجتمع. بعده الحضاري لا ينبغي إغفاله. الإنسان قابل لفعل الخير والشر فهو إذن مستعد بطبيعته لتلقي الخطاب القرآني الذي يحثه على فعل الخير. فالإسلام يحثه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدفع الأفراد لإنشاء جماعات لتحقيق هذا الغرض. عودة الأفراد إلى الدين لا يمكن تفسيرها دائما وبصورة أحادية على أنها توظيف للدين من اجل السياسة. لابد من إعطاء البعد الروحي مكانته في التفسير.