يطالب أحد المجرمين مصطفى بمبلغ شهري قد يصل إلى 1500 درهم أو 2000 درهم، وإلا اعتدى عليه، بل أكثر من هذا فقد حدث أن أمضى هذا المجرم أربعة أشهر سجنا و حين خرج من السجن طالبه بمبلغ 4000 درهم مقابل حراسته لا حديث بالشارع الفاسي إلا عن الجريمة وانعدام الأمن الذي تفشى بشكل جعل ساكنة بعض الأحياء تخرج في مسيرة سلمية مباشرة بعد صلاة الظهر من يوم الجمعة؛ في اتجاه شوارع المدينة، لولا تدخل الأمن الذي فرق المحتجين، الذين يندبون حظ هذه المدينة العريقة التي كانت منذ زمن قريب قبلة للعلماء وطلاب العلم، ورجال الدين، لتنتشر فيها اليوم بؤرة الإجرام وعصابات تجار المخدرات، واقع لم يتجرأ المسؤولون على الاعتراف به حسب تصريحات العديد من الفاسيين ممن التقتهم التجديد، لكنه دفع بعض الساكنة للبحث عن الحلول المناسبة للتخفيف منها، بداية بمسيرة الغضب العفوية ليصل صوت وتذمر المتضررين إلى السلطات المعنية بالرباط، و نهاية ببعض المساعدات اليائسة من قبل الساكنة لرجال الأمن، والمتمثلة في ذكر أسماء بعض المجرمين المعروفين الذين يشكلون خطرا في كل لحظة، رغبة في القبض عليهم لتقليل عدد الضحايا اللذين يعيشون الأمرين، مشكل العاهات التي يتركها المعتدون عليهم، ورد الفعل الباهت من قبل السلطات المعنية بفاس في التعامل مع قضية صارت الشغل الشاغل للناس في المقاهي، بالشارع، بالأزقة و الأحياء.. مصير مخيف لم تستطع سميحة، شابة جامعية في مقتبل العمر تقبل التشوه الظاهر على وجهها بسبب اعتراض شخصين -أحدهما من أصحاب السوابق- طريقها لامتطاء الحافلة التي ستقلها إلى الجامعة، تشوه جعل سميحة التي حلمت بمستقبل أفضل تتساءل عن مصيرها بعد إنهاء دراستها التي تتفانى فيها للحصول على وظيفة مرموقة، هل ستقبل بها أي شركة أو قطاع عام بهاته الوخزة وكأنها من ذوات السوابق؟. كان لا بد لنا أن نعيد ذاكرة سميحة لأسابيع مضت لكي تحكي لنا مرارة الحزن البادية على محاياها ومحيا أفراد عائلتها التي لاتزال تعيش وقع خبر تعرض ابنيتيهما لسرقة كادت أن تدبح إحداهما من خلالها. كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا، اجتمعت أربعة فتيات خوفا من المجهول الذي صار يؤرق كل أسرة من أحياء بنخياط، حي ,45 حي بنيس، الحي الحسني، لابيطا..، في اتجاه الحافلة، تم بعدها تأخذ كل واحدة منهن وجهتها، إلا أن الحظ السيئ كان حليفهن، فما أن ابتعدا عن الحي ببضع خطوات حتى تربص بهن شخصين يحملان السلاح الأبيض، حاولت الفتيات الهرب لكن دون جدوى، فقد نالت سميحة ضربة على مستوى الوجه بعد سرقة سلسلتها الذهبية ومحفظة يدها، في حين رمي الشخص الثاني بخديحة أخت سميحة، أرضا و ضربها بالسكين الذي يشبه السيف على مستوى كتفها محاولا ذبحها لولا تملصها منه، ولولا صراخ الفتاتين اللتين استنجدتا بسكان الحي المجاور لكان مصير أحدهما الموت.واقع يصلح أن تكون قصة خيالية عوض أن يعاش، لأن تداعياته المستقبلية أكبر من ذاك الدم الذي نزف على خد سميحة وأكبر من ضربة على الكتف، حيث الإحساس بالظلم و الرعب من المجهول كلما خطا أحد خطوة واحدة خارج بيته. هرب المعتديين لكن أبناء الحي تعرفوا عليهما، وبعد الاتصال برجال الأمن الذين قدموا لعين المكان لمعاينة الحادث، لجأت الضحيتين للمستشفى، سميحة أربعة عشرة غرزة على مستوى الوجه، وخديجة جرح غائر على مستوى الكتف، مأساة عائلية و مصاريف إضافية للعلاج لوالد الضحيتين الذي يشكر الله لأنه لم يفقدهما، ويبقى السؤال أين رجال الأمن؟ برود غير مفهوم استطاع أبناء الحي أن يتعرفوا على المعتديين، وأبلغ والد الضحيتين الشرطة بذلك، تم القبض على أحدهم ويلقب بولد عرورو مجرم ذي سوابق ولم يمر على خروجه من السجن إلا شهرا واحدا.و بالرغم من اعتراف ولد عرورو بالمعتدي الآخر إلا أن رجال الأمن تركوه يصول و يجول بالمنطقة بشكل عادي، ولم يتم القبض عليه إلا بعد احتجاج الساكنة يوم الاثنين الماضي، الشيء الذي حز في نفس عائلة الضحيتين وكذا سكان عين هارون الذين تذمروا بشكل ملاحظ من كل الذي صار يحدث بأحيائهم، ورغم أن الواقعة تابثة على أنها جناية إلا أن القضية حولت على المحكمة الابتدائية عوض محكمة الاستئناف. سخط جماعي باد على عدد كبير من ساكنة المناطق التي ذكرناها، واتهامات مباشرة بعدم قيام رجال الأمن بالواجب. يقول محمد صاحب دكان للبقالة بغضب، تعايشنا مع هذا الوضع السيئ في الليل وفي واضحة النهار، وصرنا ننتظر في كل حين أن يعترضنا أحدهم في واضحة النهار، في غياب أمن يحمينا. وبحرقة يضيف محمد ذي السادسة والخمسين من العمر، سبق أن توقف أمام دكاني شخصين ضربوني بالحجر في يدي وفي كتفي، بغية أن أخرج من الدكان ليسرق شخصان آخران رابضان في ركن مقابل للمحل ما لدي بالداخل، ولولا تدخل رجل كان يجلس بالمقهى التي لا تبعد عني إلا بضعة أمتار لا أعرف ما كان سيؤول إليه مصيري. واقع شل حركة العديد من الساكنة التي صارت تفضل البقاء في البيت على أن تخرج لتعود بعاهة أو لا تعود، لدرجة أن فتاة أطلت من نافدة بيتها الفوقي متسائلة كيف استطعت أن أتحرك هنا و هناك و محفظة يدي بيدي، دون خوف أو رعب أن يعترض سبيلي أحدهم، ضحكت للأمر لكنها نزلت بسرعة حين علمت أنني لست من فاس لتحدثني عن مجرمين صاروا يتصيدون أي فريسة ليل نهار دون أن يخيفهم الأمن أو أي سلطة أخرى وكأن البلد لهم، وضع جعل الناس تترحم على زمن التدخل السريع كرواتيا اللذين و بشهادة العديد من الساكنة كانوا يقومون بدوريات يومية على الأقدام أو بدراجاتهم النارية عكس الدوريات الموسمية الحالية، سيارات تظهر من بعيد للمجرمين وكأنها تحذرهم للهرب دون القبض عليهم . إتاوات الحي من قال أن زمن الإتاوات مضى، ففي فاس صار بعض المجرمين يفرضون على حراس الليل إتاوات شهرية وإلا اعتدوا عليهم، وحكاية مصطفى الذي يعول أبناءه الثلاثة من عمله كحارس ليلي خير دليل على اللاأمن. يطالب أحد المجرمين من ذوات السوابق مصطفى بمبلغ شهري قد يصل إلى 1500 درهم أو 2000 درهم، وإلا اعتدى عليه، بل أكثر من هذا فقد حدث أن أمضى هذا المجرم أربعة أشهر سجنا و حين خرج من السجن طالبه بمبلغ 4000 درهم مقابل حراسته وفي الوقت الذي امتنع مصطفى عن أداء هذا المبلغ لأنه لا يتوفر عليه، أرسل إليه أحد من توابعه ليضربه بسكين يشبه السيف على مستوى يده، تسبب في كسر يده بل يتطلب الأمر إجراء عملية جراحية داخلية. الغريب أن الضحية تعرف على المجرم، وحين أبلغ الشرطة طالبته بشهادة طبية، وحين طلب من الطبيب المعالج بمستشفى دار المهراز شهادة تبين مدة العجز، طالبه هذا الأخير بإجراء العملية الجراحية أولا، ثم بعدها يسلمه الشهادة.لم يفهم مصطفى قرار هذا الطبيب، الذي سيضيع حقه في القبض على المجرم، فالشرطة مصرة على شهادة العجز، وليس لديه المبلغ المالي الكافي لإجراء العملية، مأساة حقيقية لكنها واقع ثابت. اليوم لا يزال مصطفى يزاول عمله كحارس ليلي، ورغم الشجاعة التي يرسمها على محياه وهو يتحدث لالتجديد عن إمكانية تعرضه مرة أخرى للاعتداء من طرف الشخص ذاته، إلا أن الخوف من ضربة أخرى قد تشرد عائلته الصغيرة أمر وارد. نقط سوداء الغريب أن كل فرد من سكان الحي الحسني، حي بن دباب، حي الوفاق، حي ,45 لابيطا، بن زاكور، يعرفون أن هذه الأماكن صارت بؤرة لكل أنواع الإجرام، بيع المخدرات بكل أنواعها، القتل، الضرب المبرح، جبروت تعيشه المنطقة من طرف أشخاص معروفين لديهم لكن لا تصلهم أيادي الأمن لماذا: السؤال الذي يؤرق الجميع، حتى أصحاب سيارات الأجرة يخافون من تخطي هاته المناطق ولو بالنهار. وأكد العديد ممن التقتهم التجديد أن هناك بيوتا معروفة عبارة عن مخازن لجميع المسروقات من ذهب و مال و هواتف نقالة، يتكلف الفتة رئيس العصابة بالتصرف فيها بمعرفته سواء ببيعها لبائعي المجوهرات بالنسبة للذهب، أولمستودعات الهاتف العمومي بالنسبة للهواتف النقالة. والغريب أن نجد في هذه المدينة المتناقضة مراكز أمنية قريبة من بؤر المجرمين لكنها مقفلة عبارة عن بنايات فارغة، ومثل ذلك المركز المتواجد قرب ساحة 11 يناير، ومركز شرطة القرب بمنطقة بن دباب عين قادوس، هذا الأخير الذي لا يبعد عن البيوت المعروفة ببيع المخدرات إلا بضعة أمتار و التي عاينتها التجديد من بعيد بسبب وجود أشخاص يبدو من سحنتهم أنهم ذوو سوابق. فقدان الثقة بسبب الواقع المزري الذي تعيشه ساكنة كل هاته المناطق تعايشوا مع الإجرام و المجرمين وتقووا بسبب مشاهد الدم اليومية، وحدتهم مآسيهم المشتركة وقرروا أن يتصدوا لهؤلاء المجرمين مادام الأمن غافلا عن أمرهم.فقدوا الثقة في ممثليهم الذين غابوا عن المنطقة التي تحتاجهم اليوم، وفقدوا الثقة في عمدة المدينة الذي كرس نفسه لمشاريعه الخاصة، وتزيين شوارع المدينة الكبرى حسب العديد من التصريحات ممن التقتهم التجديد، حتى يظهر بصورة جميلة أمام المسؤولين الكبار.المدينة تحتاج لتكاتف الجهود، ولجرأة أكبر لكي تطهر من هذا الفساد التي تعيشه والذي يكون ضحيته للأسف أبناء الشعب البسطاء.