إبا إجو تكشف لنا أسرارا كثيرة بتدحرجها و صرختها على رصيف المحكمة الابتدائية بمدينة تزنيت. السر الأول هو أن الظلم يطال الجميع من الجميع. الظلم لا يعرف لا هوية و لا لغة و لا دين، بكلمة واحدة لا حدود له. وإبا إجو بهذا الشكل الاحتجاجي الفريد ترد على من يذهب إلى أن العرق الأمازيغي عرق نقي، و يختزل الصراع ضمن ازدواجية ساذجة أمازيغي/عربي، مستعمر/مستعمر، و قس على ذلك. هناك حركة فصلت نفسها عن سياق التاريخ النضالي المغربي – و عزلت نفسها عن الصيرورة النضالية – باتت تظن أن الظلم مرتبط بالعرب و أن الأمازيغ لو أتيح لهم أن يبعدوا العرب و يعيشوا في يوتوبياهم لكانوا أفضل حال، و أنا أعجز عن تصور مجتمع يتحمل عرقا واحدا دون غيره، فبعض الحركات الأمازيغية تحول الصراع من صراع طبقي إلى صراع إثني لا منتصر فيه، بل يؤدي إلى الفتنة و القتل و التقتيل. بلغة واضحة ها هو أمازيغي يقسو على أخ له من لحمه و دمه. سيقول قائل أن أصوله عربية ، و لكن ماذا نقول عن شهود الزور الذين يتحدث عنهم الجميع، هل هم أيضا عرب يشهدون ضد إبا إجو و زوجها الأمازيغيين. هذا تبسيط غير مقبول، لندافع إذن عن الأمازيغية، و لا نحشرها فيما لا يخدمها من تزمت و تعصب وعدم فهم و تفهم. و لندافع عنها مع الآخرين – أقول مع الآخرين – في سياقها الطبيعي و ليس بالركوب على مشكل إبا إجو و عائلتها، لأن التشويش لن يفيد لا في الدفاع عن إبا إجو ولا عن الأمازيغية. السر الثاني هو أن إبا إجو كشفت النقاب عن فضيحة تشبه إلى حد كبير فضيحة الفساد الأخلاقي الذي سبق أن تابعنا فصولها بنفس مدينة تزنيت، و ينتظر أن ينظف محيط المحكمة من كل من ثبت تورطه من قريب أو بعيد، و لن يبق في المحكمة إلا الشرفاء الذين لا يخلو قطاع منهم. بالمناسبة لا يزال السؤال قائما: كيف تتعرف السلطة و تضايق المناضلين الشرفاء و تلفق لهم التهم، في حين تتستر على آكلي لحوم البشر ؟ السر الثالث هو بمثابة نقد ذاتي. إن الحركة الاحتجاجية أصبحت منفعلة و ليست فاعلة. عوض أن يقوم المناضلون بدورهم في الكشف عن العصابات المنظمة و الشبكات الإجرامية التي تسئ للوطن، ينتظرون من إبا إجو أن تبادر بطريقتها الخاصة و الشجاعة لتلهب العقول و القلوب. لقد لاحظنا أن خيرة مجتمع تزنيت من المناضلين غابوا عن الساحة جراء مشاكل شخصية و تافهة تشوب علاقاتهم، مما يجعلنا نتساءل: كيف لنا أن ننتظر من لم يحسم صراعاته الصغيرة أن يحسم صراعات اجتماعية – سياسية – اقتصادية مستعصية؟ السر الرابع هو أن الناس فقدوا الثقة في المؤسسات، وباتوا مستعدين للأسوأ، فمبادراتهم غالبا ما يطبعها اليأس و بالتالي تأتي على شكل صراخ أو صدمات نفسية تشي على أن المواطن المغربي يجد نفسه وحيدا في مواجهة الظلم؛ و يعلم جيدا عبر تكرار التجربة أن من يقفون معه من جماهير سرعان ما يتخلون عنه ليواجه لوحده أو مع ثلة من المناضلين الضغوطات المتتالية. السر الخامس و الأخير هو أن السلطة مع الأسف تسجل كل مرة بعدها خاصة عن المواطن المظلوم، و تتعامل معه على أنه إنسان غير سوي و "لا يفهم"، و عوض أن تقف إلى جانبه من خلال الحوار معه و مع من يمثله، تنكل به لتثبت له و لجميع المظلومين أن الفوضى هي سيدة الموقف، في حين يوهمنا البعض من خلال الندوات و البرامج المتنوعة على القنوات الوطنية أن المغرب قطع شوطا مهما في تثبيت دولة الديمقراطية و حقوق الإنسان. عوض أن تخبر المحكمة المواطنين بحيثيات ملف إبا إجو و عائلتها عبر بلاغ يوجه للرأي العام المحلي و الوطني، يتم تنظيم اجتماع بالمحكمة للوصول إلى قرار مفاده حرمان المواطن من ولوجها. و عوض تدخل المجلس البلدي لصالح المواطن الذي ينتخبه يطلع علينا رئيس المجلس و نائبه الأول عبر الفايسبوك بخطوتين غير مقنعتين. فالاثنين تعاملا مع الموقف كأنهما لا يعرفان أن موضوع العقار بمدينة تيزنيت تنتابه عيوب بنيوية يجب تصحيحها. إنهما ليسا مواطنين عاديين، بل مهمتهما تقتضي المتابعة و الرصد من خلال الاتصال بالإدارات الأخرى و تنبيهها أن مصلحة المواطنين في خطر. إن المواطن يحتاج قبل الرياضة و المهرجانات إلى من يصون كرامته !!!