هناك اليوم من يريد أن يشغل الرأي العام عن حقيقة الأحداث التي وقعت في سيدي إفني نهاية الأسبوع الماضي. وأصبحنا نقرأ تحاليل إخبارية في بعض الصحف تصف المعتقلين الذين شاركوا في الاحتجاجات بالمدانين، حتى قبل أن تقول العدالة كلمتها في حقهم. ولم يقف تزييف هؤلاء للحقائق عند حد إصدار الأحكام في الناس قبل القضاء، بل سولت لهم أنفسهم اتهام جريدة «المساء» بالوقوف وراء تحريض المواطنين في سيدي إفني على التظاهر في الشارع من أجل فبركة صور ونشرها لمغالطة الرأي العام. ف«المساء» حسب هؤلاء الذين يريدون أن يكونوا بوليسيين أكثر من البوليس أنفسهم، متعودة على فبركة الصور. وكأن صور النساء اللواتي ضربن إلى أن أصبحت أطرافهن زرقاء بالكامل، وصور الشيوخ الذين شجت رؤوسهم، وصور الشباب الذين كسرت أطرافهم، كلها صور فبركتها «المساء» ووزعتها على الصحف والمواقع الإلكترونية لكي تزيف ما وقع في سيدي إفني. ونحن في «المساء» نحمد الله أننا لم ننجز أي تحقيق عن سيدي إفني خلال الأيام التي سبقت اندلاع الأحداث الدامية، وإلا لسمعنا أصحاب الحسنات يسارعون إلى اتهامنا بالوقوف وراء ما وقع. مثلما اتهمونا في السابق بالوقوف وراء المظاهرات الشعبية التي وقعت في القصر الكبير بعد العرس الشهير. ورغم أن الجميع يعرف من كان وراء اندلاع أحداث سيدي إفني، إلا أن البعض من الذين أعمى الحسد عيونهم، يجتهدون لكي يعثروا لنا على بصمة في مسرح الجريمة، ولو بأثر رجعي. حتى يسارعوا إلى استعداء الدولة والقضاء ضدنا من جديد، ويجلسوا لكي يتفرجوا ويتسلوا شامتين بالأحكام القضائية المضحكة التي تصدر من بعد. ومنهم من سيذرف دمعة تضامنية معنا تشبه في شكلها دموع التماسيح. إن الإعلام عندما يتخلى عن دوره المقدس في الإخبار، بدون تزييف أو تضليل أو مغازلة لهذا الطرف أو ذاك، يصبح خطرا على المجتمع يجب فضحه ومواجهته، لأن أحد أهم ضحاياه عندما يتنكر لدوره تكون هي الحقيقة. ولهذا نقول لذلك «الزميل» في جريدة «الصباح» الذي اتهمنا بكوننا طردنا من سيدي إفني لأننا كنا نقوم بتحريض المواطنين على التظاهر من أجل فبركة الصور، وهي تهمة خطيرة تصل عقوبتها إلى السجن لسنوات، أننا غادرنا سيدي إفني لأن رجال الشرقي أضريس ورجال حميدو العنيكري منعونا من التقاط صور للجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها قواتهم هناك. لقد طردنا من سيدي إفني لأننا جئنا إليها لكي نلتقط تفاصيل الحدث ونصور الواقع كما هو، لا كما يفتيه رجال الاستعلامات على البعض في الهاتف لكي يكتبوه في الغد كما لو كان قرآنا منزلا. لقد طردنا من سيدي إفني لأننا أردنا أن نكون صحافيين مهنيين ننقل الخبر من مكانه بالكلمة والصورة، لا ببغاوات جالسة في أقفاصها تردد ما يكرره على مسامعها أسيادها. لهذه الأسباب طردتنا قوات الشرقي أضريس من سيدي إفني، وليس لأنهم ضبطونا ننظم المظاهرات الشعبية في الشارع العام، فالمظاهرات اندلعت قبل وصولنا إلى سيدي إفني ولم تنتظر وصولنا لكي نعطيها إشارة الانطلاق. والمتهم الذي يقف وراءها يعرف الجميع اسمه وملامحه. إنه الفقر والتهميش والحكرة. وهؤلاء هم المتهمون أنفسهم الذين وقفوا وراء انتفاضة أبناء صفرو قبل ستة أشهر. وإذا كان هناك في المخابرات وأجهزة الأمن من يبحث عن مشجب يعلق عليه ما وقع في سيدي إفني لكي يبرر وحشيته وساديته في التنكيل بأبناء وبنات سيدي إفني، فما عليه سوى أن يباشر عملية واسعة للبحث عن هؤلاء المتهمين الثلاثة، وحتما سيجد في أزقة المدينة وأحيائها من سيدله على مكان اختبائهم حيث يعششون منذ ثلاثين سنة. والواقع أننا لم نكن ننتظر من بعض «الزملاء» أن يعلنوا عن تضامنهم معنا بعد الاعتداء على صحافيين من أسرة تحريرنا في سيدي إفني على يد رجال الشرقي أضريس. فهذا شأنهم وهم أحرار في أن يتضامنوا مع من يريدون. خصوصا مع عمداء الأمن الذين أصبحوا فجأة في نظر هؤلاء الزملاء محتاجين إلى التضامن أكثر من المواطنين الذين يتعرضون للضرب على أيديهم. كما حدث عندما نشروا صورة عميد الأمن في الدارالبيضاء وهو يرفع يده في وجه امرأة تحمل رضيعها فوق ظهرها بعد أن أسقطها أرضا، وكتبوا في تعليق الصورة أن العميد يحاول أن يتجنب اعتداء المرأة. هل رأيتم في حياتكم امرأة تحمل رضيعا في ظهرها ملقاة على الأرض تعتدي على رجل أمن مسلح واقف على رجليه. من جانب «زملاء» على هذه الشاكلة لم نكن ننتظر أبدا أي كلمة تضامنية في ما وقع لصحافيينا في سيدي إفني. لكن أن يستبدلوا التضامن بإلصاق تهم ثقيلة بنا يمكن أن تعرضنا للمتابعة، فهذا ما يعتبر تحريضا واستعداء للدولة والقضاء ضدنا لا يمكن السكوت عليه. هناك اليوم رغبة واضحة في جر النقاش حول ما وقع في سيدي إفني إلى أماكن أخرى، حتى تتراجع الأسباب التي من أجلها خرج الناس إلى الشارع للاحتجاج إلى خلفية المشهد. لقد بدؤوا بتحويل الجزيرة وتسرعها في الحديث عن قتلى ضمن المتظاهرين إلى جوهر الإشكالية. ثم مروا إلى الادعاء بأن طرد «المساء» من سيدي إفني كان بسبب تحريض المواطنين على الاحتجاج من أجل فبركة الصور، حتى يحجب الجدل حول هذه الاتهامات الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها قوات الأمن ضد سكان سيدي إفني. لذلك فنحن واعون بهذه المسرحية الهزلية ذات الإخراج السيئ، والتي، للأسف الشديد، يشارك فيها بعض «الزملاء» ككومبارس. في الوقت الذي كان عليهم الوقوف إلى جانب الحقيقة، ولا شيء سوى الحقيقة. والمدهش في الأمر أن هؤلاء «الزملاء» بعد اتهامهم لنا بالتحريض على التظاهر وفبركة الصور، يؤاخذوننا علينا عدم مراعاتنا للظرفية التي تجتازها المدينة. وكأننا نحن من حطم أبواب البيوت وسرق ممتلكات الناس وضرب وأهان الشيوخ أمام أطفالهم والنساء أمام أزواجهن، وهدد البنات بالاغتصاب أمام إخوانهن. إذا كانت الصحافة في عرف هؤلاء «الزملاء» هي غض الطرف عن كل هذه الهمجية مراعاة للظرفية التي تعيشها المدينة، فليكن في علمهم أننا لا نملك الفهم نفسه لمهنة الصحافة. لأن الظرفية الوحيدة التي تراعيها الصحافة هي الحقيقة. الصحافة كما نؤمن بها هي نقل الوقائع والأخبار للرأي العام، وفضح التجاوزات والانتهاكات والشطط في استعمال السلطة. لا تزييف الأخبار والتعتيم على الوقائع وإيجاد مبررات لانتهاكات الطغاة من قوات الأمن وتقديمها للرأي العام كإنجاز حضاري يستحقون عليه الأوسمة عوض المثول أمام المحكمة لمحاسبتهم على كل هذه الفظاعات التي ارتكبوها في حق المواطنين. وحدها الأوقات الصعبة كفيلة بأن تظهر للرأي العام الصحافة التي تنقل إليه الواقع كما هو، وتقف إلى جانب قضاياه العادلة، من الصحافة التي تكذب عليه وتزين الوجه البشع للجلادين. ما أكثر الجرائد حين تعدها، لكنها في النائبات قليلُ... مع الاعتذار للشاعر على وضع الجرائد مكان الأصدقاء. فكم من قارئ كان يعتقد جريدته المفضلة صديقته الوفية، إلى أن اكتشف أنها كانت تخونه طيلة الوقت.