كان الحظ التعيس من نصيب فتاتي انزكان،اللتان عبرتا عن " قلة الحيا " بطريقتها الخاصة،فكان نصيبهما المتابعة القضائية بتهمة الإخلال بالحياء العام،ولأننا نعيش انفصاما في الشخصية، فقد آن الأوان أن نتقبل منتوجنا الوطني بكل سلبياته، ما دمنا نحن من صنعناه،فلنتقبل أخطائه وزلاته... لقد سبق لي وأن أشرت في أحد المقالات، أن موضة التعري تترافق مع تسليع الإنسان وتحويله إلى آلة للاستمتاع؛ ليكون منتوجًا مشوهًا لحضارة لا تعطي قيمة للقيم والحياء والأخلاق . لكن سرعان ما يهاجمنا النسيان في كل مرة، فقد تناسينا فضيحة لوبيز، ومن كان وراءها من الكبار ،من أجل إفراغ مكبوتاتنا العدائية على أبناء هذا الشعب ... وللأسف فما نعيشه من تقليد أعمى في فن التعري، هو نتاج المسلسلات المكسيكية والتركية وأفلام التعري الرخيص المحلية ذات المنتوج الرديء التي استوطنت شاشاتنا وهاجمت أخلاقنا وثقافتنا المغربية. إن التعري أصبح وسيلة تتمتع بشعبية في صفوف شابات يسعين إلى التعبير عن مدى إتقانهن للتقليد الأعمى لبطلات المسلسلات الهابطة ،وللأغاني على منوال " عطيني صاكي " وقد يقول قائل إنها حرية شخصية ووسيلة للتعبير عن الذات؟؟ نجيبه :هل يستلزم هذا التعبير إزالة اللباس،والسير في الطرقات شبه عراة؟؟ إنه نمط إتباع أعمى لثقافة لا تحترم الجسد... لأسلوب حياة يستجدي إشعال الغرائز... إن الحظ التعيس كان أيضا من نصيب الشاب المثلي الذي رمت به نزواته في ليلة رمضانية فاسية، أمام جمع من المواطنين، ليتلقى وابلا من الرفس والركل وعاصفة من الشتائم والألفاظ القاسية... العجيب في الحادثتين أنه تم تفعيل مسطرة الإعتقال في الأولى، ومسطرة الحماية من الإعتداء في الثانية ؟؟لكن الأكثر غرابة في الموضوع كله، هو أننا نعاقب من يتعرى بمحض إرادته، دون أن يطلب مقابلا لذلك في حالة الشاب المثلي والفتاتين؛ ونجزي بالملايير من يستميل الأنفس بالعري الفاضح، وبالحركات الجنسية الساخنة،أمام الملأ في الساحات العامة،بل ونكافئه أكثر بنقل أوساخه مباشرة على قنواتنا العمومية ....إنني لست بصدد الدفاع عن الفتاتين ولا عن الشاب المثلي، لكن بصدد المطالبة بالعدل في الأحكام، خصوصا وأننا في شهر أساسه المساواة بين الفقير والغني وبين الضعيف والقوي... إن إنقاذ أحد بنود الدستور مما طاله من التسويف، نعمة من نعم هذا الشهر الفضيل ، الذي يدعو إلى الحشمة والتقوى والوقار. لكن محاربة الإخلال بالحياء العام، لا يجب أن تكون طقسا رمضانيا محضا ،لأن هذا البند من الدستور، لا يختص بهذا الشهر فقط، بل كان الأجدر تطبيقه في حق منظمي مهرجانات شعبان فأساءوا إلى شعب بأكمله.... إن السكيزوفرينيا التي نعيشها مازالت تعاقب الضعيف لضعفه، وتحمي القوي لجاهه ووجاهته، وهي أقرب ما تكون إلى قصة القاضي واللصين،فقد قيل أن أحدهما سرق تبنا فحكم عليه بالسجن، وسرق الآخر خزينة بنك فأطلق سراحه،فلما أستفسر القاضي عن حكمه،أجاب :" القاضي لا يأكل التبن " !! .إن منطق التعامل هو نفسه منطق حكم القاضي،إذ يعاقب من لايملك ويمجد من يملك، ويعتقل اللص الصغير كبش فداء للصوص الكبار؛إنها نفس الحكاية التي تتكرر في كل مرة في لباس مختلف،ويبقى العدل ضائعا إلى حين آخر. ولأن مقالي هذا بلا قيود كحال من يدعون " الحداثة" وكثير ما هم،وأغلبيتهم من المنبطحين و المتنطعين وما أكل السبع،فلا بد أن نصاب جميعا ببحبحة في الصوت، سواء للدفاع عن قيم الحداثة المبنية عن العدالة والحرية الحقة ؛ وتنديدا بما طال الحرية في التعري وأخواتها من تدنيس.... !! أو رفضا لكل الحركات المكشوفة، التي تستهدف الثوابت الأخلاقية والعرفية للأمة المغربية،فالكل يبقى حرا في قناعاته وتوجهاته... !! إن "الحداثة" مما يبدو من نوعية المدافعين عن مبادئها، قد فقدت بريقها فلم تعد تعدو أن تكون دعوة صريحة لتحرير الشهوات، وكشف العورات، وتحليل المحرمات... وبلا شك فكل ذلك لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق تدليل العراقيل والعقبات، بالدفاع عن المثليين والمومسات، وقذف المحجبات ونشر ثقافة غريبة أساسها المجون والسهرات.... !! إن الدفاع عن قيم المجتمع ،وتطبيق القانون لا يكون لحظيا ،ولا لصالح طرف على حساب آخر،وإنما عن طريق تبني سياسة تربوية وأخلاقية وطنية أساسها العدل في الأحكام ،والثبات على الموقف، ومعالجة الانفصام الذي نعانيه ،وفي انتظار ذلك كله يبقى الإدعاء سيدا والتقليد العفن موضة نجاريها.... تلك هي الحكاية باختصار،رمضانكم كريم .