لقد عرف المغرب خلال العشرية الأخيرة مجموعة من التغييرات والتحولات، والتي شملت مختلف المجالات السياسية ،الإقتصادية والسوسيو- ثقافية، وتعزى هذه التحولات إلى التراكمات التي راكمها المجتمع المغربي منذ الاستقلال إلى اليوم، إذ شكلت بعض المنجزات المحققة بمثابة استمرارية الصيرورة الإصلاحية في شموليتها، من جهة، كما تم المضي قدما والسير على منهج الإصلاح نفسه وإن بوثيرة متسارعة شيئا ما مقارنة مع السنوات الماضية ،من جهة ثانية . ويمكن رصد الإصلاحات المحققة والتي في طور التحقق بالمغرب، من خلال الأوراش الكبرى التي أعطى جلالة الملك انطلاقتها خصوصا قبيل وبعيد دستور 29 يوليوز 2011، ويعتبر ورش الإصلاح العميق والشامل للقضاء من أبرز وأهم الأوراش الإصلاحية التي صفق لها الجميع رغم ما عرفه هذا النقاش وما زال يعيشه من أخد ورد بين مختلف مكونات المجتمع المغربي. ولا يمكن القول أننا قد قطعنا الواد بسلام فيما يتعلق بورش إصلاح العدالة ، ذلك أن الحرب مازالت مستعرة بين الوزارة الوصية وبين مختلف مكونات الجهاز القضائي الذي لا يمكن تجاهل دوره في بناء المجتمع المغربي بل والمساهمة في إرساء قيم ومبادئ هذا المجتمع عبر التاريخ . علاوة على كون الجهاز القضائي مجالا يعرف تقاطع مختلف العقليات ، فهناك الصالح والطالح وهناك الغيور والإنتهازي، فإن قطار إصلاح القضاء لم يرسو بعد في محطته النهائية، بسبب هذه التجادبات التي تعرقل الإصلاح في شموليته. ويعتبر شعار " القضاء في خدمة المواطن" الذي يستقبلك وأنت داخل إلى فضاء المحكمة بمثابة مقدمة وعربون ظاهري وكاشف للرغبة في إصلاح منظومة العدالة ببلادنا، لكن بمجرد ما تلج قاعة الجلسات تكشف أن الشعار المبثوت بالخط العربي وبالبند الأحمر، العريض ، ليس إلا كبقية الشعارات التي ترفع منذ الاستقلال إلى يومنا هذا وربما سترفع لمزيد من السنوات المقبلة من تاريخ المغرب المعاصر . إن ما يؤكد زيف الشعار السالف الذكر هو نماذج حية من الظلم في المجتمع المغربي، والقابلة للرصد والمعاينة بالعين المجردة بل وأمام الملأ ،والتي يمكن بل، يجب على القضاء الحسم فيها والضرب بقوة وبدون شفقة، ولعل ما بات يعرف في أوساط ساكنة تيزنيت بقضية " إبا إجو" من أمام المحكمة الابتدائية بهذه المدينة يضرب بعرض الحائط التنزيل السليم للدستور فيما يتعلق بالمساواة وبالحق في التقاضي ، بل يكرس زيف شعار "القضاء في خدمة المواطن"، ولو أن مفهوم" الخدمة" يحتمل معاني كثيرة إلا أنها معاني لا تصب في خانة إقرار الحق وتطبيق القانون في هذه النازلة. والسؤال المطروح في قضية " إبا إجو" أين هي الأقلام المناضلة والأفواه والحناجر التي تصدح بلغة الحقوق والقوانين ، والدفاع عن النساء وعن المرأة؟ أم أن الأمر يتعلق فقط ب "إبا إجو" تلك المرأة الجبلية في المغرب المنسي، وأين أولئك الذين صوتت لصالحهم "إبا إجو" خلال الانتخابات الجماعية والبرلمانية؟ في حقيقة الأمر إن المشهد الذي تداولته مختلف المواقع الإلكترونية ،ومواقع التواصل الإجتماعي، يؤكد أن الظلم في مغرب القرن الواحد والعشرين وفي ظل حكومة الدستور الجديد التي رفعت شعار محاربة الفساد،أصبح الظلم أكثر مأسسة وتشبيكا، بل أصبحت الحكومة بعدم تدخلها في هذه النازلة وفتح تحقيق نزيه وشفاف في الموضوع رغم امتلاك السيد رئيس الحكومة لمقاليد السلطة وتمتعه بصلاحيات واسعة علاوة على تدبير حزبه ( العدالة والتنمية) لشؤون وزارة العدل أصبحت بذلك المسؤولة عن مأساة " إبا إجو وزوجها". أما بخصوص المنتخبين المحليين وممثلي "إبا إجو" في البرلمان فتجاهلهم للمكلومة والمظلومة يدفعنا إلى التشكيك في الشعارات والبرامج الحزبية بل يؤكد لنا بالملموس موت المؤسسات الحزبية خصوصا المنتخبة بدائرة " إبا إجو". كما أن تخاذل هؤلاء الممثلين عن مناصرة أمثال هذه المرأة المسنة يستدعي القطع مع ما يسمى بالديمقراطية التمثيلية ، إذ كيف يمكن منح التمثيلية لمن لا يمثل إلا نفسه ومصالحه بتمثيل قبيلة أو منطقة بأكملها والدفاع عن حقوقها وهو لم يكلف نفسه عناء السؤال عن محنة " إبا إجو" والحال أن المعتدي حر طليق وبشهادة المكلومة والمظلومة معروف عنه الابتزاز واغتصاب حقوق الضعفاء في المنطقة ،وإذا كان دستور 29 يوليوز 2011 قد نص على الديمقراطية التشاركية فإنه قد حان الآوان لتنزيل سياق وشروط تفعيلها بدءا بالجهوية الموسعة كإحدى أسس هذه الديمقراطية التي تؤمن والعهدة على الدستور بمشاركة المواطنين والمجتمع المدني. وحتى لا تبقى قضية "إبا إجو" مادة إعلامية دسمة ،وقصد الرفق بالمواطنين الفقيرين المظلومين ، على وزارة العدل وعلى المنتخبين المحليين وممثلي "إبا إجو" التدخل من أجل وقف مثل هذه المهازل بالمحكمة الابتدائية بتزينت ، والضرب بقوة على أيادي شبكة شهود الزور التي تضاهي الشبكات المافيوزية عالميا. كما نسجل أسفنا عن تخاذل المدافعين عن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة على الخصوص علما أن " إبا إجو" كانت تصدح وتصرخ بأمازيغيتها التي خرقت سماء تيزنيت بل سماء الوطن، والذين يناضلون لكي تكون اللغة الأمازيغية في رنات الهاتف،وفي لوحات وزارة العدل وغيرها من الوزارات. كما لو أن مشكل اللغة الأمازيغية يكمن فقط في الكتابة وليس في الإنسان. وأخيرا،لا نريد أن يبقى شعار " القضاء في خدمة المواطن" حبيس البند العريض بل نريده تجسيدا على أرض الواقع وتماشيا مع ما يصبو إليه الغييورين في الجهاز القضائي( السادة القضاة) على هذا الوطن وتفعيلا لروح دستور29 يوليوز 2011، ومواكبة للتوجهات الملكية في إرساء دولة الحق والقانون، من خلال إعتماد "منختب القرب" و "تمثيلية القرب" بعيدا عن منطق أنا وبعدي الطوفان . وختاما، يمكن أن تشكل صرخة "إبا إجو" أمام المحكمة الابتدائية لتيزنيت مدخلا لصراخ اجتماعي ضد مأسسة وتشبيك الظلم الإجتماعي، فمغرب القرن الواحد والعشرين برؤاه وتوجهاته تتنافى ومختلف مظاهر الظلم الذي يتناقض مع فلسفة التنمية البشرية ومفهوم الحكامة الجيدة . جامع سموك باحث ، وفاعل جمعوي