عندما قابلتها أول مرة، قدمتها أختي لي على أساس أنها زميلتها منذ أيام دراستها الجامعية، وهي في كلية الآداب-جامعة دمشق في قسم اللغة الإنجليزية، عندما كنت في زيارة إلى العاصمة الأردنية-عمان، قبل عدة أشهر، وقالت لي هذه زميلتي (ريما)، وصديقتي العزيزة والغالية منذ دراستي الجامعية معها، في العاصمة السورية-دمشق، وفي جامعة دمشق ..وهي تقوم الآن بزيارة إلى العاصمة الأردنية عمان، في معية والدتها للترفيه وقضاء بعض الحاجات والقيام ببعض الأعمال الخاصة بهما، وها أنا التقيها ثانية بعد تخرجنا منذ عدة أعوام. قدمتني أختي لزميلتها (ريما)، وقالت لها بأنني أخاها (احمد)، واعمل في مجال الكتابة والبحث، وتأليف الكتب، وكتابة القصص القصيرة وخلافه، وتابعت أختي الحديث معها، بأنني مغرم بالكتابة والتأليف، خاصة في كتابة وتأليف القصص القصيرة، وانه إذا ما رغبت، فان أخي بارع في الكتابة، وفي تأليف القصص أيضا، وبامكانه كتابة قصة قصيرة عن فترة حياتك المنصرمة، والتي طالما عانيت منها كثيرا، بأسلوب شيق وممتع. عقبت ريما على كلامها، وأجابتها بسرعة قائلة، لا مانع لدي أن يجري أخوك حديثا معي، ويكتب قصة حياتي بشكل مختصر، ولكن بشرط، أن لا يذكر اسمي الحقيقي في القصة. فقلت معقبا لا مانع لدي شخصيا. (قالت أختي لنا)، إذن اتركما معا للتحادث، بما يمكنكما الحديث عنه وكتابته. (التفت ريما إلي مبتسمة وقالت) ريما: ماذا تود أن تعرفه عني و تكتبه في قصتك ؟ قلت: كل ما ترغبين نشره عن شخصيتك، وما تحملينه من هموم وأحلام وخلافه. ريما: من أين ترغب أن نبدأ الحديث؟ منذ طفولتي أم منذ وقتنا الحالي؟ قلت: لا باس منذ طفولتك إذا شئت، إذا كان هناك شيئا، ما زال تحملينه في نفسك منها. قالت: لا باس، ولكن أرجو أن تبادر بالسؤال، وأنا أجاوب عن كل استفساراتك، وبقدر ما تسأل، تتحصل مني على المعلومات التي تريدها، وكما اتفقنا أرجو أن لا تذكر اسمي الحقيقي في القصة. قلت: لا باس وهو كذلك. ولكن ماذا يمكنك أن تحدثينني عن وضعك الحالي باختصار شديد؟؟ قالت: كما تعرف وتشاهد، فانا شابة، اتسم بالجمال، وبالحيوية والنشاط والذكاء، (كما يقول عني بعض المعارف والأصدقاء) وكذلك الأهل، وابلغ من العمر الثلاثين عاما، ولم أتزوج بعد. قلت: ماذا تحملين من شهادة علمية، وهل أنت موظفة أم لا؟؟ قالت: أنا احمل شهادة الليسانس بالأدب الإنجليزي، من جامعة دمشق، وهي الجامعة التي درست بها وأختك كانت معي، واعمل حاليا في العاصمة السورية (دمشق)، في حقل التدريس للغة الإنجليزية للصفوف الثانوية. لفت انتباهي كثيرا، صوتها الرقيق والعذب والناعم، بنغمته الدمشقية المعهودة والمعروفة، ومظهرها الجميل والأخاذ، ونعومة وجهها ودقته، وابتسامتها العريضة، والتي يظهر من خلالها جمال أسنانها الناصعة البياض، والمنتظمة بصفوف، كأنها حجارة دقيقة من اللؤلؤ كما يوجد على جانبي خديها غمازتين رائعتي الجمال، تظهران جلية وواضحة، أثناء ضحكتها أو ابتسامتها و..... قلت:أرى مسحة من الحزن تشوب وجهك المشرق والجميل والأخاذ، وكأن هناك شيئا تعانين منه؟ قالت: أبدا، أنا حقيقة وجهي يحمل في طياته مسحة من الحزن حقا، مع أنني انسانة متفائلة ومبتسمة دائما، ومسحة الحزن هذه، لا تفارقني غالبا. قلت: وما سبب مسحة الحزن هذه التي تعتريك بين الفينة والأخرى؟؟؟ قالت: حقيقة، منذ وعيت على نفسي، واعتقد، منذ كان عمري خمس سنوات، كنت اشعر بغبن من والدتي وظلم وتأنيب، وفي أحيان أخرى، كانت تلجأ والدتي لضربي، بدون سبب، وكنت أتلم لذلك كثيرا، وكنت أشعر أن والدتي لا تكن لي حبا حقيقيا كبقية الأمهات مع أطفالهن. قلت: وهل هذا الشعور بينك وبين والدتك ما زال قائما؟؟؟ قالت: على الرغم من انه خف كثيرا عن ذي قبل، ولكنه حقيقة، ما زال قائما، وما يزعجني كثيرا، أنني لا اعرف سببا له، وكلما حاولت مناقشة والدتي عنه، ترفضني بعنف شديد. قلت: وماذا عن الوالد؟؟ قالت: الوالد، أكثر رأفة بي من أمي، ودائما يقف إلى جانبي في كثير من الأمور، ويدافع عني إذا ما حاولت الوالدة المس بي بأي شكل من الأشكال. قلت: كيف يقف إلى جانبك مثلا؟ قالت: كنت أزمع القيام برحلة مع المدرسة التي ادرس به، لكن الوالدة، رفضت ذهابي وأنبتي على طلبي هذا بالذهاب إلى الرحلة بشدة وعنف، مع أن الوالد وافق على طلبي، ورغبتي بالذهاب للترفيه عن حالي، وهذا أدى إلى حدوث مشكلة بين والدي ووالدتي، فكنت أنا المسبب في ذلك، مما سبب لي أرقا وإزعاجا، وزاد من كره والدتي لي، مع أنني أحاول تجنب ذلك كثيرا. قلت: هل تسببين مشاكل لوالدتك دائما؟؟ فقد يكون هذا هو سبب نفور والدتك منك وعد حبها لك؟؟ قالت: حقيقة، كنت ألقى حبا ومعاملة حسنة من عمتي، والتي كانت تتواجد عندنا في منزلنا كثيرا، وكان هذا يثير والدتي، وكنت بناء عليه، أحب عمتي كثيرا، لأنني أحظى بعطفها وحبها دوما، وكان هذا ما يزعج والدتي أيضا، وتود مني الابتعاد عنها، وكان هذا يسبب في أحيان كثيرة، خلافات بين والدتي وعمتي، وأكون أنا سببه، وأتلقى تأنيبا منها على ذلك. حتى في أحيان أخرى، كان سوء التفاهم يصل أيضا لوالدي، ويخلق مشاكل بسببي مع الوالدة، ومن هنا، كنت اشعر بأنني سبب المشاكل في البيت، وأحاول أن اعزل نفسي، كي لا أسبب مشاكل لأحد. قلت:أنت تتمتعين بمسحة كبيرة من الجمال، فبشرتك بيضاء وناصعة البياض، جسمك متناسق ومثير، وشعرك اسود طويل ورائع، ووجهك مكتنز وملفت للانتباه، وخديك كأنهما تفاحتين موشحتين بالاحمرار، وشفتيك كأنهما حبتي فراولة، وعيونك سوداء جميلة، كأنها حور العين، وطولك فارع كالنخلة الباسقة، وأضفت مسترسلا أيضا، لقد تذكرت أغنية عربية تقول: (عيونك حلوين، ليش بعدك عزابية) ؟؟؟؟. قالت: (ضحكت وهي تقول):(معك حق في سؤالك)، واعتقد انك سوف تستغرب الأمر، فأنا حقيقة، وكما تفضلت أنت بنفسك، أتمتع بالجمال الأخاذ، وهذا ليس أنا ما أقوله أو أدعيه، بل المعارف والأصدقاء والأهل كذلك، وكما ترى أنت بنفسك، كما أنني من أسرة عريقة، جميعها متعلم تعليم عال تقريبا، حتى الوالد والوالدة، وأخواتي أيضا، إضافة إلى أنني موظفة منذ مدة طويلة نسبيا، وأتمتع براتبي كله، ومكتفية ماديا بشكل كامل تقريبا، ولا ينقصني أي شيء، بل في سعة في ذلك أيضا، والحمد لله، أتمتع بأخلاق عالية جدا، وأسرتي مرموقة كذلك، ومعروفة جيدا في منطقة سكناي. قلت: ولماذا لم تتزوجي بعد، مع انه لديك كل هذه الصفات والامتيازات، ألم يتقدم احد لخطبتك وطلب يدك بعد؟؟؟ قالت: بلى، تقدم الكثير، وطلبوا يدي من الأهل، ولكن مع الأسف الشديد، لم يكن هناك نصيب (كما يقولون)، فانا اشعر أن النصيب، يقف عثرة أمامي، وكما يقول المثل:(اللي ما له نصيب، لا يتعب ولا يشقى). قلت: وكيف ذلك، معقول هذا؟؟؟ مع كل ما تتمتعين به من جمال وخلافه؟؟؟ قالت: تقدم لي مهندسين ومحامين ودكاترة جامعات وأخصائيي بالكمبيوتر وخلافه، ومع الأسف، لم يكن هناك تفاهم معهم أو انسجام، فكل شيء بالدنيا قسمة ونصيب. قلت: لماذا لم تحظي بواحد من هؤلاء الخطاب؟؟ قالت: منهم من كان يكبرني سنا بحدود عشرين عاما وأكثر، ومنهم من لا يملك شخصية مقبولة بالمرة، ومنهم من كان من عائلة مشبوهة أخلاقيا وغير مقبولة اجتماعيا. وكانت تتم إجراءات الخطبة مع البعض منهم، ولكن بعد فترة وجيزة جدا، لا تلبث، أن يتم فسخها وبدون أن أعرف لذلك سببا، بحيث يئست من هذا الموضوع، موضوع خطبتي وزواجي، ولم اعد ارغب من أحد، أن يتقدم لخطبتي. قلت:إلى هذا الحد وصل التشاؤم إلى نفسيتك، واتجهت بك الأمور ؟ قالت: بلى، وصرت كلما طرق احد باب منزلنا، اشعر بان شخصا ما، قادم لخطبتي، فكنت اهرب من ذلك. (واستطردت بالحديث قائلة)، تصور انه حتى يوم تقدمت لوظيفة في الجامعة التي تخرجت منها، حدث لي ظلم فاحش، تألمت منه كثيرا، وحز في نفسي أيضا، وعانيت من هذا الظلم لوقت طويل. قلت: وكيف ذلك؟؟ قالت: أنا كنت من الطالبات المتميزات في دراستي الجامعية، ومن المعروفات جدا ومن الأوائل والمتفوقات على مستوى الجامعة، معروفة بسمعتي وبتألقي واجتهادي لكافة الطلبة والمدرسين وغيرهم، فقدمت طلبا للتعيين في الجامعة التي درست بها، بعد تخرجي مباشرة، وكنت مستوفية لكافة شروط التعيين، حسب القانون والإجراءات المعمول بها في الجامعة، وكنت أتوقع تعييني معيدة في الجامعة بنسبة كبيرة جدا، إلا أنني فوجئت بتعيين انسانة أخرى بدلا مني، بدون وجه حق، فالتي عينت بدلا مني، كانت اقل مني مستوى علميا وكفاءة، كما أنها ليست من نفس جامعتي التي تخرجت منها، مع أن من يكون خريج نفس الجامعة، له أولية الحق في التعين فيها عن غيره. قلت: حتى هذا يحدث معك في تعيينك بهذا الشكل؟ قالت: الم اقل لك، أن حظي تعيس، وغير مؤاتي، وان كل الظروف تقف أمامي عقبة، وان من ليس له حظ، عليه أن لا يتعب ولا يشقى (كما يقول المثل)؟؟؟ قلت: وأين توظفت بعد ذلك؟؟ قالت: توظفت في وزارة التربية والتعليم، مدرسة في إحدى المدارس الثانوية، ولكن بعد أن عانيت كثيرا، وأنا ابحث عن وظيفة، في كافة المجالات، وكافة المؤسسات، إلى أن توظفت في وظيفتي الحالية، مدرسة للغة الإنجليزية للصفوف الثانوية، وطبعا هذه الوظيفة، لا شك أنها متعبة كثيرا أيضا، فهي تحتاج مني لجهد جهيد. قلت: كيف تشعرين الآن بعد هذا كله من المعاناة والإرهاق؟؟ قالت: مع كل هذا وذك، فأنا محبطة ويائسة، ولا اشعر بالاستقرار والأمان، وأنا حقيقة أشعر بالضياع، وأفكر كثيرا بحالي وما ينتظرني من أمور أو مفاجآت. قلت: ولكنك في بداية العمر، وأول الطريق، فلماذا هذا الياس والإحباط؟؟ قالت: من قال لك بأنني بأول الطريق وأول العمر؟؟؟ فانا ادخل عامي الثلاثون والإحباط واليأس يقتلني، ولا أمل لي في الحياة. قلت: هل أستطيع القول بأن (ريما) الآن في مهب الريح؟؟؟ قالت: تستطيع القول عني كل شيء، تستطيع القول، أن ريما في مدفع القدر، تتقاذفها الرياح بكل اتجاه، بدون أن تدري، أو بدون إرادتها. قلت: إلى متى هذا الأمر سيبقى ؟؟؟ قالت: إلى أن يكون أمر من الله مقضيا. لاحظت أختي، والتي كانت تجلس قريبة منا عن بعد، أننا قد انهينا حديثنا، فجاءت وعقبت بكلمات قليلة، ولكنها قوية، وقالت:(لقد تابعت الكثير من حواركما عن بعد، وفهمت بعضه ولم افهم البعض الآخر منه، واسمحوا لي أن أقول لكما هذه الكلمات القليلة وهي: (لا شيء يقف أمام إرادة الإنسان، إذا كان لديه الرغبة والإرادة القوية والحقة، فبالإرادة والتصميم تنجز المعجزات، ونتخطى الصعاب وكل العقبات). واستطردت موجهة كلامها لصديقتها ريما: لقد حضرت وأخي لدعوتك والوالدة لطعام العشاء، أرجو قبول الدعوة بدون نقاش، وهيا بنا قبل أن يفوتنا الوقت، ركبنا السيارة جميعا، وبدت ريما تفكر في طريقنا، وكأنها ذاهبة إلى المجهول، دون أن تدري كعادتها، لعدم إدراكها كنهه سيكون مستقبلها.