شخصية العدد : محمد محمود لعريبي . بسبب وطنيته الصادقة نفاه الفرنسيون إبان الاستعمار إلى تندوف أين رفاقي أين صاروا .. ريشت لهم أجنحة فطاروا .. أما أنا فشاءت الأقدار بان اسكن التراب و معي اليراع و الكتاب .. ما أجمل أن تتشبث بالأرض تستنشقها بكرة و عشية .. تحكي لها ما فعل بها العابثون الذين استغلوا خيراتها أيام كان الشرفاء يقدمون دمائهم من اجل كل شبر طاهر منها.. ما أجمل أن تضل كل سنين عمرك وفيا لمبادئ العمل الوطني الصادق و الوفاء للعهد بكل نبل و إخلاص بعيدا عن النزوع إلى لغة المصالح الضيقة .. فمن الصعب و النادر أن نجد في عصرنا الحالي من لهم نفس القيم و المبادئ التي كانت لأمثال محمد محمود لعريبي هذا الوطني الذي إذا جالسته تكون قد جالست الصدق و ادا رافقته كانكك رافقت الصديق الوفي الذي يمكنه التضحية بكل شئ من اجل أن لا يؤذيك مكروه , و ادا حاورته تجده موسوعة في كل العلوم الإنسانية , جمع بين الأدب و التاريخ و الجغرافيا و علم الاجتماع ما يجعلك و هو يسرد لك الوقائع و الأحداث تبقى مشدوها منبهرا بحيث يصعب عليك مقاطعته بسؤال آخر .. محمد محمود لعريبي منار وهاج في سماء واد نون و المنطقة الجنوبية و بلاد شنقيط كلها , فهو المرجع و الكتاب المفتوح المرصع باحرف من دهب الذي لا يبخل على طلبة العلم و المعرفة ما أوتي من علم .. فكيف لا و هو الذي ظل متشبثا بالأرض و الكتاب في الوقت الذي ريشت فيه أجنحة لمن خانوا هذا الوطن فطاروا .. ما أصعب أن تبكي بلا دموع .. و ما أصعب أن تشعر بالضيق و كان المكان من حولك يضيق ..و ما أصعب أن تتكلم بلا صوت .. نتناول و إياكم اليوم من خلال هذا الركن شخصية أخرى بصمت على تاريخ منطقة واد نون و لفتح صفحة أخرى من وقائع المقاومة و العمل الوطني بالأقاليم الجنوبية يتعلق الأمر بالسيد الفاضل محمد محمود لعريبي الذي ينتسب إلى قبيلة الركيبات أولاد الشيخ ازداد سنة 1935 بكليميم ,تلقى أول تعليم له كباقي رفاقه في الجامع أو الكتاب و بالضبط بجامع القصبة , حيث درس على يد الفقيهين : احمد الشيخ الذي كان ينحدر من قبيلة تجكانت والسي حسن العبلاوي الذي كان ينحدر من قبيلة ايت عبلا . انتقل بعدها للالتحاق بالمدرسة الابتدائية التي شيدها المستعمر الفرنسي بالمنطقة و كان ذلك خلال سنة 1947 , هذه المدرسة التي كانت تضم حوالي 40 تلميذا , إلى جانب محمد محمود لعريبي كان يتواجد كل من علي سالم ( ايت موسى و علي ) عبد القادر ( ايت موسى و علي ) و مولاي السيد و غيرهم , و بعد انقطاع عن الدراسة لفترة محدودة لظروف عابرة , انتقل السيد محمد محمود لعريبي إلى مدينة الدارالبيضاء ليدخل مدرسة حرة تعنى بتلقين و تدريس المواد الإسلامية . طبعا هذا التنوع الدراسي والانتقال من فضاء معرفي إلى آخر اكسب السيد محمد محمود لعريبي خبرة و تجربة و زادت في تكوين شخصيته الصلبة و القوية و التي زادته قوة خاصة بعد احتكاكه بأحد من قال عنه السيد محمد محمود لعريبي بأنه هو من علمه المبادئ الوطنية , و يتعلق الأمر هنا ب : المهدي ولد العبد الذي ينحدر من قبيلة تجكانت و الذي كان يشتغل كساعاتي ( إصلاح الساعات ) . في سنة 1952 رجع السيد محمد محمود لعريبي إلى مدينة كليميم فوجد خلايا المقاومة في إطار التكوين و كان الموريتاني المعروف ب: كليب هو المسؤول عنها . طبعا في هذه الأجواء إضافة إلى ما قد راكمه السيد محمد محمود لعريبي من تجارب سابقة , انخرط في العمل الوطني و المقاومة و كانت من بين المهام الموكولة إليه هو القيام بنشر الدعوة الوطنية و توزيع الجرائد و المنشورات التي كانت تأتيهم من مدينة اكادير و التي يبعث بها حزب الاستقلال .و كان قد تنقل عدة مرات إلى مدينة الدارالبيضاء بحكم معرفته بالمدينة و بالضبط كاريان سنترال ليلتقي هناك السي لحبيب الذي كان عضوا بفرقة الفطواكي . و لم يكتف السيد محمد محمود لعريبي بهذا فقط بل تعداه إلى ابعد من ذلك و دائما بدافع غيرته الوطنية و وفائه للمبادئ الوطنية الصادقة , بتأسيسه أول مكتب لحزب للاستقلال بكليميم رفقة ثلة من المناضلين رفاقه في الوطنية , ونذكر من بينهم : - محمد عبد الله / - دحمان احمد ناه / - إبراهيم ولد سعيد بكباشي / - محمد محمود السبتي المعروف بكليب / - بوشبوك محمود / - الإمام ولد السالك / - لمين ولد بيه اوبركة / - بشر ولد بكار الغزاوي / - عثمان ولد سيدي محمود / - عبد الله بلخنفر / - اعريب / - عمر سالم ولد بركة / - مبارك اوتومسورت / - إبراهيم بلمحجوب . هؤلاء طبعا كان لهم الفضل في التأسيس للعمل الحزبي و العمل المنظم و تاطير المواطنين وكانوا كلهم حماس و حيوية رغم الظروف القاسية و المشددة التي كان يمارسها عليهم المستعمر الفرنسي , من اعتقالات و نفي و تعذيب و سجن في ظروف جد قاسية بل أكثر من هذا أنهم كانوا يستغلون لبناء مقرات و مكاتب و مرافق اتخذ منها المعمر مستقرا له و من بينها الثكنة العسكرية المتواجدة بكليميم و مكتب ( الضو ) وبيرو واعراب و غيرها . و بذلك يكون السيد محمد محمود لعريبي و رفاقه في العمل الوطني أعطوا لهذا الوطن كل ما يملكون من ما انعم الله عليهم به , كيف لا و هم من تربى على مبادئ وطنية صادقة راسخة و ثابتة لا يزيح عنها إلا خائن أوعميل جبان . محمد محمود لعريبي الذي كان له شرف الإشراف على أداء القسم لبعض سائقي الشاحنات الذين كانت الخلية تعتمد عليهم في بعث الجرائد و المنشورات و تنقل بعض أعضاء الخلية من مكان إلى آخر خاصة عندما يتعلق الأمر بملاحقتهم من قبل المستعمر الفرنسي . و كان القسم الذي يحلفهم عليه هو : (اقسم بالله أن أكون مخلصا لديني و لوطني و لملكي و لحزب الاستقلال و أن أقوم بواجبي من اجل تحرير البلاد و أن أؤدي الأمانة و لا افشي سري ) . هذا القسم الذي ظل يلازم السيد محمد محمود لعريبي و أمثاله طيلة حياتهم غير آبهين ببطش و إغراءات المستعمر لان إخلاصهم ووفائهم للعهد فوق كل اعتبار . فكانت ضريبة نضالهم تكلفهم الكثير, فقد تم نفي السيد محمد محمود لعريبي من طرف الفرنسيون إلى تندوف أول الأمر تم بعدها تم نقله من جديد تحت ضغط من القائد السنهوري عبد الله ( قبيلة تجكانت ) إلى بئر أم كرين حيث تعرف على ابن عم الداي ولد سيدي بابا الذي كان يعمل ضابطا و ترجمان لدى الفرنسيين , و هو الذي ساعد لعريبي على الذهاب إلى أطار بموريتانيا , و هنا نسج علاقات مع مجموعة من الشخصيات التي كانت تعمل في ميدان التجارة و في نفس الآن تقدم الدعم المادي و المعنوي للعمل الوطني و رجالاته , عمل كبير و مجهودات جبارة قام بها السيد محمد محمود لعريبي خلال تواجده بمنفاه بالقطر الموريتاني , من جمع الأموال وإرسالها إلى كليميم كدعم للمقاومة و التنسيق مع بعض أعضاء الحزب الاشتراكي الموريتاني من اجل تقوية الصفوف النضالية المناهضة للاستعمار الفرنسي , يبقى هذا جزء قليل من نضالات هذا الوطني الذي لم ينحني و لم ينكسر و ظل يسير على نفس النهج و نفس الدرب إلى يومنا هذا , فهو الآن بالنسبة لنا نحن شباب واد نون و للمغاربة قاطبة مرجعا يؤم إليه كل باحث في تاريخ العمل الوطني و المقاومة و تاريخ المنطقة ككل , لا يبخل على كل من طرق بابه سعيا للمعرفة و التنوير حسب ما أوتي من علم و مستندات , فهو يضع بين يديك كل الوثائق القيمة و المستندات و البحوث و ما إلى ذلك .. انه بالفعل منار وهاج في ليل هذا العصر القاتم و بوصلة في بحر تلاطمت أمواجه .. لكن ما يحز في نفس السيد محمد محمود لعريبي , و بعد تقديمه الغالي و النفيس من اجل الوطن , هو عدم إنصافه و هو صاحب حق ..نعم كل شيء في سبيل الوطن يهون .. لكن السيد محمد محمود لعريبي ظل إلى يومنا هذا يتذكر قولة لأحد الضباط الفرنسيين الذي قال لهم بعد أن امتنعوا عن القيام بعمل شاق على اعتبار أنهم سجناء سياسيون : '' إذا حصلتم على الاستقلال فلن يوظف منكم إلا من كان يعمل مترجما لنا .. " أطال الله في عمر السيد لعريبي محمد محمود , و أتمنى أن تكون هذه الأحرف القليلة في حقه فاتحة خير و إنصافا له في حياته قبل أن يغادرنا هو الآخر إلى دار البقاء في صمت...