قبل أيام شوهدت قوة من المخازنية يتقدمها بعض أعوان السلطة ورجالاتها متجهة نحو شارع تافيلالت في بني مكادة بطنجة. المشهد جعل البعض يعتقد أن الامر يتعلق بالقبض على مجرم خطير معين. لكن بعد محاصرة الشخص المطلوب، تحلق الناس حول المكان ليروا رجلا يعرفه أبناء المنطقة ممدا على الارض . فهذا الرجل الذي استنفرت قوات الامن للقبض عليه لم يكن مجرما بالمعنى المعروف، ربما يكون مجرما في عرف السلطات فأرسلت جحافل قواتها للقبض عليه لأنه اعتاد على نصب "كروسته" فوق أحد الارصفة ليعرض بعض حبات الحلوى على الزبائن مقابل سنتيمات يعيل بها أسرته وأطفاله. ولكن هذا الرجل كان محظوظا كثيرا مقارنة مع أقرانه من الباعة المتجولين الذين يترددون على نفس المكان، فالرجل كان مريضا بارتفاع الضغط تسبب سقوطه أرصا مغشيا عليه تحت أقدام المخازنية الذين جاءوا من أجل القبض عليه، وهو ما شفع له في اطلاق سراحه خشية أن يصيبه مكروه بين يدي رجال الامن. لنفترض أيها القراء الأعزاء أن هذه الصرامة التي يواجه بواجه بها الباعة المتجولون سخرت ضد المنحرفين ومروجي المخدرات. هل كنا سنسمع عن ذالك الكم من الجرائم الذي تطل به علينا بعض الصحف الصفراء؟ ربما ولكن يقينا بنسبة منخفضة عما هي عليه الآن . لكن اختلال المعايبر معظلة متجذرة بمعمق في منطق مسؤولينا المحترمين. فالأولوية دائما في حسابتهم تهم الأشياء الثانوية، والوسائل تستعمل في غير موضعها،فالأجهزة الامنية مسلطة مثلا على الباعة المتجولين أكثر من المنحرفين ومروجي المخدرات في الاحياء وقرب أبواب المؤسسات التعليمية. وربما والله أعلم يكون هذا من الاسباب التي جعلت المغاربة يخترعون مقولة" خلا الحمار ومشا للبردعة". المحافظة على النظام ومكافحة احتلال الملك العمومي من طرف المسؤولين مجهودات قيمة تحسب في سجل مسؤولينا. لكن من النظام أيضا تسوية وضعية هؤلاء الباعة المتجولين، وتعويضهم بفضاءات يسترزقون فيها من أجل اعالة أسرهم عوض مطاردتهم في الشوارع مثل الكلاب الظالة. أما القوة الامنية فمن الافضل استثمارها لمطاردة المجرمين من اللصوص ومروجي المخدرات الصغار منهم والكبار. إن أملنا كبير أن تغير السلطات من منطقها هذا في أحد الأيام، وتستثمر المقاربة الأمنية في محلها. ولكن ما دام الوضع على ما هو عليه، فسيتعمد الكثير تقمص حالة الشخص المريض بأمراض مثل القلب أو ارتفاع الضغط، ويتظاهرون بالاغماء كلما وقعوا في قبضة رجال الامن حتى لا تصادر منهم بضاعتهم. تماما كما تفعل الفئران عندما يضيط أحدها صاحب المخزن متلبسا بسرقة الجبن، فيتظاهر بالموت حتى لا يصادر منه صاحب المخزن حياته. وبين الفأر والبائع المتجول فروق طبعا، فالاول حرامي جاء بغرض السرقة، بينما الثاني ذنبه الوحيد هخو استرزاق ربه. [email protected]