الأسباب التي تدفع بالطالبات إلى العمل بموازاة مع الدراسة كثيرة ومتعددة. لكن مهما اختلفت الظروف والأماكن التي يعملن فيها، ومهما تنوعت الوظائف التي يمارسنها، يبقى هدفهن الأوحد ودافعهن المشترك هو تمويل دراستهن وتخفيف بعض الأعباء عن الأهل. لكن هذه المهمة تبدو صعبة جدا بسبب إصرار جل الشركات على امتلاك المتقدم للوظيفة تجربة مهنية لا تقل عن بضع سنوات، وعدم وجود شركات تقبل توظيف الناس بنصف دوام، وهو الاختيار الذي تفضله جل الطالبات لأنه يساعدهن على التوفيق بين العمل والدراسة، دون أن ننسى حكايات التحرش والعنف الجسدي واللفظي الذي تتعرض له نسبة كبيرة من الطالبات اللواتي يلتحقن بسوق العمل. تحرش واحتقار بمرارة كبيرة تسرد ابتسام حكايات تحرش كانت تدور أطوارها خفية في سراديب المعمل الذي اشتغلت به عندما كانت طالبة: «عندما كنت أدرس في الجامعة زاولت أعمالا متواضعة للغاية ولا تتماشى مع مستواي التعليمي، لأنني كنت بحاجة ماسة إلى المال من أجل نفقات دراستي، خاصة أنني كنت أدرس في مدينة أخرى. فقد عملت ذات مرة في معمل لتصبير الأسماك، وهو، في نظري، أحقر مكان يمكن لفتاة أن تشتغل فيه، لأن مثل هذه الأماكن تشتهر بممارسة التحرش بشتى أنواعه، والكل يعاملك على أنك «نكرة». لكن الظروف دفعتني لأن أفعل أي شيء من أجل الحصول على المال. وهي في الغالب نفس الظروف التي دفعت عشرات الفتيات المتعلمات لممارسة أعمال وضيعة وتحمل التحرش اللفظي وحتى الجسدي الذي يتعرضن إليه بصمت وبعيدا عن أعين المسؤولين، وبعض المدراء يساومونهن مساومة رخيصة للنيل من شرفهن». العمل على حساب الدراسة مريم اشتغلت في أحد أشهر محلات تقديم الوجبات السريعة، فأهملتْ دراستها، ورسبت في بعض المواد في الجامعة. «أردت العودة إلى العمل في العام الموالي، لكن والديّ رفضا بشدة، لأن العمل يشغلني عن الدراسة التي هي رأسمالي الوحيد. أعتقد أن الشخص الناجح في دراسته والذي يزاول في نفس الوقت عملا آخر، يستحق كل التقدير والاحترام، لأن عملية التوفيق بين الدراسة والعمل صعبة للغاية وتحتاج لعزم وصبر كبيرين، وأنا أقول ذلك عن تجربة». تقول مريم. أما قصة عزيز، الذي اشتغل عندما كان طالبا ليعيل نفسه، فهي مختلفة بعض الشيء، يقول عزيز ساردا ما حدث له: «والدي رجل بسيط يقيم بإحدى بوادي الشمال، لذا كان عليّ توفير ما يلزمني بنفسي، والتقلب بين عدة وظائف قبل أن أترك دراستي نهائيا وأشتغل بدوام كامل. لقد اكتشفت بعد مرور فترة على التحاقي بالعمل أن التوفيق بين الدراسة والوظيفة أمر صعب للغاية لأن المرء لا يستطيع أن يكون فعالا ومجدّا في مجالين مختلفين. لذا اخترت الأنسب بالنسبة لي». صعوبة التوفيق بين الدراسة والوظيفة بعض الطالبات يبحثن عن وظيفة بنصف دوام لكنهن يعانين الأمرين بسبب عدم وجود شركات تقبل بهذا الاقتراح، وفي هذا الصدد تقول نورة، وهي شابة في الثلاثينات: «نادرا ما يقبل المشغلون موظفين بنصف دوام، لذا اشتغلت أثناء دراستي مدرسة خاصة في بعض المنازل لأوفّر نفقات دراستي وتنقلي. وقد تعلمت الكثير من الدروس بفضل هذه التجربة الأولية، وفي مقدمتها قيمة الاعتماد على النفس والشعور بأنني مفيدة، واكتساب الثقة في النفس واحترام الآخرين، كما تعلمت الحكمة في التصرف في المال». أما (س)، التي أصبحت موظفة، فقد بدأت مسيرتها المهنية عندما كانت طالبة في الجامعة، تقول وهي تستعيد ذكريات هذه المرحلة المهمة من حياتها: «نحن عائلة كثيرة الأفراد، لذلك كان عليّ العمل لتوفير مصاريف الدراسة من بحوث وتنقل، وقد جعلني هذا العمل أشعر بالاستقلالية، لأنني لم أعد أطلب المال من والديّ. لكن هناك مجموعة من المعيقات تحول دون إيجاد عمل لنصف يوم، خاصة في بلدنا، على خلاف الدول الأوربية حيث يشتغل جل الطلبة بنصف دوام. زد على ذلك التحرش الذي تتعرض إليه البنات في بعض الشركات والمؤسسات». وتضيف زميلتها موضحة: «العمل أثناء الدراسة صعب جدا، لأن وقت الطالب ضئيل، والساعات الدراسية لا تتلاءم أحيانا مع ساعات العمل، زد على ذلك مشكل التنقل. أنا لا أستطيع التخلي عن دراستي لأن الحصول على الدبلوم مهم بالنسبة لأي شخص، لكن في نفس الوقت لا أستطيع التخلي عن العمل لأنني في أمس الحاجة للمال، رغم ما يفرض علي ذلك من إكراهات، وفي مقدمتها التحرش اللفظي الذي تتعرض له جل العاملات، سواء داخل الشركة التي يعملن بها أو في الشارع». تحقيق الاستقلالية تعتقد سلمى أن للعمل مجموعة من الإيجابيات، أهمها أنه يقوي شخصية الفرد ويمنح الطالب فرصة الاحتكاك بأناس جدد واختبار تجارب عدة. أما العمل بموازاة مع الدراسة، فهو، في نظرها، عملية صعبة للغاية، «خضت هذه التجربة خلال ثلاث سنوات كانت الامتحانات دائما هي الفترة الأصعب فيها، حيث كنت أتغيب كثيرا عن الدراسة، وكانت الدروس تتراكم علي ويصعب علي استيعابها، وكنت اضطر أحيانا إلى المراجعة في مكان عملي». تقول سلمى. وتضيف أسماء التي اشتغلتْ بمصلحة للمكالمات لتوفير لوازمها من ملابس على الموضة وغيرها: «أرغمت على الخروج لسوق العمل لأني فتاة لها احتياجاتها الخاصة، إذ يجب علي أن أبدو بمظهر لائق في الجامعة وسط قريناتي، وأن أنتقي آخر صيحات الموضة من حقائب وإكسسوارات، ولأن عائلتي لا تفكر بهذا المنطق، قررت الاشتغال في نفس الوقت لتحقيق أحلامي رغم الصعوبة الكبيرة التي واجهتها في التوفيق بين الدراسة والعمل». نصائح للجمع بين العمل والدراسة تقسيم الوقت بشكل جيد. صرف المال بشكل عقلاني. اختيار عمل يناسب توقيت الدراسة. عدم إجهاد الذات كثيرا، إذ يجب العمل على تقسيم هذه الطاقة بين العمل والدراسة. التحلي بالصبر والمثابرة. أشهر الأماكن التي تشتغل بها الطالبات بنصف دوام مراكز الاتصال لأنها توفر مدخولا جيدا. محلات تقديم الوجبات السريعة العالمية التي تقدم تسهيلات في التوقيت. المحلات التجارية والمخادع الهاتفية والأسواق الممتازة.