بقلم : محمد لامين لعريبي- اشكاكة، امحاميد الغزلان لا بد في البداية، من تناول ما ضمنه صبيّ من صبايا المخزن، لتقريره البوليسي من ادعاءات باطلة تجاه قبيلة أعريب بامحاميد الغزلان بالجنوب الشرقي للمغرب، والوقوف على حيثياته ومضامينه الثاوية والمعلنة. فأن يرفع رجل سلطة اتهام من العيار الثقيل ضد وحدة/ قبيلة؛ وبشكل رسمي ومسؤول وعبر تقرير؛ تناول فيه نازلة حول أرض؛ يتكرر مثلها في كل مناطق العالم بما فيها المتقدم، يعد في نظر كل ذي لب أصيل، أمرا خطيرا ومشبوها على حد سواء. فالصبي السالف ذكره، يبدو أنه لم يخرج بعد من مرحلة المراهقة إلى الرشد. ونحن نعرف، بالمناسبة، كيف ولج سلك أطر وزارة الداخلية، شأنه شأن من يلج مثل هذه المناصب المخزنية. فهذا النوع من المسؤولين هم من ساهم في تفتيت وتقسيم الاوطان وانتهاك حرمات الانسان... وكان ما كان؟؟. لكم ما قاله المحجوبي أحرضان سنة 1961 بطانطان، بصفته وزيرا في دفاع المخزن، لأعيان من قبيلة الركيبات:(لثماتكم كحلين بحال قلوبكم )، بمعنى أن اللِّثام الأسود الذي يرتديه الصحراوي مثل قلبه تماما على حد تعبير أحرضان؛ الذي كان ضابطا في صفوف المستعمر الفرنسي وتقلد عدة مسؤوليات في زمن الاستقلال السياسي للمغرب. والجميع يعرف ما فعله الركيبات وباقي الصحراويين، كرد فعل منهم على هذا الكلام. لنعود إلى موضوعنا لنذّكّر صبيّ / قائد المخزن بقليل من تاريخ عريب؛ ومن لا تاريخ له لا مستقبل له؛ ونحن هنا، لا نذكي نزوع قبلي ما ولكن لا بد من إخراج ما في جعبة التاريخ من حقائق؛ تنحني لها الرقاب في زمن قل فيه الوفاء واستبد بالناس داء التزلف والتملق والخيانة وبذل الشرف من أجل الترف. والكل يعرف ومن لا يعرف عليه أن يعرف أن قبيلة عريب بجميع مكوناتها دون استثناء: (لوراث واولاد بوذن والنواجي ولمرابطين واولاد رزك ولبادين والزيود ولكواسم …..إلخ)، كانت تسيطر على ما يعرف اليوم بالجنوب الشرقي للمغرب؛ من أقا إلى تمبكتو بأزواد (شمال مالي) وكانت تتعايش مع كل المكونات عرب وأمازيغ. وهذا لا يعني بحال من الاحوال أنها لم تكن تغزو أو تقاتل؛ فبأسها شديد، شأنها شأن جل البنيات التقليدية انذاك. لكن يسجل لها، أنها عندما تطلب للدفاع عن الضغفاء تستجيب؛ تقتل وتقاتل ولا تأخذ دية القتل؛ تقتص أو تسامح، لذلك قال عنهم كُتاب الإفرنجة: les arib ne mange pas le sang d un frère. والمهتمين الاكاديميين بالتاريخ يعرفون أن عريب هي من فك الحصار الذي كانت تضربه بعض فروع أيت عطا على شريف الطلحة؛ بعدما استنجد بها، هو قبائل واحة قصر لمحاميد (دروا). وقد قال الشاعر: عريب عريب ونعم عريب سبعة ماتت ماكرت بطليب. وقصة هذا البيت الشعري أن مطلوب ما، Wanted for murder التحق بمجموعة من افراد عريب هاربا من قبيلة أخرى تطلب رأسه؛ واثناء اندفاعه في الأصقاع وجد سبعة عناصر من قبيلة اعريب في الطريق، فحكى لهم أنه ارتكب جريمة قتل بدعوى الشرف وأن تلك القبيلة تلاحقه لتقتص منه، وبعد أن اقتنع هؤلاء السبعة بصدقية قوله؛ احتضنوه بينهم وعاهدوه على حمايته وكتم أمره. وأثناء سيرهم في الفيافي القاحلة، باغثهم طالِبو الثأر؛ سالِّ السيوف للقتال، وبدأوا يسألونهم عن المطلوب لديهم؛ ومن سوء الحظ، بدأ القتل من عناصر عريب السبعة: من هو مطلوبنا: لست أنا؛ فيقطع الرأس وهكذا إلى أن قتلوا سبعة عريب جميعا ولم يبقى إلا المطلوب الحقيقي؛ فقال له طالبي رأسه بالله عليك من هو مطلوبنا( وطالبي الثأر لا يعرفون مطلوبهم، لكونهم مجرد فخذة من الفخذة التي تطلوبه، بلغها أمره والجهة التي اتجها إليها)قال لهم: عاهدوني وأقول لكم، قالوا له: لك العهد..هكذا، فقال لهم: (أنا هو طليبكم). ومن ذاك الزمن بقي هذا البيت يتردد على لسان القبائل الصحراوية( عربية وأمازيغية)؛ كدلالة على سمتيّ العهد والوفاء، التي تتميز بهما قبيلة عريب. قال المرحوم ابراهيم في قصيدته الشهيرة حول اعريب: ما تغدر ما تهرب ما فيها عيب خصائل لعرب سبعة في اعريب الرجلة والجودة والعهد والدين والإبل والخيل والعبيد . وقد قالوا ايضا، في عريب لوفائها وصيانة عهدها:( خلكت وشهودها عريب)، بمعنى أن لعريبي لا يكذب؛ اذا شهد على أمر ما، فذاك حقيقة وليس بهتان. وقالوا عنها عريب سبيبين: أي أنها القبيلة البدوية الوحيدة في الصحراء التي كانت تملك الإبل والخيل. هذا نزر من كثير يجهله الكثير، أما بخصوص الوطنية المعاصرة، والتي نشأة في الأنظمة الإجتماعية التقليدية، بعد أن فك الاستعمار الإمبيريالي ارتباطه المباشر معها؛ وأصبحنا نتحدث عن حق هذا على حساب ذاك، ونحاول جاهدين بناء الدولة القومية ونقاتل في سبيل ذلك ما استطعنا؛ لا بد من الوقوف على ما قامت به قبيلة أعريب في هذا الشأن، حتى يعرف السيد القائد تاريخ بلاد، لا اعتقد أن له أو لعائلته أو لأسياده من عُهَّار المخزن شيء من شرف تحريرها... ولنا نحن؛ أحفاد المجاهدون وأبناء المقامون وأشقاء المقاتلون كل؛ الشرف في ذلك. فأمحاميد الغزلان لم تسقط في يد المستعمر حتى سنة 1934؛ وقبيلة أعريب هي الوحيدة التي رفضت حكم القائد الكلاوي، بعدما تجلت خيانته وعمالته للمستعمر الفرنسي، ومنعت جنده من تجاوز جبل بن سلمان، المشرف على درعة المنبسطة. وقبيلة أعريب يا من يخوّن عريب، هي التي توسطت لمحمد الخامس مع بعض فخذات قبيلة الركيبات، لتتم بيعته بامحاميد الغزلان باب الصحراء سنة 1958. وقبيلة أعريب هي من كان مقاتلوها فرسان الوغى في حرب الرمال مع الجارة الجزائر سنة 1963، وهم من قاد الجيوش عبر حاسي البيضاء ومعابر لحمادة، ليسقطوا قتلى ويفر الأذناب......... هذا جزاؤهم، ما دام الصبي يخوّنهم والمخزن المستبد يهمشهم ويؤنب ضعاف الألباب عليهم. أبناء عريب هم من قاتل في حرب الصحراء؛ ولو لا هم لما سيطر المغرب على معظم أجزاء الصحراء.(ليحصي السيد القائد عدد الضحايا ويقوم بمقارنة... والحديث هنا يطول). ما لفت انتباهي، وأنا المناهض الدائم لكل محاولات جرنا نحو الخلف، هو بعض الأصوات الناعقة خارج السياق؛ ومنها القول أن اعريب هي من سرب هذه الوثيقة، بعد أن قاموا بتزويرها؟. على أساس أن التقرير غير موقع من طرف القائد شخصيا. نقول لهؤلاء الذين لعبت دعاية المخزن بعقولهم وساروا في جوقته يسبحون بإسمه؛ بالله عليكم هل يمكن لعاقل أن يصدق هذا الهراء: التقارير في الغالب تكتب بهذه الطريقة، حيث يتم الإكتفاء بطابع القيادة، ومن خلال العودة إلى التاريخ والسنة نعرف من هو القائد الذي كان يحكم هناك وفي أية فترة. ومن خلال تفحص تلك العبارة، يقول قائد امحاميد الغزلان: (وفي الأخير فإن قبيلة عريب، معروفة عبر التاريخ بنزعتها الإنفصالية ومعارضتها لجل مشاريع الدولة). من خلال ربط هذه العبارة بالتصرفات السابقة للقائد، نصل إلى ما تختزنه دواخله من حقد دفين؛ ينم عن ضحالة أخلاقه وسفالة قيمه وتدني مستواه؛ الذي لاعلاقة له، بالمُثل المطلوب توفره في رجل الدولة. فقد سبق له أن اتهم طلبة امحاميد الغزلان بالانفصالية ونسائها بنينجا. لكن لنعود إلى مفهوم الإنفصالية، هل المقصود منه أن أبناء أمحاميد يريدون فصل بلدتهم عن المغرب؟؟؛ أبدا، ولكن منهم ومن غيرهم من يعارض الحكم أو يؤيد جهة ما، فهذا حال كل التجمعات البشرية؛ فيها من يناضل لصيانة وحدة الاوطان ويناوي الانفصال وفيها من يؤيد الإستقلال وفيها من يدعو إلى الإلحاق، بل فيها من يجهر بتأيده لإبوبكر البغدادي…الخ، وهذا سجال معروف في كل المجتمعات الناشئة، بل حتى المتقدمة، تتسع قاعدته وتضيق تماشيا مع عوامل التأثير والتأثر الداخلية والخارجية. لكن بالمقابل، جل أبناء امحاميد مع الوطن، ولو كلفهم ذلك دمائهم؛ وليس تملقا أوطمعا أو خوفا، كما يفعل غيرهم، بل هي قيم جبلوا عليها منذ ولادتهم. وللإشارة، فهذه التقارير المنحازة، التي تظهر أن أجهزة الدولة، ياللاسف كل الاسف، خصم وليس حكم، لم تكتب عن أبناء أمحاميد الغزلان فقط؛ بل كتبت عنهم ولفقت لهم التهم؛ ومنها تلك التي لفقت للمناضل اليساري الشهيد نور الدين عبد الوهاب، والذي لا علاقة له بتلك الاحداث التي اعتقل على ذمتها، حيث كان تلك الليلة في مخيم سياحي يبعد عدة كلومترات عن بلدة امحاميد الغزلان. فسلوك تلفيق التهم والإشاعات والإدعاءات الواهية، سلوك طغياني بدائي، ذاق مرارته أهل الريف والصحراء والوسط. أليس اتهام بعض فروع قبائل أيت عطا جملة، بالتجارة في المخدرات وتهريب السلاح؛ سلوك عنجهي واستفزازي؟؟. أليس زرع الفتن بين قبائل خشاع والنشاشدة ولمهازيل وغيرهم كثير، سياسة مخزنية مقيتة؟؟. ألم يثبت التاريخ أن هؤلاء المسؤولين(أوفقير، المذبوح، البصري...وقائد امحاميد الغزلان...إلخ)، داخل جهاز المخزن أو لنقول تجاوزا الدولة؛ هم من تورطوا في الإنقلابات وزرع القلاقل ضد الحكم/الملك، بعدما أظهروا له من الولاء الكثير؟؟. لنعود إلى مسألة صراع القبائل على ملكية الأرض، التي لا منطق ولا قانون يحددها... في الزمن القديم الكل يعرف أن أرض عريب من "لكحال إلى لكحال؛ أي من تخوم سلسلة جبل باني إلى "لكرب" لحمادة، بل هناك 12 موقعا في ملكية اعريب تدخل في إطار المجال الجغرافي التابع اليوم للجزائر. وهناك وثائق قديمة تحدد هذا. لكن البعض لجأ إلى التزوير بفضل التكنولوجيا الحديثة وطلع علينا بوثائق جديدة/ قديمة، بينما لم يكن يتكلم عن هذا من ذي قبل. غير أن المطلوب في الوقت، ليس اذكاء هذه الفتن بل تفويت هذه الأراضي من طرف الدولة إلى أبناء القبائل حصرا، لإستثمارها والإستفادة منها، على أساس المنفعة لمن يقطن هذه الأراضي. وفي الختام، لا يفوتنا أن نقول، إن السياسة التي ينتهجها بعض المسؤولين في منطقة درعة تحديدا، خطيرة ومُجَرمة وعلى ساكنة درعة بزاكورة، بجميع مكوناتها، أن تتحد وتتوحد ضد رموز الفساد والاستبداد أينما كانوا، وتتصدى للمندسين بين ظهرانها وتفضحهم أمام الجماهير؛ فالصراع الحالي ليس بين قبيلة وقبيلة؛ بل بين رأس المال القذر والمتعفن، الذي ينتعش في مثل هذه الأجواء التي تسودها النعرات والفتن، من جهة وبين من يناضل من أجل حياة أفضل للناس، من جهة ثانية. يقول الشاعر: سأُلزمُ نفسي الصَّفحَ عن كلٍّ مذنبٍ وإن كثرتْ منه عليَّ الجرائمُ فما النَّاسُ إلَّا واحدٌ مِن ثلاثةٍ شَرِيفٌ ومَشْرُوفٌ ومِثْلي مُقَاوِمُ.