القناة «إل بي سي» اللبنانية. اليوم الجمعة، الساعة السادسة والنصف مساء. الحدث برايم ستار أكاديمي. هو موعد أدمنه الشباب العرب منذ 2003 لمدة ثلاثة أشهر في السنة. يترقبونه كل أسبوع كما يترقبون يوميات البرنامج كل يوم على نفس القناة. في نسخته السادسة لهذه السنة عشرون طالبا تم انتقاؤهم من أصل 20 ألفا تقدموا للبرنامج «نخبة النخبة». لايزال الإدمان قائما، لكن درجاته اختلفت. قاعة للسينما وقاعة «للدي دجي» يتم فيها توزيع وميكساج الموسيقى، قاعة للراحة والتدليك، انتخاب ممثل كل أسبوع إضافة إلى رياضات جديدة وخلق «مدرسة للتكنولوجيا المتطورة»... كلها عناصر جديدة تم ذكرها في أول برايم للبرنامج لهذه السنة، حيث ظهر بلاطو البرايم بألوان زاهية وديكور جديد .نزل المشاركون لأول مرة في حلة جديدة، حلة عسكرية كأنهم المارينز، وبدل تأدية الأغنية والرقصة المعتادة في المواسم السابقة، رقص الطلبة على إيقاعات عسكرية وكانت الطائرة المحلقة فوقهم ضابط الإيقاع. ومما زاد البلاطو إشراقا وإطلالة، هيلدا خليفة، مقدمة البرنامج بفستانها الأبيض لتعلن إنهاء «المناورة العسكرية للطلاب». و»استحالة غياب ستار أكاديمي من القناة بفضل الجمهور الرائع». هيلدا تسحر قلوب الكثير. أمينة الطالبة الصحفية تؤكد «لا أتخيل ستار أكاديمي بدون هيلدا خليفة». تشاطرها زميلتها إيمان الرأي وتضيف أنها تنتظر جديد البرنامج «سنة بعد سنة وأسبوعا بعد أسبوع». عائشة طالبة جامعية تتعرف على جديد الموضة من خلال البرنامج. عائشة، إيمان، أمينة وكثير ممن يشاهد البرنامج عبر عن نفس فكرة الجديد. ويعزى هذا الإجماع إلى كون البرنامج عود مشاهديه على الجديد والمفاجآت لأنه برنامج «يواكب التطورات العالمية» كما يروج لذلك معدوه. جديد السنة الماضية كان حماما للسباحة سبح فيه الطلبة ذكورا وإناثا أمام أعين الملايين من المشاهدين العرب إدمان وملل عيون شاخصة أمام التلفاز، تركيز عميق في انقطاع شبه تام عن المحيط، تعبيرات مختلفة قد تكون عبارة عن صرخات أو دموع صامتة أو ضحكات منفجرة . هكذا يمكن وصف حالة عشاق برنامج ستار أكاديمي في لحظات انصهار تام تنقلهم جميعا بلا شعور إلى بيروت العاصمة اللبنانية حيث توجد الأكاديمية. «أتابع يوميات ستار أكاديمي باستمرار» تقول سهام تلميذة بالمستوى الإعدادي والتي تؤكد اهتمامها بكل تفاصيل البرنامج، غير أن أوقات الدراسة تمنعها من مشاهدة قناة « «staracademy» التي تبث طوال اليوم لتفاصيل حياة الطلاب داخل الأكاديمية، حيث الكاميرات منصوبة في كل ركن عدا الحمامات. صديقتها مريم تؤكد إعجابها وإدمانها المتزايد على البرنامج كل سنة، وتضيف بنبرة متأسفة أن أوقات الدراسة تمنعها أحيانا من المتابعة. يبث البرنامج عادة في أشهر العمل والدراسة مما يمنع البعض من متابعته، في الوقت الذي وجد آخرون طرقا تمكنهم من مشاهدة الحلقات المفقودة. من بين هؤلاء البتول، طالبة جامعية، التي أكدت أنها كانت تشاهد اليوميات و«البرايمات» التي فاتتها على اليوتوب. وكذلك الشأن بالنسبة لعائشة التي تعيد التفرج على الحلقات على نفس الموقع . غير أن البتول تؤكد أن إدمانها قد تحول إلى إشباع . إنها لا تعير اهتماما لنسخة هذه السنة. عائشة هي الأخرى أصابها الملل في هذا الموسم فلم يعد البرنامج يشكل جزءا من انشغالاتها كالسابق. نرجس لم تعد تهتم بالبرنامج كما كان الشأن بالنسبة للموسم الماضي خصوصا. في حين أن أسماء ربة بيت في السادسة والعشرين من عمرها تمضي يومها وطيلة أربعة أشهر لبث البرنامج، أمام قناة «staracademy» التي تعرض تفاصيل حياة الشباب حتى أثناء نومهم. لقد حول البرنامج السلوكات العادية لأشخاص عاديين إلى فرجة، فغذى بذلك غريزة التلصص لدى الأفراد « أدمن مشاهدة البرنامج أكثر عندما تقوم هناك علاقات غرامية بين الطلبة» تقول سهام تلميذة بالثانوي، مضيفة « أكثر الفقرات التي أحبها في البرنامج هي الفقرة التي يتحدثون فيها عن مشاكلهم وحياتهم الخاصة» في الغالب تعرض اليوميات لأقوى اللحظات التي عاشها الطلبة خلال اليوم لكنها في الحقيقة لحظات قد نمر بها يوميا والفارق أنها مصورة بكاميرا. لقد جعل البرنامج من أشخاص عاديين رموزا يقتدى بها، خاصة من لدن المراهقين الذين يتشبهون بموضة هؤلاء الشباب وحركاتهم وتسريحات شعرهم... دغدغة أحلام الشباب «في السنة الماضية عندما وزعت الحواسيب على الطلبة تمنيت لو كنت من المشاركين» تقول أمينة بنبرة لازال يخالطها الأمل. استطاعت أمينة بنقودها الخاصة الحصول على حاسوب، لكنها اليوم تود المشاركة للقاء مغنيها المفضل، رامي عياش. إيمان الطالبة التي تحلم بالسفر إلى مدينة الضباب، لندن، لا تخفي رغبتها في المشاركة لتحقيق حلمها. « الأمر أشبه بالعفريت الذي يخرج من الفانوس يقول شبيك لبيك للطلبة» تقول عائشة في محاولة لتفسير المفاجآت والهدايا الخيالية التي يحصل عليها المشاركون في برنامج ستار أكاديمي. العفريت هنا هو إدارة البرنامج والممولون الذين تتربع على قائمتهم شركة «بيبسي» والهدايا الخيالية قد تكون عبارة عن رحلات إلى أشهر بقاع العالم أو قواسم شراء للماركات العالمية أو اللقاء بشخصية مشهورة...فكل حلم راود الطلبة لسنوات وعسر تحقيقه يتحقق بسهولة داخل الأكاديمية، حتى الرغبات البسيطة منها، ففي أحد المواسم كانت الطالبة المصرية سالي تعشق الموز، فأحضرت لها أطنان منه محملة على سيارة كبيرة. فداخل الأكاديمية حتى الجو يتحكمون فيه فيصنعون الثلج يتساقط ليتمتع به العديد من الطلبة الذين منهم من لم ير الثلج إلا على التلفاز، خاصة القادمين من منطقة الخليج. كل هذا يشكل عاملا مهما يدفع الطلبة إلى الانقطاع لمدة عن دراستهم وأعمالهم لخوض التجربة ودخول الأكاديمية حيث «الحياة وردية». وهو الحال نفسه بالنسبة لبسمة المشاركة المغربية لهذا الموسم التي سجلت سنة بيضاء بكلية الطب بفرنسا والتحقت بالبرنامج وكذلك فعلت خولة القادمة من القصر الكبير وطلبة آخرون من كليات الهندسة والصيدلة ومن الثانويات... كثيرات كالبتول وأسماء ونصيرة، وهن طالبات جامعيات، رفضن الانقطاع عن دراستهن من أجل الذهاب للبرنامج لكنهن لا يخفين انبهارهن بالفرص التي تتاح للمشاركين. في حين تتأسف أحلام التلميذة بالسنة الأولى باكالوريا افتقارها لموهبة تؤهلها للمشاركة في البرنامج لا لشيء سوى العودة محملة بأطنان الهدايا على شاكلة طلبة كل موسم. ليظل بذلك برنامج ستار أكاديمي يحقق أحلام البعض ويدغدغ في نفس الوقت أحلام الكثير من شباب العرب الذي يمضي ساعات يتفرج على «المحظوظين» كما تعبر عن ذلك دنيا طالبة جامعية. إدارة البرنامج وعت بعنصر الجذب هذا فضاعفت إنفاقها على المفاجآت لكنها تسترد ماتنفقه أضعافا عبر جلب المستشهرين والرسائل القصيرة التي يرسلها الجمهور طيلة مدة البث تعبيرا عن حبهم للطلبة، وكذا عائدات الجولات التي يقوم بها الطلبة لإحياء حفلات في مختلف بقاع العالم العربي. خلق نجوم آفلة إذا كان المبدأ الذي يقوم عليه البرنامج هو خلق منافسة بين مجموعة من الموهوبين لإخراج الفنان. فإن هناك من يرى أنه ليس كل هؤلاء المشاركين يتوفرون على الموهبة «أفضل مشاركي برنامج سوبر ستار لأنهم أكثر موهبة واحترافية وأصواتهم جميلة» تقول مريم موظفة في أحد الأبناك.أما إيمان فتؤكد أنها تنسى المشاركين بمجرد خروجهم من البرنامج بل قد تغير القناة إن صادفت أحدهم لأن أصواتهم تزعجها. في حين أن مراد الطالب الجامعي يهتم بالفرجة أكثر من الاكتراث بالأصوات. فخلال البرايم، تغطي اللوحات والديكور والموسيقى على الأصوات وبالتالي فهؤلاء الشباب يصلحون للاستعراض أكثر من الغناء. على الرغم من أن البرنامج يؤكد على تخريج فنان متكامل يمكنه التألق في الغناء والتمثيل والرقص...فإن مريم تنسى اسم المشارك بمجرد خروجه من الأكاديمية، وباتول تمل انتظار ألبوم الفائز باللقب فتنسى الأمر لتنشغل بانتظار موسم جديد وطلاب جدد. ميرهان، سلمى، رقية وخليفة ... كلها أسماء تألقت داخل الأكاديمية خلال المواسم الماضية لكن لا أحد الآن يتذكرها. يبدو أن البرنامج لا يختار الموهبة التي يرفعها كشعار لإخراج نجوم تلمع في سماء الفن وتصنع لنفسها مكانا وجمهورا بقدر ما يركز على مواصفات أخرى كالجرأة والشكل والقدرة على التأثير . وهكذا يعيش هؤلاء الطلبة فترة من النجومية داخل الأكاديمية. نجومية سرعان ما تأفل مباشرة بعد خروجهم من صرح الأكاديمية التي من شأنها أن تعمق التناقض مقارنة مع الواقع. نصرة طالب... بلد «كنتفرج فستار أكاديمي بسبب المغربيات» تقول نصيرة، طالبة في الجامعة بشعبة علم النفس. تشاطرها عائشة الرأي مؤكدة أنها تكف عن مشاهدة البرنامج بمجرد خروج المشاركة المغربية، لأن تمثيليتها تنتهي على حد تعبيرها. فمشاهدة مباراة وطنية لكرة القدم وأحد برايمات ستار أكاديمي تكون فيه المغربية «نوميني» بالنسبة لعائشة سيان. إذ تحس خلال ذلك بمشاعر الوطنية تدفعها للتصويت على المغربية كي تضمن بقاءها. شفيق طالب جامعي، سبب مشاهدته البرنامج هو المشاركة المغربية. بالنسبة للعديد من متتبعي البرنامج وخاصة الشباب، تعدت اللعبة مجرد الدفاع عن طالب إلى نصرة بلد بأسره. عشرات المنتديات خلقها عشاق البرنامج يتبادلون من خلالها أخبار محبيهم من الطلاب كما يتبادلون كل أنواع الدفاع عن أبناء بلدهم. وقد تصل الدرجة إلى تبادل الشتائم بين أبناء البلدان العربية في محاولة لنصرة أبناء وطنهم من المشاركين. صوفيا، ضياء، وهناء... أشهر المغربيات المشاركات في البرنامج منذ موسمه الأول. في الموسم الثالث وصلت هناء إلى المرحلة النهائية أمام اللبناني جوزيف عطية، وقد كان فارق التصويت كبيرا جدا بين هناء التي حصلت على 15% وجوزيف الذي حصل على 85% من تصويت الجمهور. فارق تزداد حدته بمقارنة عدد سكان لبنان والمغرب. منذ تجربة هناء، نمت لدى المغاربة المعجبين بالبرنامج الروح الوطنية فكانت النتيجة التصويت المكثف لضياء الذي بفضله استطاعت الصمود بعد خمس مرات من مرحلة الخطر. عائشة ونرجس والكثير صوتن لضياء على طول الأسبوع. لقد أصبح الهدف بالنسبة إلى هؤلاء تحقيق انتصار الوطن خاصة في ظل موت الانتصارات الرياضية وغيرها. في السنة الماضية وبمقصف أحد الأحياء الجامعية المغربية، كانت الحرب الباردة معلنة بين طالبات مغربيات ينصرن ضياء المغربية وطالبات صحراويات ينصرن أمل بشوشة الجزائرية، فتعالت أصوات تغني بأناشيد وطنية على صوت التلفاز، لقد فجر البرنامج صورة مصغرة لصراع أعمق. مغربياتنا في ستار أكاديمي «هادوك أنا مكنعتبرهومش مغربيات» يقول محمد موظف شاب في إشارة إلى المغربيات اللواتي يشاركن في البرنامج. « كينساو على الدارجة المغربية كيرجعو لبنانيات» يضيف بلهجة تجمع بين السخط والسخرية. فجل المشاركات المغربيات يعرضن عن الحديث بالدارجة المغربية بمجرد دخولهن الأكاديمية. منهن من تتحدث الدارجة اللبنانية وأخريات يخترن المصرية لكن في الغالب يخلطن بين اللهجات، فيصنعن لغة خاصة ليس لها أصل. وإن كان دافعهن التواصل مع الجميع، فإن دارجتنا المغربية لا تقل صعوبة عن اللهجة التونسية التي لا يتخلى عنها المشاركون التونسيون بل يتحدثون بها بكل افتخار. إن المغربيات اللواتي يشاركن في برنامج ستار أكاديمي يجسدن بسلوكهن هذا مشكلا أعظم هو مشكل شعب بأسره تتجاذبه ثقافات مختلفة بين الفرانكفونية والأنجلوسكسونية وغيرها. شعب مستعد لأن يتخلى عن لغته وثقافته مع أول هبة ريح، لا لشيء إلا لخلخلة في هويته. يظل برنامج ستار أكاديمي ظاهرة فريدة هزت العالم العربي منذ 2003 لكن سمة الملل التي ترافق المشاهد قد تجعل هذه التجربة تخبو، خاصة في ظل تعدد برامج تلفزيون الواقع وكذا تكرارا التجربة لست سنوات متوالية. ولعل هذا مايجعل معديه يسهرون على بصمه بالجديد كل سنة لشد أنظار الكثير من محبيه وجلب جمهور جديد. في حين أن آخرين لم يعيروه أي اهتمام منذ البداية. « أعتبر مشاهدة البرنامج مسخرة ومضيعة للوقت» يقول أنس طالب جامعي، ليضيف « فائدة البرنامج الوحيدة هي نقل مستوى التفاهة التي أصبح يعيشها الشباب العربي».